مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1990 إلى آخر فبراير سنة 1991) - صـ 495

(54)
جلسة 19 من يناير سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الاساتذة/ محمد أمين المهدى ومحمود عبد المنعم موافى وإسماعيل عبد الحميد إبراهيم ود. محمود صفوت عثمان المستشارين.

الطعن رقم 2748 لسنة 32 القضائية

قرار إدارى - معيار التفرقة بين القرار الإدارى والمنشورات والتعليمات الداخلية (اختصاص).
التعليمات الصادرة من رئيس المحكمة بعدم قبول أية مستندات أو أوراق فى الدعوى إلا بعد التحقيق من تصويرها ميكروفيلمياً وختمها بما يفيد التصوير وعدم تمكين أى فرد من الاطلاع على ملفات القضايا من غير طريق الخدمة الميكروفيلمية وسداد الرسم المستحق.
هذا الالتزام يكون فى حقيقته إنشاء قيد جديد على رفع الدعوى لم يرد به نص فى القانون - أساس ذلك: المادة 63 من قانون المرافعات بأن الدعوى ترفع بمجرد إيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة بعد أداء الرسم المقرر قانوناً - لا يجوز لقلم الكتاب سواء من تلقاء نفسه أو بقرارات أو بتعليمات من رئيس المحكمة سواء تنظيمية عامة أو بصفة فردية التقاعس عن قيد الصحيفة ما دامت استوفت شرائطها المقررة قانونا - إفصاح رئيس المحكمة عن ارادته الملزمة سواء صاغها فى شكل منشور أو تعليمات أو أوامر إدارية فى حقيقته قرار إدارى تنظيمى مما يخضع لرقابة المشروعية أمام محاكم مجلس الدولة - القرار الإدارى المطعون فيه وقد تضمن إضافة قيد على رفع الدعوى لم يرد بالقانون يكون قرار إدارى معيب بعيب غصب سلطة المشرع وينحدر به إلى درجة الانعدام - بقاء ميعاد الطعن فيه مفتوحاً دون تقيد بالميعاد المقرر قانوناً - أساس ذلك: الإخلال الجسيم بحق الدفاع فضلاً عن فرض قيد هو أداء رسم بغير الطريق الذى رسمه القانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 28/ 6/ 1986 أودع الأستاذ فوزى محمد حشمت المحامى بصفته وعن نفسه سكرتارية المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى (دائرة منازعات الأفراد والهيئات) بجلسة 6/ 5/ 1986 فى الدعوى رقم 2596 لسنة 39 ق فيما قضى به من قبول تدخل السيد/......... خصماً منضماً للمدعى (الطاعن) وبعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى وبإلزام المدعى بالمصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب التى أوردها فى تقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه بكافة أجزائه وإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإدارى للفصل مجدداً فى موضوعها أمام دائرة أخرى مع إلزام المطعون ضدها بالمصروفات.
وأودع السيد/ الأستاذ المستشار......... مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى خلص فى ختامه إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع برفضه وبإلزام الطاعن بالمصروفات وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 6/ 11/ 1989، وفيها وفى الجلسات التالية نظر الطعن وفقاً لما هو ثابت بمحاضر الجلسات حتى قررت الدائرة المذكورة بجلسة 21/ 5/ 1990 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث تحدد لنظره أمامها جلسة 13/ 10/ 1990، وقد نظرت المحكمة الطعن على نحو ما هو ثابت بمحاضر الجلسات وقررت إصدار الحكم بجلسة 12/ 1/ 1991 وفى هذه الجلسة قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم فى الطعن لجلسة اليوم 19/ 1/ 1991.
وقد صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن وقائع هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق فى أن الطاعن (المدعى) بصفته محامياً سبق له أن أقام الدعوى رقم 2536 لسنة 39 ق أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الأمر الإدارى الصادر من الأستاذ المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية بغرض نظام الميكروفيلم بكافة جزئياته مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات، وقال شرحاً لدعواه أنه بصفته محامياً يتردد على محكمة الجزية الابتدائية لمزاولة مهنته قد فوجئ اعتباراً من أول يناير سنة 1985 أن هناك تعليمات بضرورة عرض كافة أوراق الدعاوى سواء أصل الصحيفة أو إعادة الاعلان أو أية ورقة تتعلق بأية دعوى على قسم الميكروفيلم مقابل رسم يؤدى عند تقديم كل ورقة، ثم صدر الأمر الإدارى من الأستاذ المستشار....... رئيس محكمة الجيزة الابتدائية فى 29/ 1/ 1985 كمصدر للإلزام، وكذلك بالنص على ضرورة الاطلاع، وإذا كان الإلزام برسم بدون نص وإلزام بالتصوير بالميكروفيلم فى حد ذاته أثناء تداول الدعوى يعتبر قيداً عليها لم يرد به نص فى قانون المرافعات فإن هذا القرار يكون قد خالف القانون وانحرف عن الغاية للأسباب التالية:
أولاً - أنه ليس من سلطة رئيس المحكمة إصدار أوامر إدارية تكون قيداً على الدعوى لأمر لم يرد به نص فى قانون المرافعات باشتراط ضرورة تصوير أية ورقة من أوراق الدعوى بالميكروفيلم كشرط لقبول الدعوى مما يعتبر قيداً على حق التقاضى لم يرد به قانون، مما يشكل مخالفة للمادة 68 من الدستور، فضلاً عن خلو قانون السلطة القضائية ر قم 46 لسنة 1972 من نص يخول المستشار المنتدب رئيساً للمحكمة هذا الحق.
ثانياً - أن المادة (119/ 3) من الدستور تقضى بعدم جواز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم إلا فى حدود القانون، كما أن المادة رقم (51) من قانون الرسوم المدنية رقم 90 لسنة 1944 تنص على أن الرسوم المفروضة تشمل جميع الإجراءات القضائية من بدء رفع الدعوى إلى حين الحكم فيها ولأنه ومصاريف انتقال القضاة وأعضاء النيابة والخبراء والموظفين والمترجمين والمكتبة والمحضرين وما يستحقونه من التعويض فى مقابل الانتقال، مما يؤكد عدم جواز تقرير أى رسم إلا بقانون، وبالتالى يكون قرار السيد المستشار رئيس المحكمة بفرض رسم إضافى خلاف الذى يتم تحصيله وفقاً لقانون الرسوم القضائية دون نص معدوماً.
ثالثاً - أن السيد المستشار رئيس المحكمة أصدر أمره فى 9/ 1/ 1985 بتقرير رسم على الاطلاع على أية ورقة من أوراق المدعى بالمخالفة لنص المادة 37 من قانون الرسوم وأنه كان يتعين أن يكون نظام عمل الميكروفيلم نظام حفظ لا يجرى إعماله إلا بعد الفصل فى الدعوى والتقرير بحفظها فى قلم الحفظ مما يؤدى إلى تصويرها بالميكروفيلم كنظام حفظ حديث، ويكون لكل من يطلب اطلاعاً أو أية ورقة من حقه أن يؤدى رسماً، لأن القرار الصادر بحفظها أنهى الرسم السابق تحصيله وأصبح ما يطلب بعد الحفظ هو رسم يمكن تقريره، وإن كان لا بد من صدوره بالأداة المشروعة وهى القانون بحيث ينص على تقرير رسم يتم تحصيله بعد حفظ الدعوى مقابل الحصول على نسخة من أية ورقة أو الاطلاع عليها.
