مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 127

(14)
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ محمد أمين العباسى المهدى ومحمود عبد المنعم موافى وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.

الطعن رقم 1538 لسنة 32 القضائية

ملكية - أملاك الدولة العامة والخاصة - إزالة التعدى عليها بالطريق الإدارى - الأثر المترتب على تنفيذ مشروع ذى نفع عام فى منطقة أخرى.
المادة 970 من القانونى المدنى.
إذا صدر قرار بنزع ملكية أرض للمنفعة العامه لإقامة مشروع للمياه، ولم ينفذ على تلك الأرض وتم تنفيذه فى مكان آخر - بقاء واضع اليد فى هذه الأرض وممارسته لحقوقه ينفى عنه وصف الغاصب لأملاك الدولة - منازعة جهة الإدارة لواضع اليد هى منازعة فى الملكية ولا يجوز لها استعمال السلطة المخولة لها بالمادة 970 من القانون المدنى - يجب على الإدارة اللجوء إلى المحكمة المختصة لاستصدار حكم بملكيتها لهذه الارض - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الاثنين الموافق 31 من مارس سنة 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن محافظ كفر الشيخ ورئيس مركز بيلا بصفتيهما قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1538 لسنة 32 القضائية عليا، ضد محمد يوسف الكدن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 30/ 1/ 1986 فى الدعوى رقم 1916 لسنة 39 ق الذى قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام جهة الإدارة المصروفات، وطلب الطاعنان - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - أن تأمر دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الادارية لتقضى بقبوله شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى ارتأت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فأمرت بإحالته إلى هذه المحكمة وعينت لنظره أمامها جلسة 13/ 10/ 1990 وتداولت المحكمة نظره على النحو الثابت بالمحضر واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوى الشأن وقررت إصدار الحكم فيه بجلسة 10/ 11/ 1990، ثم قررت مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة 24/ 11/ 1990 وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراقها - تتحصل فى أنه بتاريخ 16/ 1/ 1985 أقام السيد/ محمد يوسف الكدن الدعوى رقم 1916 لسنة 36 ق أمام محكمة القضاء الإدارى ضد محافظ كفر الشيخ ورئيس مركز مدينة بيلا بصفتيهما، وطلب فى ختام صحيفتها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس مركز بيلا رقم 599 لسنة 1984 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية والمصروفات وقال بياناً لدعواه أنه يتملك قطعة أرض مبنية بمدينة بيلا مساحتها أربعة قراريط ونصف تقع على شارع عبد المنعم رياض بجوار المدرسة الثانوية الزراعية وحدها الشرقى شارع نهضة مصر، وبتاريخ 24/ 12/ 1984 فوجئ برجال الوحدة المحلية يقومون بتسوير تلك القطعة تنفيذاً لقرار رئيس مركز ومدينة بيلا رقم 599 لسنة 1984 بازالة تعدى المدعى على الأرض المذكورة باعتبارها ملكاً للدولة، وأنه اعترض على استيلاء الحكومة على الأرض وحرر محضر لدى الشرطة أثبت فيه مهندس الوحدة المحلية وجود عشتين مبنيتين على تلك القطعة، وأن تلك المساحة تم نزع ملكيتها لإقامة مشروع مياه بيلا رقم 2739 لسنة 1931 وتم صرف التعويض فى حينه إلى المواطن أحمد يوسف السمنودى، وفقاً لما جاء بكتاب المساحة بكفر الشيخ رقم 4615 فى 4/ 10/ 1984 وقدم المدعى عقد شراء تلك القطعة ضمن مساحة ستة قراريط وأربعة أسهم من ورثة المرحوم أحمد يوسف السمنودى بتاريخ 10/ 3/ 1944 ونص فى العقد على أن مورث البائعين تملك الأرض بوضع اليد والشراء من الخواجة جون هندرسون، كما حول البائعون إلى المدعى عقد إيجار الأرض المبيعة السارى من أول يناير سنة 1944 ومؤشر عليه من مأمورية الضرائب مما يجعله ثابت التاريخ، كما قدم المدعى عقود إيجار تلك الأرض المتتالية بما عليها من مبان تستعمل لحفظ الدواب نظراً لقربها من سوق المواشى وسكن من يستأجرها، وهى عقود ثابتة التاريخ بمكتب توثيق بيلا فى 9/ 1/ 1967 و11/ 3/ 1973 و3/ 10/ 1981 وأن عوائد الأملاك ربطت على الأرض باسمه وحددت بالملك رقم/ 10 شارع مزلقان الطيارة. كما قدم المدعى قسائم الضرائب العقارية بتاريخ 9/ 12/ 1984 واستخراج كشفاً رسمياً من سجلات مصلحة الضرائب العقارية باسم المدعى من سنة 1981 وأنها مسورة وبها حجرتين وتستعمل وكالة للمواشى، وأن مديرية المساحة بكفر الشيخ عادت فقررت فى 22/ 12/ 1984 أنه ببحث سجلات نزع الملكية تبين صرف مبلغ (4 جنيه و215 مليم) قيمة أتعاب مصاريف الخبير المنتدب من رئاسة محكمة المنصورة لمعاينة وتثمين الأرض، أما بخصوص صرف تعويضات نزع الملكية فلم يستدل عليه بالفهرست الخاص بنزع الملكية وجارى الاتصال بمديرية المساحة بالمنصورة وهى الجهة التى كان المشروع يتبعها فى ذلك الحين، وأن النيابة العامة قررت إفهام الطرفين بالالتجاء إلى القضاء المدنى، وأن مورث البائعين كان يمتلك الأرض فى سنة 1931 ووضع هو يده عليها منذ سنة 1944، وبذلك تبلغ مدة وضع يده وسلفه أكثر من 28 عاماً تالية للشروع فى نزع الملكية عام 1931 فلا ينطبق فى حقه القانون 39 لسنة 1959 بعدم تملك أموال الدولة بالتقادم، وأنه لا يصح استناد القرار المطعون فيه إلى القانون رقم 577 لسنة 1954 الخاص بنزع الملكية لأنه يصدر بعد سنين عديدة من الشروع فى نزع ملكية الأرض، حيث كان القانون السارى هو الصادر سنة 1907 ولم تكن ملكية العقار تنتقل إلى الدولة إلا بنشر الأمر العالى الصادر بنزع الملكية للمنفعه العامة فى الجريدة الرسمية، وقد ثبت لمجلس المدينة حين أصدر قراره المطعون فيه أن العقار مكلف باسم المدعى وأنه هو الذى يقوم بسداد العوائد ورسم النظافة مما يعد إقرارا بملكيته، وأن المياه دخلت مدينة بيلا بشبكة تمت منذ سنين وانتفت الحاجة إلى المشروع الذى كان مقترحاً بما يزيد على اثنين وخمسين سنة مما تنتفى معه كافة الشواهد والدلائل التى يمكن اتخاذها سند للقرار المطعون فيه.
وأجابت جهة الإدارة على الدعوى بمذكرة حاصل ما جاء بها أن أرض النزاع نزعت ملكيتها بالمرسوم الملكى الصادر سنة 1931 طبقاً لأحكام القانون رقم 5 لسنة 1907 وأصبحت مخصصة للمنفعة العامة، ولا يجوز تملكها بوضع اليد المدة الطويلة، وأنها لا تفقد هذه الصفة إلا إذا زال تخصيصها للمنفعة العامة، وأنه عند رفع المساحة لمدينة بيلا سنة 1960 وقعت هذه الأرض على الخريطة بالقطعة رقم 28 ولما لم ينفذ المشروع قامت الوحدة المحلية بتسليم الأرض إلى قسم الأملاك لتحويلها إلى أملاك خاصة، وأنه بافتراض أن المدعى اشترى الأرض عام 1944 وظل حائزاً لها حتى تاريخ صدور القانون رقم 147 لسنة 1957 فإنه لم يكمل حتى هذا تاريخ مدة الخمسة عشر عاماً التى كانت تكفى لكسب ملكية أموال الدولة الخاصة بالتقادم، وأن القرار المطعون فيه صدر بالتطبيق لنص المادة 970 مدنى ولقرار التفويض الصادر من المحافظ والمادة 26 من قانون الحكم المحلى وأن ملكية الدولة ثابتة من الخريطة المساحية سنة 1960 ومن ثبوت تقدير أتعاب الخبير فيكون القرار المطعون فيه صحيحاً.
وبجلسة 30/ 1/ 1986 أصدرت المحكمة حكمها محل هذا الطعن على أسباب محصلها أن ثمة مرسوما صدر فى سنة 1931 بنزع ملكية أرض النزاع لإقامة مشروع مياه بيلا، واتخذت جميع إجراءات نزع الملكية إلا أنه لم يثبت أن هذا المشروع تم تنفيذه أو أن الجهة نازعة الملكية وضعت يدها على العقار منذ تاريخ صدور المرسوم حتى الآن، ورغم مرور ما يزيد على خمسين سنة، مما يستفاد منه حتماً أن الجهة نازعة الملكية لم تكن فى حاجة إلى الأرض المنزوعة ملكيتها، ومن ثم فيكون القرار الصادر بنزع الملكية للمنفعة العامة قد ولد معدوماً لفقدانه ركن الغاية، ويعتبر فى مرتبة العمل المادى المعدوم الأثر ولا تلحقه حصانة ويجوز الطعن فيه فى أى وقت، وأنه لما كان السبب الذى بنى عليه القرار المطعون فيه بإزالة تعدى المدعى على أرض النزاع هو اعتبارها من أملاك الدولة بموجب هذا المرسوم الملكى، فإنه يكون قد قام على سبب مخالف للقانون مما يتوافر معه ركن الجدية فضلاً عن ركن الاستعجال فى طلب وقف تنفيذه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل مخالفة الحكم المطعون فيه القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله بمقولة أن الدعوى الماثلة وأن كانت لا تعد طعناً فى المرسوم الملكى الصادر سنة 1931 بنزع ملكية أرض النزاع للمنفعة العامة إلا أن مقتضى الحكم فى دعوى الإلغاء التعرض له والمساس به وبالمراكز القانونية المترتبة عليه، وهو ما يخرج عن ولاية مجلس الدولة فى التعرض للقرارات السابقة على إنشائه مما يتعين معه التسليم به وبآثاره فى نقل ملكية أرض النزاع إلى الدومين العام للدولة ثم قيام جهة الإدارة بنقلها إلى الدومين الخاص وأنه لا يجوز تملك أملاك الدولة العامة والخاصة بالتقادم مهما طالت مدته وأن المدعى لم تكتمل له المدة اللازمة لكسب الملكية قبل صدور القانون رقم 147 لسنة 1957.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن سلطة جهة الإدارة فى إزالة التعدى على أملاكها بالطريق الإدارى المخولة لها بمقتضى المادة 970 من القانون المدنى، مناط مشروعيتها وقوع اعتداء ظاهر على ملك الدولة أو محاولة غصبه، ولا يتأتى ذلك إلا إذا تجرد واضع اليد من أى سند قانونى لوضع يده أما إذا استند واضع اليد إلى ادعاء بحق ما على عقار له ما يبرره من مستندات تؤيد فى ظاهرها ما يدعيه من حق على هذا العقار أو كانت الحالة الظاهرة تدل على جدية ما يدعيه لنفسه من مركز قانونى بالنسبة إلى العقار، انتفت حالة الغصب أو الاعتداء الموجبة لاستعمال جهة الادارة لسلطتها فى إزالته بالطريق الإدارى، فلا يحق لها أن تلجأ إليها، إذ أنها فى هذه الحالة لا تكون بصدد دفع اعتداء أو إزالة غصب عن أملاك الدولة وإنما تكون فى معرض انتزاع ما تدعيه هى منفردة من حق فى محل النزاع بطريق التنفيذ المباشر وهو أمر غير جائز قانوناً بحسب الأصل الذى يجعل الفصل فى المنازعات معقوداً للسلطة القضائية المختصة، بحكم ولايتها الدستورية والقانونية فى حماية الحقوق العامة والخاصة للمواطنين وإقامة العدالة وتأكيد سيادة القانون.
ومن حيث إن البادى من ظاهر أوراق ومستندات الطرفين فيها أنه ولئن صدر عام 1931 مرسوم ملكى بنزع ملكية قطعة الأرض محل النزاع للمنفعة العامة لإقامة مشروع مياه بناحية بيلا رقم 2739 عليها، إلا أن هذا المشروع لم ينفذ على الأرض المذكورة ونفذ فى مكان آخر، وكانت الأرض آنذاك كما ينص عليه المرسوم الملكى بنزع الملكية باسم الخواجة امبراوز هندرسون وضع يد أحمد يوسف السمنودى من رعايا الحكومة المحلية ويقيم بناحية بيلا، وخلت الأوراق مما يثبت دفع تعويض نزع الملكية سواء للمالك أو لواضع اليد، كما أن الثابت من مستندات المدعى أنه بموجب عقد بيع ابتدائى مؤرخ 10/ 3/ 1944 باع ورثة المرحوم أحمد يوسف السمنودى تلك المساحة إلى المدعى، وحولوا إليه عقد إيجارها ومنذ هذا التاريخ وهو يضع يده عليها، ويقوم بتأجيرها إلى الغير بعقود إيجار قدم صورها ضمن حافظة مستنداته، كذلك انطوت هذه الحافظة على ما يثبت قيام المدعى بسداد عوائد المبانى ورسم النظافة وضريبة الأرض الفضاء عن هذه القطعة، كما قدم مستنداً رسمياً مؤرخاً 22/ 1/ 1986 عن كشف طوى مستخرج من مأمورية الضرائب العقارية ببيلا ثابت فيه أن الأرض مكلفة باسم الخواجة امبراوز جون هندرسون أى أنها ليست مكلفة باسم الحكومة، وهذه المستندات فى مجموعها تجعل لوضع يده سنداً قانونياً ينفى عنه حالة التعدى والغصب لاملاك الدولة، ويضحى الأمر على هذا النحو منازعة بين الطرفين فى ملكية الأرض فلا يحق لجهة الإدارة أن تستعمل السلطة المخولة لها بمقتضى المادة 970 مدنى لانتزاع ما تدعيه من حق منفردة فى موضوع النزاع وبطريق التنفيذ المباشر إنما عليها نزولاً على الشرعية وسيادة القانون اللجوء إلى المحكمة المختصة لاستصدار حكم بملكيتها لهذه الأرض مما يتوافر معه ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فضلا عن توافر ركن الاستعجال فيه، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى ذلك فإنه يكون صائباً فى النتيجة التى انتهى إليها مما يتعين معه القضاء برفض الطعن وإلزام جهة الادارة المصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا وألزمت الطاعنين المصروفات.