مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 260

(28)
جلسة 8 من ديسمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عبد المنعم فتح الله نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ يحيى السيد الغطريفى ومحمد مجدى محمد خليل وعطية الله رسلان ود. فاروق عبد البر السيد المستشارين.

الطعن رقم 3264 لسنة 34 القضائية

دعوى - الحكم فى الدعوى - بطلان الأحكام - صدوره فى جلسة سرية (مرافعات).
جلسات المحاكم وما فى حكمها من المجالس التى أوكل إليها القانون مهمة الفصل فى مسائل معينة يجب كقاعدة عامة أن تكون علنية إلا إذا رأت هيئة المحكمة جعلها سرية مراعاة لمقتضيات النظام العام أو الآداب أو نص القانون - يجب فى جميع الأحوال أن يصدر الحكم فى جلسة علنية وإلا كان باطلا - البطلان فى هذه الحالة من النظام العام تتصدى له محكمة الطعن من تلقاء نفسها ولو لم يطلبه أحد الخصوم - القضاء بالغاء الحكم المطعون فيه برمته حتى يعود الأمر إلى محكمة أول درجة للفصل فيه بإجراءات سليمة تتفق وأحكام القانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 28/ 8/ 1988 أودع الأستاذ مصطفى نبيل حسن متولى المحامى بصفته وكيلاً عن السيد...... تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها برقم 3264 لسنة 34 ق، فى الحكم التأديبى الصادر من محكمة شمال القاهرة الابتدائية بجلسة 30/ 6/ 1988 فى الدعوى التأديبية رقم 9 لسنة 1988 (تأديب شمال القاهرة) المقامة ضد السيدين/..... (الطاعن) و....... الموظفين بالنيابة العامة، والذى قضى بفصلهما من الخدمة، وطلب الطاعن فى تقرير طعنه بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم التأديبى المطعون فيه وفى الموضوع بإلغاء وببراءة الطاعن مما هو منسوب إليه وإعادته إلى عمله والزام المطعون ضدهما المصروفات.
وأعلن تقرير الطعن إلى هيئة قضايا الدولة بتاريخ 4/ 9/ 1990 على النحو المبين بالأوراق.
وأحيل الطعن إلى هيئة مفوضى الدولة التى قامت بتحضيره وأودعت فيه تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، ورفض طلب وقف التنفيذ، ورفض الطعن موضوعا.
وحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 22/ 11/ 1990 وبجلسة 25/ 7/ 1990 قررت الدائرة احالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الرابعة - وحددت لنظره أمامها جلسة 20/ 10/ 1990 وبهذه الجلسة تم نظر الطعن أمام هذه المحكمة، وبجلسة 3/ 11/ 1990 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل فى أن رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية أحال الطاعن .... وآخر ....... الموظفين بالنيابة العامة إلى مجلس التأديب المشكل بمحكمة شمال القاهرة الابتدائية بتقرير اتهام بتاريخ 16/ 4/ 1988 متضمناً اتهام الطاعن بوصفه المسئول عن مخزن إحراز نيابة شبرا..... رئيس القلم الجنائى بنيابة شبرا بقيامهما باختلاس الإحراز من مخزن إحراز نيابة شبرا المبينة تفصيلاً بأوراق الدعوى وتقرير التفتيش، بالإضافة إلى مبالغ نقدية اختلسها الطاعن حال قيامه ببيع بعض الإحراز بالمزاد العلنى، كما قام الطاعن بالتزوير فى محررات رسمية وهى محضر بيع بالمزاد العلنى وكذلك استعمل هذا المحرر الرسمى المزور حيث تم توريد مبالغ نقدية بمقتضى هذا المحضر، وطلب لذلك محاكمتهما تأديبياً.
وقد قيد الاتهام دعوى تأديبية برقم 9 لسنة 1988 تأديب شمال القاهرة نظرتها محكمة شمال القاهرة الابتدائية مشكلة بهيئة محكمة تأديبية على النحو المبين بمحاضر جلساتها وبجلسة 30/ 6/ 1988 قضت بفصلهما من الخدمة، وأسست قضاءها على أن تقرير التفتيش على مخزن احراز نيابة شبرا المسئول عنه المتهم الأول..... (الطاعن) أثبت أنه عقب اشتعال حريق بالمخزن مساء يوم 28/ 3/ 1986 اتضح على وجه القطع واليقين اختلاس كل من أمين المخزن..... و...... رئيس القلم الجنائى بنيابة شبرا الإحراز المبينة وصفاً وقيمة بالأوراق والمسلمة إلى كل منهما بسبب وظيفته بالإضافة إلى ما اتضح من التقرير الفنى عن سبب حدوث الحريق عن علاقة المتهمين بإحداث الحريق أفصح التقرير أن الحريق تم بفعل مصدر حرارى مباشر ذو لهيب كعود ثقاب أو قداحة وأنه لا يمكن وصول المصدر الحرارى إلا ممن يتواجد بداخل حجرة المخزن فى فترة سابقة على وقوع الحادث الذى ينبئ عن شبهة أن كلاً من المتهمين - وهما أصحاب المصلحة فى حريق مخزن إحراز نيابة شبرا - قد أشعل الحريق بالمخزن لإخفاء جريمة اختلاسهما للإحراز الأمر الذى يدل على مدى الخطورة والإجرام الذى أدى بهما إلى ارتكاب جريمتهما، وبالتالى فإن سلوكهما حيال الوظيفة العامة يكون قد شابه الانحراف لخروجهما على مقتضى واجبات الوظيفة بل خروجهما على كل قواعد القانون والأخلاق والأمانة والنزاهة وهى أمور يجب أن يتحلى بها كل من يتقلد إحدى الوظائف العامة، ومن ثم فإن سلوكهما قد أصبح بمثابة المرض الخبيث الذى لا يلبث أن ينتشر فى سائر جسد الإدارة ويصبح استئصالهما من مجال الوظيفة العامة أمراً واجباً.
ومن حيث إن الطعن على هذا الحكم يقوم على أنه أجحف بحقوق الطاعن وبنى على أسباب غير قانونية للآتى:
(أولاً) أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى الإسناد لأنه سار عن النهج المتبع فى قانون العقوبات بأن استعار وصفا جنائيا واردا فيه ولم يورد وصفا إداريا للذنب الإدارى إلا فى عبارات عارضة ولم يورد وصف المخالفة فى قانون العاملين المدنيين بالدولة أو المواد المطبقة منه.
(ثانياً) أن الحكم المطعون فيه قد أجحف بحق الطاعن وشابه القصور فى التسبيب لأن الطاعن أورد فى دفاعه أن النيابة العامة حفظت الموضوع، ولم يرد مجلس التأديب على ذلك مما يدل على عدم إلمامه بواقعات الدعوى، وأن ما ورد بالحكم المطعون فيه من أن التقرير الفنى ينبئ عن شبهة قيام المتهمين بإحداث الحريق لا يرقى دليل للإدانة خاصة وأن الحكم قضى بأقصى عقوبة دون نظر إلى حفظ النيابة العامة للواقعة ودون مراعاة لحكم المادة 94/ 7 من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون 47 لسنة 1978 والتى لا تنهى خدمة العامل بمجرد صدور حكم عليه لأول مرة بعقوبة جنائية مقيدة للحرية فى جريمة مخلة بالشرف والأمانة وإنما جعلت ذلك للجنة شئون العاملين وفى ضوء ما ورد فى الحكم من أسباب إذا استبان لها أن بقاءه فى الخدمة يتعارض مع مقتضيات الوظيفة العامة وطبيعة العمل.
ومن حيث إن المادة 169 من الدستور قد نصت على أن "جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية"، وتنص المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة النظام العام أو محافظة على الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها فى جلسة سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور"، وتنص المادة 303/ 1 من ذات القانون على أن "يصدر الحكم فى جلسة علنية ولو كانت الدعوى نظرت فى جلسة سرية ويجب إثباته فى محضر الجلسة ويوقع عليه رئيس المحكمة والكاتب"، وتنص المادة 174 من قانون المرافعات على أن "ينطق القاضى بالحكم بتلاوة منطوقة، أو بتلاوه منطوقة مع أسبابه، ويكون النطق به علانية وإلا كان الحكم باطلاً"، كما أن القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية قد نظم فى الفصل السادس من الباب الخامس تأديب العاملين بالمحاكم إذا ما وقع من أى منهم إخلال بواجبات وظيفته أو أتى ما من شأنه أن يقلل من الثقة اللازم توافرها فى الأعمال القضائية أو يقلل من اعتبار الهيئة التى ينتمى إليها، وحدد كيفية تشكيل مجالس التأديب بالمحاكم المختلفة، ونص فى المادة 168 على أن تقام الدعوى التأديبية ضد موظفى المحاكم والنيابات بناءً على طلب رئيس المحكمة بالنسبة لموظفى المحاكم وبناءً على طلب النائب العام أو رئيس النيابة بالنسبة لموظفى النيابات، ونص فى المادة 169 على أن "تتضمن ورقة الاتهام التى تعلن بأمر رئيس مجلس التأديب التهمة أو التهم المنسوبة إلى المتهم وبياناً موجزاً بالأدلة عليها واليوم المحدد للمحاكمة، ويحضر المتهم بشخصه أمام المجلس وله أن يقدم دفاعه كتابة أو أن يوكل عنه محامياً، وتجرى المحاكمة فى جلسة سرية".
ومن حيث إنه يبين من عرض النصوص السابقة أن جلسات المحاكم وما فى حكمها من المجالس التى أوكل إليها القانون مهمة الفصل فى مسائل معينة، يجب كقاعدة عامة أن تكون علنية، إلا إذا رأت هيئة المحكمة جعلها سرية مراعاة لمقتضيات النظام العام أو الآداب أو نص القانون على ذلك، وفى جميع الأحوال يجب أن يصدر الحكم فى جلسة علنية وإلا كان الحكم باطلاً، والبطلان فى هذه الحالة من النظام العام، وتتصدى له محكمة الطعن من تلقاء نفسها، ولو لم يطلبه أحد الخصوم، وذلك لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الطعن أمامها يفتح الباب لتزن الحكم المطعون فيه بميزان القانون غير مقيدة بطلبات الطاعن أو الأسباب التى يبديها.
ومن حيث أنه على هدى ما تقدم، وكان الثابت من مطابقة النسخة الأصلية للحكم المطعون فيه أنه صدر فى جلسة غير علنية، ولم يرد بالحكم أو هامشه ما يدل على أنه قد تم النطق به فى جلسة علنية فإنه بذلك يكون باطلاً، الأمر الذى يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن إلغاء الحكم المطعون فيه فى هذه الحالة لم يقم على سبب معين خاص بالطاعن وإنما قام على البطلان الذى اعتور هذا الحكم، أى أن الإلغاء قد قام على عيب أصاب ذاتية الحكم المطعون فيه، الأمر الذى يتعين معه القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه برمته، حتى يعود الأمر إلى مجلس التأديب للفصل فيه باجراءات سليمة تتفق وأحكام القانون.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه.