مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 192

(22)
جلسة الأول من ديسمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة المستشارين/ محمد أمين العباسى المهدى ومحمود عبد المنعم موافى ود. محمود صفوت عثمان وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.

الطعنان رقما 3068 لسنة 30 القضائية، 2104 لسنة 31 القضائية

( أ ) الأزهر الشريف - اختصاصه - فحص ترجمة معانى القرآن الكريم.
القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها.
الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليته ونشره - يحمل الأزهر أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب وإظهار حقيقة الإسلام وأثره فى تقدم البشر ورقى الحضارة - يمارس الأزهر صلاحياته عن طريق هيئاته المختلفة وإدارته المتعددة ومن بينها مجمع البحوث الإسلامية - من بين هذه الاختصاصات مراجعة الترجمات القائمة لمعانى القرآن الكريم واختيار احسنها والموافقة على نشر تداول المؤلفات التى تتعرض للإسلام - ما يصدر من الأزهر من توجيهات فى هذا الشأن يكون رأياً فقهياً - تطبيق.
(ب) قرار إدارى - قرار سلبى - علاقة القرار السلبى باختصاص جهة الإدارة (ميعاد) الطعن على القرارات السلبية لا يتقيد بميعاد - القرار السلبى لا يقوم وفقاً لصريح نص المادة 10/ 14 من قانون مجلس الدولة إلا إذا رفضت السلطة الإدارية أو امتنعت عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح - اختصاص إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالتصريح بطبع المصاحف والموافقة أو عدم الموافقه على نشر أو تداول أو عرض المؤلفات الإسلامية هو اختصاص صريح ورد النص عليه على سبيل الحصر - امتناعها عن ترجيح رأى على آخر أو اختيارها لتفسير تراه أقرب إلى الصواب لا يمثل قرار سلبياً وفقاً للمفهوم المقصود بقانون مجلس الدولة - أثر ذلك: خضوع قراراتها فى هذه الأمور للميعاد المقرر بالقانون المذكور - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 25/ 8/ 1984 أودع الأستاذ/ محمد عبد القوى عبد الجليل المحامى وكيلاً عن صاحب الفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام تحت رقم 3068 لسنة 30 ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 26/ 6/ 1984 فى الشق العاجل من الدعوى رقم 725 لسنة 35 ق والقاضي: أولاً: بقبول الدعوى شكلاً وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بمصروفات هذا الطلب. ثانياً: بإحالة الدعوى بحالتها إلى السيد الأستاذ الدكتور مهدى ليقدم تقريراً فى مدى سلامة الترجمة موضوع الدعوى وصلاحيتها للنشر وله أن يستعين بمن يراه من المختصين فى الشئون الدينية واللغتين الإنجليزية والعربية وعلى المدعى عليه الثانى إيداع أمانة قدرها خمسة آلاف جنيه لحساب مصروفات الخبرة وأتعابها، وعلى أن يقدم التقرير خلال ثلاثة أشهر من تاريخ ايداع الأمانة، وحددت لنظر الدعوى جلسة 11/ 9/ 1984 فى حالة عدم إيداع الأمانة أو جلسة 11/ 12/ 1984 فى حالة إيداعها. وطلب الطاعن استناداً إلى الأسباب الواردة فى تقرير الطعن الأمر بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه والحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجدداً - أصلياً بعدم قبول الدعوى - واحتياطياً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ولائياً بنظر الدعوى، ومن باب الاحتياط الكلى برفض طلبات المطعون ضده الأول فى الشق المستعجل والموضوعى دون إحالة الدعوى للخبرة مع إلزامه المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وفى يوم الأربعاء الموافق 8/ 5/ 1985 أودع الأستاذ أحمد نبيل حسنين المحامى بصفته وكيلاً عن صاحب الفضيلة الأمام الأكبر الجامع الأزهر بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام تحت رقم 2104 لسنة 31 ق عليا فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 12/ 3/ 1985 فى الشق الموضوعى من ذات الدعوى والقاضى بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعى عليهم الأول والثالث والرابع وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه الثانى بالمصروفات، وطلب الطاعن استناداً للأسباب التى أوردها فى تقرير الطعن الأمر بضم هذا الطعن إلى الطلب السابق رقم 3068 لسنة 30 ق عليا، والحكم بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ولائياً بنظر الدعوى، ومن باب الاحتياط الكلى برفض طلبات المطعون ضده الأول مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
ووقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى فى الطعنين ارتأت فيه الحكم أولاً: بضم الطعن رقم 2104 لسنة 31 ق عليا إلى الطعن 3068 لسنة 30 ق ليصدر فيهما حكم واحد. ثانياً: بقبول الطعن 3068 لسنة 30 ق عليا شكلاً وباعتبار الخصومة فيه منتهية، مع إلزام الجهة الإدارية الطاعنة بمصروفات هذا الطعن. ثالثاً: بقبول الطعن رقم 2104 لسنة 31 ق عليا شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الجهة الادارية الطاعنة مصروفاته.
وقد عرض الطعن على دائرة فحص الطعون بجلسة 3/ 4/ 1989 حيث قررت الدائرة ضم الطعن رقم 2104 لسنة 31 ق عليا إلى الطعن رقم 3068 لسنة 30 ق عليا للارتباط وليصدر فيهما حكم واحد، وتدوول الطعنان أمام الدائرة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات حتى قررت الدائره بجلسة 5/ 2/ 1990 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وحددت لنظره جلسة 31/ 3/ 1990، وقد نظرت المحكمة الطعن على نحو ما هو ثابت بالأوراق والمحاضر وقررت إصدار الحكم بجلسة 24/ 11/ 1990 ثم قررت مد أجل النطق بالحكم لجلسة 1/ 12/ 1990 حيث صدر فيها هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمةة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص على ما يبين من الأوراق فى أن المدعى (المطعون ضده الأول) أقام الدعوى رقم 725 لسنة 35 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بعريضة أودعها قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 8 من يناير سنة 1981 طلب فيها الحكم بصفة عاجلة بوقف تنفيذ القرار السلبى بالامتناع عن سحب صك الشرعية الصادرة من الأزهر فى 21/ 5/ 1973 لدار الكتاب اللبنانى ببيروت بصلاحية ترجمة معانى القرآن الكريم لمرمدوك بكتال، وعن عدم مصادرة تلك الترجمة فى مصر، وفى الموضوع بإلغاء ذلك القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار، وقال المدعى شرحا لدعواه أنه عكف على دراسة اللغات الأجنبية حقبة من الزمن، فأجاد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وأضحى على وعى وإدراك لفحواهما، ثم هداه الله لتدارس آيات القرآن الكريم وتدبر معانيه الجليلة، وشرع فى ترجمة معانيه إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وتوصلاً للإجادة تدارس كتب التفسير والسنة والتراجم التى صدرت ومنها ترجمة لمعانى القرآن الكريم كتبها المستشرق الصهيونى (مرمدوك بكتال) الذى تبين للمدعى أنه ترجم القرآن الكريم ترجمة حرفية بعيدة عن التعبير عن معنى المنطوق العربى الكريم، ثم تصرف فى بعض المواضع تصرفات تنم عن التعمد فى إهدار حقيقة معنى الكلمات العربية المباركة، حيث لجأ إلى ترجمتها ترجمة ملتوية ليقارب بينها وبين بعض الذى جاء فى التوراة الصهيونية، كما لجأ إلى الاستشهاد بالتوراة فى صلب ترجمته لتفسير بعض الآيات الكريمة إلى درجة أن الأمر قد يلتبس على القارئ المسلم بطريقة تدعو إلى دق ناقوس الخطر من تلك الترجمة التى حشر فيها المترجم الصهيونى العبارات التى وردت أصلاً فى التوراة اليهودية والإنجليزية وعرفت بأنها من مكونات تلك التوراة، وقد لاحظ المدعى على ترجمة بكتال أنه أخطأ فى كثير من المواضع فى حين أن السلف ممن ترجموا معانى القرآن الكريم إلى الإنجليزية لم يخطئوا مثل خطئه، ومن هنا يبرز عنصر التعمد فى التحريف، واستطرد المدعى قائلاً أن الأمر كان يهون لو أن ترجمة بكتال وجدت معروضة فى المكتبات الأجنبية شأنها فى ذلك شأن بقية الترجمات دون أن تتحلى بصك الشرعية الإسلامية الذى أصدره لها الأزهر الشريف، وما دام الأمر كذلك فإن الأمر يحتاج إلى وقفه ليقول القضاء كلمته، ذلك أن ترجمة بكتال المشار إليها قد صدرت بكتاب موجه من إدارة الأزهر الشريف بتاريخ 21/ 2/ 1973 إلى مدير دار الكتاب اللبنانى ببيروت (ناشر كتاب بكتال) جاء فيه أنه تبين من فحص الترجمة المذكورة أنها صحيحة وليس لدى إدارة البحوث والنشر ما يمنع من نشرها وتداولها ولا ريب أن ما تضمنه هذا الكتاب هو شهادة رسمية بصلاحية الترجمة المشار إليها للنشر والتداول، فى حين أنه استبان للمدعى من استقراء مقدمة تلك الترجمة أن المستشرق اليهودى حاول منذ الأربعينات الحصول على موافقة الأزهر الشريف بصلاحية ترجمته للنشر، وكانت محاولاته تبؤ بالفشل دائماً إلى أن نجح الناشر اللبنانى فى التحصل على صك الشرعية سالف البيان فى عام 1973 على الرغم من أن الدراسة المتأنية لهذه الترجمة تكشف عن حققتها كمخطط صهيونى استهدف تحريف كتاب الله والنيل من الإسلام ورفع شأن اليهود والصهيونية والتوراة المحرفة، إذ هى زاخرة بمواضع الكفر والزيف، واستعرض المدعى المواضع المختلفة التى رأى فيها أن الترجمة جاءت فيها محرفة عن معناها الأصلى لما ورد فى القرآن الكريم، واختتم المدعى صحيفة دعواه موضحاً أن كتاب إدارة البحوث والنشر بالأزهر الذى ورد فيه أن الترجمة صحيحة وأنه ليس ثمة ما يمنع من نشرها وتداولها قد جاء مخالفاً لحكم المادة 15 من قانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 103 لسنة 1961 التى أوجبت على مجمع البحوث الإسلامية تجريد الثقافة الإسلامية من الشوائب وآثار التعصب السياسى والمذهبى وتجليتها فى جوهرها الأصيل الخالص، فإذا كانت جهة الإدارة المدعى عليها قد انحرفت عن التزام أن تكون ترجمة بكتال مطابقة لرأى أهل السنة والجماعة فى تفسير القرآن الكريم وبعدها عما يفسد العقيدة، فمن ثم يكون إقرارها لهذه الترجمة مخالفاً للقانون، وهذا ما دفع بالمدعى إلى إرسال طلب بتاريخ 3/ 11/ 1980 إلى المدعى عليه الثانى يطلب إليه سحب صك الشرعية عن الناشر اللبنانى ومصادرة الترجمة فى مصر، وإذا لم يستجب إلى هذا الطلب فقد اضطر المدعى إلى إقامة الدعوى طالبا الحكم بما سبق بيانه من طلبات.
