مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلى أخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 1238

(115)
جلسة 14 من يونيه سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور/ محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة علي محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1529 لسنة 6 القضائية

أ - عامل - أجر - فصل - تعويض - الأصل المؤصل في تبرير استحقاق الأجر - أنه مقابل للعمل الذي يؤديه الموظف أو العامل - سحب الجهة الإدارية لقرار الفصل - لا يستتبع استحقاق العامل المفصول لراتبه أو أجره خلال المدة التي فصل فيها - قصارى ما يحق له المطالبة به - التعويض عن القرار الصادر بفصله.
ب - قرار إداري - مسئولية - تعويض - مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة - قيام خطا من جانبها وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر وأن تقوم السببية بين الخطأ والضرر.
جـ - عامل - اشتغاله - فصل اعتبار العامل تاركاً الخدمة بسبب انقطاعه عن العمل بدون إذن أكثر من عشرة أيام - يفارق الفصل التأديبي - يقوم على قرينة الاستقالة إلا أن يثبت العامل المفصول بما يقنع رئيسه أن الغياب كان بسبب قوة قاهرة - تعليمات المالية رقم 26 لسنة 1922.
د - سحب - فصل - سحب قرار الفصل ولو كان مطابقاً للقانون - جائز.
1 - وإذا كان الأصل المؤصل في تبرير استحقاق الأجر هو كونه مقابلاً للعمل الذي يؤديه الموظف أو العامل فإن سحب الجهة الإدارية لقرار الفصل مثار المنازعة لا يستتبع - حتى على افتراض عدم مشروعيته - استحقاق العامل المفصول لراتبه أو أجره خلال المدة التي فصل فيها إذ قصارى ما يحق له المطالبة به لا يعدو أن يكون تعويضاً عن القرار الإداري الصادر بفصله.
2 - أن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة هو قيام خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون تنظيم مجلس الدولة، وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ الإداري والضرر.
3 - إن اعتبار العامل تاركاً الخدمة بسبب انقطاعه عن العمل بدون إذن أكثر من عشرة أيام طبقاً للفقرة الرابعة عشر من المادة الخامسة من تعليمات المالية رقم 26 لسنة 1922 يفارق الفصل التأديبي في أنه يقوم على قرينة الاستقالة التي تقتصر الإدارة في خصوصها على تسجيلها بمحو قيد العامل من سجلاتها فالفصل كان بسبب قوة قاهرة حالت بينه وبين الانتظام في العمل وهو أمر عجز المدعي عن تقديم الدليل عليه.
4 - إن قرار فصل المدعي محل الدعوى قد صدر بالموافقة لما يقضي به التطبيق السليم للقانون. ولا تترتب عليه تبعاً لذلك مسئولية الإدارة بالتعويض عنه. ولا يغير من الأمر شيئاً ما قامت به الجهة الإدارية بعد ذلك من سحب لقرار الفصل المنوه عنه ما دام أنه من الجائز لها إجراء هذا السحب حتى ولو كان قرار الفصل مطابقاً للقانون وذلك طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من جواز سحب قرارات الفصل من الخدمة المشروعة لاعتبارات العدالة وحدها.


