مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 212

(23)
جلسة الأول من ديسمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم فتح الله نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ محمد مجدى خليل ومحمد عبد الغنى حسن وعطية الله رسلان ود. فاروق عبد البر السيد المستشارين.

الطعن رقم 1495 لسنة 33 القضائية

( أ ) دعوى - أسباب عدم صلاحية القاضى - التفرقة بين أعمال الوكالة والندب. (مرافعات) المادة (146) من قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وردت أسباب عدم الصلاحية لنظر النزاع على سبيل الحصر ولا يجوز التوسع فى تفسيرها أو القياس عليها - من بين هذه الأسباب أن يكون القاضى وكيلا لأحد الخصوم فى الدعوى - يختلف الوكيل عن المستشار القانونى المنتدب - أساس ذلك: أن الوكيل يقوم بعمل قانونى لحساب الموكل ويلتزم الحدود المرسومة له فى تنفيذ الوكالة سواء من حيث التصرفات القانونية التى تتضمنها أو طريقة تنفيذها - لا يتقيد المستشار القانونى المنتدب بهذا القيد لأن عمله هو ابداء الرأى الذى يراه متفقا وصحيح حكم القانون والذى يتقيد به الوزير الذى يعمل مستشاراً له - ليس للوزير أن يملى رأيا معينا - مؤدى ذلك: أن المستشار القانونى المنتدب لا يعتبر وكيلاً عن الوزير ولا يعتبر ندبه نوعاً من الوكالة بالخصومة - ليس الندب من أسباب عدم الصلاحية - تطبيق.
(ب) دعوى - الحكم فى الدعوى - الطعن فى الأحكام - التماس إعادة النظر.
أحكام المحكمة الإدارية العليا لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر - أساس ذلك: مفهوم المخالفة لنص المادة 51 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 - الحكم بعدم جواز الطعن - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 25/ 3/ 1987 أودع الأستاذ محمود الطوخى المحامى بصفته وكيلاً عن محمد عبد الحميد محمد عنتر منصور قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 1495 لسنة 33 ق فى الحكم الصادر من الدائرة الثانية بالمحكمة الادارية العليا بجلسة 22/ 2/ 1987 فى الطعن رقم 1394 لسنة 29 ق والقاضى بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم قبول الدعوى شكلا والزام المدعى المصروفات وطلب الطاعن للأسباب الواردة بصحيفة طعنه الحكم أولاً - بصفة أصلية ببطلان الحكم سالف الذكر، وبإحالته إلى دائرة أخرى بالمحكمة الإدارية العليا للفصل فيه مجددا. ثانياً وبصفة احتياطية بقبول التماس إعادة النظر فى الحكم والقضاء فى موضوع الطعن رقم 1394 لسنة 29 ق برفضه وتأييد حكم محكمة القضاء الادارى الصادر فى 14/ 2/ 1983 فى القضية رقم 3799 لسنة 36 ق مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وبتاريخ 30/ 3/ 1987 أعلنت صحيفة الطعن إلى المطعون ضده وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع ببطلان الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثانية - فى الطعن رقم 1394 لسنة 29 ق بجلسة 22/ 2/ 1987 مع إحالة الطعن إلى إحدى دوائر المحكمة للفصل فيه مجدداً وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وحدد لنظر الطعن أمام الدائرة الثانية بجلسة 24/ 12/ 1986 حيث إحالته إلى الدائرة الثالثة التى أحالته من جديد إلى الدائرة الثانية التى عادت فأحالته بجلسة 24/ 6/ 1990 إلى هذه الدائرة حيث نظر أمامها بجلسة 13/ 10/ 1990، وبجلسة 3/ 11/ 1990 قررت المحكمة إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم 1/ 12/ 1990 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

المحكمة بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن وقائع النزاع تخلص فى أنه بتاريخ 16/ 6/ 1982 أقام الطاعن الدعوى رقم 3799 لسنة 36 ق أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً فى ختامها الحكم بقبولها شكلاً وفى الموضوع بأحقيته فى تسوية حالته باعتباره معيناً فى الدرجة الثانية العالية بالأجر الذى كان يتقاضاه بوزارة التربية والتعليم مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبجلسة 14/ 2/ 1983 أصدرت المحكمة حكمها بقبول الدعوى شكلاً وفى الموضوع بأحقيته فى أن ينتقل بفئته التى بلغها أى الثانية وبأقدميته فيها وبذات مرتبه الذى بلغه فيها وهو (81 جنيهاً) عند التحاقه بالجمارك مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الادارة المصروفات، وقد اعتبر الحكم الدعوى من قبيل دعاوى التسوية غير المقيدة بمواعيد دعوى الإلغاء عند رفعها.
طعنت وزارة المالية فى الحكم المذكور بالطعن رقم 1394 لسنة 29 ق للخطأ فى تطبيق القانون إذ كيف الدعوى على أنها دعوى تسوية فى حين أنها طعن بالإلغاء على قرار تعيين المدعى بالفئة الثالثة وهو قرار لم يتظلم منه المدعى أو يطعن فى المواعيد المقررة.
وبجلسة 22/ 2/ 1987 أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها المطعون فيه مؤسسه قضاءها على أن المدعى لم ينقل من وزارة التربية والتعليم إلى مصلحة الجمارك نتيجة لحصوله على المؤهل العالى، حتى يثار تحديد الفئة التى يستحق النقل إليها طبقاً لأحكام القانون وإنما انتهت خدمته بوزارة التربية والتعليم بالاستقالة وعين تعييناً مبتدأ بمصلحة الجمارك بمؤهله العالى الحاصل عليه، ومن أجل ذلك فإن التكييف القانونى الصحيح لما يطالب به من اعتباره معيناً بهذه المصلحة بالدرجة الثانية التى كان يشغلها قبل إنهاء خدمته بالتربية والتعليم أنه طعن بالإلغاء على قرار تعيينه بمصلحة الجمارك بالدرجة الثالثة ومعلوم أن طلب إلغاء هذا القرار يتعين لقبوله وجوب التظلم منه أولاً ثم رفع الدعوى فى المواعيد المقررة قانوناً، فمن ثم تكون دعواه غير مقبولة شكلاً - ويكون الحكم وقد قضى بغير هذا النظر قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه مما يتعين معه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً لعدم سابقة التظلم.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه ما يلي:
أولاً: بطلان الحكم لقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية فى السيد الأستاذ المستشار رئيس الدائرة التى أصدرت الحكم هو الاستاذ المستشار ...... نائب رئيس مجلس الدولة بحسبانه المستشار القانونى للمطعون ضده الأمر الذى يوفر صلة شخصية بينه وبين خصم فى الدعوى تشتبه بصلة الوكالة لما يحققه هذا المنصب المنتدب إليه من صلة مباشرة بينه وبين الوزير المذكور وحث الأخير إلى طلب ندبه ابتداء ليكون مستشاراً له، وهو الذى يطلب تجديد هذا الندب سنوياً كإعلان دورى لتجديد الثقة فيه وكمال اطمئنانه إليه وحسن التعاون القائم بينهما، وهذه الصلة والعلاقة هى عينها التى توفرها علاقة الوكالة فى مجال القانون الخاص بحيث لا تختلف الوكالة عن الندب فى خصوص الأثر الذى تولده من عدم صلاحية الوكيل أو المستشار المنتدب للفصل فى قضية تخص موكله أو من انتدبه ليكون مستشاراً له ولا ينبغى الالتفات عن هذا النظر تمسكاً بحرفية ألفاظ المادة 146 مرافعات فى خصوص ذلك السبب إذ هى وضعت فى مجال القانون الخاص من جهة، وجرى ذلك من وقت لم يكن قد انتشر فيه ندب السادة المستشارين بالمحاكم مستشارين - قانونيين للوزراء مما يستوجب اعمال حكم المادة 146 المشار إليها بجامع العلة التى صدر عنها ذلك الحكم التشريعى.
وكمال تجرد القضاة من شبهات الميل مع من تربطهم بهم صلة عمل وثيقة خاصة فى إطار التجديد الدورى للندب وتعليق تجديد الندب على إرادة الوزير طالب الندب وما يفيئه الندب على المنتدب فى بعض المواقع من مزايا مالية على مرتب السلك القضائى أضعافاً مضاعفة على نحو يحمل مظنة الميل إلى جانب من يدين له المستشار وبتجديد الندب وبالمكافأة الأصلية والمكافآت الأخرى الإضافية والتكميلية كل ذلك يقتضى تنحى المستشار عن الحكم فى قضية هذا هو مركزه فيها ووضعه بالنسبة لأحد الخصوم بها ليس لشك فى استقامته ونزاهته وإنما لكمال تجرد القاضى من كل ما عساه ينال من حيدته وبعده عن التأثر بأحد أطراف الدعوى المطروحة عليه فإن لم يتنح فإن تنحيته تكون أمراً واجباً فإن لم يفعل فإن ذلك يبطل حكمه ويذره واجب السحب، ولو كان حكماً صادراً من محكمة النقض أو المحكمة الإدارية العليا.
لذلك يكون الحكم الصادر فى الطعن رقم 1394 لسنة 29 ق من الأستاذ المستشار..... هو حكم باطل واجب الإلغاء وإعادة الفصل فى القضية من دائرة أخرى جديدة.
ثانياً: قيام موجب إعادة النظر فى الحكم المطعون فيه إذ أجازت المادة 241 مرافعات للخصوم أن يلتمسوا إعادة النظر فى الأحكام الصادرة بصفة انتهائية فى الأحوال التى أوردتها المادة على سبيل الحصر والحالة الأولى من تلك الحالات هى "إذا وقع من الخصوم غش كان من شأنه التأثير فى الحكم" والحالة الرابعة منها هى "إذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة فى الدعوى كان خصمه قد حال دون تقديمها".
وثابت من الأوراق أن الطاعن أكد أمام محكمة القضاء الإدارى أنه التزم أوضاع ومواعيد دعوى الإلغاء فى دعواه على تقدير إمكان تكييفها على ذلك النحو ومنها تقديم التظلم الوجوبى المقرر فى 11/ 3/ 1982 وأكد هذه الحقيقة فى مذكراته أمام محكمة الطعن مقرراً أن التظلم قد قدم إلى السيد مفوض الدولة لدى الوزارة المطعون ضدها فى التاريخ المشار إليه مما كان يستوجب على المحكمة أن تتثبت من واقع الأمر فى هذه المسألة طالما أنها جوهرية وذات شأن فى الدعوى المطروحة وذلك بطلب ملف التظلم من الجهة الإدارية إلا أنها لم تفعل انسياقاً لما زعمته جهة الإدارة من عدم وجود تظلم على نحو أدخل الغش على المحكمة فى خصوص المسألة المشار إليها فأوقع حكمها فى نتائج فاسدة ما كان ليقع فيها لولا غش الإدارة.
يضاف إلى ما سبق أن الطاعن حصل على أوراق قاطعة فى الدعوى التى حال خصمه المطعون ضده دون تقديمها فيها حيث حصل بعد الحكم فى الطعن رقم 1394 لسنة 29 ق على ما يفيد سبق تظلمه إلى السيد مفوض الدولة من قرار تعيينه فقد مكنته الجهة الإدارية من ذلك بعد صدور الحكم واطمئنانها إلى رفض طعنه، وهذه الأوراق من شأنها قلب نتيجة الحكم لو لم تحل جهة الإدارة من وصولها إلى يد المحكمة الأمر الذى يقيم السبب الرابع الوارد فى المادة 241 مرافعات والموجب لإعادة النظر فى الحكم محل الالتماس الماثل بإلغائه وإعادة نظر الدعوى مجدداً من دائرة أخرى.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن فإن المادة 146 من قانون المرافعات تنص على أن "يكون القاضى غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها ولو لم يرده أحد الخصوم فى الأحوال الآتية:
(1)......... (2)........ (3) إذا كان وكيلاً لأحد الخصوم فى أعماله الخصوصية أو وصياً عليه أو قيماً أو مظنونة وراثته له أو كانت له صلة قرابة أو مصاهرة للدرجة الرابعة يوصى أحد الخصوم أو بالقيم عليه أو بأحد أعضاء مجلس إدارة الشركة المختصة أو بأحد مديرها وكان لهذا العضو أو المدير مصلحة شخصية فى الدعوى.