ومن حيث إن إدارة الشئون القانونية بالأزهر قد ردت على الدعوى بمذكرة جاء فيها أنه طبقاً لأحكام القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يمثلها ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975 فإن إدارة الثقافة والبحوث الإسلامية تختص بكل ما يتصل بالنشر وترجمة المؤلفات والدراسات التى تكتب فى الخارج عن الإسلام، وكذلك مراجعة الترجمات التى تصدر لمعانى القرآن الكريم واختيار أحسنها ولفت أنظار المسلمين إلى الانتفاع بها، وفى حدود تلك الواجبات والاختصاصات عهد إلى الإدارة المشار إليها بمجمع البحوث الإسلامية بفحص كتاب (ترجمة معانى القرآن الكريم) لمرمدوك بكتال، وتولى هذه المهمة الأستاذ الدكتور أحمد عبد الواحد إبراهيم الذى قدم تقريراً جاء فيه "أن هذه الترجمة من أصح الترجمات التى ظهرت لمعانى القرآن الكريم، وفى نشرها نفع كبير وتيسير لفهم كتاب الله لقراء الإنجليزية من المسلمين والراغبين فى معرفة الإسلام ولقد وافق مدير إدارة البحوث الإسلامية فى 28/ 8/ 1972 على السماح بتداول الكتاب معقباً بأن المؤلف وفق إلى حد كبير، وإن كانت تعوزه كثير من الإيضاحات فى بعض المواضع، وهذا غير قادح فى عمل كهذا، وقد اتبع ذلك موافقة وكيل الوزارة والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية فى 30/ 9/ 1972 وبناءً على ذلك فقد أرسلت إدارة البحوث والنشر كتابها المؤرخ 21/ 2/ 1973 إلى دار الكتاب اللبنانى فى بيروت متضمناً أنه تبين من فحص الترجمة المذكورة أنها صحيحة وأنه ليس لدى إدارة البحوث مانع من نشرها وتداولها وأضافت المذكرة أن اعتراضات المدعى على المؤلف وعلى التصريح به قد أحيلت إلى الأستاذ عبد الجليل شلبى الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية وانتهى فيها إلى أن الكتاب به بعض الأخطاء مما لا تخلو منه ترجمة قرآنية ولكنها لا تمنع من تداوله، ثم قدم فضيلته تقريراً آخر انتهى فيه إلى أنه باستقراء ما حرره المدعى عن ترجمة بكتال تبين له أن المدعى (المطعون ضده) قد أخطأ فى نقده لهذه الترجمة وأخيراً فقد تقدم فضيلته بتقرير ثالث جاء فيه أن المدعى أحمد عبد اللطيف العباد سبق له التقدم بترجمة لمعانى القرآن الكريم وأنه لا يرشحها للنشر نظراً لما شابها من أخطاء وأضافت المذكرة أنه يتضح مما تقدم أن الأزهر قد أولى الموضوع عناية واهتماماً حرصاً منه على الإسلام وأنه قد انتهى فى حدود الاختصاصات المخولة له قانوناً وبعد الرجوع إلى الأساتذة المتخصصين فى هذا المجال إلى التصريح بنشر هذه الترجمة لمعانى القرآن الكريم، كما أولى الأزهر اهتمامه بالاعتراضات التى أبداها المدعى على الترجمة وبحثها وانتهى فيها إلى خطأ المدعى فيما أبداه، وبناءً على ذلك فقد أيد قراره الأول بنشر الكتاب وتداوله...... ولا ريب أن الأزهر بما يتوافر لديه من رصيد فقهى قد رد على جميع هذه الاعتراضات وهو مطمئن إلى سلامة موقفه عندما صرح بنشر وتداول الكتاب، وأودعت إدارة الأزهر حافظة مستندات انطوت على تقرير مؤرخ 28/ 8/ 1972 مقدم من الدكتور أحمد عبد الواحد إبراهيم عن الكتاب موضع النزاع وجاء فيه أن هذه الترجمة من أصح الترجمات التى ظهرت لمعانى القرآن الكريم، وأن فى نشرها نفع كبير وتفسير لفهم كتاب الله من قراء الإنجليزية من المسلمين ومن الراغبين فى معرفة الإسلام، وكذلك صورة ضوئية من التقرير التفصيلى الذى قدمه الدكتور عبد الجليل شلبى بالتعقيب على الاعتراضات التى أبداها المدعى على ترجمة بكتال، كما عقب المدعى على ما تقدم بإيداع مذكرتين بدفاعه وسبع حوافظ مستندات تدور جميعها حول المواضيع التى يرى فيها أن الترجمة قد شابها أخطاء تحرف معنى القرآن الكريم وذلك على التفصيل اللغوى الذى حوته هذه المذكرات جميعاً وقد عقبت إدارة الأزهر على ما تقدم بمذكرة أوضحت فيها أنه بالنسبة للترجمة محل الطعن فإن الأزهر يرى أنها كغيرها من الترجمات مجرد عمل إنسانى مهما بلغ المترجم له من القوة والدقة والحرص على عمله، فإنه لا يسلم مما يؤخذ عليه من شخص آخر يختلف معه فى الفهم والتعبير عما يفهم، وأن هذه الترجمة لا تخلو من هنات ولكنها أفضل من غيرها فى هذا المضمار وأن ما بها من هنات لا يحول دون تداولها والانتفاع بها حيث لا يبعد بها عن المعنى الذى يمكن أن يتحمله النص القرآنى ولا يتعارض معه، ومن هذا المنطلق فقد أصدر الأزهر التصريح بتداول هذه الترجمة.
