مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - 162

(18)
جلسة 25 من نوفمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فؤاد عبد العزيز عبد الله رجب نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ حسن حسنين على حسنين ومحمد يسرى زين العابدين عبد الله والطنطاوى محمد الطنطاوى وفريد نزيه حكيم تناغو المستشارين.

الطعن رقم 3214 لسنة 33 القضائية

تعويض - إلغاء قرار التخطى فى الترقية بالاختيار كاف لجبر الضرر - (مسؤولية) (موظف).
مسئولية الإدارة عن قراراتها المعيبة - وجوب توافر أركانها من خطأ وضرر وعلاقة سببية حتى يقضى بالتعويض - الأصل فى التعويض أن يكون تعويضاً نقدياً - التعويض بمعناه الواسع أما أن يكون تعويضاً عينياً وهو التنفيذ العينى وأما أن يكون تعويضاً بمقابل - التعويض بمقابل أما أن يكون تعويضاً غير نقدى أو تعويضاً نقدياً - إذا كان التعويض العينى يكفى لجبر كافة الأضرار المترتبة على قرار التخطى فى الترقية فلا محل بعد ذلك للقضاء بتعويض نقدى - صدور حكم بإلغاء قرار التخطى فى الترقية وتنفيذ الحكم تنفيذاً كاملاً صحيحاً بترقية الطاعن إلى الوظيفة المتخطى فى الترقية إليها من التاريخ الذى كان يجب ترقيته فيه وتسوية حالته أقدمية ومرتب وغيره بما لا ينتقص من حقوقه - القضاء الإدارى وهو يقضى بكفاية التعويض العينى بالغاء قرار التخطى لجبر الضرر فإنما يجرى موازنة عادلة بين مسئولية الإدارة وهى بصدد ممارسة الاختيار التقديرى فى الترقية بالاختيار وبين حقوق العاملين الذين أصابهم ضرر من جراء خطأ الإدارة التقديرى تم جبره عيناً بتسوية كافة حقوقهم الوظيفية - التعويض العينى فى هذه الحالة كاف بما لا محل معه للقضاء بتعويض نقدى يؤدى إلى ازدواج فى التعويض - القول بغير ذلك مدعاة لتقييد الإدارة وتهيبها عند ممارسة سلطتها التقديرية فى مجال الترقية بالاختيار - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الثلاثاء الموافق 14/ 7/ 1987 أودع الأستاذ/ أحمد السيد صالح المحامى بصفته وكيلاً عن السيد/ إبراهيم محمد بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بجلسة 28/ 6/ 1987 فى الدعوى رقم 1468 لسنة 39 قضائية والقاضى برفض الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات. وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن الحكم بقبول طعنه شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهما بصفتيهما متضامنين بأن يدفعا للطاعن مبلغاً وقدره ستون ألف جنيه تعويضاً عن الضرر الذى أصابه بسبب القرارات الإدارية رقم 101/ 1972 ورقم 6/ 1973 ورقم 92/ 1982 مع إلزام المطعون ضدهما بالمصاريف.
وقدم مفوض الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضدهما مناصفة بأن يدفعا للطاعن مبلغاً من المال تقدره المحكمة مع إلزامهما بالمصروفات.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون الطعن وقررت إحالته إلى هذه المحكمة التى حضر بجلساتها الطاعن وقدم مذكرة بدفاعه صمم فيها على طلباته بالتعويض كما قدم حافظة مستندات وحضر محامى هيئة قضايا الدولة وقدم مذكرة بدفاعه عن السيد وزير البترول والثروة المعدنية طلب فى ختامها الحكم برفض الطعن، كما حضر محامى الهيئة المصرية العامة للبترول وقدم مذكرة بدفاعه طلب فى ختامها الحكم برفض الطعن كما قدم حافظة بمستنداته وقررت المحكمة اصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على منطوقه وأسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتخلص فى أنه بتاريخ 20/ 12/ 1984 أقام المدعى (الطاعن) هذه الدعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بالصحيفة المودعة بقلم كتابها والتى طلب فى ختامها الحكم بإلزام المدعى عليهما (المطعون ضدهما) بأن يدفعا له تعويضاً مقداره ستون ألف جنيه على سند من القول بأنه تخرج فى كلية التجارة جامعة القاهرة عام 1951 والتحق بالمؤسسة المصرية العامة للبترول بتاريخ 25/ 11/ 1958 وضمت له مدة خبرته السابقة فأرجعت أقدميته إلى 13/ 1/ 1953 وتدرج بالترقيات حتى بلغ وظيفة محاسب ممتاز الفئة الثالثة فى 31/ 12/ 1967 إلا أن الجهة الإدارية دأبت على تخطيه فى جميع حركات الترقيات التى أجرتها ذلك الحين دون سند من القانون مما حدا به إلى الالتجاء إلى القضاء لأنصافه فأقام الدعوى رقم 828 لسنة 27 القضائية أمام محكمة القضاء الإدارى مختصماً الهيئة المصرية العامة للبترول طالباً الحكم بإلغاء القرار رقم 101 لسنة 1972 الصادر فى 25/ 12/ 1972 والقرار رقم 6 لسنة 1973 الصادر فى 6/ 1/ 1973 فيما تضمناه من تخطيه فى الترقية إلى الفئة الثانية بالمستوى الأول مع ما يترتب على ذلك من آثار وقضت له بجلسة 23/ 4/ 1975 بطلباته، وأقام الدعوى رقم 103 لسنة 37 القضائية طعناً على القرار رقم 92 لسنة 1982 الصادر فى 20/ 7/ 1982 فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية إلى وظيفة مدير عام بالفئة العالية وقضت المحكمة بجلسة 15/ 3/ 1984 بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطيه فى الترقية إلى وظيفة مدير عام المهمات والأصول الرأسمالية بالإدارة العامة للرقابة على الشركات الأجنبية والمشتركة ذات الربط الثابت 2823 جنيهاً سنوياً بمستوى الادارة العليا وما يترتب على ذلك من آثار، ولذلك فإن الثابت من الحكمين القضائيين المشار إليهما أن قرارى الترقية رقمى 101 لسنة 1972 و92 لسنة 1983 جاءا مخالفين القانون فيما تضمناه من تخطيه فى الترقية، وأضاف المدعى أنه قد أصابته من جراء هذين القرارين أضرار مادية وأدبية وصحية مشيراً إلى أن زملاءه ومرؤوسيه السابق ترقيتهم بالقرار رقم 101 لسنة 1972 نقلوا إلى وزارة البترول عند إنشائها عام 1973 وأتيحت لهم فرص الترقى فى زمن قياسى كما أن الجهة الإدارية أضاعت عليه فرصة الحصول على المرتبات الضخمة وتوابعها التى تقاضاها السيد/ جمال العشماوى الذى أعير فى 1/ 4/ 1974 للعمل بالشركة العربية لأنابيب البترول ويتقاضى مرتباً شهرياً قدره 1580 جنيهاً كما أن السيد/ أحمد محمد رضوان المطعون على ترقيته الأول بالقرار رقم 101 لسنة 1972 ندب للعمل بشركة بترول خليج السويس الأمريكية (جابكو) وأتيحت له بذلك مرتبات ضخمة ومكافآت سخية وعلاوات وبدلات وحوافز إنتاج بخلاف بدلات السفر والبعثات وهو ما يراه المدعى حقاً له لو لم يتم تخطيه بالقرار المشار إليه، كما أنه أضير أبلغ الضرر حينما انتهت الجهة الإدارية إلى إصدار القرار رقم 92 لسنة 1982 المخالف للقانون وبادرت إلى إرسال السيد/ أحمد الكفراوى محمود المطعون على ترقيته الأول فى القرار المذكور فى بعثة إلى أمريكا وبعض دول أوروبا فى عام 1982 فتقاضى بدلات سفر ضخمة وميزات سخية وأتيح له التزود بالخبرة النادرة فى مجال العمل وأضاف أن ما ناله من تشهير وتشكيك فى كفاءته من جراء تخطيه فى الترقيات كان له أسوء الأثر على حالته النفسية والعصبية والصحية.