(4)....... (5) إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتب فيها ولو كان ذلك قبل اشتغاله بالقضاء أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها.
وتنص المادة 147 على أنه "يقع باطلاً عمل القاضى أو قضاؤه فى الأحوال المتقدمة الذكر ولم تم باتفاق الخصوم.
وإذا وقع هذا البطلان فى حكم صدر من محكمة النقض جاز للخصم أن يطلب منها إلغاء الحكم وإعادة نظر الطعن أمام دائرة أخرى".
وومن حيث إنه كان جائزاً إبطال أحكام محكمة النقض إذا قام بأحد أعضاء الهيئة التى أصدرت الحكم سبب من أسباب عدم الصلاحية المنصوص عليها فى المادة 146 سالفة الذكر فإن هذا الحكم يمتد ليسرى على الأحكام الصادرة من المحكمة الادارية العليا لوحدة العلة فى الحالتين وهى ضرورة توفير ضمانة أساسية تطمئن المتقاضين وتصون سمعة القضاء.
ومن حيث إن الطاعن يستند فى طعنه إلى أن المستشار ...... رئيس الدائرة التى أصدرت الحكم المطعون فيه كان منتدباً مستشاراً قانونياً للسيد وزير المالية المطعون ضده مما يوفر صلة شخصية بينه وبين خصم فى الدعوى هى عينها صلة الوكالة فى مجال القانون الخاص باعتبار أن الوكالة لا تختلف عن الندب فى خصوص الأثر الذى تولده من عدم صلاحية الوكيل أو المستشار المنتدب للفصل فى قضية تخص موكله أو من انتدبه ليكون مستشاراً له.
ومن حيث إنه يتعين بداءة تقرير أن أسباب عدم صلاحية القاضى لنظر النزاع وارده فى القانون على سبيل الحصر ولا يجوز التوسع فى تفسيرها.
ومن حيث إن الوكالة هى عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانونى لحساب الموكل، وذلك بعكس الندب مستشاراً قانونياً لوزير ما، فإن المستشار فى هذه الحالة لا يقوم بأعمال قانونية لحساب الوزير وإنما يقوم بهذه الأعمال لحساب القانون وإذا كان على الوكيل أن يلتزم فى تنفيذ الوكالة حدودها المرسومة التى عينها الموكل فلا يخرج عليها لا من ناحية مدى سعة الوكالة والتصرفات القانونية التى تتضمنها ولا من ناحية طريقة التنفيذ التى رسمها له الموكل فإن المستشار القانونى غير مقيد بذلك، إذ أنه يبدى الرأى الذى يراه متفقاً مع صحيح حكم القانون بغض النظر عن رأى الوزير، كما أن ما يحكم المستشار فى إبداء الرأى هو القانون الذى ينبغى أن يتقيد به لا رأى الوزير الذى يعمل مستشاراً له لذا فإن الوزير لا يحدد له ما ينبغى أن ينتهى إليه فى رأيه كما هو الحال بالنسبة للموكل وبالتالى فإن المستشار حر فى إبداء الرأى، وليس للوزير من الناحية القانونية أن يملئ عليه سلوكاً معيناً يتعين أن يلتزم به كما هو الحال فى علاقة الموكل بوكيله وأن الوزير فى حالة الندب هو المقيد - ولو أدبياً - برأى المستشار القانونى وليس العكس، وبالتالى فإن تشبيه الندب بالوكالة أمر بعيد عن حقيقة الواقع والقانون.
ومن حيث إنه إذا انتفى التشابه بين الوكيل والمنتدب فإنه يصبح لا مجال لسحب الأحكام القانونية التى تنطبق على الوكيل لتسرى على المنتدب كمستشار قانونى لوزير ما فإذا كانت المادة 146 من قانون المرافعات تقضى بعدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى إذا كان وكيلاً لأحد الخصوم فى أعماله الخصوصية، فإن الحكم لا يسرى على القاضى المنتدب مستشاراً قانونياً لأحد الوزراء إذا كان هذا الوزير مختصماً فى دعوى منظورة أمامه ذلك أنه إذا كان القاضى الوكيل يخضع فى تصرفاته للحدود التى رسمها له الموكل ويمكن للأخير التأثير عليه بما يتعين معه القول بعدم صلاحية القاضى الوكيل لنظر دعوى يكون موكله طرفاً فيها فإن هذا التأثير غير متوافر فى حالة القاضى المنتدب مستشاراً لوزير ما إذا كان هذا الوزير طرف فيها.
ومن حيث إنه فضلاً عما سبق فإن نص المادة 146 سالفة الذكر إذا كان يقضى بعدم صلاحية القاضى الوكيل لنظر دعوى موكله فيها فإن ذلك لأن الأمر يتعلق بمصلحة خاصة لموكله وتتعلق الدعوى بأعماله الخصوصية مما يتصور معه سعى الموكل للتأثير على وكيله القاضى بغية الفوز بحكم فى صالحه.
أما الوزير الخصم فى الدعوى فهو خصم بقوة القانون إذ القانون يقضى بأنه الممثل القانونى للوزارة وبالتالى فإنه يكون خصماً فى أية دعوى يقيمها أى موظف فى وزارته وهذه الدعاوى التى ترفع ضده لا تتعلق بمصلحة خاصة به تدعو إلى أن يحاول التأثير على القاضى المنتدب مستشاراً له ليقضى فيها على نحو معين إن مئات من القضايا تقام على الوزير لا بصفته الشخصية لكن بصفته ممثلاً قانونياً للوزارة التى يرأسها ولا يتصور أن يهتم الوزير فى كل قضية بالقيام بمساع لدى القاضى المنتدب إليه لكى يؤثر فى حكمه وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا شبهه يمكن أن تؤدى إلى القول بعدم صلاحية القاضى المنتدب مستشاراً قانونياً لوزير ما فى أن يقضى فى نزاع يكون هذا الوزير خصماً فيه بحكم تمثيله القانونى للوزارة.
ومن حيث إن المادة 146/ 5 من قانون المرافعات تقضى بعدم صلاحية القاضى لنظر الدعوى إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم فى الدعوى أو كتب فيها أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان أدى شهادة فيها.
ومن حيث إن الأستاذ المستشار........... كان منتدباً مستشاراً قانونياً للسيد وزير المالية بمقتضى قرار رئيس مجلس الدولة رقم 337 لسنة 1986 حتى 30/ 6/ 1987 وقد أعد مذكرة فى الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المالية فى الدعوى رقم 98 لسنة 37 ق بتاريخ 29/ 6/ 1986 بتسوية حالة بعض العاملين بالتطبيق لحكم المادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 1975 خلص فيها إلى سلامة هذا الحكم ووجوب تنفيذه مع متابعة الطعن عليه.
ومن حيث إنه على الرغم من أن دعوى الطاعن تتفق فى موضوعها وأساسها القانونى مع الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا لوزارة المالية فى الدعوى قم 98 لسنة 37 ق والذى سبق أن أعد السيد الأستاذ المستشار........ مذكرة بشأن تنفيذه فإنه مع ذلك لا يكون قد أفتى أو قطع برأى مسبق فى دعوى الطاعن يرتب عدم صلاحيته لنظرها ذلك أن الإفتاء أو الكتابة أو النظر الذى يهدر صلاحيته يجب أن يكون فى نفس دعوى الطاعن فإن كان فى دعوى أخرى فلا يصلح سبباً لعدم صلاحيته ولو كانت دعوى الطاعن مشابهة للدعوى التى سبق أن أفتى فيها برأى، وهذا هو الذى يقضى به صراحة نص المادة 146/ 5 من قانون المرافعات من جهة، كما أنه هو ما استقر عليه القضاء من جهة أخرى.