رابعاً - أن النظام الذى وضعته محكمة الجيزة الابتدائية بإسناد أعمال الميكروفيلم لشركة من شركات الاستثمار الخاص لا يعطى ضمانة للتقاضى بل يعرض لإمكانية التشهير بالمتقاضيين والمساس بمستنداتهم لسعى القطاع الخاص للربح دون أداء الخدمة التى هى عمل القضاء بما يؤدى إلى عدم سرية المستندات خاصة فى مسائل الأحوال الشخصية، وأضاف الطاعن أنه لما كان السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية لا ولاية له فى فرض رسم دون قانون وبالمخالفة لأحكام الدستور، وكان تقرير النظام فى حد ذاته دون وضع الضمانات الكفيلة بصيانة حق التقاضى يهدد سرية التقاضى، وكان نظام الميكروفيلم كما هو وارد بقانون الشهر العقارى هو للحفظ بعد الانتهاء من الأوراق والتقرير بحفظها، وحيث إن العمل غير المشروع المخالف للدستور يمثل خطراً يعوق المدعى (الطاعن) مهنياً عن مزاولة عمله اليومى، لذلك فقد أقام دعواه طالباً الحكم بما سبق بيانه من طلبات، وخلال تداول الدعوى بجلسات محكمة القضاء الإدارى حضر الأستاذ....... المحامى وطلب قبول تدخله خصماً منضماً للمدعى فى طلباته.
ومن حيث إنه بجلسة 6/ 5/ 1986 قضت المحكمة بقبول تدخل السيد/.......... خصماً منضماً للمدعى (الطاعن) وبعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى وألزمت المدعى والمتدخل بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها بقبول تدخل الخصم المنضم إلى أن المذكور له مصلحة فى التدخل فى الدعوى بوصفه محامياً يباشر عدداً من القضايا الموكل فيها أمام محكمة الجيزة الابتدائية ويمس الأمر الإدارى المطعون فيه مركزا قانونيا له، وبهذه المثابة فإنه تدخله فى الدعوى يكون مقبولاً، وفيما يتعلق بوقف تنفيذ الأمر الإدارى المطعون فيه فإن المحكمة قد أوضحت أنه يتعين بادئ ذى بدء تحديد مدلول القرارات الإدارية التى يملك مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى ولاية الفصل فى الطعون المقامة عليها والتفرقة بين هذه القرارات وبين المنشورات والأوامر والتعليمات التى تصدر من رئيس المصلحة إلى مرؤوسيه والتى لا يكون لها أى أثر بالنسبة إلى غيرهم من الأفراد ولا يترتب عليها أى تغير فى الأوضاع القانونية، وقالت المحكمة أن قضاء مجلس الدولة قد استقر على أن القرار الإدارى هو إفصاح الإدارة عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح فى الشكل الذى يتطلبه القانون بقصد إحداث أثر قانونى متى كان ذلك ممكناً وجائزاً قانوناً وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة، ولما كان الثابت من أوراق الدعوى أنه فى سبيل تزويد دور المحاكم بالوسائل العلمية الحديثة التى تؤدى إلى تيسير إجراءات التقاضى ومن ذلك أساليب الحفاظ على المستندات والأوراق التى تودع بملفات الدعاوى وتمكين ذوى الشأن من الرجوع والاطلاع عليها فى سهولة ويسر، فقد وافق وزير العدل على تنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمبنى الجديد لمحكمة الجيزة الابتدائية، وتم الاتفاق مع مركز الاستشاريين العرب للإدارة والمشروعات "ابروماك" ليتولى إنشاء مركز للخدمات الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة، وأبرمت الهيئة العامة بصندوق أبنية المحاكم بتاريخ 27/ 9/ 1984 مع المركز المذكور عقد تنفيذ هذا النظام بتلك المحكمة، وبدئ بالفعل فى تنفيذ هذا النظام بالمحكمة وبتاريخ 29/ 1/ 1985 أصدر السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية الأمر الإدارى المطعون فيه متضمناً عدة توجيهات لموظفى المحكمة ومسئولى الميكروفيلم بها وأمناء السر تتعلق بتنظيم استلام المستندات والأوراق وإعداد الاطلاع عليها لتصويرها ميكروفيلميا وكيفية إعادتها بعد الانتهاء من تصويرها والإجراءات الخاصة باستلام هذه المستندات والأوراق وإعادتها إلى ملفاتها، والثابت أن هذا الأمر الإدارى يخاطب أصلاً العاملين بالمحكمة وليس من شأنه ترتيب أى أثر بالنسبة إلى غيرهم من الأفراد ولا يتضمن أى تغير فى الأوضاع القانونية، وإنما هو مجرد تعليمات موجهة إلى موظفى المحكمة لتنظيم العمل فيها، وقد صدر مستهدفاً رعاية مصالح المتقاضين وصور المستندات والأوراق المودعة بملفات الدعاوى خشية ضياعها أو التغيير فيها أو التلاعب بها، وبهذه المثابة فإن الأمر الإدارى المطعون فيه لا يرقى إلى مرتبة القرارات الإدارية الجائز الطعن فيها بدعوى الإلغاء، ويضاف إلى ما تقدم أن الأمر الإدارى المشار إليه لم يتضمن أى نص يلزم بضرورة تصوير أية ورقة من أوراق الدعاوى بالميكروفيلم كشرط لإقامة الدعوى وقبولها كما ذكر الطاعن، ولم يتضمن هذا الأمر المطعون فيه فرض رسوم مقابل تصوير الأوراق والمستندات المطلوب الاطلاع عليها، ذلك أن قيام مركز الاستشاريين العرب للإدارة والمشروعات الذى عهد إليه بتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة المذكورة باقتضاء مقابل للخدمة التى يقدمها إنما يتم إعمالاً لحكم البند العاشر من العقد المبرم بينه وبين الهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم وليس تطبيقاً لأحكام الأمر الإدارى المطعون فيه، وبذلك لا تتوافر فى الأمر الإدارى مقومات القرار الإدارى ولا يدخل فى عداد القرارات الإدارية التى يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر الطعون المقامة عليها، ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة لانتفاء القرار الإدارى، وخلصت المحكمة إلى قضائها المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون حيث انتهى فى قضائه إلى عدم توافر مقومات القرار الإدارى فى القرار المطعون عليه، وإنما هو مجرد تعليمات موجهة إلى موظفى المحكمة لتنظيم العمل فيها، وهذا القول فى حد ذاته يعتبر رداً غير مسوغ وغير ناف عن الإدارة المطعون عليها كونها قرار إدارى، ذلك لأن هذا الأمر يتضمن إلزاماً على جميع المتقاضين بأن يسبق رفع الدعوى تصوير أوراقها بالميكروفيلم مما يعتبر فى حد ذاته قيداً على الدعوى لم يرد به قانون المرافعات كما أنه فى حالة الاطلاع على أى ورقة، لا يمكن الاطلاع عليها إلا عن طريق الميكروفيلم وبرسم يؤدى، أن تصوير الأوراق جميعها يتم أيضاً برسم يؤدى، ويعتبر ذلك قاعدة تنظيمية وضعها السيد المستشار رئيس المحكمة، ويتضمن فى ذات الوقت قراراً فردياً يمس كل متقاضى يتعامل مع محكمة الجيزة الابتدائية وذلك بإلزامه بضرورة تصوير أوراق الدعوى قبل قيدها مقابل رسم، كما أن الاطلاع على أية ورقة يتم مقابل رسم، وتساءل الطاعن أليس رئيس محكمة الجيزة الابتدائية هو موظف عام له سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح أصدر أوامر تتعدى موظفيه فيما يقتضيه تنظيم العمل فى حدود سلطته المخولة له قانوناً وتنشئ مراكز قانونية خاصة لكل متقاضى يتعامل مع محكمة الجيزة؟ والقرار الصادر من رئيس المحكمة هو قرار تنفيذى نهائى لأنه ليس هناك من يصدق على القرارات التى يصدرها ومثل هذا القرار يؤثر فى المركز القانونى للطاعن لكونه قيدا على حقه المهنى كمحام وذلك بفرضه قيد تصوير الأوراق القضائية قبل قيد الدعوى ونظرها ولكونه أيضاً يفرض رسم اطلاع مخالفاً بذلك نصوص قانون الرسوم القضائية وعلى ذلك فالقرار المطعون عليه هو إدارى مستوى الأركان، وقد فرض التزاماً على المتقاضين الذين يمثل الطاعن قطاعاً منهم بصفته محامياً يؤدى عمله المهنى أمام المحكمة أى أن له مصلحة شخصية ومباشرة وعلى ذلك فلا يسوغ القول بأن هذا مجرد أوامر مصلحية ومنشورات إدارية وتعليمات أو توجيهات بل هى قرارات صادرة عن سلطة عامة لإنشاء مراكز قانونية واستطرد الطاعن إلى القول بأن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله، فالقرار المطعون فيه معيب بغصب سلطة التشريع إذا فرض رسوماً دون نص قانونى فضلاً عن فرضه قيداً على رفع الدعوى بضرورة تصوير الأوراق بقسم الميكروفيلم رغم عدم وجود نص يوجب ذلك فى قانون المرافعات، وكذلك الإلزام بدفع رسم لدى الميكروفيلم عند الاطلاع على أى ورقة فى الدعوى رغم صراحة قانون الرسوم بعدم جواز فرض رسم على الاطلاع فالقرار معيب بعدم المشروعية لكونه قد اعتراه عيب الغصب، وهو عيب يزيل عنه الشرعية ويجعله مجرد عمل مادى يكون للقضاء العادى أو الإدارى أن يقضى بإلغائه ويكون حكمه بذلك كاشفاً لهذا العوار، وكان هذا العيب كافياً لكى تتصدى محكمة القضاء الإدارى للقرار وتقضى بإلغائه لبطلانه بطلاناً مطلقاً لعدم المشروعية التى تصل به إلى العدم وبذلك جاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإدارى غير متفق مع حكم القانون، وهو حكم حجب المحكمة عن موضوع الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى، وانتهى الطاعن إلى طلب الحكم بما سبق بيانه من طلبات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بناءً على موافقة السيد وزير العدل بتاريخ 31/ 1/ 1984 على ما اقترحته محكمة الجيزة الابتدائية بتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمبنى الجديد للمحكمة فقد أبرم عقد بتاريخ 27 من سبتمبر سنة 1984 بين الهيئة العامة لصندوق أبنية دور المحاكم التابعة لوزارة العدل ومركز الاستشاريين العرب للإدارة والمشروعات "ابروماك" وذلك لتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية فى مبنى محكمة الجيزة الابتدائية فى إطار ما تستهدفه هذه الهيئة من تزويد دور المحاكم بالوسائل الحديثة التى تؤدى إلى تيسير التقاضى، ومنها أساليب الحفاظ على المستندات والأوراق التى تودع بملفات الدعاوى ولما تتطلبه مقتضيات الأمن وتمكين ذوى الشأن من الرجوع إليها فى سهولة ويسر، فضلاً عن تصغير حجم غرف الحفظ إلى أقصى حد ممكن، وقد تم بموجب هذا الاتفاق إسناد هذه العملية إلى مركز الاستشاريين العرب سالف البيان الذى تعهد بوضع نظام الخدمة الميكروفيلمية فى مجال وثائق ومستندات ومفردات ملفات الدعاوى المنظورة أمام دوائر محكمة الجيزة الابتدائية والإشراف على تطبيقه فنياً وهندسياً وإدارياً وما يقتضى من قوى مشوبة لازمة لتنفيذ على أن تقوم المحكمة بتخصيص مكان ملائم بمقرها ليقوم المركز بتزويده بالأثاث اللازم والمعدات والآلات وخامات التشغيل، ونص البند تاسعاً من هذا العقد مسئولية المركز القانونية الكاملة عن كافة الأعمال التى يؤديها فى مقر المحكمة خاصة ما يتعلق منها بسلامة الأجهزة والمعدات الموجودة به وصلاحيتها وصيانتها وأعمال الخبراء والمسئولين عن تشغيلها التابعين له، كما يلتزم بالحفاظ على ما يرد إلى المركز من ملفات ومستندات وأوراق منذ استلامها وحتى اعادتها بحالتها بعد الانتهاء من تسجيلها وتصويرها واتخاذ إجراءات تأمينها مع مسئوليته المباشرة أمام ذوى الشأن عن تلف أو فقد أى من هذه المستندات منذ الاستلام وحتى الإعادة، وفى كافة الحالات يلتزم المركز والعاملون به بالحفاظ على سرية المستندات التى يقرر السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية أو من يفوضه سريتها ويكون مسئولاً جنائياً ومدنياً أمام ذوى الشأن مباشرة فى حالة إفشاء سريتها منذ استلامها وحتى إعادتها.
كما نصت الفقرة الأخيرة من البند التاسع المشار إليه على أنه لا يجوز للطرف الثانى التصريح بالاطلاع على المستندات السرية المشار إليها أو تصويرها وفقاً لأحكام البند العاشر من العقد دون تصريح كتابى سابق من السيد رئيس محكمة الجيزة الابتدائية، ونص البند العاشر من العقد على أن تكون أسعار الخدمة الميكروفيلمية التى يقدمها المركز على النحو التالى:

مــ جـ  
100. - مائة مليم قيمة اللقطة الميكروفيلمية.... حتى حجم الفولسكاب
140. - مائة وأربعون مليماً قيمة النسخة الورقية حتى حجم الفولسكاب المستخرجة من الميكروفيلم لأغراض الاطلاع.
100. - مائة مليم قيمة الاطلاع على مستندات قضية لفترة زمنية مقدارها 15 دقيقة.
220. - مائتان وعشرون مليماً قيمة النسخة السالبة من الجاكيت "الديازو".

ونص البند الثانى عشر على أن يتم اقتضاء أسعار الخدمات الميكروفيلمية بموجب إيصالات مطبوعة ذات أرقام مسلسلة فى دفاتر مجلده ...... ويتولى الطرف الثانى إعداد دفاتر الإيصالات على نفقته الخاصة على أن تختم بالختم الرسمى للهيئة العامة لصندوق أبنية المحاكم وخاتم الطرف الثانى قبل استخدامها كما يتولى الطرف الثانى (المركز) اقتضاء هذه الأسعار من ذوى الشأن مباشرة بموجب الإيصالات المشار إليها...... ونص البند الثالث عشر على أن يسدد الطرف الثانى (المركز) إلى الطرف الأول (الهيئة) نسبة تعادل 25% خمسة وعشرون فى المائة من إجمالى حصيلة الخدمة الميكروفيلمية التى يتم اقتضاؤها وفقاً لحكم البند العاشر من العقد كل ثلاثة شهور، كما تضمن البند الرابع عشر حكماً يقضى بموافقة المركز (الطرف الثانى) على تخصيص ما يعادل 1% (واحد فى المائة) من إجمالى الحصيلة المستحقة له وفقاً لأحكام البند العاشر توزع على العاملين بالمحكمة المتصلة أعمالهم بتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية سالف البيان، ويتولى الطرف الثانى تسليم المبلغ المعادل للنسبة سالفة الذكر إلى السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية أو من يفوضه كل ثلاثة شهور مرفقاً به بياناً بأسماء العاملين الذين أسهموا بالعمل خلال المدة المذكورة لتوزيعها عليهم.
ومن حيث إنه إعمالاً لأحكام هذا العقد وبمناسبة بدء العمل بنظام الخدمة الميكروفيلمية بمحكمة الجيزة الابتدائية فقد أصدر السيد المستشار رئيس المحكمة بتاريخ 5/ 1/ 1985 المنشور رقم (1) ونص فى البند أولاً منه على أن "يراعى عدم قبول أية مستندات أو أوراق فى الدعاوى إلا بعد التحقق من تصويرها ميكروفيلمياً وختمها بالختم الخاص بذلك، كما نص البند ثانياً من المنشور على أنه "على السادة الرؤساء والقضاة بالمحكمة مراعاة ذلك والتنبيه على أمناء السر بالالتزام بذلك وكذا التنبيه عليهم بعدم تمكين أى من الاطلاع على ملفات القضايا، ويكون الاطلاع من مركز الخدمة الميكروفيلمية فقط، وبتاريخ 29/ 1/ 1985 أصدر السيد المستشار رئيس المحكمة أمراً، إدارياً نص البند أولاً منه على أنه "عند تقديم طلب من ذوى الشأن للاطلاع على القضايا أو مستنداتها أو أى أوراقها بها ينفذ الآتى -
1 - يبين من هذا الطلب المستند والأوراق المطلوب الاطلاع عليها.
2 - يقوم موظف المحكمة الذى يعمل بالميكروفيلم بعد قبول هذا الطلب من رئاسة المحكمة بالتوجه إلى امين سر الدائرة المختصة لاستلام المستندات أو الأوراق المراد الاطلاع عليها لتصويرها ميكروفيلمياً....".
وبتاريخ 24/ 4/ 1985 صدر أمر إدارى "تال نص البند أولاً منه على أن ينبه على جميع أمناء السر وكتبة الجلسات بالمحكمة بتسليم كافة القضايا للمداولة أو التى يكون قد صدر فيها أحكام فرعية أو قرارات شطب أو صلح أو وقف أو ترك الخصومة أو أى أحكام أخرى لمركز الميكروفيلم لاتخاذ اللازم نحوها، ثم أصدر السيد المستشار رئيس المحكمة أمراً إدارياً لاحقاً بتاريخ 17/ 7/ 1985 نص البند ثالثاً منه على تسليم العاملين بالميكروفيلم الصورة الأصلية للحكم متى طلب تصويرها ثم تعاد فوراً وترفق بالدعوى، كما نص البند رابعاً من ذات الأمر على تسليم العاملين بالميكروفيلم القضايا والأوراق المطلوب تصويرها إلا بعد التأكد من الطلب المقدم بشأنها قد تم التوقيع عليه من رئاسة المحكمة"، وبتاريخ 10/ 8/ 1986 صدر قرار يقضى بالتنبيه على السادة المتقاضين والمحامين الراغبين فى الاطلاع الاستعلام من مكتبة الميكروفيلم عن وجود الدعوى بالمركز أم لا وذلك قبل ملئ النموذج الخاص بالاطلاع.
ومن حيث إن مقطع النزاع فى هذا الطعن يكمن فى تبيان ما إذا كانت المنشورات والأوامر الإدارية الصادرة من السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية هى كما ذهب الحكم المطعون فيه مجرد أوامر أو تعليمات داخلية ولا تعدو أن تكون من قبيل إجراءات التنظيم الإدارى لتنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية بالمحكمة، وهى صادرة لتخاطب أصلاً العاملين بالمحكمة وليس من شأنها ترتيب أى أثر قانونى بالنسبة إلى غيرهم من الأفراد ولا تتضمن أى تغيير فى الأوضاع القانونية وهى بهذه المثابة مجرد تعليمات موجهة إلى هؤلاء الموظفين لتنظيم العمل بالمحكمة، وقد صدرت مستهدفة رعاية مصالح المتقاضين والحفاظ على صور المستندات والأوراق المودعة بملفات الدعاوى خشية ضياعها أو التلاعب فيها، وبذلك فهى قد لا ترقى بحسب محلها ومضمونها وأثرها إلى مرتبة القرارات الإدارية التى يجوز الطعن فيها بدعوى الإلغاء، أم أنها على ما ذهب إليه الطاعن قرارات إدارية تنطوى على عمل قانونى من جانب واحد صدر بالإرادة الملزمة لرئيس محكمة الجيزة الابتدائية بما له من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح فى الشكل الذى يتطلبه القانون بقصد إنشاء نظام أو وضع قانونى معين وفرضه على العاملين والمتقاضين بقصد تحقيق مصلحة عامة بحيث يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى برقابة مشروعيتها للتحقق مما إذا كانت قد صدرت صحيحة وفقاً لأحكام القانون أما أنها صدرت معيبة أياً ما كانت درجة هذا العيب ووصفه بحيث يلحقها عدم المشروعية والبطلان.
وومن حيث إن عن أهم وظائف الدولة إقامة العدل بين الناس بحيث يكون من أخص واجباتها الفصل فى المنازعات التى تنشأ بينهم ورد الاعتداء عنهم حتى يطمئن الأفراد إلى أرواحهم وحرياتهم وأموالهم وسلطة الحكم هذه هى حق للدولة وجزء من مظاهرها تمارسها وفقاً لحكم الدستور أو النظام الأساسى للدولة بإسنادها إلى السلطة القضائية التى تتكون من قضاة مستقلين لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون، بحيث لا يكون لأية سلطة التدخل فى القضاء وشئون العدالة ولا شك أن الوظيفة القضائية للدولة هى صمام الأمن فيها وبذلك لا يجوز أن تباشر إلا بواسطة من تحددهم قوانين الدولة لتحمل مقتضيات وأعباء هذه الوظيفة طبقاً لما تحدده أحكام الدستور والقضاة يصدرون أحاكمهم كاشفة عن وجه الحق فى المنازعات التى يفصلون فيها وفقا لأحكام القوانين السارية وطبقاً للإجراءات التى تقررها وفى سبيل تحقيق هذه الأغراض، فإن الدولة عن طريق السلطة التشريعية تضع القوانين المختلفة التى لتحديد الحقوق وضبط المراكز القانونية كما أنها تنشئ المحاكم وتضع القوانين التى تحدد ولاية كل منها وتبين للأفراد الإجراءات الواجب اتخاذها عند الالتجاء إلى القضاء ووسائل الدفاع وطرق الإثبات وكيفية الفصل فى المنازعات وكيفية الاستفادة من القرارات الصادرة لأصحاب الحقوق ضد من اعتدى عليها وكافة ما يتعلق بتنفيذ الأحكام وفى هذا المقام فقد نصت المادة 68 من الدستور المصرى على أن "التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعى، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل فى القضايا....." كما نصت المادة 69 من الدستور حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول، ويكفل القانون لغير القادرين مالياً وسائل الالتجاء والدفاع عن حقوقهم كما تقضى المادة (165) من الدستور بأن السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولا يجوز لأية جهة التدخل فى شئون العدالة، وتقضى المادة (167) بأن ينظم القانون الهيئات القضائية أو يحصر اختصاص كل منها ولقد صدر القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية ونصت المادة 15 منه "فيما عدا المنازعات الإدارية التى يختص بها مجلس الدولة، تختص المحاكم بالفصل فى كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثنى بنص خاص، وتبين قواعد اختصاص المحاكم فى قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية.
