مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلى أخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 1246

(116)
جلسة 14 من يونيه سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور/ محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ علي محسن مصطفى وحسنين رفعت حسنين ومحمد عبد العزيز البرادعي وأبو الوفا زهدي المستشارين

القضية رقم 6 لسنة 7 القضائية

موظف - ترقية بالاختيار - أقدمية - المادة 40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 - الترقية بالاختيار في إطار منها لا تلتزم فيها لجنة شئون الموظفين بمراعاة ترتيب الأقدمية - المشرع إنما استهدف رعاية اعتبارات مشروعة قد لا تنطق بها الأرقام.
نصت المادة 40 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 على أنه "... أما بالنسبة المخصصة للترقية بالاختيار فتكون خاضعة لتقدير لجنة شئون الموظفين دون التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية على أن يكون الاختيار أولاً من الحائزين على مرتبة ممتازفي العامين الأخيرين وفي حالة عدم توافر عددهم بالنسبة للدرجات الخالية يكون الاختيار في الدرجة الباقية من الحائزين على مرتبة جيد ويضاف الحائزون على مرتبة ممتاز في إحدى السنتين إلى مرتبة جيد وتسري عليهم حكمها". وورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه خاصاً بهذه الفقرة أنه رؤى تعديل المادة 40 فقرة ثانية بوضع ضوابط يجب مراعاتها عند إعمال الترقية بالاختيار في حدود النسب المقررة لذلك في الدرجات الأخرى حتى الدرجة الثانية فجعل مرد التقدير في هذه الترقيات إلى لجنة شئون الموظفين تجريه دون قيد عليها من الأقدمية فيما بين المرشحين وإنما تلتزم اللجنة أولاً ترقية الحائزين على مرتبة ممتاز في العامين الأخيرين، فإذا تجاوز عددهم الدرجات الخالية فتكون المقارنة بينهم تبعاً لما تقدره اللجنة بصرف النظر عن الأقدمية.
ومن حيث إن الذي تستخلصه المحكمة في ضوء النص المذكور أن لجنة شئون الموظفين لإلزام عليها بمراعاة ترتيب الأقدمية فيما بين المرشحين للترقية بالاختيار فإن أخلت بهذا الترتيب فلا تكون قد خالفت القانون فلا يجوز النعي عليها بهذا الوجه من وجوه الطعن، والمشرع إذ وسع على لجنة شئون الموظفين في هذا إنما هدف إلى رعاية اعتبارات مشروعة تقع في حس تلك اللجنة وقد لا تنطق بها الأرقام، وإلا لو نحت غير هذا لاتسمت قرارات اللجن ة في هذا الصدد بعيب إساءة استعمال السلطة وخضعت لرقابة مجلس الدولة.


إجراءات الطعن

بتاريخ أول أكتوبر 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد/ وزير الزراعة التنفيذي عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في القضية رقم 86 لسنة 14 القضائية والمرفوعة من عبد الفتاح محمد محمد السيد ضد وزارة الزراعة والقاضي باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة راجعة إلى 25 من مايو سنة 1959 تاريخ الترقية بالقرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات. وتطلب الطاعنة قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وإلزام الطاعن المصروفات - وقد حدد لنظر هذا الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 23 من نوفمبر 1963 فأحالته إلى المحكمة الإدارية العليا حيث نظر بجلساتها وأرجئ النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة حسبما يبين من أوراقها تتحصل في أن المدعي (المطعون عليه) أقام الدعوى رقم 86 لسنة 14 القضائية بعريضة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري طالباً فيها الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 583 لسنة 1959 الصادر بتاريخ 16 من يونيه 1959 والذي لم يتضمن ترقيته إلى الدرجة الرابعة وبأحقيته في الترقية إليها اعتباراً من 25 من مايو سنة 1959 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الوزارة المصروفات والأتعاب. وقال شرحاً لدعواه أنه تخرج في كلية الزراعة ثم عين في أول أكتوبر 1944 وفي 30 من أبريل سنة 1954 حصل على الدرجة الخامسة، وظل يؤدي عمله بنشاط وكفاية تشيد عليها تقارير رؤسائه التي تحمل تقرير ممتاز، وفي 25 من مايو سنة 1959 أصدرت وزارة الزراعة القرار رقم 583 لسنة 1959 متضمناً ترقيات إلى الدرجة الرابعة ولم يكن المدعي من بين من شملهم القرار المذكور بالترقية بالاختيار رغم أنه أقدم من جميع من رقوا بالاختيار في تاريخ التعيين في الوظيفة، وفي تاريخ الحصول على الدرجة الخامسة وحاصل على تقدير ممتاز عند التحاقه بخدمة الوزارة إلى تاريخ صدور القرار المطعون فيه، ومن ثم يكون قد صدر القرار مخالفاً للقانون مشوباً بإساءة استعمال السلطة - وقد قدمت الجهة الإدارية حافظة مستندات تشمل القرار المطعون فيه وبيان بأقدمية أول وآخر المرقين والتقارير السرية للمطعون في ترقيتهم وملف التظلم وملف خدمة المدعي، ولكنها لم تقدم مذكرة بردها وإن كان المستفاد من جلسة المناقشة التي عقدتها هيئة مفوضي الدولة بتاريخ 17 من ديسمبر1960 أن الوزارة تستند إلى نص المادة 40 من قانون موظفي الدولة والمعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 وبمقتضاها لا يجوز التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية - وبجلسة 4 من أغسطس سنة 1960 حكمت محكمة القضاء الإداري باعتبار أقدمية المدعي في الدرجة الرابعة راجعة إلى 25 من مايو سنة 1959 تاريخ الترقية بالقرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات. وأقامت قضاءها على أن المدعي قدرت كفايته عن عامي سنة 1957، سنة 1958 وكان فيهما في الدرجة الخامسة بدرجة ممتاز، وأنه يتضح من تقصي مراحل التشريع فيما يتعلق بالترقية بالاختيار أن الهدف منها اختيار الأصلح ولو كان هو الأحدث وقد ترك المشرع بمقتضى القانون رمق 73 لسنة 1957 سلطة التقدير في الاختيار عند تساوي درجة الكفاية إلى لجنة شئون الموظفين. ولكن ليس معنى ذلك أن حقها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه ما يرد على القرارات الإدارية من عيوب - وأن الحكمة في عدم تقيد لجنة شئون الموظفين بترتيب الأقدمية في ذات مرتبة الكفاية بالاختيار أن ثمة عناصر أخرى غير الكفاية البحتة قد تنهض مرجحاً للتفضيل ولكن ذلك لا ينقلب إلى أداة لإهدار الغاية التي استهدفها المشرع بحجة تمتع اللجنة بسلطة تقديرية مطلقة، لأن هذه السلطة تجد حدها الطبيعي في الحكمة التي شرعت من أجلها وهي عدم التقيد بالأقدمية إذا قامت عناصر ايجابية أخرى ومرجحة تبرر إطراح هذه الأقدمية وتسوغ تمييز الأحداث على الأقدم عند تساويهما في مرتبة الكفاية - وأضافت المحكمة إلى ما تقدم أنه يبين من كشف أقدمية المرقين بالاختيار أن أولهم تخرج في 1944 والتحق بالخدمة في الدرجة السادسة في 4 من أكتوبر سنة 1944 ورقي إلى الدرجة الخامسة في 30 من أبريل سنة 1954 وآخرهم تخرج سنة 1948 والتحق بالخدمة في الدرجة السادسة في 17 من نوفمبر سنة 1948 ورقي إلى الدرجة الخامسة في 17 من يناير سنة 1955 بينما أن المدعي تخرج في سنة 1944 والتحق بالخدمة بالدرجة السادسة في أول أكتوبر 1944 ثم رقي إلى الدرجة الخامسة في 30 من أبريل سنة 1954 وقد تساوى مع جميع المرقين في مرتبه الكفاية إذ حصلوا على تقدير ممتاز عامي 1957، 1958 وكلهم يشغلون وظيفة أخصائي ثان - ولم تعلق لجنة شئون الموظفين اختيارهم لهؤلاء دون المدعي بسبب ايجابي محدد المعالم يقوم على عنصر مرجح خارج عن التقارير السرية يبرر إهدار الأقدمية التي هي الأصل، وأنه من هذه المقارنة أن الأحدث لا يفضل المدعي وهو الأقدم في شيء، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه قد صدر مشوباً بعيب الانحراف خليقاً بالإلغاء، إلا أن المدعي وقد رقي إلى الدرجة الرابعة في 30 من يونيه 1959 فقد أصبحت مصلحته قاصرة على رد أقدميته في هذه الدرجة إلى 25 من مايو 1959 تاريخ الترقية إليها بالقرار المطعون فيه - فطعنت جهة الإدارة بتاريخ أول أكتوبر 1961 على الحكم سالف الذكر طلبت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات. وأقامت طعنها على أن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من أن الأصل في الترقية بالاختيار يكون حسب ترتيب الأقدمية بين المرشحين المتساوين في مرتبة الكفاية، وهذه الأقدمية لا يجوز إهدارها إلا حيث يوجد المبرر لتخطي الأقدم إلى الأحدث مع بيان هذا المبرر.... هذا يخالف القاعدة القانونية التي وردت في المادة 40 من قانون موظفي الدولة والمعدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 والتي تحكم الترقية بالاختيار وتجعل مرد التقدير فيه إلى لجنة شئون الموظفين تجريه دون قيد عليها من الأقدمية فيما بين المرشحين وإنما تلتزم في الترقية بالاختيار أولاً ترقية الحائز على مرتبة ممتاز في العامين الأخيرين وهو ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية للقانون، وأن المفاضلة في مجال الترقية بالاختيار تستقل بتقديرها لجنة شئون الموظفين بلا معقب عليها من القضاء ما دام قد برئ اختيارها من عيب الانحراف في استعمال السلطة، وهي في هذا الاختيار يحق لها أن تختار الأحدث رغم تساويهما في مرتبة الكفاية دون أن تلتزم ببيان أسباب التخطي ما دام القانون لا يلزمها بذلك، وحيث يفترض في الاختيار قيامه على سببه الصحيح وأنه وإن لم يقم دليل في المنازعة الحالية على انحراف اللجنة بسلطتها في الاختيار، ومن ثم فقد جاء قرارها سليماً.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً في الموضوع خلصت فيه أنه إذ كان المطعون عليه (المدعي) أقدم من المرقين بالاختيار جميعاً وتساوى معهم في مرتبة الكفاية إذ حصلوا جميعاً على تقرير ممتاز عامي 1957، 1958 وكلهم يشغلون وظيفة أخصائي ثان، ولم تعلق لجنة شئون الموظفين اختيارها لهؤلاء دون المدعي الذي هو أسبق منهم في الأقدمية مع تساويه معهم في مرتبة الكفاية، لم تعلقه بسبب إيجابي محدد المعالم يقوم على عنصر مرجح خارج عن التقارير السرية يبرر هذا الاختيار فيكون الاختيار قد قام على غير سببه المبرر له قانوناً، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه وجاء متمشياً مع المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المادة (40) من قانون نظام موظفي الدولة معدلة بالقانون رقم 73 لسنة 1957 على أنه ".... أما بالنسبة المخصصة للترقية بالاختيار فتكون خاضعة لتقدير لجنة شئون الموظفين دون التقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية على أن يكون الاختيار أولاً من الحائزين على مرتبة ممتازة في العامين الأخيرين وفي حالة عدم توافر عددهم بالنسبة للدرجات الخالية يكون الاختيار في الدرجات الباقية من الحائزين على مرتبة جيد ويضاف الحائزون على مرتبة ممتاز في إحدى السنتين إلى مرتبة جيد وتسري عليهم حكمها". وورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون المشار إليه خاصاً بهذه الفقرة أنه رؤى تعديل المادة 40 فقرة ثانية بوضع ضوابط يجب مراعاتها عند إعمال الترقية بالاختيار في حدود النسب المقررة لذلك في الدرجات الأخرى حتى الدرجة الثانية فجعل مرد التقدير في هذه الترقيات إلى لجنة شئون الموظفين تجريه دون قيد عليها من الأقدمية فيما بين المرشحين وإنما تلتزم اللجنة أولاً ترقية الحائزين على مرتبة ممتاز في العامين الأخيرين، فإذا تجاوز عددهم الدرجات الخالية فتكون المقارنة بينهم تبعاً لما تقدره اللجنة بصرف النظر عن الأقدمية.
ومن حيث إن الذي تستخلصه المحكمة في ضوء النص المذكور أن لجنة شئون الموظفين لا إلزام عليها بمراعاة ترتيب الأقدمية فيما بين المرشحين للترقية بالاختيار، فإن أخلت بهذا الترتيب فلا تكون قد خالفت القانون فلا يجوز النعي عليها بهذا الوجه من وجوه الطعن. والمشرع إذ وسع على لجنة شئون الموظفين في هذا الشأن إنما هدف من ذلك رعاية اعتبارات مشروعة تقع في حس تلك اللجنة وقد لا تنطق بها الأرقام، وإلا لو نحت غير هذا لاتسمت قرارات اللجنة في هذا الصدد بعيب إساءة استعمال السلطة وخضعت لرقابة مجلس الدولة.
ومن حيث إنه بمقارنة حالة المدعي، بالمطعون على ترقيتهم بالاختيار من واقع الأوراق استظهرت المحكمة أن المدعي (المطعون عليه) أقدمهم جميعاً. أما التقارير السنوية فقد استبان لها أن المدعي (المطعون ضده) حصل في عام 1957 على مرتبة ممتاز، ومن ناحية الدرجات فقد حصل على 100 درجة من الرئيس المباشر ووافق على ذلك الرئيس المحلي ثم هبط بها رئيس المصلحة إلى 97 درجة وأورد على ذلك ملاحظة فحواها (أنه ممتاز جداً ينقصه الإلمام التام بالأبحاث الفنية العالية ولا يستحق زيادة على 27 درجة في ذلك ويكون مجموع 97%) وكذلك في عام 1958 حصل على تقدير ممتاز ومن ناحية الدرجات فقد حصل على 97 درجة من الرئيس المباشر والمحلي ومدير المصلحة - بينما حصل جميع المطعون في ترقيتهم على مرتبة ممتاز وعلى مائة درجة من كل من الرئيس المباشر والمحلي ومدير المصلحة.
ومن حيث إنه طبقاً لما سلف إيضاحه لا إلزام على لجنة شئون الموظفين بالتقيد بالأقدمية في ذات مرتبة الكفاية على اعتبار أنها تستعيد كامل حريتها في اصطفاء الأصلح، ومن المقرر أيضاً أن أصحاب المرتبة الواحدة قد يتفاوتون في كفاياتهم وتنطق بذلك الدرجات التي يحصلون عليها، ومن ثم لا يسوغ النعي على قرار لجنة شئون الموظفين بعيب مخالفة القانون إن هي لم تراع ترتيب الاقدميات لأنها إنما تمارس سلطتها التقديرية في اختيار الأصلح في حدود ما تقضي به المصلحة العامة وما دامت عناصر الدعوى تزكي هذا الاختيار بسبب تفوق المطعون على ترقيتهم في درجات الامتياز ورجحانهم في ميزان التقدير فإن اختيارها يكون قائماً على سبب قانوني ثابت في الأوراق يفضي إلى النتيجة التي انتهى إليها القرار.
ومن حيث إنه ولئن كان يسوغ الطعن على القرار المذكور بعيب الانحراف بالسلطة إلا أن ذلك النص لا يقوم عليه دليل من أوراق الدعوى - وإذ ذهب الحكم المطعون فيه على خلاف هذا فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، ويتعين من ثم القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع بيانه إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.