مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 328

(36)
جلسة 15 من ديسمبر سنة 1990

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ محمد أمين العباسى المهدى ومحمود عبد المنعم موافى وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم وأحمد شمس الدين خفاجى المستشارين.

الطعن رقم 831 لسنة 34 القضائية

( أ ) دعوى - دفوع فى الدعوى - الدفع بعدم دستورية النص الواجب التطبيق - الاختصاص به.
المحكمة المختصة أساساً بالفصل فى المنازعة هى التى تختص بتقدير مدى جدية الدفع بعدم دستورية أى نص يتعلق بها سواء من تلقاء نفسها أو بناءً على دفع من الخصوم - لا يكون الدفع جدياً إلا إذا كان له سند من الدستور يجعله مرجح الكسب عندما تقام الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا - تطبيق.
(ب) اختصاص - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى - ما يخرج عن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء ادارى - (قرار إدارى)، (قرار قضائى).
التصديق على أحكام محاكم أمن الدولة - طبيعة القرارات الصادرة فى هذا الشأن - المواد 12، 14، 15 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ - الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة لا تكون نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية الذى يصدر قرار التصديق بصفته رئيسا للدولة وليس رئيساً للسلطة التنفيذية - قرارات رئيس الجمهورية بشأن تلك الأحكام ليست قرارات ادارية بالمفهوم المقصود بقانون مجلس الدولة وإنما هى عمل قانونى مكمل للأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة وتعتبر بذلك قرارات قضائية - أثر ذلك: عدم اختصاص القضاء الإدارى ولائياً بنظر الطعن على هذه القرارات - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 20 من فبراير سنة 1988 أودع الدكتور/ يوسف البطراوى المحامى عن ....... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 831 لسنة 34 القضائية، فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى - دائرة منازعات الافراد والهيئات - بجلسة 22 من ديسمبر سنة 1987 فى الدعوى رقم 5015 لسنة 41 القضائية المقامة من الطاعن ضد المطعون ضدهم فيما قضى به من عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وإلزام المدعى بالمصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وبصفة مستعجلة الأمر بوقف تنفيذ قرار الحاكم العسكرى المطعون فيه، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم مجدداً بعدم دستورية المواد 7، 8، 9 ومن 12 إلى 20 من القانون رقم 162 لسنة 1958 لتعارضها مع القانون رقم 105 لسنة 1980 وإحالة الدعوى إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستورية هذه المواد مع إلزام جهة الادارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة الثانى من مايو سنة 1988 وتداولت نظر الطعن بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة الرابع من يوليو سنة 1988 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة وحددت لنظره أمامها جلسة رقم 15 من أكتوبر سنة 1988، وبعد تداول نظر المحكمة للطعن قررت بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1988 تأجيل نظر الطعن لجلسة 15 من إبريل سنة 1989 ليقوم الطاعن برفع دعوى عدم دستورية المواد 12، 14، 15 من قانون الطوارئ الصادر بالقانون رقم 162 لسنة 1958 وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الجلسة، وفى الجلسة التالية قدم الطاعن ما يفيد إقامته دعوى الدستورية، فقررت المحكمة وقف الطعن لحين الفصل من المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 3 لسنة 11 دستورية المقامة من الطاعن فى شأن مدى دستورية بعض مواد القانون المشار إليه.
وبجلسة 16 من يونيو سنة 1990 أصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمها فى الدعوى رقم 3 لسنة 11 القضائية دستورية بعدم قبول الدعوى والزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة، وبناءً على ذلك تقدم وكيل الطاعن بطلب تعجيل الطعن من الوقف، فتقرر لنظره جلسة الثالث من نوفمبر سنة 1990 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم على الطعن بجلسة السبت الموافق 15 من ديسمبر سنة 1990 حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه صادر بعدم اختصاص القضاء الإدارى ولائياً بنظر الدعوى.