ومن حيث إن قانون المرافعات هو القانون الذى ينظم الإجراءات القضائية وغير القضائية التى تتصل بخصومة قائمة فعلاً فى نطاق القانون الخاص وهو يشتمل على القواعد التى ترتب وتنظم السلطة القضائية وتوزع الاختصاص بين جهات القضاء العادى المختلفة وتوزعه على طبقات المحاكم وعلى محاكم الطبقة الواحدة من المحاكمة العادية كما يشتمل على القواعد المتعلقة بكيفية رفع الدعوى والبيانات الواجب توافرها فى صحيفتها وكيفية إعلانها وآثاره وبطلانه والوقت الذى تعتبر فيه مرفوعة، وكيفية نظرها وإجراءات الحضور وجزاء التخلف عن الحضور وإجراءات إثبات الدعوى وجزاء عدم احترامها وجزاء عدم موالاة الإجراءات وأثر مضى المدة وميعاد إبداء الدفوع المختلفة والأحوال التى يسقط حق التمسك بها، وكيفية إصدار الحكم وبياناته وكيفية الطعن فيه وإجراءاته وآثاره وشروط تنفيذ الأحكام وإجراءاته وأثاره، وذلك كله سواء تعلق الأمر بعمل قضائى أو ولائى ومن المؤكد أن تنظيم هذه القواعد الواردة فى قانون المرافعات يتعلق بالنظام العام، وإذا كان القليل من هذه القواعد الإجرائية لا يتعلق بالنظام العام لأنه روعى بصددها التيسير على المتقاضين ومراعاة مصالحهم الخاصة، فإن غالبية هذه القواعد يتعلق بالنظام العام القضائى المصرى لأنه يتصل بالمبادئ الأساسية فى التقاضى كحق اللجوء إلى القضاء ومواعيد وإجراءات إقامة الدعوى وكفالة حق الدفاع ومبدأ علنية الجلسات ويكفل حياد ونزاهة القضاء وصلاحيتهم للفصل فى القضايا وطرق الطعن فى الأحكام ومواعيده وغير ذلك من قواعد وإجراءات وردت تفصيلاً فى قانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إنه وإعمالاً لما تقدم فى خصوص تأكيد حق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى فقد نصت المادة 63 من قانون المرافعات المدنية والتجارية على أن "ترفع الدعوى إلى المحكمة بناءً على طلب المدعى بصحيفة تودع قلم كتاب المحكمة ما لم ينص القانون على غير ذلك"، وعلى ذلك فإن من حق كل مواطن أن يرفع دعواه ضد خصومه وأن يجعل خصومته تتصل بمجلس القضاء دون أية قيود عدا أن يتم ذلك بتحرير صحيفة الدعوى فى الشكل الذى تطلبه القانون وأن يقوم بإيداعها قلم كتاب المحكمة المختصة وبإتمام ذلك تكون الدعوى قد رفعت واتصلت بالمحكمة وعلى ذلك فلا يسوغ لقلم الكتاب أن يجحف الخصومة عن قاضيها المرفوعة أمامه أو أن يمتنع عن قبول الصحيفة، كما لا يجوز لأية جهة قضائية أو غير قضائية أن تضع من القيود أو تضيف من الشروط ما يعطل ممارسة هذا الحق أو يعوقه تحت أى سبب من الأسباب، ومثل هذا القيد أو ذاك الشرط أو الإجراء الذى يعطل ممارسة هذا الحق أو يقيده بشكل مخالف للمبدأ الدستورى المقرر لحق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى وأن لهذا القاضى وحدة سلطة التقرير فى مجلس القضاء لمدى اختصاصه بالدعوى ومدى قبولها أو عدم قبولها سواء من حيث الشكل أو الموضوع فضلاً عن تعطيل هذا الحق وتقييده بأى وجه يكون مخالفاً لحكم القانون مخالفة جسيمة صارخة تنحدر به إلى درجة العدم نظراً لاغتصابه سلطة التشريع وذلك بإضافته لشرط وقيد على حق أى مواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى بغير الطريق الذى رسمه القانون.
ومن حيث إنه ولئن كان من المسلم به فى التنظيمات القانونية والقضائية الحديثة وإعمالاً لتأكيد حق اللجوء إلى القضاء وما تضمنته الاتفاقيات الدولية فى مجال حقوق الإنسان وما اشتملت عليه الأنظمة الدستورية من النص على أن الدولة تكفل حق التقاضى وأنه يقوم على عاتقها تقريباً القضاء للمتقاضين وكفالة حق الدفاع وضمان سبل اللجوء إلى القضاء لغير القادرين مالياً ذوداً عن حقوقهم وهو ما يرتبط بالمبدأ الذى استقر فى القانون الحديث فى دول العالم المتمدين من مجانية القضاء لغير القادرين مالياً وهو ما يعنى فى مسار التطور القضائى العام أنه فضلاً عن الأفراد لم يعودوا منذ قرون يدفعون أتعاب للقضاة وإنما تتكفل الدولة بذلك، فإن التشريعات الحديثة قد اتجهت فى معظمها إلى ضرورة أن يتحمل الخصوم فى المنازعات القضائية بجانب من النفقات الإدارية التى تتكبدها الدولة فى إدارة المرفق وذلك فى الحدود المقررة قانوناً فى داخل كل دولة ووفقاً للأوضاع المقررة دستوراً وقانوناً لفرض الرسوم نتيجة لأن الدولة الحديثة أصبحت تنؤ بأعباء مالية ضخمة لمواجهة مهامها المتعاظمة وللقيام على مسئوليتها المتشعبة مما قد يحول دون إمكانية تحميلها بكامل نفقات مرفق القضاء وذلك فضلاً عن الرغبة فى الحد من المنازعات الكيدية التى قد يثيرها الأفراد طالما كانت الدولة تتحمل بكامل مصروفات التقاضى.
ومن حيث إنه وفى إطار ما تقدم صدر القانون رقم 90 لسنة 1944 معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائيه ورسوم التوثيق فى المواد المدنية متضمناً قواعد تقدير رسوم الدعاوى وأحوال تخفيفها وكيفية حسابها عند تعدد الطلبات وأوامر تقدير الرسوم وكيفية المعارضة فيها وكذلك رسوم الإيداع والإعلان والتنفيذ والمحررات وغيرها وذلك على وجه مفصل وقد قضت المادة 37 من هذا القانون على أن "لا يفرض رسم اطلاع ذوى الشأن على الدعاوى القائمة" وعلى ذلك فإن المتقاضين يكونون غير ملزمين منذ رفع الدعوى وحتى صدور الحكم فيها وتنفيذه أو الطعن عليه والاستشكال فى تنفيذه وغير ذلك من أمور تتعلق بالخصومة القضائية والسير فيها إلا بما قرره هذا القانون من رسوم من حيث حالات الاستحقاق ومقدار الرسم والإعفاء منه بحيث لا يسوغ تحت أى اعتبار تحميل المتقاضين برسم أو نفقات لم يرد النص على تقريرها أو على أساس فرضها فى القانون.
ومن حيث إنه وعلى ما سبق قوله من أن الوظيفة القضائية يتولاها رجال القضاء الذين حددتهم الدولة طبقاً للقانون لتحمل عبئ الوظيفة القضائية والتى أحاطت عملهم بكافة الضمانات حتى لا يكون من سلطان عليهم سوى ضمائرهم وحكم القانون، وأنه تحقيقاً لمقتضيات هذا الأمر فقد صدر القانون رقم 46 لسنة 1972 فى شأن السلطة القضائية متناولاً ترتيب للمحاكم وتحديد ولايتها وبيان نظام الجلسات والأحكام والنيابة العامة وإدارة نفوذ المحاكم وكافة الشئون الوظيفية لرجال القضاء وأعوان القضاء وهم المحامون والخبراء وأمناء السر والكتبة والمحضرون والمترجمون وقد تضمن الباب الخامس من القانون كافة الأحكام المتعلقة بوظائف أعوان القضاء ومعاملتهم الوظيفية من حيث التعيين والترقية والتأديب مع تحديد واجباتهم ومسئولياتهم وقد نصت المادة 158 من القانون على أن يحلف الكتاب والمحضرون والمترجمون أمام هيئة المحكمة التابعيين لها فى جلسة علنية يميناً بأن يؤدوا أعمال وظائفهم بالذمة والعدل كما نصت المادة 159 من القانون على أن "موظفو المحاكم يتسلمون الأوراق القضائية الخاصة بأعمال وظائفهم ويحفظونها ويحصلون الرسوم والغرامات المستحقة ويراعون تنفيذ قوانين الدمغة والضرائب ويقومون بكل ما تفرضه عليهم القوانين والتعليمات ولا يجوز لهم أن تسلموا أوراقاً أو مستندات إلا إذا كانت فى حافظة بها بيان بما تشمله وتكون الحافظة مصحوبة بصورة طبق الأصل يوقعها الكاتب بعد مراجعاتها والتحقق من مطابقتها للواقع ويردها إلى من قدمها..." ونصت المادة 160 من القانون على أن "العاملون بالمحاكم ممنوعون من إذاعة أسرار القضايا وليس لهم أن يطلعوا أحد من غير ذوى الشأن أو من تبيح القوانين أو اللوائح أو التعليمات اطلاعهم عليها"، وأخيراً فقد نصت المادة 161 من القانون على أنه "يجب على كل عامل بالمحاكم أن يقيم بالجهة التى تؤدى فيها عمله ولا يجوز له أن يتغيب عنها إلا بإذن من رؤسائه".
ومن حيث إنه يبين مما تقدم من أحكام ونصوص أن أعوان القضاء يقومون بدور المعاون الرئيسى للقضاة فى أداء مهامهم، وأنه نظراً لما يقومون به من عمليات إدارية وتنفيذية منذ رفع الدعوى وأثناء سير الخصومة وحتى انتهائها أو عند تنفيذ الأحكام وإعلان الأوراق وغير ذلك من أمور ورد النص عليها فى قانون المرافعات وهى جميعا أعمال أساسية لسير العملية القضائية بانتظام واضطراد لذلك فقد أحاط المشرع وظائفهم بأحكام خاصة تتفق مع طبيعة العمل القضائى الذى يعاونون فى سيره فهم معينون وفقاً لشروط معينة ويلتزمون بالحفاظ على سرية الأوراق والمستندات ويكون ملزمين بمراعاة تنفيذ قرارات المحكمة وإجراءات الخصومة فى حدود القواعد القانونية المقررة وأنهم لذلك يحلفون يميناً فى جلسة علنية وقد رسم لهم القانون على وجه محدد كيفية تسلم الأوراق والمستندات وحدد واجباتهم ومسئولياتهم بناءً على ما تقدم وبناءً على ذلك فلا يسوغ فى واقع الأمر بحسب نصوص القانون تحت أى سبب أو دافع إشراك غيرهم من العاملين أو غير العاملين فى القيام على هذا الأمر نظراً لما يقتضيه العمل القضائى من صفات قدر المشرع أنها تتوفر من يختار لهذا العمل، والزامه بحلف اليمين ورسم له قواعد أداء العمل فى حدود ما نص عليه قانون السلطة القضائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم ولما كان الثابت من المنشور رقم (1) المؤرخ فى 5/ 1/ 1985 أن السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية قد قرر عدم قبول أية مستندات أو أوراق فى الدعوى إلا بعد التحقق من تصويرها ميكروفيلمياً وختمها بالختم الخاص بذلك مع مطالبة السادة الرؤساء والقضاة بالمحكمة بمراعاة ذلك والتنبيه على أمناء السر بذلك والتنبيه عليهم بعدم تمكين أى فرد من الاطلاع على ملفات القضايا بحيث يكون الاطلاع من مركز الخدمة الميكروفيلمية فقط، فإن الالتزام بعدم قبول أوراق الدعاوى ومستنداتها قبل تصويرها ميكروفيلمياً وسداد المقابل المقرر على النحو السابق بيانه يكون حقيقته إنشاء قيد جديد على رفع الدعوى لم يرد به نص فى قانون، لأن الدعوى ترفع وفقاً لنص المادة 63 من قانون المرافعات المدنية بمجرد إيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة بعد أداء الرسم المقرر قانوناً فإذا وقع هذا الإيداع فى الحدود المقررة قانوناً يكون على قلم الكتاب وفقاً لحكم المادة 67/ 1 من قانون المرافعات أن يقوم بقيد صحيفة الدعوى فى الجدول العام للمحكمة، وأن يثبت تاريخ الجلسة بحيث يتم ذلك فى ذات يوم تقديمها إليه، وعلى ذلك فلا يجوز لقلم الكتاب سواء بتلقاء نفسه أو بقرارات أو بتعليمات من رئيس المحكمة سواء بصفة تنظيمية عامة أو بصفة فردية التقاعس عن قيد الصحيفة ما دامت قد استوفت اشتراطاتها المقررة قانوناً وذلك لأى سبب آخر غير منصوص عليه فى القانون، ويكون الإفصاح عن الإرادة الملزمة الصادر من رئيس المحكمة سواء صاغها فى شكل منشور أو تعليمات أو أوامر إدارية فى حقيقته قرار إدارى تنظيمى مما يخضع لرقابة المشروعية أمام محاكم مجلس الدولة طبقاً لأحكام المادة (172) من الدستور ووفقاً لنصوص قانون مجلس الدولة، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بعدم قبول الدعوى لانعدام القرار الإدارى فإنه يكون قد صدر مخالفاً للقانون وخليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن الدعوى التى صدر فيها الحكم الطعين مهيئة للفصل فى موضوعها.
