مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 83

(8)
جلسة 17 من نوفمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم فتح الله نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ محمد مجدى خليل ومحمد عبد الغنى حسن وعطية الله رسلان والدكتور فاروق عبد البر السيد المستشارين.

الطعن رقم 4276 لسنة 35 القضائية

موظف - تأديب - الواجبات الوظيفية والمخالفات التأديبية.
لا ينفى المسئولية التأديبية عن العامل القول بأنه لم يكن سيئ القصد وإن ما نسب إليه لم يصدر عن إرادة آثمة - لا يشترط لتحقق المسئولية عن المخالفات التأديبية أن يكون الفعل غير المشروع الذى ارتكبه العامل إيجاباً أو سلباً قد تم بسوء قصد أو أن يكون قد صدر عن ارادة آثمة - يكفى لتحقق مسئولية العامل أن يكون فيما آتاه أو امتنع عنه قد خرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته أو أتى عملاً من الأعمال المحظورة عليه قانونا، وذلك دون ما حاجة إلى ثبوت سوء القصد أو الإرادة الآثمة لديه - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 9 من أغسطس 1989 أودع الأستاذ/ فتحى رجب المحامى بصفته وكيلا عن/............ قلم كتاب هذه المحكمة تقرير الطعن الماثل الذى قيد بجدولها تحت رقم 4276 لسنة 35 ق، وذلك طعناً فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارتى الصحة والإسكان بجلسة 25/ 6/ 1979 فى الدعوى رقم 71 لسنة 28 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد كل من: 1 - ......... 2 - .......... 3 - ......... 4 - ......... ، والقاضى بمجازاة......... (الطاعن) بخصم شهرين من راتبه.
وقد طلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغائه والحكم ببراءة الطاعن مما نسب إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضدها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد تم إعلان الطعن للمطعون ضدها على النحو الثابت بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً برأيها القانونى ارتأت فيه - للأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بخصم شهرين من أجره وتوقيع الجزاء المناسب عليه.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 8/ 11/ 1989 حيث تدوول امامها بالجلسات على النحو الثابت بالمحاضر، وبجلسة 9/ 5/ 1990 قررت تلك الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة لنظره بجلسة 16/ 6/ 1990 فنظر بتلك الجلسة وما تلاها من الجلسات على النحو الثابت بالمحاضر، حتى قررت المحكمة بجلسة 20/ 10/ 1990 حجز الطعن للحكم بجلسة اليوم حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - فى أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى التأديبية رقم 71/ 28 ق أمام المحكمة التأديبية لوزارتى الصحة والإسكان بتقرير اتهام ضد كل من:
1) .......... أمين خزينة مستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية بالعجوزة من الدرجة الثالثة.
2) ........ مراجع حسابات المستشفى المذكور من الدرجة الثالثة.
3) ....... مراجع حسابات بذات المستشفى من الدرجة الثالثة.
4) ...... (الطاعن) مدير الحسابات السابق بالمستشفى المذكور. لأنهم خلال الفترة من عام 1979 حتى 1981 بالمستشفى سالف الذكر خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفى ولم يؤدوا العمل المنوط بهم وأتوا ما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة بأن:
الأول: قام بتحصيل قيمة الفواتير وأذون الصرف الخاصة بالمرضى الخصوصيين رغم علمه بتزويرها واشتراك مع الثانى والثالث فى الاستيلاء بغير حق على مبلغ (4502.230) تم تحصيله بالزيادة عن مستحقات العلاج الفعلية على النحو الموضح بالأوراق.
الثانى والثالث: قاما بمراجعة الفواتير وأذون الصرف المزورة، ووقعا بما يفيد ذلك واشتركا مع الأول فى الاستيلاء على المبلغ المشار إليه على النحو الموضح بالأوراق.
الرابع: 1) أهمل فى الإشراف على مرؤوسيه الأول والثانى والثالث مما أدى إلى ارتكابهم المخالفات المسندة إليهم.
2) كلف العامل/ .......... بتحرير فواتير المرضى الخصوصيين دون اختصاصه بذلك رغم كونه عاملاً باليومية، ولم يقم بالإشراف على أعماله مما سهل له تزوير هذه الفواتير والاستيلاء على المبلغ آنف الذكر بالاشتراك مع الأول والثانى والثالث على النحو الموضح بالأوراق.
وارتأت النيابة الإدارية محاكمتهم تأديبياً طبقاً لنصوص الاتهام المشار إليها بالتقرير الذى أرفقت به مذكرة بموضوعه.
وتدوولت الدعوى أمام المحكمة التأديبية على النحو الثابت بالأوراق حتى أصدرت بجلسة 25/ 6/ 1989 حكمها المطعون فيه، والذى قضت فيه بمجازاة الطاعن بخصم شهرين من راتبه.
وأقامت المحكمة ذلك القضاء على سند من أن الثابت بالأوراق والتحقيقات وحسبما انتهى إليه قضاؤها من مسئولية المتهمين من الأول إلى الثالث، بأن ذلك ينبئ عن خروج المتهم الرابع (الطاعن) على مقتضى الواجب الوظيفى بوصفه مديراً لحسابات المستشفى المذكور بأن أهمل فى الإشراف على مرؤوسيه المتهمين، الأمر الذى أدى إلى إطلاق أيديهم فى التزوير والسلب والاستيلاء على مال الغير دون محاسب أو مراجع لاعمالهم ووصل الحال إلى ما تردى إليه من إهمال لا حدود له فى محاسبة المرضى الخصوصيين وما أقر به المتهم الأول من أن إيصالات الخزينة كانت متداوله بينه وبين مساعده والمتهمين الثانى والثالث ليحرر كل منهم ما يشاء دون رقيب. كما إنه عن المخالفة الثانية المنسوبة إليه فإنها ثابتة فى حقه بإقراره بتكليف........ بتحرير الفواتير، وهو أمر ينم عن منتهى الإهمال والاستهتار بأن يكلف المذكور عامل يومية بالبوفيه بتحرير الفواتير، ثم يقرر أنه عمل سهل فإذا ما كان كذلك فكيف يتأتى له تكليف المذكور به دون أحد العاملين بالحسابات، الأمر الذى يمثل إهمالاً وإخلالاً بواجبات وظيفته.
ومن حيث إن الطاعن أقام طعنه الماثل على الحكم المطعون فيه على أسباب مجملها:
أولاً: مخالفة الحكم للقانون، وذلك لانعدام المأخذ على سلوك الطاعن وعدم وقوع أى إخلال بواجبات الوظيفة، بحسبان إشرافه على مرؤوسيه يكون من خلال مراجعة الدفاتر والسجلات والمستندات المرفقة بها، وفى التفتيش الذى أجرى على حسابات المستشفى والخزينة فى الفترة من 15/ 9/ 1980 حتى 6/ 11/ 1980 تقرر أن الحسابات سليمة من واقع الدفاتر، ومن ثم فإنه وبمعيار الرجل الحريص ما كان فى استطاعة الطاعن اكتشاف تزوير مستندات لا ترفق بالأوراق كما أن السلطة المختصة بالتعيين هى التى قامت بتعيين....... بالحسابات لكونه حاصلاً على بكالوريوس التجارة، وقيام الطاعن بإسناد عمل معين إليه لا عقاب عليه طالما أنه لم يثبت أنه استهدف غير الصالح العام، ولم ينسب الحكم المطعون فيه للطاعن وقائع محددة ارتكبها وتعتبر إخلالا بواجبات وظيفته ولكنه فقط وصفه بوصف عام مرسل (أهمل فى الإشراف على مرؤوسيه) وحاكمه عن وقائع ارتكبها آخرون ولا دخل له فيها وما كان فى استطاعته دفعها أو العلم بها، والثابت بالأوراق أن المتهمين المرؤوسين للطاعن كانوا يزورون إيصالات لا تعرض على المسئولين، كما أن المحكمة أخلت بحق الطاعن فى الدفاع عندما ضربت عرض الحائط بطلبه ضم ملف خدمة....... لبيان ظروف تعيينه وموقف الطاعن من هذا التعيين وهو دفاع يجوز أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى كما أخطأ الحكم عند وصفه......... بأنه عامل باليومية وهو أمر لا يستند إلى أى دليل من ملف الخدمة بل كان تعيينه من قبل سلطة التعيين بالحسابات.
ثانياً: إنه بافتراض صدور فعل خاطئ من الطاعن، فإن هذا الفعل لم يكن عن إرادة آثمة أو سوء قصد، فيكون الحكم قد جاء مخالفاً للقانون.
ثالثاً: عدم مشروعية العقوبة لمخالفتها لأحكام القانون على الوجه المتقدم، ولعدم ملاءمتها وتناسبها مع الذنب الإدارى المنسوب للطاعن على فرض ثبوته.
ومن حيث إن المحكمة تشير بادئ ذى بدء إلى التهمتين اللتين أسندتا للمتهم الطاعن واللتين تمت مجازاته عنهما بالحكم المطعون فيه هما أنه: 1) أهمل فى الإشراف على مرؤوسيه المتهمين الأول والثانى والثالث مما أدى إلى ارتكابهم المخالفات المسندة إليهم على الوجه السابق بيانه.
2) كلف العامل..... بتحرير فواتير المرضى الخصوصيين دون اختصاصه بذلك رغم كونه عاملاً باليومية، ولم يقم بالإشراف على أعماله مما سهل له تزوير هذه الفواتير والاستيلاء على المبلغ آنف الذكر بالاشتراك مع الأول والثانى والثالث.
ومن حيث إنه عن التهمة الأولى فإنه من الواضح أن مجازاة الطاعن كانت على الإهمال فى الإشراف الرقابى على مرؤوسيه، ولم يكن عن الأفعال التى نسبت لهؤلاء المرؤوسين على ما ذهب إليه الطاعن فى طعنه.
ومن حيث إن هذه المحكمة انتهت فى قضائها بحكمها الصادر بجلسة اليوم فى الطعن رقم 4529 لسنة 35 ق عليا المقام من المتهمين الثانى والثالث...... و....... إلى صحة ثبوت الاتهام المسند لهذين المتهمين وصحة الحكم الصادر بمجازاتهما عنه.
ومن حيث إن موجب ما انتهت إليه هذه المحكمة من مسئولية المتهمين الثانى والثالث عن الاتهام المسند إليهما لكونهما قاما بمراجعة الفواتير وأذون الصرف المزورة ووقعا بما يفيد ذلك برغم علمهما بالتزوير، واشتركا مع المتهم الأول فى الاستيلاء على المبلغ المحدد بالأوراق، أن الطاعن وهو رئيس المتهمين المذكورين والمكلف قانوناً بمتابعة أعمالهما والرقابة على تصرفاتها وسلوكهما الوظيفى - قد أهمل فى الإشراف والرقابة على هذين الموظفين الأمر الذى أدى إلى إطلاق أيديهما فى اعتماد تلك الأوراق رغم علمهما بتزويرها وفى السلب والاستيلاء على المبلغ السالف الذكر دون مشرف أو رقيب واع على تصرفاتهما حتى وصل الأمر إلى حال سيئ من الإهمال فى محاسبة المرضى الخصوصيين حتى أن المتهم الأول أقر بأن إيصالات الخزينة كانت متداولة بينه وبين مساعده والمتهمين الثانى والثالث ليحرر كل منهم ما يشاء دون رقيب.
ومن حيث إنه لا تصح المحاجة - نفياً للمسئولية عن الطاعن - بالقول بأنه لم يكن سيئ القصد وأن ما نسب إليه لم يصدر عن إرادة آثمة، ذلك أنه لا يشترط لتحقق المسئولية عن المخالفات التأديبية أن يكون الفعل غير المشروع الذى ارتكبه العامل - إيجابا أو سلبا - قد تم بسوء قصد أو صدر عن إرادة آثمة، وإنما يكفى لتحقق هذه المسئولية أن يكون العامل - فيما آتاه أو امتنع عنه - قد خرج على مقتضى الواجب فى أعمال وظيفته، أو أتى عملاً من الأعمال المحظورة عليه قانوناً دون حاجة إلى ثبوت سوء القصد أو الإرادة الآثمة لديه.
ومن حيث إنه عن التهمة الثانية، فإنه أياً كان الرأى حول موقع العمل الذى حدد للمدعو........ فإن إهمال المتهم الطاعن فى الاشراف على العمل الذى أسنده إليه وهو تحرير فواتير المرضى الخصوصيين - وهو الأمر الثابت من واقع الأوراق والتحقيقات - يكون بذاته المخالفة الثانية المسندة إليه، إذ الثابت فى حق الطاعن أنه أهمل فى الرقابة والإشراف على أعمال ذلك العامل مما سهل له تزوير الفواتير والاستيلاء على المبلغ آنف البيان بالاشتراك مع المتهمين الأول والثانى والثالث.
ومن حيث إنه تلقاء ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب صحيح حكم القانون فيما انتهى إليه من مسئولية الطاعن عن التهمتين سالفتى الذكر، وإذ لا ترى المحكمة فى الجزاء المحكوم به أى غلو أو اختلال فى التناسب فإن الطعن الماثل يكون قد جاء على غير سند متعين الرفض.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا.