مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 134

(15)
جلسة 24 من نوفمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد أمين العباسى المهدى وإسماعيل عبد الحميد ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.

الطعن رقم 761 لسنة 33 القضائية

إصلاح زراعى - لجان الفصل فى المنازعات الزراعية - الإخلال بالتزام جوهرى (قرار إدارى) المادة 35 من القانون 52 لسنة 1966 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى.
القاعدة التى تحظر على المؤجر طلب إخلاء الأطيان المؤجرة إلا إذا أخل المستأجر بالتزام جوهرى يقضى به القانون أو العقد، وببطلان أى اتفاق بالمخالفة لذلك - هذه القاعدة تنطبق بشأن الأراضى الزراعية المملوكة ملكية خاصة للدولة أو للأفراد - لا تنطبق هذه القاعدة على الأراضى المعتبرة قانونا من أملاك الدولة العامة. مثال ذلك: قطعة أرض مستأجرة من مصلحة الأملاك الأميرية صدر قرار بتخصيصها لمشروع ذى نفع عام هو إنشاء محطة معالجة مياه الصرف الصحى - والأثر المترتب على ذلك: صيرورة وضع اليد على هذه الأرض مجرداً من أى سند قانونى - لجهة الإدارة إزالة وضع اليد بالطريق الادارى - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 29 من يناير سنة 1987 أودعت هيئة قضايا الدولة نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 761/ 33 القضائية عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 4/ 12/ 1986 فى الدعوى رقم 1726/ 45 ق المقامة من المطعون ضده ضد الطاعنين الذى قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. وطلب الطاعنون - للاسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض طلب وقف التنفيذ، وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى ارتأت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى موضوعه بالرفض وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعرض الطعن على دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى هذه المحكمة وعينت لنظره امامها جلسة 9/ 6/ 1990 وتداولت المحكمة نظره على النحو المبين بمحاضر الجلسات واستمعت إلى ما رأت لزوم سماعه من ملاحظات ذوى الشأن وقررت اصدار الحكم فيه بجلسة 3/ 11/ 1990 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 24/ 11/ 1990 وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراقها تخلص فى أنه بتاريخ 22/ 1/ 1986 أقام السيد/ عبد الحميد بدوى حسنين الدعوى رقم 1726/ 40 ق أمام محكمة القضاء الإدارى ضد الطاعنين وطلب فى ختام صحيفتها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس حى حلوان رقم (9) الصادر بتاريخ 30/ 11/ 1985 وقال فى شرحها أنه بموجب عقد إيجار محرر فى 27/ 3/ 1939 استأجر مورثه المرحوم/ بدوى حسنين قطعة أرض قابلة للزراعة بناحية المعصرة قسم حلوان رقم 1329 بمساحة فدانين بإيجار سنوى قدره جنيهاً واحد للفدان، وقام مورثه بزراعتها وتكبد أموالاً طائله فى ريها نظراً لبعدها عن مصادر المياه وزرعها بالنخيل والأشجار، وباتت مورد الرزق الوحيد للأسرة وأنه نما إلى علمه صدور القرار المطعون فيه بإزالة ما عليها من أشجار ومزروعات ومبان، وذلك لتخصيصها للجهاز التنفيذى للمشروعات المشتركة لإنشاء محطة معالجة المجارى بحلوان، ونعى على القرار المطعون فيه مخالفته القانون لما فيه من إخلال بعقد الإيجار وإساءة استعمال السلطة لوجود أرض أخرى غير قابلة للزراعة يمكن إقامة المشروع عليها.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بإيداع صورة القرار المطعون فيه وصورة من محضر تنفيذه وصورة من القرار رقم 82 لسنة 1985 بتخصيص أرض النزاع لإقامة مشروع معالجة مياه المجارى، وصورة من قرار المجلس التنفيذى بالمحافظة بذات الخصوص. وبجلسة 4/ 12/ 1986 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها محل هذا الطعن على أسباب محصلها أن الثابت من الأوراق أن المدعى يحوز أرض النزاع بموجب عقد إيجار مؤرخ 1939 بين مورثه والجهة الإدارية، فلا يجوز رفع حيازته بالطريق الإدارى، وأن هذا العقد يمتد طبقاً لنص المادة 35 من القانون رقم 52 لسنة 1966 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بشأن الإصلاح الزراعى مما يتوافر معه ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ، كما يتوافر فيه ركن الاستعجال بحسبان أن تنفيذ القرار المطعون فيه يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها هى حرمان المدعى من استغلال الأرض مصدر رزق.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم الطعين القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله استناداً إلى أن البند 13 من عقد الإيجار ينص على أنه إذا لزم كل أو بعض الأرض المؤجرة لغرض منفعة عامة أو لمنفعة خاصة بالمصلحة يعتبر هذا العقد ملغياً بدون لزوم لاتخاذ اجراءات قضائية، وإذ صدر القرار بتخصيص الأرض لإقامة محطة مياه المجارى وهو مشروع ذو نفع عام فإن العقد يعتبر ملغياً، ولا وجه للاحتجاج بنص المادة 35 من القانون رقم 52 لسنة 1966 المشار إليه لأن العقد ألغى فعلاً للزوم الأرض لمشروع ذى نفع عام وأن المادة 35 مكرراً من هذا القانون أجازت للهيئة العامة للإصلاح الزراعى إلغاء عقود الإيجار إذا لزمت الأرض لمشروع ذى نفع عام، وهو ما يماثل الحالة المعروضة مما يغدو معه القرار المطعون فيه ولا مطعن عليه.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد اضطرد على أن طلب وقف التنفيذ يقوم على ركنين الأول ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، والثانى ركن الجدية وهو يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون ادعاء الطالب فى هذا الشأن سواء من حيث الواقع أو القانون قائماً بحسب الظاهر على أسباب جدية يترجح معها إلغاء القرار - Paroit possible l'annulation - أى أن يكون طلبه الذى يدعى به بحسب الظاهر الثابت محتمل الكسب قانوناً.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن قضاء المحكمة جرى باستقرار على أن سلطة جهة الإدارة فى إزالة التعدى على أملاكها بالطريق الإدارى المخولة لها بمقتضى المادة 970 من القانون المدنى مناط مشروعيتها وقوع اعتداء ظاهر على ملك الدولة أو محاولة غصبه، ولا يتأتى ذلك إلا بثبوت تجرد واضع اليد من أى سند قانونى ظاهر يبرر وضع يده، أما إذا استند واضع اليد إلى ادعاء بحق ما على العقار بحيث يكون لهذا الادعاء ما يبرره من مستندات تؤيد فى ظاهرها الحق الذى يدعيه أو إذا كانت الحالة الظاهرة تدل على جدية ما ينسبه إلى نفسه من مركز قانونى بالنسبة إلى العقار انتفت حالة الغصب أو الاعتداء على ملك الدولة الموجبة لاستعمال جهة الإدارة لسلطتها فى إزالته بالطريق الإدارى فلا يحق لها أن تلجأ إلى هذه السلطة إذ أن جهة الإدارة فى هذه الحالة لا تكون بصدد دفع اعتداء أو إزالة غصب عن أملاك الدولة، وإنما تكون فى معرض انتزاع ما تدعيه هى من حق فى محل النزاع وهو أمر غير جائز قانوناً بحسب الأصل الذى يجعل الفصل فى المنازعات معقوداً للسلطة القضائية المختصة بحكم ولايتها الدستورية والقانونية فى إقامة العدالة وحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة للمواطنين وتأكيد سيادة القانون.
وومن حيث إنه يبين من ظاهر الأوراق ودون مساس بطلب إلغاء القرار المطعون فيه أنه بموجب عقد ايجار مؤرخ عام 1937 استأجر مورث المدعى من مصلحة الأملاك الأميرية الأرض محل النزاع الكائنة بناحية المعصرة بحلوان وبتاريخ 28/ 3/ 1985 صدر قرار محافظ القاهرة رقم 82 لسنة 1985 بتخصيص قطعة الأرض المذكورة للجهاز التنفيذى للمشروعات المشتركة بوزارة التعمير لإنشاء محطة معالجة مياه المجارى لمشروع شبكة المجارى بمنطقة عزبة كامل صدقى بحلوان، وبتاريخ 3/ 11/ 1985 أصدر رئيس حى حلوان قراره رقم 9 بإزالة تعدى المدعى على الأرض المذكورة بالطريق الإدارى وهو القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه على هذا النحو يستمد القرار المطعون فيه مشروعيته من قرار محافظ القاهرة رقم 82 لسنة 1985 بتخصيص قطعة الأرض لمشروع ذى نفع عام. وإذ صدر هذا القرار حسبما هو ظاهر من ديباجته بعد موافقة الإدراة العامة للتخطيط العمرانى بكتابها المؤرخ 10/ 3/ 1985 فإنه يكون صدر صحيحاً ممن يملكه، ومن مقتضاه ولازمه خروج الأرض محل النزاع من دائرة الملكية الخاصة للدولة إلى دائرة الملكية العامة نتيجة تخصيصها لمشروع ذى نفع عام مما يترتب عليه انتهاء العلاقة الايجارية بين المدعى ومصلحة الأملاك الأميرية، وهو ما يقضى به صريح نص البند 13 من شروط عقد الايجار من أنه يعتبر ملغياً من تلقاء نفسه وبدون لزوم لاتخاذ إجراءات قضائية إذا لزم كل أو بعض الأرض المؤجرة لغرض منفعة عامة، ولا يغير من ذلك ما يقضى به نص المادة 35 من القانون رقم 52 لسنة 1966 بتعديل بعض أحكام للمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالإصلاح الزراعى من أنه "لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء الأطيان المؤجرة ولو عند انتهاء المدة المتفق عليها فى العقد إلا إذا أخل المستأجر بأى التزام جوهرى يقضى به القانون أو العقد.... ويقع باطلاً كل اتفاق يتضمنه العقد يخالف الأحكام المنصوص عليها فى هذا القانون..." ذلك أن حكم هذا النص إنما يخاطب الأراضى الزراعية المملوكة ملكية خاصة سواء للدولة أم للافراد، فلا ينصرف حكمه إلى الأراضى المعتبرة قانوناً شرعاً من أملاك الدولة العامة مثل الأرض موضوع النزاع أثر تخصيصها بقرار صحيح لمشروع ذى نفع عام مما يضحى معه وضع يد المدعى على هذه الأرض مجرداً من أى سند قانونى ومتى استبان ذلك فإنه ينتفى ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى غير هذا النظر فإنه يكون خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله مما يتعين معه القضاء بالغائه وبرفض طلب وقف التنفيذ وإلزام المدعى مصروفاته.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف التنفيذ وألزمت المطعون ضده المصروفات.