إجراءات الطعن

في يوم السبت 14 من مايو سنة 1960 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الخزانة والاقتصاد والصناعة والزراعة والتموين بجلسة 14 من مارس سنة 1960 في الدعوى رقم 27 لسنة 5 القضائية المرفوعة من السيد/ المرسي حسن السيد ضد وزارة الزراعة القاضي "باستحقاق المدعي لما لم يصرف من أجره عن المدة من انتهاء إعارته إلى تاريخ تسلمه العمل، وألزمت الوزارة بالمصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة". وطلبت إدارة قضايا الحكومة للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وبإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقد أعلن الطعن إلى المدعي في 22/ 6/ 1960، وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 31/ 3/ 1962 وأخطرت الحكومة والمدعي في 14/ 3/ 1962 بميعاد هذه الجلسة ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 21/ 4/ 1963 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحضر، قررت إصدار الحكم في 9/ 6/ 1963، ثم أعيدت الدعوى للمرافعة لجلسة 1/ 12/ 1963 للمناقشة في بعض نقط الدعوى ولتقديم تقرير تكميلي من هيئة المفوضين ثم قررت المحكمة إصدار الحكم في 22/ 4/ 1964. وأرجئ النطق به لعدم إتمام المداولة إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بأحقيته في صرف مرتبه عن مدة 8 يوم و7 شهر التي تغيبها في سوريا بلا مبرر بنفس المرتب الذي كان يتقاضاه من الحكومة السورية شهرياً، ومرتبه عن مدة 12 يوم و3 شهر التي أمضاها في مصر مبعداً عن العمل دون مبرر بواقع مرتبه الذي كان يتقاضاه في مصر مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال في بيان ذلك أنه كان يشغل وظيفة ملاحظ تجارب بوزارة الزراعة، وبتاريخ 11/ 3/ 1952 أعارته الوزارة ضمن البعثة الفنية لزراعة القطن إلى الجمهورية السورية، وتسلم عمله لمدة سنة قابلة للتجديد وجددت الإعارة سنتين تنتهي في 11/ 3/ 1955 وقد تقدم في سبتمبر سنة 1954 بطلب إلى رئيس البعثة لعدم تجديد إعارته مره أخرى بسبب وفاة والده والتمس الإسراع في استخراج تذاكر سفره عودته هو وأسرته إلى مصر عقب انتهاء السنة الثالثة مباشرة، ولكنه انتظر تسلم هذه التذاكر دون جدوى حتى انتهت مدة إعارته وقطع مرتبه من الحكومة السورية وأخلى مسكنه المسلم منها واضطر للإقامة هو وأسرته في فندق على حسابه الخاص، وفي 12/ 10/ 1955 تسلم تذاكر السفر وعاد في أول طائرة بتاريخ 19/ 10/ 1955، ولما توجه لاستلام عمله بقسم تربية النباتات أخطرت بصدور قرار بفصله فتظلم، ثم ظل مبعداً عن العمل حتى أعيد للخدمة في 1/ 3/ 1956 دون أن يتقاضى مرتبه عن المدة السابقة، ولذلك فإن من حقه المطالبة بمرتبه عن المدة التي قضاها في سورية بعد انتهاء مدة إعارته دون خطأ من جانبه وكذلك مرتبه عن مدة إبعاده عن العمل بعد عودته لمصر دون مبرر.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي كان يشغل وظيفة ملاحظ تجارب بقسم تربية النباتات في الدرجة 200/ 360 وأعير للحكومة السورية اعتباراً من 11/ 3/ 1952 لمدة سنة، ثم تجددت الإعارة لمدة أخرى تنتهي في 10/ 3/ 1955، وقد حرر المدعي خطاباً بتاريخ 18/ 3/ 1955 إلى مدير عام قسم تربية النباتات بمصر للإفادة بأن مدة خدمته بالحكومة السورية قد انتهت ولم تصله تذاكر السفر التي طلبها من سبتمبر 1954، وطلب اعتباره مأذوناً لحين استلام تذاكر لسفر والحضور إلى مصر، وتبودلت المكاتبات بين أقسام الوزارة بشأن هذا الموضوع. وفي 1/ 5/ 1955 وصل خطاب من خبير القطن بالحكومة السورية إلى مدير عام مصلحة الزراعة يفيد بأن الحكومة السورية أخطرته بأنها أرسلت إلى شركة الكرنك بدمشق لتسليمه التذاكر المطلوبة على نفقة وزارة الزراعة السورية، كما أفاد بأن المدعي اشتغل لدى أحد كبار المزارعين بسورية، وعلاوة على ذلك فقد أفاد القائم بأعمال سفارة الجمهورية السورية في 11/ 9/ 1955 بأن المدعي بعد أن انتهت مدة خدمته بالحكومة السورية اشتغل لدى كبار الزارع وأن الحكومة السورية سلمت إليه تذاكر السفر وتعويض التسريح وتعويض الأجازات المتبقية له، وعندئذ قررت لجنة شئون العمال فصله من الخدمة اعتباراً من 11/ 3/ 1955 اليوم التالي لانتهاء إعارته. وبتاريخ 1/ 11/ 1955 تقدم المدعي بطلب إلى كبير الأخصائيين بقسم تربية النباتات جاء به أنه عندما حضر لاستلام عمله علم بصدور قرار بفصله وطلب إعادته للعمل لأنه تسلم تذاكر السفر بتاريخ 12/ 10/ 1955 وحدد لسفره يوم 19/ 10/ 1955 وقد مرض عقب حضوره. وفي 17/ 12/ 1955 أرسل مدير عام مصلحة زراعة النباتات خلال العشرة أيام التالية لانتهاء إعارته بتعذر حضوره لعدم استلامه تذاكر العودة وطلب من القسم اعتباره مأذوناً لحين استلام تلك التذاكر، كما أن السفارة السورية أفادت أنه كان يعمل لدى المزارع السيد/ حلمي البارودي لحين وصول تذاكر السفر وأن عمله لدى المزارع المذكور كان لعذر اضطراري هو انقطاع أجرته بانتهاء إعارته وما دام أن قرار لجنة شئون العمال الصادر في 21/ 9/ 1955 بفصله لا يعتبر نهائياً حيث لم يعتمد من المصلحة والوزارة طبقاً للتعليمات فإنه يمكن تسليمه العمل وفعلاً تسلم عمله بقسم المزارع اعتباراً من 1/ 2/ 1956 واعتبرت مدة انقطاعه من 11/ 3/ 1955 إلى 31/ 1/ 1956 من أجازاته القانونية. ولما تقدم المدعي بطلبه صرف مرتبه عن المدة من 11/ 3/ 1955 إلى 19/ 10/ 1955 التي بقي فيها بسورية ومن 20/ 10/ 1955 إلى 31/ 1/ 1956 بالقاهرة رأت مصلحة الزراعة احتساب مدة انقطاعه عقب انقطاع الإعارة كأجازة تسوى حسب استحقاق القانوني من الأجازات الاعتيادية التي بأجر وبدون أجر بالنظر لإخطار السلطات السورية بأن الملاحظ المذكور قد التحق عقب انتهاء إعارته بوظيفة مساعد في زراعة القطن لدى المزارع السيد/ حلمي البارودي، ثم صدر الأمر رقم 75 بتسوية مدة الانقطاع من 11/ 3 إلى 5/ 4/ 1955 أجازة اعتيادية بأجر ومن 6/ 4 إلى 31/ 12/ 1955 أجازة بدون أجر ومن 1/ 1/ 1956 إلى 30/ 1/ 1956 أجازة بأجر ويوم 31/ 1/ 1956 أجازة بدون أجر.
وبجلسة 14من مارس سنة 1960 قضت المحكمة باستحقاق المدعي لما لم يصرف من أجره عن المدة من انتهاء إعارته إلى تاريخ تسلمه العمل وألزمت الوزارة بالمصروفات ومائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة - وأقامت المحكمة قضاءها على أن جهة الإدارة اقتنعت بالمبررات التي ساقها المدعي لعدم عودته فور انتهاء مدة إعارته ولهذا سحبت قرار الفصل وسلمت المدعي العمل في 1/ 4/ 1956. ومن الطبيعي أن سحب قرار الفصل كان يستتبع إعادة النظر في تسوية حالة المدعي خلال الفترة التي ظل فيها مبعداً عن العمل إعمالاً لقرار الفصل وبالفعل صدرت هذه التسوية فلم تعد هناك حاجة لإقامة الدليل على أن المدعي قدم أسباباً مقبولة تبرر عذره في التخلف، وأن جهة الإدارة قررت لذلك عدم حرمانه من مرتبه عن هذه المدة. ولا يغير من هذا النظر أن التسوية المذكورة قسمت المدة من حيث منح الأجر أو عدم منحه باعتباره قد استنفد أجازاته ما دام أنها منحته الأجر عن بعض هذه المدة، وأن تسوية جزء من مدة تغيبه عن عمله باعتبارها أجازة بدون مرتب يعتبر خروجاً على نصوص القانون في شأن هذا النوع من الأجازات التي أوردها الشارع على سبيل الحصر.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الوزارة إذ قررت سحب قرار الفصل وإعادة المدعي إلى عمله رتبت النتائج القانونية لهذا العمل بتسوية مدة انقطاعه من 11/ 3/ 1955 إلى 31/ 1/ 1956 وذلك بحسابها ضمن أجازاته التي يستحقها فقسمتها إلى فترات بعضها بأجر والباقي بدون أجر وفقاً للقواعد المعمول بها في هذا الشأن، فإذا ما قضي الحكم المطعون فيه بوجوب حساب المدة كلها أجازة بأجر يكون قد خالف القانون، لأن الأصل العام المقرر هو أن الأجر مقابل العمل وأن سحب قرار الفصل وإن ترتب عليه اعتبار مدة الخدمة متصلة لا يكون من آثاره استحقاق الأجر كاملاً إذ فيه خروج على هذا الأصل العام.
وفضلاً عن ذلك فإن الأجر الذي يطالب به المدعي لا يعدو أن يكون تعويضاً بسبب عدم تسلمه تذاكر العودة، ويلزم لاستحقاق التعويض قانوناً أن يكون قد أصابه ضرر من عمل الوزارة، وقد ثبت بطريقة قاطعة أن الضرر غير متحقق إذ أن كتاب الحكومة السورية المؤرخ 1/ 5/ 1955 تضمن قيام المدعي بالعمل لدى أحد المزارعين، ومن ثم لم يكن عاطلاً خلال هذه المدة بل قد أفاد من عدم تسلمه تذاكر السفر فور انتهاء إعارته، وأكثر من ذلك فإن الوقائع تنطق بأنه هو الذي تأخر في استلام تلك التذاكر ولا يجوز له بعد ذلك أن يطالب بتعويض عن تصرف صدر منه.
ومن حيث إن الثابت مما سبق بيانه في معرض تحصيل الوقائع أن المدعي انقطع عن العمل في الفترة من 11/ 3/ 1955 اليوم التالي لانتهاء إعارته بالجمهورية السورية إلى 1/ 2/ 1956 تاريخ تسلمه العمل بوزارة الزراعة عقب سحب قرار فصله وإذ كان الأصل المؤصل في تبرير استحقاق الأجر هو كونه مقابلاً للعمل الذي يؤديه الموظف أو العامل فإن سحب الجهة الإدارية لقرار الفصل مثار المنازعة لا يستتبع - حتى على افتراض عدم مشروعيته استحقاق العامل المفصول لراتبه أو أجره خلال المدة التي فصل فيها إذ قصارى ما يحق له المطالبة به لا يعدو أن يكون تعويضاً عن القرار الإداري الصادر بفصله.
وإذ كان مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدرها في تسييرها للمرافق العامة هو قيام خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإداري غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها في قانون تنظيم مجلس الدولة، وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ الإداري والضرر فإنه يتعين البحث في ملابسات القرار الصادر بفصل المطعون عليه.
ومن حيث إنه بالرجوع إلى الأوراق قد بان لهذه المحكمة أن القرار الصادر من لجنة شئون العمال بتاريخ 21/ 9/ 1955 بفصل المدعي من الخدمة اعتباراً من اليوم التالي لانتهاء إعارته للحكومة السورية صدر تأسيساً على أن عدم عودته إلى العمل واشتغاله في ذات الوقت لدى احد الزراع بسوريا يعتبر في حكم الانقطاع عن العمل بدون إذن مما يطوع لرئيس العامل المدعي أن يفصله، وباستقراء الأعذار التي ساقها المدعي تبريراً لهذا التخلف والتي أجملها في أن الوزارة لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بإعادته إلى مقر عمله في الوقت المناسب ولم تستحث الجهة المعار إليها كي تسارع في صرف تذاكر السفر للمدعي وعائلته، وأخيراً لم تخطره بوجوب التوجيه إلى شركة الكرنك ليتسلم تلك التذاكر بعد أن تلقت من الحكومة السورية كتابها المؤرخ 1/ 5/ 1955 في هذا الشأن، يبين من تقصي هذين السببين أن كليهما لا يصلح سبباً لقيام العذر الملجئ للانقطاع عن العمل خصوصاً مع ما ثابت من أن الحكومة السورية بادرت إلى تكليف شركة الكرنك بدمشق تسليم المدعي تذاكر العودة على نفقة وزارة الزراعة السورية، ولم يثبت أنه سعى إلى الحكومة السورية لاستنهاضها إلى تسليم تذاكر السفر مع أنها الجهة المستعيرة التي تتحمل نفقات ذهابه وإيابه جميعاً، فضلاً عما هو ثابت من أن قيامها بتكليف شركة الكرنك كان فيه الدليل على قيامها بالإجراء الواجب في نهاية مدة إعارته. ومع ذلك فقد كان في مكنة المدعي لو عز عليه الرجوع الاتصال بالسفارة المصرية كيما تدبر أمر عودته عقب انتهاء إعارته على أن تتولى السفارة بعد ذلك مطالبة الجهات المختصة بقيمة تكاليف ترحيله إذا ما صدقت نيته في العودة مباشرة بعد انتهاء إعارته وقطع مرتبه كما أفادت بذلك الوزارة في كتابها المؤرخ 22/ 12/ 1955 المودع ملف خدمته. وفي ضوء هذه الاعتبارات مجتمعة فإن واقع الحال يشعر بأنه على خلاف لما تقدم كان المدعي عازماً على التخلف مرتباً أمر اشتغاله بسورية من قبل بدليل اشتغاله مباشرة وفي اليوم التالي لانتهاء الإعارة لدى أحد كبار الزراع ولما يتكشف له تراخي الجهات المسئولة أو تقاصرها المزعومان عن تسليمه تذاكر السفر المشار إليها. وبهذه المناسبة تبين بوضوح أنه لم يكن ثمت خطأ واقع من الجهة الإدارية ينهض عذراً لتخلف المدعي عن العودة لعمله مباشرة بعد انتهاء مدة إعارته، وبالتالي يكون هو وحده المسئول عما تم في شأنه من جانب الإدارة من جهة اعتباره مستقيلاً من وظيفته ثم فصله من الخدمة فعلاً نتيجة لهذا التصوير.
ومن حيث إنه متى استبان بصورة جلية من جهة أخرى أن المدعي لم يكن جاداً في الرجوع إلى مقر عمله وإنه بدلاً من أن يفرغ الوسع في تدبير عودته بطرائق شتى لا يفوته سلوكها، عقد العزم على الاشتغال غداة انتهاء إعارته لدى أحد كبار الزراع بسوريا واستمر على ذلك شهوراً عدة ممعناً في الانقطاع عن عمله، فإن هذه الوقائع ينتفي معها القوة القاهرة التي تشفع لانقطاعه فإذا تبين بعد ذلك أن الرئيس الإداري قد قدر بحق عدم قبول اعتذاره عن هذا الانقطاع فإن قراره بفصله يكون قد قام على سبب صحيح، لأنه لا جدال في أن هذه الوقائع تكون ركن السبب في هذا القرار وليس يدفع عنه هذا التقصير أن يتحدى من غير دليل بأنه لم ينبه في الوقت المناسب إلى ضرورة مراجعة الشركة التي تتولى تسليم تذاكر السفر أو أن المكاتبات الرسمية قد طال عليها الأخذ والرد لأن ظروف الحال كلها تنادي بأنه لم يقم من جانبه بأي عمل إيجابي لتسلم عمله فور انتهاء إعارته بل لعل استطالة مدة اشتغاله بسوريا بعد هذه الإعارة تدل دلالة جازمة على إمعانه في موقف ايجابي يتضح بالاستخفاف وينطوي على تبييت النية على الانقطاع وكل ذلك قاطع في أن قرار فصله قد استخلص النتيجة التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً.
ومن حيث إنه ليس مقبولاً أن يتمسك المدعي بأن قرار فصله من الخدمة لم يصبح نهائياً لعدم اعتماده من الوزارة لأن هذا القرار ليس قراراً تأديبياً حتى يفتقر إلى هذا الإجراء، أن اعتبار العامل تاركاً الخدمة بسبب انقطاعه عن العمل بدون إذن أكثر من عشرة أيام طبقاً للفقرة الرابعة عشرة من المادة الخامسة من تعليمات المالية رقم 26 لسنة 1922 يفارق الفصل التأديبي في أنه يقوم على قرينة الاستقالة التي تقتصر الإدارة في خصوصها على تسجيلها بمحو قيد العامل من سجلاتها. فالفصل هنا يقع استناداً إلى هدم القرينة إلا أن يثبت العامل المفصول - بما يقنع رئيسه - أن الغياب كان بسبب قوة قاهرة حالت بينه وبين الانتظام في العمل وهو أمر عجز المدعي عن تقديم الدليل عليه.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإن قرار فصل المدعي محل الدعوى قد صدر بالموافقة لما يقضي به التطبيق السليم للقانون، ولا تترتب عليه تبعاً لذلك مسئولية الإدارة بالتعويض عنه. ولا يغير من الأمر شيئاً ما قامت به الجهة الإدارية بعد ذلك من سحب لقرار الفصل المنوه عنه ما دام أنه من الجائز لها إجراء هذا السحب حتى ولو كان قرار الفصل مطابقاً للقانون وذلك طبقاً لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة من جواز سحب قرارات بالفصل من الخدمة المشروعة لاعتبارات العدالة وحدها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ ذهب إلى غير هذا المذهب على غير سند من الواقع أو القانون، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه، ويتعين القضاء بإلغائه، وبرفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.