ومن حيث إنه لكل ما سبق فإن النعى على الحكم المطعون فيه بالبطلان لقيام سبب من أسباب عدم الصلاحية بالسيد الأستاذ المستشار.......... يكون غير قائم على سند من القانون جديراً بالرفض.
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى من أوجه الطعن وهو قيام موجب لإعادة النظر فى الحكم المطعون فيه بسبب غش من جهة الإدارة كان من شأنه التأثير فى الحكم فضلاً عن حصول الطاعن بعد صدور الحكم على الأوراق القاطعة فى الدعوى التى حال خصمه المطعون ضده دون تقديمها فإنه يبين من استعراض التطور التشريعى للنصوص التى تنظم المحكمة الإدارية العليا وتبين اختصاصاتها أن المشرع أنشأ هذه المحكمة بالقانون رقم 165 لسنة 1955 لتكون خاتمة المطاف فيما يعرض من أقضية على القضاء الإدارى وناط بها مهمة التعقيب النهائى على جميع الأحكام الصادرة من المحاكم الإدارية ومحكمة القضاء الإدارى، واتساقاً مع ذلك، نص فى المادة 15 من ذلك القانون على أنه لا يقبل الطعن فى أحكام هذه المحكمة بطريق التماس اعادة النظر وقد سكت القانونان التاليان لمجلس الدولة رقم 55 لسنة 1959 ورقم 47 لسنة 1972 الحالى عن إيراد نص مماثل لنص المادة 15 من القانون رقم 165 لسنة 1955، وإنما ورد فيهما النص على أنه يجوز الطعن فى الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإدارى أو من المحاكم الإدارية بطريق التماس إعادة النظر فى المواعيد والأحوال المنصوص عليها فى قانون المرافعات المدنية والتجارية، وذلك فى الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 55 لسنة 1959 والفقرة الأولى من المادة 51 من القانون رقم 47 لسنة 1972 المعمول به حالياً، ومن ثم فإنه لما كانت المحكمة الإدارية العليا لم تتبدل منزلتها فى هذين القانونين عما كانت عليه فى القانون رقم 165 لسنة 1955 المشار إليه إذا ما برحت على رأس القضاء الإدارى ونهاية المطاف فيه، فقد جرى قضاء هذه المحكمة فى ظل القانونين رقم 55 لسنة 1959 ورقم 47 لسنة 1972 على أن أحكام المحكمة الإدارية العليا كانت وما زالت لا تقبل الطعن بطريق التماس إعادة النظر وذلك بمفهوم المخالفة لنص الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 55 لسنة 1959 والفقرة الأولى من المادة 51 من القانون رقم 47 لسنة 1972 الأمر الذى يتعين معه الحكم بعدم جواز الطعن فى الحكم الماثل بطريق التماس إعادة النظر.
ومن حيث إنه لا يغير من النتيجة السابقة قول الطاعن أن انغلاق باب التماس إعادة النظر فى أحكام النقض لا يستتبع انغلاق هذا الباب فى أحكام المحكمة الإدارية العليا لأنه إذا كانت محكمة النقض محكمة قانون محض لا تتصدى للموضوع، فإن المحكمة الإدارية العليا تحتفظ لنفسها بالحق فى التصدى للواقع والقانون معاً، مما يفتح باب أمام الطعن فى أحكامها بالتماس إعادة النظر كوسيلة لتفادى ما يعترى الأحكام النهائية من أخطاء من حيث الواقع، هذا القول من الطاعن لا يغير من النتيجة التى انتهت إليها المحكمة لأن هذا القول يكون مقبولاً إذا كان الموضوع محل اجتهاد فى ظل غياب نص يحكم الأمر، لكن إذا كانت هناك نصوص قانونية تفصح بطريقة صريحة وشبه صريحة عن انغلاق باب التماس إعادة النظر فى أحكام المحكمة الإدارية العليا على النحو المشار إليه سلفاً فإنه لا يصير هناك محل للاجتهاد فى هذا الصدد.
ومن حيث إنه لما تقدم جميعاً فإن الطعن يكون قائم على سند سليم من القانون الأمر الذى يتعين معه الحكم برفضه وبإلزام الطاعن مصروفاته.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، والزمت الطاعن المصروفات.