ومن حيث إن المحكمة قد خلصت من جماع ما تقدم إلى أن موضوع الدعوى هو الطعن فى القرار السلبى للأزهر الشريف بالامتناع عن سحب قراره باعتماد ترجمة مرمدوك بكتال لمعانى القرآن الكريم وتصريحه بنشر هذه الترجمة وتداولها، وأن المدعى يطالب بوقف تنفيذ هذا القرار وإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وخلصت المحكمة إلى أن الطعن فى القرارات السلبية لا يتقيد بميعاد وأنه بذلك تكون الدعوى مقبولة شكلاً، واستطردت المحكمة إلى القول أنه بمطالعة الترجمة موضوع الدعوى يبين أنها ليست فى حقيقتها ترجمة لمعانى القرآن الكريم كما أطلق عليها من قام بها، وإنما هى ترجمة حرفية لسور القرآن وآياته، ومن ثم فقد أضحى من الضرورى أن تكون هذه الترجمة على أكبر قدر من الدقة بحيث لا تعطى لآيات القرآن الكريم معنى أو مدلولا غير ذلك الذى قصده الله تعالى فى كتابه العزيز، وأنه لما كان البادى من ظاهر الأوراق أن المدعى والأزهر الشريف قد اتفقا على أن الترجمة موضوع الدعوى قد تضمنت عدة أخطاء تعرض لها الدكتور عبد الجليل شلبى فى تقريره المودع حافظة مستندات الأزهر المقدمة بجلسة 23/ 6/ 1981 وأنه بالبناء على ذلك فإن مجرد ترجيح مظنة وقوع هذه الأخطاء كاف بذاته لتحقيق ركنى الجدية والاستعجال فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، إذ لا محل للاستمرار فى التصريح بنشر وتداول موضوع الدعوى رغم ما تستظهره المحكمة من بادى الأوراق من أنها انطوت على العديد من الأخطاء، وهذا أمر لا يقدح فيه ما تذهب إليه إدارة الأزهر من أن هذه الأخطاء ليست بذات أهمية، ذلك أن مجرد وقوع خطأ فى ترجمة ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه توجب المبادرة إلى حجب أى ترخيص صادر من جهة رسمية بنشر وتداول الترجمة درءاً لأضرار بالغة قد تلحق بالإسلام والمسلمين من جراء هذا الترخيص بما يسبغه عليها من صبغة السلامة والصحة، ولا ريب فى أن الأمر يصبح أدق أثراً وأعظم خطراً إذا كانت الجهة التى أصدرت هذا الترخيص هى الأزهر الشريف، وهو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليته ونشره وحمل رسالة الأمانة الإسلامية إلى كل شعوب...... وأنه لما كان قد توافر بذلك فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه الركنان المتطلبين قانوناً لإجابته، فمن ثم فقد انتهت المحكمة إلى القضاء بوقف تنفيذ هذا القرار مع إلزام الأزهر بمصروفات هذا الطلب.
ومن حيث إن عن طلب الإلغاء فقد رأت المحكمة أن موضوع النزاع ينحصر فى التحقق مما إذا كانت الترجمة موضوع المنازعة هى ترجمة دقيقة وصحيحة جاءت مطابقة لألفاظ القرآن الكريم والتزمت معانيه أم أن ثمة خطأ قد شابها بما يخرج بها عما استهدفه القرار الصادر بالتصريح بنشرها وتداولها من تحقيق خير الإسلام والمسلمين حيث يتم التعريف بكتاب الله العزيز الحكيم لغير المتحدثين باللغة العربية، ورأت المحكمة قبل الفصل فى هذا الطلب أن تعهد إلى أحد الأساتذة المتخصصين فى علوم اللغة والدين بمراجعة الترجمة التى أعدها المستشرق مرمدوك بكتال، وبيان ما يكون قد اعتورها من أوجه نقص أو قصور أو شابها من خطأ ينأى بها عن الفهم الصحيح لآيات القرآن الكريم وذلك بغية التحقق من سلامتها وصلاحيتها للنشر والتداول، واختارت لأداء هذه المهمة الأستاذ الدكتور مهدى علام على أن يكون له أن يستعين فيما عهد إليه به بمن يراه من الأساتذة المتخصصين فى الشئون الدينية واللغتين الإنجليزية والعربية، وانتهت المحكمة إلى القضاء بقبول الدعوى شكلاً وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وباحالة الدعوى إلى الأستاذ الدكتور مهدى علام ليقدم تقريراً فى مدى سلامة الترجمة موضوع الدعوى وصلاحيتها للنشر على أن يكون له أن يستعين بمن يراه من المتخصصين، وعلى المدعى عليه الثانى (شيخ الأزهر) إيداع أمانة قدرها خمسة آلاف جنيه لحساب مصروفات الخبرة وأتعابها على أن يقدم التقرير خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إيداع الأمانة، وحددت لنظر الدعوى جلسة 11/ 9/ 1984 فى حالة عدم إيداع الأمانة، وجلسة 11/ 12/ 1984 فى حالة إيداعها.
ومن حيث إنه بتاريخ 4 من يوليو سنة 1984 أودع المدعى أحمد عبد اللطيف العبار قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى طلباً برد الخبير، وجاء بطلبه أن الدكتور مهدى علام يتعاون مع الأزهر الشريف وله مصلحة مادية مع مجمع البحوث الإسلامية فى إخراج التفسير الوسيط للقرآن الكريم الصادر من المجمع، فضلاً عن أنه عضو فى المجمع المذكور الذى قرر صلاحية الترجمة المطعون فى صحتها، كما أدع المذكور مذكرة جاء بها أنه اطلع مؤخراً على حديث الدكتور مهدى علام فى عدد جريدة الأهرام الصادر بتاريخ 26/ 11/ 1976 أبدى فيه رأيه فى ترجمة مرمدوك بكتال مع ترجمات أخرى، وقدم فى هذا الحديث الأعذار لبكتال عن الأخطاء التى تضمنتها ترجمته وبناءً على ذلك فإنه يطلب برد هذا الخبير.
ومن حيث إنه بجلسة 30/ 10/ 1984 حكمت المحكمة برفض طلب تغيير الخبير المعين فى الدعوى مع تغريم طالب الرد مبلغ عشرة جنيهات، وأقامت المحكمة قضاءها هذا على أن الأسباب التى أوردها طالب الرد لا تنهض مبرراً لرد الخبير وفقاً لحكم المادة 141 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 التى عدد على سبيل الحصر الحالات التى يجوز فيها رد الخبير، وليس من بينها الأسباب التى ساقها طالب الرد من قيام تعاون علمى أو ثقافى بين الخبير والأزهر الشريف، وحددت المحكمة جلسة 11 من ديسمبر سنة 1984 لنظر طلب الإلغاء حيث تداولت الدعوى أمامها على النحو الثابت بالمحاضر، وقد أودع الحاضر عن الأزهر الشريف مذكرة بدفاعه عرض فيها لمسألة تحميله وهو المدعى عليه بأمانة الخبير وأوضح أنه يعفى من أداء هذه الأمانة طبقاً لنص المادة 50 من القانون ر رقم 90 لسنة 1944 والمادة الثالثة من القرار الجمهورى رقم 549 لسنة 1959 بشأن الرسوم أمام مجلس الدولة ذلك أنه طعناً لهذين النصين فإن الهيئات العامة تعفى من أداء الرسوم القضائية وأمانة الخبير تأخذ حكم هذه الرسوم، وفضلاً عما تقدم فإن القضاء جرى فى الأغلب الأعم من أحكامه التمهيدية على أنه عند إحالة الدعوى إلى الخبرة فإن المدعى هو الذى يلزم بدفع الأمانة التى تحددها المحكمة دون المدعى عليه، ودفع الأزهر بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى، كما دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة لأن القرار المطعون فيه لا يمس مركزاً ذاتياً للمدعى، وأخيراً فقد دفع بعدم قبول طلب الإلغاء الانتفاء القرار السلبى، وأساس ذلك أن رأى إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فى شأن صلاحية كتاب معانى القرآن الكريم لمرمدوك بكتال للنشر والتداول لا يعدو أن يكون من قبيل التوصيات ولا يعتبر قراراً إدارياً، وعرض الأزهر أوجه دفاعه عن القرار المطعون فيه فأوضح أن ترجمة القرآن الكريم لا تكون إلا بالمعنى لا باللفظ، حيث تستعصى ترجمة القرآن ترجمة لفظية أو حرفية، وأن ترجمة معانى القرآن لا تعتبر فى حقيقتها قرآنا لأنها مجرد بيان للمعانى المستفادة من آيات القرآن وهذه المعانى اجتهادية، وإذا كان الأمر كذلك فإن مناط الفهم الشرعى المطابق للواقع هو مهمة العلماء، وهم فى قيامهم بهذه المهمة لا يقومون بها كوظيفة بأجر وإنما هى مهمة عقائدية أساسها تقوى الله فى أمر الدين الإسلامى الحنيف وما يستشف من كتاب الله العلى القدير من معانى ودلالات، وهم فوق ذلك الاعتبار العقائدى من العلماء المتخصصين فى العلوم الإسلامية والعربية واللغات الأجنبية، وقولهم فى هذا الشأن هو القول الفصل، ولا يمكن أن يكون للقضاء بما لديه من قدرة مراجعة هؤلاء العلماء فيما انتهوا إليه، خصوصاً وأن الرأى الذى تصل إليه إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية لا ينتج عن جهد فرد عادى، وإنما عن جهد عالم متخصص يقوم بالفحص ويعرض تقريره فى هذا الشأن على لجنة من العلماء المتخصصين يناقشون كل ما وصل إليه ثم ينتهى الأمر بالوصول إلى النتيجة التى تعبر عن تلك الإرادة.
وأودع الأزهر تأييداً لدعواه حافظة مستندات تضمنت تقريراً خطياً من صفحتين مؤرخ فى مايو سنة 1982 مرفوع من الأستاذ على حسن عبد القادر إلى صاحب الفضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر ضمنه رأيه فى ثلاث تراجم للقرآن الكريم، ومن بينها ترجمة القرآن للإنجليزى المسلم مرمدوك بكتال، وهى الترجمة المطعون فى صحتها، ويقول فيها كاتب التقرير أن هذه الترجمة فى مستوى ترجمة يوسف على وهى ليست ترجمة لفظية، وهى تؤدى معانى القرآن فى سهولة ويسر وفى لغة إنجليزية مقبولة صحيحة لدى قراء الإنجليزية وفى سهولة من غير تعقيد، وليس فى هذه الترجمة تعليقات مثل الترجمة الأولى ولكنها أكثر إيجازاً وتبسيطاً، وقد روجعت هذه الترجمة من العلماء فى مصر، كما أنها طبعت طبعات كثيرة وانتشرت شرقاً وغرباً ووجت قبولاً عند الناس.
ومن حيث إنه بجلسة 13/ 3/ 1985 قضت المحكمة بعدم قبول الدعوى بالنسبة إلى المدعى عليه الأول والثالث والرابع وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت المدعى عليه الثانى (الأزهر الشريف) بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على اسباب حاصلها أنها إذ قضت فى حكمها الصادر بجلسة 26 من يونيو سنة 1984 بقبول الدعوى شكلاً وفى الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، فمن ثم يصبح من المتعين إعمالاً لحجة هذا الحكم الالتفات عما آثاره الأزهر الشريف من دفوع تتعلق بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى أو عدم قبول الدعوى لانتفاء القرار المطعون فيه أو لرفعها من غير ذى صفة، واستطردت المحكمة فى موضوع الدعوى إلى القول أنها كانت قد أقامت قضاءها بوقف تنفيذ هذا القرار على أسباب حاصلها أنه بمطالعة الترجمة موضوع الدعوى يبين أنها ليست فى حقيقتها ترجمة لمعانى القرآن الكريم كما أطلق عليها من قام بها وسايره فى ذلك المدعى عليه الثانى، وإنما هى فى حقيقتها ترجمة حرفية لسور القرآن، ومن ثم فقد أضحى من الضرورى أن تكون هذه الترجمة على أكبر قدر من الدقة حتى لا تعطى لآيات القرآن الكريم معنى أو مدلولاً غير الذى قصده الله تعالى فى كتابه العزيز، ولقد ثبت لدى المحكمة أن الأزهر الشريف والمدعى اتفقا على أن هذه الترجمة تضمنت جملة أخطاء عدد بعضها الدكتور عبد الجليل شلبى فى تقريره المودع حافظة مستندات الحكومة المقدمة بجلسة 23/ 6/ 1981، وأن مجرد ترجيح مظنة وقوع هذه الأخطاء كاف بذاته لتحقيق ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه إذ لا محل للاستمرار فى التصريح بنشر وتداول الترجمة موضوع الدعوى رغم ما تستظهره المحكمة من بادئ الأوراق من أنها انطوت على العديد من الخطأ، ولا يقدح فى ذلك ما ذهب إليه الأزهر الشريف من أن هذه الأخطاء ليست بذات أهمية، إذ أن مجرد وقوع خطأ فى ترجمة ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه توجب المبادرة إلى حجب أى ترخيص يصدر من جهة رسمية بنشر أو تداول هذه الترجمة درءاً للأضرار البالغة التى قد تلحق بالإسلام والمسلمين من جراء صدور هذا الترخيص بما يسبغه عليها من صفة السلامة والصحة، ولا ريب فى أن الأمر يصبح أدق أثراً وأعظم خطراً إذا كانت الجهة التى أصدرت هذا الترخيص هى الأزهر الشريف وهو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليته وحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب...... وفقهيه من اطلاقات هذه الإدارة تصدره بعد الرجوع إلى العلماء المتخصصين فى العلوم الإسلامية والعربية باعتبارهم أقدر من غيرهم على الوصول إلى صحيح حكم الشرع الإسلامى واستطرد الطعن إلى القول بأن منع النشر والتداول فى مصر مخول لغير الأزهر فى ظل قانون المطبوعات المعمول به حالياً، فهو من اختصاص مجلس الوزراء وفقاً لحكم المادتين 9، 10 من القانون رقم 20 لسنة 1936 فى شأن المطبوعات، والبادى من الدعوى التى صدر فيها الحكم المطعون عليه أنها لم ترفع طعناً على قرار إيجابى أو سلبى صادر من مجلس الوزراء الأمر الذى كان يتعين معه عدم قبول الدعوى شكلاً فضلاً عن عدم اختصاص المحكمة ولائياً بهذه المنازعة ولهذا فإن الطاعن ما زال متمسكاً بهذا الدفع يطرحه على محكمة الطعن، وأضاف الطاعن أنه بافتراض أن رأى إدارة البحوث والنشر بمجمع البحوث الإسلامية يعتبر من القرارات الإدارية، فإن هذا القرار لا يمس مركزاً من المراكز القانونية المقررة للمطعون ضده، ومن ثم فإن دعواه تكون مرفوعة من غير ذى صفة ولا مصلحة له فى إقامتها وتكون بالتالى غير مقبولة، وإذا كان الثابت من أن رأى إدارة البحوث والنشر قد صدر بتاريخ 21/ 2/ 1973 ولم يرفع المطعون ضده دعواه إلا بتاريخ 18/ 1/ 1981 أى بعد ميعاد الطعن بإلغاء، فقد كان من المتعين الحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً لإقامتها بعد الميعاد، ولا يشفع له أنه أقام دعواه بعد تقديم شكواه إلى الأزهر بمناسبة رفض ترجمته لمعانى القرآن تقدم بها للإدارة، وذلك لأن المواعيد المشار إليها من النظام العام وتقضى بها المحكمة من تلقاء نفسها.
ومن حيث إنه عن موضوع الطعن فقد أقاد الطاعن بأن الله سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن الكريم على رسوله "محمد صلى الله عليه وسلم" معجزة نظماً ومعنى وهو مستعصى على أى مخلوق، وقد اختلف علماء المسلمين فى تحديد بعض المعانى المقصودة فى العديد من الآيات عند تفسيره منذ نزوله حتى الآن، وقد استقر لدى علماء المسلمين أن ترجمة القرآن الكريم تكون بالمعنى لا باللفظ لأن ترجمة القرآن لا يجوز اعتبارها قرآناً، وإنما هى تقريب لمعانيه واجتهاد فى تفصيل هذه المعانى إلى غير الناطقين باللغة العربية، وأنه يستعصى ترجمة القرآن ترجمة حرفية أو لفظية، ولا تخلو أى ترجمة لمعانى القرآن من أخطاء اتساقاً مع بشرية هؤلاء المترجمين ولصعوبة هذه المهمة ونظراً للخلاف فى تحديد المعانى من قبل علماء المسلمين عند تفسير القرآن الكريم فإنه يسمح بنشر وتداول أقرب تلك الترجمات إلى المعانى المقصودة من الآيات الدعوة والتعريف بالإسلام من خلال ترجمة معانى القرآن الكريم، وأن فى استحالة العصمة من الخطأ نظراً لأن الخلاف البشرى فى الفهم يتسع ليمل جميع جوانب الحياة بما فيها التفسير والترجمة لهو أمر يحول دون القول بحجب الجهد الفكرى البشرى عن النشر على ضوء ما يقره العلماء المتخصصون أو يسمحوا بنشره وتداوله، ومن هنا فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه يتنافى مع تحقيق مناط الفهم الشرعى المطابق للواقع، وهذا الأمر يتماثل مع منح الدرجات العلمية من ماجستير ودكتوراه بل وأكثر جهداً فى المراجعة والبحث للوصول إلى نتيجة، بديهى أن الدرجات العلمية التى يتم الحصول عليها على ضوء النتائج العلمية التى توصل إليها الباحث قد لا تخلو من أخطاء أو مع ذلك يقدر العلماء عدم خطورتها ويتم مع قيامها التصريح بالنشر والتداول شأنها شأن أبحاث الترقيات الجامعية خاصة مع يتعلق منها بالدراسات الإسلامية والعربية بما فى ذلك أحياناً تفسير القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وسائر علوم القرآن والسنة وترجمة معانى القرآن ومن هذا يتضح أن وجود بعض الأخطاء أو الهنات التى يرى العلماء المتخصصين أنه لا مانع معها من النشر والتداول لا يستلزم أى حظر على مسلكهم فى هذا الشأن بأحكام تصدر عن القضاء والتبعة فى ذلك تقع على هؤلاء العلماء بما يحملون من أمانة العلم وحسابهم فى ذلك عند الله علام الغيوب، وخلص الطاعن إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وأصلياً بعدم قبول الدعوى واحتياطياً بعدم اختصاص القضاء الإدارى ولائياً بنظر الدعوى ورفض طلب المطعون ضده الأول مع إلزامه بالمصروفات عن درجتى التقاضى.