ومن حيث إن القرار المذكور تضمن إضافة قيد على رفع الدعاوى لم يرد فى القانون، وهو بذلك يكون قرار معيب بعيب غصب سلطة المشرع الأمر الذى ينحدر به إلى درجة العدم، ويفتح الباب للطعن فيه بالإلغاء دون التقيد بميعاد وحيث إنه لا يفوت المحكمة لعله مما يجدر التنويه فى هذا المقام بما ينطوى عليه هذا القيد غير المشروع من إخلال جسيم بحق الدفاع الذى نصت عليه المادة 69 من الدستور على أنه مكفول أصالة أو وكالة والذى يعنى بالدرجة الأولى حق الخصم فى إبداء وجهة نظره أمام القضاء فيما يقدمه هو أو يقدمه خصمه من ادعاءات فى أية حالة كانت عليها الدعوى وحتى إقفال باب المرافعة، وطبقاً لحق الدفاع الذى يقرره الدستور وفقاً للمبادئ العامة لقانون المرافعات فإن من واجب المحكمة إفساح المجال للخصوم لممارسة حق الدفاع، فليس لها القيام بأى إجراء يكون من شأنه المساس بهذا الحق، ومن ذلك عدم جواز قبول المحكمة لأية أوراق أو مستندات فى الدعوى فى غير مجلس القضاء دون إطلاع الخصم الآخر عليها أو إعلانه بها أو دون تمكينه من التعقيب عليها، كما أنه لا يجوز لها ومن باب اللزوم أن تمتنع عن قبول أية أوراق أو مستندات يرغب أطراف الدعوى فى إيداعها ملف الدعوى أثناء تداولها، فليس سواء كانت الدائرة التى تنظر الدعوى ومن باب أولى الرئيس الإدارى العام للمحكمة أن تمتنع عن قبول أية أوراق أو مستندات فى الدعوى تحت أى ادعاء وذلك بأن تشترط على الطرف الراغب فى الإيداع أن يسبق ذلك الحصول على تأشيرة من هذا الرئيس الإدارى العام للمحكمة بقبول الأوراق وتصويرها ميكروفيلمياً وسداد نفقات ذلك لأن هذا بلا جدال يشكل قيداً على حق الدفاع وإهداراً له باشتراط أمور لم يرد بها نص فى قانون إحداثى يقررها، وإذا كان للدائرة التى تنظر الدعوى وحدها وفقاً للمبادئ العامة التى تقررها نصوص قانون المرافعات حق تنظيم حق الدفاع فإن مثل هذا التنظيم لا يجب أن يذهب إلى حد وضع قيود تهدر حق الدفاع أو تعطله وذلك باشتراط التصوير الميكروفيلمى قبل الإيداع كشرط لقبول الأوراق والمستندات، بل أن مثل هذا القيد يعتبر تدخلاً من جانب السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية فى إعمال القضاء وذلك لأن الدائرة التى تنظر الدعوى هى وحدها صاحبة الولاية والاختصاص فى إدارة سير الخصومة تصدر فيها ما تراه من قرارات فى حدود القانون بقبول الأوراق والمستندات حسبما تقدره محققاً لحق الخصوم فى إبداء دفاعهم على النحو المقرر قانوناً، والجمعية العمومية للمحكمة هى أيضاً صاحبة الولاية وحدها فى وضع القواعد التنظيمية اللازمة لأداء الدوائر المختلفة لأعمالها وذلك بالضرورة دون المساس بحق الدفاع الذى تقرره نصوص الدستور أو بأحكام قانون المرافعات أو غيره من القوانين المنظمة للتقاضى.
ومن حيث إن البادى من الاطلاع على الأمر الإدارى المؤرخ فى 29/ 1/ 1985 أن السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية أوجب على ذوى الشأن الراغبين فى الاطلاع تقديم طلب بذلك يبين فيه المستند أو الأوراق المطلوب الاطلاع عليها وأنه يتعين تقرير قبول هذا الطلب من رئيس المحكمة ثم يقوم بناءً على ذلك موظف المحكمة الذى يعمل بالميكروفيلم بالتوجه إلى أمين سر الدائرة المختصة لاستلام المستندات والأوراق المطلوب الاطلاع عليها لتصويرها ميكروفيلمياً بعد التوقيع بما يفيد ذلك، ويقوم راغبوا الاطلاع بسداد المبالغ المقررة على النحو الوارد تفصيلاً فى البند العاشر من العقد والذى حدد الأسعار ومنها تحديد رسم مقداره مائة مليم قيمة الاطلاع على مستندات قضية لفترة زمنية مقدارها خمسة عشر دقيقة وغير ذلك من الرسوم مقابل الحصول على لقطات أو نسخ من الأوراق والمستندات.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن السيد رئيس محكمة الجيزة الابتدائية يكون بذلك قد وضع قواعد تنظيمية عامة بقرار إدارى يتقيد به اطلاع الخصوم على أوراق ومستندات الدعاوى الأمر الذى يشكل قيداً على الاطلاع لم يرد به نص فى قانون المرافعات فضلاً عما ينطوى عليه تلك القيود من إخلال بحق الدفاع وتدخل فى سير الدعوى على نحو يتعارض مع اختصاص القاضى الذى ينظر الدعوى صاحب الحق الوحيد فى الترخيص بالاطلاع من عدمه وفقاً لما يراه محققاً وكافلاً لحق الخصوم فى إبداء دفاعهم فى الدعوى، كما أنه يكون بذلك قد فرض رسوماً على الاطلاع وذلك بالمخالفة لصريح أحكام القانون رقم 90 لسنة 1944 معدلاً بالقانون رقم 66 لسنة 1964 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق فى المواد المدنية الذى نصت المادة 37 منه على أن "لا يفرض رسم على اطلاع ذوى الشأن على الدعاوى القائمة" والذى نصت كذلك المادة 51 منه على أن "تشمل الرسوم المفروضة جميع الإجراءات القضائية من بدء رفع الدعوى إلى حين الحكم فيها وإعلانه ومصاريف انتقال القضاة وأعضاء النيابة والخبراء والموظفين والمترجمين والكتبة والمحضرين وما يستحقونه من التعويض فى مقابل الانتقال......" وقد ورد النص على ذات الأحكام فى كافة قوانين الرسوم فى غير المواد المدنية حيث تنص المادة 35 من قانون الرسوم أمام المحاكم الشرعية الصادرة بالقانون رقم 91 لسنة 1944 والمعمول به بالنسبة للدعاوى التى ترفع أمام المحاكم الوطنية اعتباراً من 1/ 1/ 1956 بموجب القانون رقم 462 لسنة 1955 على أن "لا يفرض رسم على اطلاع ذوى الشأن على الدعاوى القائمة"، كما نصت المادة 44 منه على أن "تشمل الرسوم القضائية المفروضة جميع الإجراءات القضائية من رفع الدعوى إلى حين الحكم فيها وإعلانه....".