وبجلسة 28/ 6/ 1987 قضت محكمة القضاء الإدارى برفض الدعوى مع إلزام المدعى المصروفات وأسست حكمها على أن الدعوى هى دعوى تعويض عن القرارين الإداريين رقم 101 لسنة 1972 الصادر من الهيئة العامة للبترول و92 لسنة 1982 الصادر من وزير البترول والثروة المعدنية اللذين قضى بإلغائهما فيما تضمنه كل منهما من تخطى المدعى فى الترقية بحكمين نهائيين أصدرتهما محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 828 لسنة 22 القضائية بجلسة 24/ 4/ 1975 والدعوى رقم 103 لسنة 37 القضائية بجلسة 15/ 3/ 1984 على التوالى، والثابت من الأوراق أن الحكمين المذكورين وضعا موضع التنفيذ حيث بادرت الجهة الإدارية إلى أعمال مقتضاهما وذلك بإلغاء القرار المحكوم بإلغائه فى كل منهما وترقية المدعى من التاريخ الذى كان يتعين أن تتم ترقيته اعتباراً منه لولا أن وقع التخطى فى الترقية، وصرف الفروق المالية المترتبة على ذلك، وأضافت المحكمة أنه متى كان ذلك فإن المدعى قد ادئى خير تعويض بما لا يدع مجالاً لمزيد ما دام حكم الإلغاء وتنفيذه تكفلاً بجبر كافة الأضرار المادى منها والأدبى على سواء وأضافت المحكمة أنه لا نفع فيما آثاره المدعى من أنه لو لم يتم تخطيه فى الترقية لتم نقله إلى وزارة البترول عند إنشائها أسوة ببعض زملائه ومرؤسيه أو لتمت إعارته أو ندبه أو إيفاده فى بعثة إلى الخارج، إذ ليس ثمة تكرار بين الترقية والنقل أو الإعارة أو الندب أو الإيفاد فكل يجرى فى فلكه المرسوم وفى إطار القواعد الضابطة له على مقتضى القانون وتترخص جهة الإدارة فى إجرائه وفقاً لتقديرها وجه الصالح العام وليس من دليل على أن الترقية فيما لو لم يتخط المدعى كانت تستتبع حتماً أن يتم النقل أو الإعارة أو الندب أو الإيفاد حتى يسوغ القول بأن التخطى فى الترقية فى حد ذاته كان مدعاة لتفويت هذه الفرص، وعليه فإن فوات الفرص المذكورة وأن شكل أضراراً حاقت بالمدعى بيد أنها أضرار منبتة الصلة بالقرارين الإداريين مدار طلب التعويض ويستعصى القول بتوافر علاقة السببية بينهما، كذلك لا تقيم المحكمة وزناً لما ذهب إليه المدعى من أن القرارين المشار إليهما أصاباه بأضرار صحية استدلالا بقيام التعاصر الزمنى بين القرار وبين المرض، فليس القرار الإدارى بالضرورة وأن تحيف ذى الشأن فيه أن يدهمه المرض وليس الأخير لزوماً نتاج مثل هذا القرار ومن ثم انتهت محكمة القضاء الإدارى إلى الحكم برفض الدعوى وألزمت المدعى المصروفات.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل أن الحكم المطعون فيه شابه الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله ذلك أن ذلك أن المادة 63 من القانون المدنى تنص على أن "كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض". فأركان المسئولية التقصيرية هى الخطأ والضرر وعلاقة السببية، وقد استقر القضاء الإدارى على أن أساس مسئولية الحكومة عن القرارات الإدارية الصادرة منها هو وجود خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإدارى غير مشروع أى مشوباً بعيب أو أكثر من العيوب المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر، كما قضى بأن تخطى العامل فى حركة الترقيات بدون وجه حق يوجب التعويض حتى لو كانت دعوى الإلغاء قد رفعت بعد فوات المواعيد القانونية كما أن تفويت فرصة ترشيح الموظف للترقية بالاختيار وفقا للمعايير التى وضعتها لجنة شئون الموظفين فيما لو رأت ترقيته ملحق به الضرر فى هذه الحدود ويستحق التعويض عنه، وعلى هدى هذه المبادئ فإن ركن الخطأ ثابت فى جانب الهيئة المطعون ضدها بصدور حكمين لصالح المدعى فى الدعويين رقمى 828/ 27 ق و103/ 37 ق بإلغاء القرارين فيما تضمناه من تخطيه فى الترقية ولم تطعن الجهة الإدارية فى الحكمين المشار إليهما بل قامت بتنفيذهما بترقية المدعى وما استتبع ذلك من آثار، ومن ثم فقد حازا حجية الشيء المقضى به وبهذه المثابة فإنهما يكونان ركن الخطأ الموجب للمسئولية فى جانب الإدارة حسبما ذهب تقرير مفوض الدولة أمام محكمة القضاء الإدارى.