ومن حيث إن الأزهر وفقاً لأحكام القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التى يشملها هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى التى تقوم على حفظ التراث الإسلامى ودراسته وتجليته ونشره وتحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب، وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره فى تقدم البشر ورقى الحضارة..... كما تهتم ببعث الحضارة العربية والتراث العلمى والفكرى للأمة العربية...... وشيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأى فى كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام وله الرياسة والتوجيه فى كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية وقد عددت المادة 8 من القانون هيئات الأزهر ومن بينها مجمع البحوث الإسلامية وإدارة الثقافة والبعوث الإسلامية، وحددت المادة 25 من القانون اختصاصات إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية بحيث تختص بكل ما يتصل بالنشر والترجمة والعلاقات الإسلامية من البعوث والدعاة واستقبال طلاب المنح وغيرهم من ذوى العلاقة فى نطاق أغراض الأزهر على أن تبين اللائحة التنفيذية لهذا القانون تفصيل ذلك ووسائل تنفيذه، وإعمالاً لما تقدم فقد صدر القرار الجمهورى رقم 250 لسنة 1975 باللائحة التنفيذية للقانون رقم 103 لسنة 1961 المشار إليه ونصت المادة 38 منها على أن إدارة الثقافة والبعوث الإسلامية هى الجهاز الفنى لمجمع البحوث الإسلامية، كما نصت المادة 39 من ذات اللائحة على أن تباشر هذه الإدارة اختصاصاتها عن طريق الإدارات التالية: 1 - إدارة البحوث والنشر. 2 - إدارة البعوث الإسلامية. 3 - إدارة الدعوى والإرشاد، وعددت المادة 40 من اللائحة المشار إليها اختصاصات إدارة البعوث والنشر ومن بينها مراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعه وتداوله، فحص المؤلفات والمصنفات الإسلامية أو التى تتعرض للإسلام وإبداء رأيها فيما يتعلق بنشرها أو تداولها أو عرضها مراجعة الترجمات الموجودة لمعانى القرآن الكريم واختيار أحسنها ولفت أنظار المسلمين إلى الانتفاع بها.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الأزهر هو الهيئة العلمية الإسلامية الكبرى يرأسه الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر صاحب الرأى فى كل ما يتصل بشئون الإسلام وعلومه، وهو يمارس صلاحياته المشار إليها عن طريق هيئاته المختلفة وإدارته المتعددة ومن بينها مجمع البحوث الإسلامية الذى يقوم بتنقية الثقافة الإسلامية من الشوائب وآثار التعصب السياسى والمذهبى وتجليه مبادئ الإسلام وأحكامه وتراثه الفقهى والفكرى فى جوهرها الأصيل الخالص، ولقد حددت اللائحة التنفيذية على سبيل الحصر الحالات التى يختص فيها الأزهر بإصدار قرارات بالتصريح بالطبع كما هو الحال فى طباعة المصاحف وكذلك الحالات الأخرى التى يتعين عليه أن يبدى رأيه فيها بالموافقة أو القبول على النشر أو التداول أو العرض، ويشمل ذلك المؤلفات التى تتعرض للإسلام بالإضافة إلى مراجعة الترجمات القائمة لمعانى القرآن الكريم واختيار أحسنها ولفت أنظار المسلمين للانتفاع بها، وفى غير ذلك فإن ما يصدر من الأزهر من آراء وفتاوى وتوجيه لا يعدو فى كل الأحوال أن يكون رأياً فقهياً يبديه فى مجال الدعوة والإرشاد والتوجيه ونشر الثقافة الإسلامية والتعريف بها، وهذه مهمة فنية وعلمية وفقهية من اطلاقات هيئات الأزهر تقوم بها وتنتهى فيها إلى رأى بعد الرجوع إلى العلماء المتخصصين فى العلوم الإسلامية والعربية باعتبارهم أقدر من غيرهم على الوصول إلى صحيح حكم الشرع الإسلامى، وغنى عن البيان أن مثل هذا العمل الفكرى لا سبيل إلى الاعتراض عليه إلا بعمل فكرى مماثل يكون لكل مسلم وصاحب رأى أو اجتهاد أن يدلى بدلوه فى الموافقة أو الرفض أو التعقيب، فباب الاجتهاد والعمل الفكرى والإبداعى فى هذا الشأن مفتوح لكل مسلم دون قيد لا يحده إلا أن يجيء عملاً خالصاً لوجه الدين والشريعة يناقش الحجة بالحجة يقيم وينقد ويعترض فى حدود الأصول والقواعد وأدب الحوار، ومن هنا فليس صحيحاً ما خلص إليه الحكم المطعون فيه من أن موضوع الدعوى هو الطعن فى القرار السلبى للأزهر بالامتناع عن سحب قراره باعتماد ترجمة مرمدوك بكتال لمعانى القرآن الكريم وتصريحه بنشر هذه الترجمة وتداولها وأن المدعى (المطعون ضده) يطالب بوقف تنفيذ هذا القرار وإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبذلك فإن الطعن يكون مقبولاً شكلاً لأن الطعن فى القرارات السلبية لا يتقيد بميعاد، فالقرار السلبى لا يقوم وفقاً لصريح نص المادة 10/ 14 من قانون مجلس الدولة إلا إذا رفضت السلطة الإدارية أو امتنعت عن اتخاذ قرار كان من الواجب عليها اتخاذه وفقاً للقوانين واللوائح والحال هنا أن اختصاص إدارة البحوث والنشر بوصفها الجهاز الفنى لمجمع البحوث الإسلامية بإصدار قرارات إدارية سواء بالتصريح بطبع المصاحف أو الموافقة أو عدم الموافقة على نشر أو تداول أو عرض المؤلفات الإسلامية هو اختصاص صريح ورد النص عليه على سبيل الحصر، أما باقى الاختصاصات سواء ما كان منها منصوصاً عليها بشكل عام فى القانون أو بطريقة تفصيلية فى اللائحة التنفيذية فهى مجرد تعداد للمهام والأغراض التى يقوم بها الأزهر وهيئاته عن طريق البحوث الفقهية وتحديد السياسات التى تتبع لتحقيق مهام الحفاظ على التراث الإسلامى وتطويره وتنقيته وتجليته والتعريف به، فلا