ومن حيث إن الفصل فى الاختصاص يجب دائماً أن يسبق الفصل فى الشكل أو الموضوع، كما يتعين - حسبما جرى على ذلك قضاء هذه المحكمة - على محاكم مجلس الدولة التصدى للفصل فى مدى ولاية القضاء الإدارى بنظر الدعوى من تلقاء نفسها ولو دون دفع من الخصوم وذلك إعمالاً لما تقضى به المادة (32) من الدستور وأحكام القانون رقم 47 لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة من تحديد لولايه محاكم مجلس الدولة كجزء من النظام العام الدستورى والقضائى فى البلاد.
ومن حيث إن قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 ينص فى المادة (25) منه على أن "تختص المحكمة الإدارية العليا بما يأتى:
أولاً: الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح..." وينص فى المادة (29) على أنه "تتولى المحكمة الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالى:
( أ ) إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر إحدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع، أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية.
(ب) إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى، أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع ميعاداً لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا، فإذا لم ترفع الدعوى فى الميعاد اعتبار الدفع كأن لم يكن".
وولقد نصت المذكرة الإيضاحية لقانون المحكمة الدستورية العليا على أن "من أبرز معالم دستور جمهورية مصر العربية الذى منحته جماهير شعب مصر لأنفسها فى 11 من سبتمبر سنة 1971 ما أورده فى بابه الرابع: "سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة" مؤكدة بذلك خضوعها للقانون كالافراد سواء بسواء.
ولما كانت سيادة القانون تستوجب بداهة عدم خروج القوانين واللوائح على أحكام الدستور باعتباره القانون الأسمى، ضماناً لالتزام الدولة بأحكامه فيما يصدر عنها من قواعد تشريعية، فقد خصص الدستور فصلاً مستقلاً للمحكمة الدستورية العليا فى الباب الذى يعالج نظام الحكم نص فيه على أنها هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها تتولى دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، كما تتولى تفسير النصوص التشريعية، مؤكداً بذلك هيمنة هذه الهيئات القضائية العليا على تثبيت دعائم المشروعية وصيانة حقوق الأفراد وحرياتهم.
وقد أعد القانون المرافق فى شأن المحكمة الدستورية العليا استكمالاً للأسباب الدستورية التى يقوم عليها نظام الحكم فى البلاد.
وتأكيداً لأهمية الدور الذى أسبغه الدستور على المحكمة الدستورية العليا لتحقيق الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح مع توحيد مفهوم نصوص الدستور بما يحقق استقرار الحقوق، حرص القانون على أن يكون لهذه المحكمة دون غيرها القول الفصل فيما يثور من منازعات حول دستورية القوانين وتحقيقاً لقيام هذه الرقابة على دستورية القوانين نص القانون على ثلاثة طرق لتحقيق هذه الغاية، أولها التجاء جهة القضاء من تلقاء نفسها إلى المحكمة الدستورية العليا لتفصل فى دستورية نص لازم للفصل فى دعوى منظورة أمام هذه الجهة وذلك تثبيتاً لالتزام الأحكام القضائية بالقواعد الدستورية الصحيحة، والثانى الدفع الجدى من أحد الخصوم أمام إحدى جهات القضاء بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة وعندئذ تؤجل المحكمة نظر الدعوى وتحدد لمن آثار الدفع أجلاً لرفع الدعوى بذلك، والطريق الثالث تخويل المحكمة الدستورية العليا أن تقضى من تلقاء نفسها بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة يعرض لها بمناسبة ممارسة جميع اختصاصاتها.
ومقتضى ما تقدم أن مباشرة المحكمة الدستورية لاختصاصها فى الرقابة على دستورية القوانين إنما تكون لها من تلقاء ذاتها عندما يعرض لها نص فى قانون بمناسبة ممارسة اختصاص مقرر لها، وكذلك الأمر بشأن ما يحال إليها من جهات القضاء للفصل فيه من المسائل الدستوريه، وما يرفع أمامها من دعاوى يقيمها من يثير الدفع بعدم دستورية نص وتقدر جهات القضاء جديته وأساس تنظيم المشرع فى قانون المحكمة الدستورية العليا لطريق الدفع الجدى بعدم الدستورية سبيلاً إلى نظر الأمر أمام المحكمة لو أقيمت الدعوى فى الميعاد الذى تحدده محكمة الموضوع والتى قضت بجدية الدفع لاحتمال كسبه طبقاً لأحكام الدستور وفقاً لتقديرها أن ولاية الفصل فى عدم دستورية القوانين قبل إ نشاء المحكمة الدستورية العليا كانت لكل محكمة من محاكم البلاد، وحيث استقر القضاء الإدارى والعادى على أن المحاكم مخاطبة أساساً بأحكام الدستور وهى تلتزم بالمحافظة على أحكامه وحماية الشرعية الدستورية التى يقررها بحيث إنه عندما يعرض عليها نزاع تختص به وتطبق بشأنه نصوصاً فى قانون أو لائحة تتعارض مع أحكام الدستور الذى يعد القانون الأساسى والأعلى للبلاد كان على القضاء أن يمتنع عن تطبيق النصوص غير الدستورية وإعمال أحكام الدستور التى تعلوها وبالتالى فإن المحكمة المختصة أساساً بالفصل فى المنازعة هى المختصة أصلاً بتقدير مدى جدية الدفع بعدم دستورية أى نص يتعلق بها سواء من تلقاء ذاتها أو بناءً على دفع من الخصوم ولا يكون الدفع جدياً إلا لو كان له سند من الدستور يجعله مرجح الكسب عندما تقام الدعوى بعدم الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا فى الميعاد المحدد لذلك وبناءً على ذلك فإنه من البديهى لممارسة جهات القضاء لاختصاصها فى التصدى لإثارة عدم دستورية نص فى قانون أو للفصل فى جدية الدفع بعدم دستوريته أن يكون ذلك بمناسبة ممارسة ولاية واختصاص مقرر دستورياً وقانونياً لها، وذلك استناداً إلى أنه يبين من أحكام المواد 165، 166، 167، 168، 178 من الدستور أن السلطة القضائية هى إحدى السلطات السيادية الثلاثة فى الدولة وقد حدد المشرع الدستورى ولايتها واختصاصها فى إقامة العدالة والفصل فى المنازعات المدنية أو الجنائية أو الإدارية أو غيرها وأداء دورها الأساسى فى إقرار سيادة الدستور والقانون وكفالة السلام الاجتماعى، كما نظم الدستور المحاكم بأنواعها وترك للقانون تنظيم ترتيبها واختصاصها ومن ثم فإن أية محكمة أو هيئة قضائية إنما يحكمها نص المادة (167) من الدستور التى تقضى بأن "يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها.." والمادة (165) من الدستور التى تقضى بأن السلطة القضائية مستقلة وتتولى المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها إقامة العدالة وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ومن ثم فإن أية محكمة تكون محجوبة بنص الدستور والقانون عن النظر فى أى موضوع يخرج عن ولايتها أو اختصاصها وتكون بالتالى محجوبة عن التعرض لما يدخل فى اختصاص محكمة سواها، ويدخل فى ذلك تحديد مدى جدية الدفع المثار من أطراف النزاع المطروح عليها بعدم دستورية نص فى قانون لأن الفصل فى مدى جدية الدفع بعدم دستورية نص ما إنما يكون للمحكمة المنوط بها تطبيقه فى نزاع مطروح أمامها ولها ولاية الفصل فيه وحيث يكون القضاء بعدم دستورية النص مؤثراً على ما سوف تنتهى إليه من قضاء فى النزاع الذى أناط بها الدستور والقانون حسمه بأحكام تختص بإصدارها فى شأنه، أما حيث تنتفى ولاية أو اختصاص المحكمة بالنظر فى موضوع المنازعة والفصل فيها وحسمها طبقاً لما يقضى به الدستور والقانون، فإنه ينتفى معه اختصاصها وولايتها بنظر الدفع المبدى بعدم دستورية النص، وبناءً على ذلك فإنه إذا كان النص مانعاً من الالتجاء إلى القضاء الجنائى على مستوى معين من مستويات التقاضى، فإن المحكمة التى يدفع أمامها بعدم دستورية النص المانع من التقاضى على هذا المستوى هى المحكمة الجنائية التى كانت تختص أصلاً بنظر النزاع فيما لو قضى بعدم دستورية النص الذى يحول دون نظرها إياه.
ومن حيث إنه بتطبيق ما تقدم فى شأن الطعن الماثل فإن الطاعن كان قد أقام الدعوى الصادر فيها الحكم المطعون فيه بطلب إلغاء القرار الصادر من مكتب شئون أمن الدولة القاضى بالتصديق على الحكم الصادر فى القضية رقم 227 لسنة 1973 جنح أمن قسم ثان أسيوط مع إلغاء ما يترتب على ذلك من آثار، وإحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة وهى محكمة الجنح المستأنفة مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وأتعاب المحاماه، وقد قال الطاعن فى دعواه أمام محكمة القضاء الإدارى أنه قد صدر ضده حكم بتاريخ 19/ 12/ 1985 فى القضية رقم 227 لسنة 1973 جنح أمن الدولة قسم ثان أسيوط قاضياً بتغريم المدعى مبلغ (300 جنيه) والغلق لمدة ستة أشهر، ولما أراد المدعى استئناف الحكم أمام دائرة الجنح المستأنفة طبقاً للقانون رقم 105 لسنة 1980 الخاص بإنشاء محاكم أمن الدولة، حيل بينه وبين ذلك وأرسل الحكم إلى مكتب شئون أمن الدولة حيث تم التصديق عليه فى أواخر شهر يونيو سنة 1987.
وأبدى المدعى أن الذى حال بينه وبين استئناف الحكم الصادر من محكمة جنح أمن الدولة هو قيام نصوص المواد (12، 14، 15) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، حيث تنص المادة (12) على أنه "لا يجوز الطعن بأى وجه من الوجوه فى الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة، ولا تكون هذه الأحكام نهائية إلا بعد التصديق عليها من رئيس الجمهورية" وتنص المادة (14) على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية عند عرض الحكم عليه أن يخفف العقوبة المحكوم بها أو أن يبدل بها عقوبة أقل منها، أو أن يلغى كل العقوبات أو بعضها أياً كان نوعها أصلية أو تكميلية أو تبعية، أو أن يوقف العقوبات كلها أو بعضها، كما يجوز له إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى أو مع الأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى، وفى هذه الحالة الأخيرة يجب أن يكون القرار مسبباًً".
فإذا صدر الحكم بعد إعادة المحاكمة قاضياً بالبراءة وجب التصديق عليه فى جميع الاحوال، وإذا كان الحكم بالإدانة جاز لرئيس الجمهورية تخفيف العقوبة أو وقف تنفيذها أو إلغاؤها وفق ما هو مبين فى الفقرة الأولى أو إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى، ونصت المادة (15) على أنه "يجوز لرئيس الجمهورية بعد التصديق على الحكم بالإدانة أن يلغى الحكم مع حفظ الدعوى أو أن يخفف العقوبة أو أن يوقف تنفيذها وفق ما هو مبين فى المادة السابقة، وذلك كله ما لم تكن الجريمة الصادر فيها الحكم جناية قتل عمد أو اشتراك فيها".