وأضاف تقرير الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون وتناقض حينما ذكر فى أسبابه أن "فوات الفرص المذكورة وأن شكل أضراراً حاقت بالمدعى بيد أنها منبتة الصلة بالقرارين الإداريين مثار طلب التعويض ويستعصى القول بتوافر علاقة السببية بينهما" ذلك أن ما ذهب إليه الحكم غير منطقى فإذا كان ركن الخطأ قد ثبت فى جانب الإدارة فكيف يقال أن الأضرار المذكورة منبتة الصلة بالقرارات المشار إليها، ولو كان الطاعن لم يتخطه فى الترقية الأولى السالفة لكان فى طليعة المنقولين إلى وزارة البترول، وكذلك الحال بالنسبة إلى الإعارة والندب إلى شركة سوميد وشركة جابكو وسبق للطاعن أن قدم للإدارة طلبا لإعارته إلى تلك الجهات، كما أن السيد/ أحمد الكفراوى الذى تخطى الطاعن فى الترقية بالقرار التالى عام 1982 صدر بشأنه قرار برقم 144/ 1983 بالترخيص بالسفر للولايات المتحدة للتدريب، وكان ذلك نتيجة مباشرة لقرار التخطى وبالرجوع إلى لائحة التدريب بالهيئة المصرية العامة للبترول بيد أنه يشترط للترشيح للتدريب فى الخارج عدة شروط كانت تتوافر بالطاعن فيما لو رقى عام 1983، كما أن الطاعن لحقته آلام نفسية ومرض ألم به كان نتيجة للقرارين مدار التعويض ولا يكفى تنفيذ الحكمين القضائيين بعد فوات الفرص المشار إليها، ومن ثم انتهى الطاعن إلى طلب الحكم بطلباته السالفة.
ومن حيث إن مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية منوطة بأن يكون القرار معيباً وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم علاقة سببية بين عدم مشروعية القرار أى بين خطأ الإدارة وبين الضرر الذى أصاب العامل، ويشترط توافر هذه الأركان الثلاثة حتى تنعقد مسئولية الإدارة ويقضى بالتعويض.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرارين اللذين قضى بإلغائهما بحكمين نهائيين هما القرار رقم 101 لسنة 1972 الذى تخطى الطاعن فى الترقية إلى الفئة الثانية بالمستوى الأول والقرار رقم 92 لسنة 1982 الذى تخطى الطاعن فى الترقية إلى وظيفة مدير عام مراقبة المهمات والأصول الرأسمالية بالهيئة المطعون ضدها، وقد تم تنفيذ الحكمين المشار إليهما تنفيذاً كاملاً صحيحاً بترقية الطاعن إلى الوظيفتين المتخطى فى الترقية إليهما من التاريخ الذى يجب ترقيته فيه، وتم تسوية حالته الوظيفية المترتبة على ذلك من أقدمية ومرتب وغيره بما لا ينتقص من هذه الحقوق فيما لو كان قد رقى بالقرارين المقضى بإلغائهما.
وومن حيث إن الثابت مما سلف أن الطاعن قد نال كل حقوقه الوظيفية التى سبق حرمانه منها بقرارى التخطى المشار إليهما فإن ذلك يعد بمثابة التعويض العينى للأضرار التى أصابته سواء الأضرار المادية المترتبة على التخطى أو الأضرار الأدبية التى أصابته، فقد تم جبرها كلها بالحكمين المشار إليهما وتنفيذهما تنفيذاً كاملاً بما يكفل للطاعن كافة حقوقه الوظيفية السابق حرمانه منها، وبما يحمل فى طياته أيضاً إعلاء لكرامته وسمعته ورداً لاعتباره فى شأن التخطى السالف، ولئن كان الأصل فى التعويض أن يكون تعويضاً نقدياً، إلا أنه من المسلم به أن التعويض بمعناه الواسع أما أن يكون تعويضاً عينياً وهو التنفيذ العينى، وأما أن يكون تعويضاً بمقابل، والتعويض بمقابل إما أن يكون تعويضاً غير نقدى أو تعويضا نقديا، وعلى ذلك فإنه إذا كان التعويض العينى يكفى لجبر كافة الأضرار المترتبة على قرارات التخطى فى الترقية المشار إليها، فلا محل بعد ذلك للقضاء بتعويض نقدى، والقضاء الإدارى وهو يقضى بكفاية التعويض العينى المشار إليه لجبر مثل هذه الأضرار المترتبة على التخطى فى الترقية فى مثل الحالة المعروضة وهى من نوع الترقية بالاختيار التى تتمتع فيها الإدارة بسلطة تقديرية مقيدة بالضوابط المقررة قانوناً فإنما يجرى فى هذا الشأن موازنة عادلة بين مسئولية الإدارة وهى بصدد ممارسة هذا الاختيار التقديرى الذى يدق الأمر فيه عادة وتختلف أوجه النظر فيه وبين حقوق العاملين الذين أصابهم ضرر من جراء خطأ للإدارة فى التقدير تم جبره عيناً بتسوية كافة حقوقهم الوظيفية، فإنه فضلاً عن حقيقة أن التعويض العينى كاف فى هذا الشأن بما لا محل للقضاء معه بتعويض نقدى يؤدى إلى ازدياد التعويض، فإن القول بغير ذلك مدعاة لتقييد الإدارة وتهيبها عند ممارسة سلطتها التقديرية عند الترقية بالاختيار، والتى قصد المشرع فى قانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47/ 1978 من منحها إياها عند الترقية إلى المستويات العليا دفع الجهاز الإدارى للدولة لكى ما يتبوأ مراكز القيادة فيه أفضل العناصر وأكفؤها لحسن سير المرافق العامة على أفضل وجه مما يحقق المصلحة العامة.
ومن حيث إنه بالنسبة لما أثاره الطاعن من أنه قد فاتته فرص الإعارة والندب والنقل إلى جهات أخرى خارج الهيئة وكذلك الإيفاد فى بعثات تدريبية نتيجة للقرارين المطعون فيهما، فإن الحكم المطعون فيه لم يخالف صحيح القانون حين ذهب إلى أنه ليس ثمة تلازم بين الترقية وبين النقل أو الإعارة أو الندب أو الإلغاء فى بعثات للخارج، فكل يجرى فى فلكه المرسوم وفى إطار القواعد الضابطة له على مقتضى القانون وتترخص الإدارة فى إجرائه وفقاً لتقديرها وجه الصالح العام، وليس من دليل من الأوراق على أن الترقية فيما لو لم تتخطى المدعى كانت تستتبع حتماً أن يتم النقل أو الإعارة أو الندب أو الإيفاد حتى يسوغ القول بأن التخطى فى الترقية فى حد ذاته كان مدعاة لتفويت هذه الفرص، وفضلاً عن هذا الذى أشار إليه الحكم فإنه لا يمكن التسليم أصلاً بفوات فرص للطاعن فى هذا الشأن، ذلك أن الطاعن لم يثبت أن النقل أو الإعارة أو الندب أو الإيفاد للتدريب فى الخارج مرتبط بوظائف معينة بالهيئة هى التى تم تخطيه فى الترقية إليها، وعبء الإثبات فى هذا الشأن يقع على عاتقه وقد أخفق فيه فضلاً عن أن لائحة التدريب بالهيئة المصرية العامة للبترول المقدمة بمستندات الطاعن لم تشترط للترشيح للتدريب فى الخارج سوى أن يكون المرشح قد أمضى فى خدمة القطاع منه أربع سنوات، وأن تكون مرتبة كفايته عن عمله فى العام الأخير بتقدير جيد جداً على الأقل، وأن يكون موضوع التدريب بالخارج مرتبط بالعمل الذى يزاوله فعلاً أو مرشحاً لمزاولته، وأن تكون له خبرة مناسبة تؤهله للاستفادة من التدريب، ومن ثم فإن هذه الشروط قد تتوافر بالطاعن أو غيره من العاملين بغض النظر عن الترقية إلى درجة وظيفية أعلى، لأن العبرة فى هذا الشأن هى بشروط عامة لا ترتبط بوظيفة معينة، وأن ارتبطت بممارسة عمل يزاوله العامل فعلاً أو مرشحاً لمزاولته، أى أن العبرة بنوع العمل وليس بدرجة الوظيفة التى يتولاها العامل، ومن ثم فلا محل لادعاء الطاعن بفوات الفرصة عليه أو إصابته بأضرار محققة فى هذا الشأن، كما أنه من ناحية أخرى فإن الثابت بالأوراق أنه تم إيفاد الطاعن فى مأموريات وبعثات متعددة إلى الخارج، ولم يكن محلها للمهمات من جانب الهيئة بل أن الثابت أن الطاعن رقى أيضاً بعد ذلك إلى وظيفة أعلى هى وظيفة خبير مهمات (نائب رئيس الهيئة) من 1/ 8/ 1986 وهى واحدة من أعلى الدرجات بالهيئات المطعون ضدها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض التعويض المطالب به قد أصاب فى قضائه صحيح القانون فإنه يتعين رفض الطعن الماثل موضوعاً لعدم استناده على أساس صحيح من القانون أو الواقع.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا والزمت الطاعن المصروفات.