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك فإن الأمر الإدارى سالف البيان المطعون فيه يكون صادراً بالمخالفة الصارخة لأحكام الدستور والقانون لما اعتوره من وضع قيود على الاطلاع تمثل إخلالاً بحق الدفاع وبما فرضه من رسم بغير الطريق المقرر قانوناً وبأداة أدنى من التشريع اللازم لفرض الرسم فى مثل هذه الحالة الأمر الذى يعيبه بعيب جسيم ينحدر به إلى مهاوى الانعدام.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما سبق بيانه فإنه يبين من الاطلاع على أحكام العقد المبرم مع مركز الاستشاريين العرب للإدارة والمشروعات "ابروماك" بشأن تنفيذ نظام الخدمة الميكروفيلمية المشار إليه وعلى كافة الأوامر الإدارية الصادرة من السيد رئيس محكمة الجيزة الابتدائية بشأن تنفيذ هذا النظام فإنه يبين أنه قد عهد إلى بعض العاملين فى هذا المركز باتخاذ مقر لهم فى مبنى المحكمة وخولهم الحق فى تنفيذ أحكام هذا التنظيم بشكل دائم بحيث أصبح لهم دور ونشاط مؤكد فى إتمام عمليات قيد الدعاوى وإعلان صحفها والاطلاع عليها وعلى ما بها من أوراق ومستندات بحيث لا يتم الاطلاع إلا فى مقر الميكروفيلم الذى تواجد فيه هؤلاء، وهم يتسلمون ملفات الدعاوى وصور الأحكام بعد نسخها لإجراء اللازم بشأنها ميكروفيلمياً سواء أثناء تداول الدعاوى أو بعد الانتهاء منها بالحكم فيها أو بشطبها، ويكون هذا العقد وتلك القرارات قد أقحم على أعوان القضاء العاملين فى المحكمة بعض الأفراد من العمال التابعين لإحدى الشركات الخاصة الذين لا يعتبرون من أعوان القضاء بل ولا يندرجون حتى فى عداد الموظفين العموميين إلا أنهم رغم ذلك أصبحوا يشاركون فى الأعمال المعاونة للقضاء الأمر الذى يشكل مخالفة، كذلك لأحكام قانون السلطة القضائية الذى حدد أعوان القضاء وشروط تعينهم وإبان طريقة أدائهم لأعمالهم وإلزامهم بأداء يمين أمام الدائرة المختصة قبل مباشرتهم لمهام وظائفهم، وفرض عليهم الحفاظ على سرية الأوراق والمستندات، وتكون مشاركة هؤلاء العاملين التابعين لمركز ابروماك المشار إليه مشاركة على خلاف حكم القانون يترتب عليها بما لا يدع مجالاً للشك إهدار لسرية الأوراق والمستندات، وهو أمر لا يغير منه ما نص عليه فى العقد أو ما تضمنته هذه القرارات الصادرة عن السيد المستشار رئيس المحكمة من بنود توجب على هؤلاء الحفاظ على السرية وإلا تعرضو للمساءلة الجنائية والمدنية فى مواجهة أصحاب الشأن فالإخلال بالسرية وقيام المساءلة الجنائية يجب أن يخضع للشرعية الجنائية التى يقررها نص المادة (66) من الدستور والتى تقضى بأنه لا جريمة إلا بمقتضى نص فى قانون ولا عقوبة دون أن تستند إلى نص قانونى يقررها صراحة، ولا يعدو ما ورد فى العقد بهذا الشأن وما تضمنته القرارات المطعون فيها إلا أن يكون مجرد التزام عقدى والإخلال بالتزام عقدى يوجب التعويض عند ثبوت قيام المخالفة العقدية والضرر، وهو أمر لا يرفع المخالفة المؤكدة والثابتة بإشراك غير أعوان القضاء فى العمل فى مرفق القضاء.
وومن حيث إنه لا يفوت هذه المحكمة الإشارة إلى أن الدول المتمدينة تعيش عصر الثورة العلمية والتكنولوجية، وأن هذه الثورة بكل أفاقها الرحبة هى أحد مفاتيح التطور والتقدم والازدهار، وأنه لا سبيل أمام هذا الوطن فى استشرافه للمستقبل إلا أن يندفع للتقدم بكل طاقاته وإمكانيات أبنائه للاعتراف من مناهل العلم والتكنولوجيا وأن يكون التعليم والإنتاج قائمين على الإسراع فى تطبيق أحدث منجزات البشرية فى هذا المجال، ويكون القضاء ضمير هذه الأمة وحارس العدالة فيها من أكثر السلطات احتياجاً للاستفادة بكل منجزات التكنولوجيا فى مجال الحاسبات الآلية والميكروفيلم وغيرها تحقيقاً لكفاية الأداء وسرعة الفصل فى الدعاوى وإيصال الحقوق لأصحابها، إلا أن مثل هذا الأمر يجب أن يتم من خلال الأساليب والوسائل الشرعية والدستورية بما يوجبه ذلك من إعداد الدراسات الكافية المتأنية لإجراء التعديلات القانونية والتشريعية اللازمة حتى يأتى هذا التطبيق ويكون هذا الاستخدام فى إطار الضمانات التى تحقق الحفاظ على الشرعية وسيادة القانون وما يتفرع عليها من مبادئ التقاضى والتى تقوم كما سبق القول على حق المواطن فى اللجوء إلى قاضيه الطبيعى صاحب الاستقلال الذى ينزل حكم القانون على المنازعات كاشفاً عن وجه الحق والعدل فيها مراعياً كافة الضمانات المقررة دستوراً وقانوناً لممارسة حق التقاضى.
ومن حيث إنه وبالبناء على ما سبق جميعه فإن الأوامر والمنشورات التى صدرت عن السيد المستشار رئيس محكمة الجيزة الابتدائية سالفة البيان تكون فى حقيقتها قرارات إدارية انطوت على مخالفات جسيمة لأحكام الدستور والقانون رغم ما يبدو فى ظاهرها من إتباع تنظيم أسلوب تكنولوجى متقدم وحفظ وثائق ومستندات الدعاوى وذلك لما شابها من عيوب تمثلت فى غصب سلطة التشريع بوضع قيود لم يرد بها نص فى القانون على اقامة الدعوى، مع الإخلال بحق الخصم فى الدفاع، هذا فضلاً عن فرض رسوم بغير الطريق الذى رسمه القانون وإشراك غير أعوان القضاء فى إدارة وتنفيذ العمليات الإدارية والقضائية المرتبطة بسير الخصومة منذ إقامة الدعوى وحتى صدور حكم فيها، وهو ما يجعلها مشوبة بعيوب جسيمة تجعلها منعدمة الأثر قانوناً الامر الذى يستوجب القضاء بإلغائها نزولاً على الشرعية وسيادة الدستور والقانون هذه السيادة يتعين أن تعلو إرادة كل فرد وكل جماعة وكل سلطة فى الدولة وأنه يخضع لها كل تصرف أو قرار إدارى حتى ولو كانت غايته الظاهرة الأخذ بأساليب العلم والتكنولوجيا الحديثة كما هو الأمر بشأن موضوع الطعن الماثل حيث لا نفع ولا قيمة لذلك ما لم يحقق الاحترام للنظام العام القضائى ويؤكد حق الدفاع أمام المحاكم ولا يمس أحكام الدستور أو يهدر أحكام القانون.
ومن حيث إن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وفى الموضوع بإلغاء القرارات المطعون فيها على النحو المبين بالاسباب والزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.