ومن حيث إن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى إنما ينعقد وفقاً لنص المادة (172) من الدستور بالفصل فى المنازعات الإدارية وفى الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، إلا أن مناط اختصاص محاكم مجلس الدولة بنظر دعاوى إلغاء القرارات الإدارية أن يكون هناك طعن موجه إلى قرار إدارى بماهيته ومقوماته التى استقر عليها القضاء الإدارى والذى صدر من إحدى جهات الإدارة أثناء أو سبب أو بمناسبة، مباشرتها لوظيفتها الإدارية لإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانونى، وأن يكون القرار إدارياً بحسب موضوعه وغايته، وبناءً على ذلك فإن القرارات التى تصدر من رئيس الجمهورية للتصديق على الأحكام التى تصدرها محاكم أمن الدولة أو تعديل محلها طبقاً لأحكام قانون الطوارئ آنف الذكر إنما يباشرها رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للدولة ومسئولاً عن الحفاظ على أمنها وسلامتها وكفالة أداء المؤسسات الدستورية رسالتها حسب المادة 73 من الدستور وبصفته مسئولاً عن السير على تأكيد وسيادة واحترام الدستور وسيادة القانون ورعاية الحدود بين السلطات، وإذ أناط المشرع سلطة التصديق للرئيس على ما يصدر من أحكام محاكم أمن الدولة (طوارئ) فإنه لم يخوله هذه السلطة بصفته رئيساً للسلطة التنفيذية وإنما باعتباره رئيساً للدولة ومسئولاً عن سلامتها وأمنها وكفالة حسن سير العدالة فيها بالتعاون مع السلطة القضائية ممثلة فى محاكم أمن الدولة وفى الحدود التى قررها القانون، ومن ثم فإن التصديق على الأحكام من الإجراءات المكملة للاحكام القضائية وتلحقها الصفة القضائية وليست من القرارات الإدارية، حيث لا يسوغ القول بأن القرار الذى يكمل العمل القضائى وتنفذ بناءً عليه الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة قرار إدارى لما فى ذلك من تسليط للجهة الإدارية على الأعمال القضائية الأمر الذى يتعارض مع صريح أحكام الدستور والقانون المنظم للمحاكم وبصفة خاصة محاكم أمن الدولة، الأمر الذى يتأباه مبدأ الفصل بين السلطات الذى يقوم عليه استقلال السلطة القضائية ومن جهة أخرى يتناقض مع استقلال المحاكم بولايتها القضائية فى إقامة العدالة وتحقيق سيادة القانون، وحيث إن القول برقابة محاكم مجلس الدولة لمشروعية القرارات التى يصدرها رئيس الجمهورية كرئيس للدولة مكملة للأعمال القضائية التى تنتهى بهذه الأحكام وكمرحلة تستكمل بها مقومات نفاذها يرتب بحكم الضرورة تسليط رقابة محاكم مجلس الدولة على محاكم أمن الدولة على غير سند من الدستور أو القانون حيث لا يمكن فصل التعقيب على قرارات رئيس الجمهورية بشأن الأحكام عما تتضمنه هذه الأحكام، ومن حيث إن القرارات الصادرة من رئيس الجمهورية بالتصديق على الأحكام الصادرة من محاكم أمن الدولة (طوارئ) إنما تصدر منه بصفته رئيساً للدولة وليس رئيسا للسلطة التنفيذية وغايته تحقيق العدالة وتأكيد سيادة الدستور والقانون بحسب مسئوليته عن الحفاظ على أمن الدولة وسلامتها وانتظام مؤسساتها وسلطاتها الدستورية فى أداء واجباتها فى وقت الطوارئ، ومن ثم فإن قراراته فى شأن تلك الأحكام إنما هى عمل قانونى مكمل للأحكام التى تصدر من محاكم أمن الدولة ولا يعد قراراً إدارياً مما يجوز الطعن عليه بالإلغاء أمام محاكم مجلس الدولة بل يعتبر قراراً قضائياً، يستكمل بمقتضاه الحكم الصادر من محكمة أمن الدولة (طوارئ) مقوماته كحكم نهائى واجب النفاذ.
ومن حيث إنه بناءً على ما سبق جميعه فإن الحكم المطعون فيه قد صادف صحيح حكم القانون وفقاً لما سلف بيانه، ومن ثم فإن الطعن عليه يكون دون سند من القانون متعين الرفض.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.