يهدف بها إلى إنشاء مراكز قانونية بموجب قرارات إدارية صريحة أو ضمنية بحيث يعتبر امتناعها عن ترجيح رأى على رأى أو اختيارها لتفسير ما تراه أقرب إلى الصواب، هو امتناع عن اتخاذ قرار كان من الواجب اتخاذه قانوناً، فمثل هذا القول ينبنى على مجرد افتراض وخطأ قانونى لانعدام السند الذى يقوم عليه من وجود نص يجعل المهمة الجليلة للإدارة المذكورة فى البحث والمراجعة والترجيح على أساس من العلم الصحيح فى مجال تخصصها محل إلزام حتمى بإصدارها قرار معين ومحدد المحل فيما أناطه بها المشرع من عمل قومى ودينى وعلمى جليل القدر وسامى الغايات يؤديه العاملون فيها والمعاونون لها تحت الإشراف الأعلى للإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وصاحب الرأى الأول فى كل ما يتصل بشئون الإسلام وعلومه، كما أن هذا الزعم يشكل قيداً على حرية التأصيل بالبحث والاجتهاد ويؤدى إعاقة لعمل هذا المجمع العلمى الاسلامى وينظم للقضاء فى نطاقه العمل الفكرى والإبداع العقلى الذى يتعين أن يحاط بأكبر قدر من ضمانات الحرية للعلماء الباحثين الفقهين والمتخصصين ذوى الضمائر الإسلامية النزيهة المتعلقة بالجانب العقائدى والدينى كما أن ذلك لا يشكل مصادره حق الأفراد فى نقد هذه الآراء بعد دراستها ومناقشتها أو الاعتراض عليها فسبيلهم إلى ذلك الدراسة العميقة المتأنية والتفكير المنهجى السليم وإبداء الرأى بجميع وسائل التعبير دينياً بالكتابة والقول وهذا مجال مفتوح لكل عالم ناقد جاء حريصاً على صالح الدعوة الإسلامية وأحكام الشرع والدين.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك فإن طعن المدعى من البداية يكون فى حقيقة الأمر منصباً على القرار الإيجابى الصادر من الأزهر الشريف بالموافقة على الترجمة محل النزاع وعلى تداولها، ومن ثم فقد كان يتعين على الحكم الطعين تبعاً لذلك وقبل التصدى للموضوع بالبحث فى مدى قبول هذه الدعوى شكلاً وما إذا كانت مقامه فى المواعيد المقررة قانوناً لإقامة دعوى الإلغاء.
ومن حيث إنه بالاطلاع على القرار المطعون فيه يبين أنه قد صدر فى تاريخ 21 من فبراير 1973، وإذ كان لا يبين من الأوراق متى اتصل هذا القرار بعلم المدعى (المطعون ضده) علماً يقينياً شاملاً لكل مكوناته إلا أن الثابت أن القدر المتعين والذى يتعين مراعاة احتساب بدء سريان مواعيد دعوى الإلغاء ابتداء منه هو ذلك التاريخ الذى يثبت بما لا يدع مجالاً لأى شك أن المذكور قد علم علم يقينياً بالقرار ناف للجهالة بمحله وأسبابه وسنده وأنه تظلم من صدوره وأن الأزهر قد أخذ شكواه واعتراضاته مأخذ الجدية وعكف على دراسة كل ما آثاره المذكور من أخطاء ونسبها للترجمة موضوع الطعن، ثم أخطره الأزهر برفض اعتراضاته صراحة وبناءً على كل ذلك فإنه اعتباراً من هذا التاريخ يبدأ حساب مواعيد دعوى الإلغاء توصلاً إلى تحديد مدى كونها مقامة فى الميعاد أم أنها مقبولة لإقامتها بعد المواعيد التى حددها القانون.
ومن حيث إنه بالاطلاع على حافظة مستندات المدعى (المطعون ضده) المودعة أمام محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 4/ 7/ 1984 فإنه يبين أن المذكور كان قد اطلع على الترجمة المنشورة المرفق بها صورة من القرار المطعون فيه فى مقدمة الطبعة وأنه بادر بالاعتراض عليها وتقدم بشكوى إلى مجمع اللغة العربية بتاريخ 6/ 12/ 1976، وعرضت هذه الشكوى على مجلس المجمع بجلسته المنعقدة بتاريخ 2/ 5/ 1977 فقرر أن هذا الموضوع يدخل فى اختصاص مجمع البحوث الإسلامية وطلب أمين مجمع اللغة العربية فى كتابه رقم 557 المؤرخ 8/ 5/ 1977 من السيد/ أحمد عبد اللطيف العباد المطعون ضده أن يتصل بمجمع البحوث الإسلامية فى هذا الشأن.
كما أن الثابت من كتاب لجان الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب رقم 121 بتاريخ 9/ 5/ 1978 والموجه إلى المطعون ضده أن العريضة المقدمة منه إلى مجلس الشعب قد أحيلت إلى مكتب السيد رئيس الوزراء الذى أفاد مجلس الشعب بكتابه رقم 2703 بتاريخ 3/ 5/ 1978 أنه بمخابرة وزارة الأوقاف وشئون الأزهر فقد أفادت بأن فضيلة شيخ الأزهر بأن مجمع البحوث الإسلامية لاحظ أن الأخطاء التى أحصاها المدعى (المطعون ضده) على الترجمة لا تستحق مصادرة هذه الترجمة، كما أنه سبق للمطعون ضده أن تقدم للأزهر بترجمة للقرآن الكريم للترخيص له بنشرها وقد رفض الأزهر التصريح بنشرها.
ومن حيث إن بناءً على ما سلف بيانه من أن حقيقة تكييف الدعوى التى أقامها المطعون ضده أمام محكمة القضاء الإدارى وفيها طعن الإلغاء فى قرار التصريح بطبع الترجمة محل النزاع ولا يوجد ثمة قرار سلبى بالمعنى القانونى الصحيح هو موضوع الطعن فى تلك الدعوى من حيث إن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده كان قد أقام دعواه أمام محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 8 من يناير سنة 1981 بعد أن كان قد أخطر برفض شكواه بتاريخ 9/ 5/ 1978، ومن ثم فإن دعواه تكون قد أقيمت بعد الميعاد الذى حدده القانون مما كان يتعين معه الحكم بعدم قبولها شكلاً لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إنه وقد قضى الحكم المطعون فيه بخلاف ما تقدم فقد جانب الصواب وأخطأ فى تطبيق صحيح أحكام القانون ومن ثم يتعين القضاء بإلغائه وبعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانونى وألزم المطعون ضده بالمصروفات عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وألزمت المطعون ضده المصروفات.