مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلى أخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 1300

(123)
جلسة 21 من يونيه سنة 1964

برياسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة علي محسن مصطفى وعادل عزيز زخاري وحسنين رفعت حسنين وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 1116 لسنة 7 القضائية

( أ ) تشريع - بطلان - عدم عرض التشريع على مجلس الدولة - لا يترتب عليه البطلان.
(ب) تشريع - دستورية القانون - حالات عدم دستورية القانون - القانون رقم 84 لسنة 1959 بضم قسم قضايا الأوقاف إلى إدارة قضايا الحكومة - منعه نظر الطعن بالإلغاء أو التعويض في القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية وفقاً له - لا يؤدي إلى اعتباره غير دستوري بدعوى مصادرة حق التقاضي - وجوب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء والحد منها.
(جـ) بطلان - حكم - مرافعة - النص ببطلان الحكم بمقولة أن أحد مستشاري المحكمة اشترك في إصدار الحكم دون أن يسمع المرافعة - لا محل له متى كان المستشار المشار إليه قد حضر في إحدى الجلسات بالإضافة إلى الهيئة التي سمعت المرافعة دون أن يشترك في إصدار الحكم.
(د) دعوى الإلغاء - القوانين المغلقة لباب الطعن بالإلغاء - هي استثناء من مبدأ المشروعية - وجوب تأويلها بصورة مضيقة تمنع من شمولها أية قرارات لم يرد بها النص.
(هـ) موظف - تعيين - الموظفون الفنيون بقسم قضايا وزارة الأوقاف - تنظيم القانون رقم 84 لسنة 1959 بتعيينهم بإدارة قضايا الحكومة أو بوظائف فنية أو إدارية لا تقل من حيث الدرجة عن درجاتهم - حظر المادة الرابعة منه الطعن في قرارات التعيين وتحديد الأقدمية التي تمت طبقاً له - لا ينصرف هذا الحظر إلى قرارات تعيينهم في وظائف إدارية تقل درجاتها عن درجاتهم التي كانوا عليها بالكادر القضائي - جواز الطعن في هذه القرارات بالإلغاء.
(و) موظف - نقل من الكادر القضائي إلى الكادر العام - تعادل درجة مستشار مساعد بالكادر القضائي بدرجة مدير عام - أساس ذلك.
ا) جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يترتب على عدم العرض على مجلس الدولة بطلان القانون.
2) أن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن القانون لا يكون غير دستوري إلا إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه ومقتضاه، ومرد ذلك إلى أن الدستور وهو القانون الأعلى فيما يقرره لا يجوز أن تهدره أية أداة أدنى وأن وظيفة القضاء هي تطبيق القانون فيما يعرض له من أقضية وقد جاءت المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 بضم قسم قضايا وزارة الأوقاف إلى إدارة قضايا الحكومة فيما قضت به من أن تكون القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية وفقاً لأحكام المادة الثالثة نهائية غير قابلة لأي طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية جهة مضيقة لاختصاص القضاء مانعة إياه من نظر المنازعة المشار إليها بالطريق المباشر أو الطريق غير المباشر أي سواء بالإلغاء أو بالتعويض ومن ثم فلا وجه النعي بعدم الدستورية بدعوى مصادرة حق التقاضي إذا تجنب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء والحد منها وإذا كان لا يجوز من الناحية الدستورية حرمان الناس كافة من الالتجاء إلى القضاء لأن في ذلك مصادرة لحق التقاضي وهو حق كفل الدستور أصله، أن تكون مثل هذه المصادرة بمثابة تعطيل لوظيفة السلطة القضائية؟ وهي سلطة أنشأها الدستور لتؤدي وظيفتها في أداء العدالة مستقلة عن السلطات الأخرى لئن كان ذلك ما تقدم ألا أنه لا يجوز الخلط بين هذا الأمر وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو التضييق فكل ما يخرجه القانون من اختصاص القضاء يصبح معزولاً عن نظره.
3) أن النعي ببطلان الحكم لمخالفته لقواعد قانون المرافعات لأن أحد مستشاري المحكمة لم يسمع المرافعة في الدعوى ومع ذلك اشترك في إصدار الحكم مردود بأن الهيئة التي أصدرته ووقعت عليه مشكلة من نفس الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى وقررت حجز القضية للحكم لجلسة 9/ 2/ 1961 وفي هذه الجلسة الأخيرة حضر أحد المستشارين بالإضافة إلى الهيئة السابقة حيث تقرر مد أجل الحكم أسبوعين بجلسة 23/ 2/ 1961 صدر الحكم المطعون فيه دون أن يشترك فيه إصداره المستشار الأخير، ومن ثم يكون هذا الوجه من أوجه الطعن غير قائم على أساس سليم من الواقع ويتعين القضاء برفضه.
4) من المقرر أن القضاء الإداري ليس ممنوعاً بحكم النصوص المغلقة لباب الطعن بالإلغاء إلا من النظر في قرارات إدارية بذاتها عينت فيها بطريق التنصيص عليها وخصت بالذكر على سبيل الحصر والتعيين، ذلك أن الأصل المؤصل في بلد يقدس وعيه العام مبدأ المشروعية هو تسليط رقابة الإلغاء على كافة القرارات الإدارية دعماً للضمانة الأصلية التي يحققها قضاء الإلغاء لمن تحيفت بهم تلكم القرارات فإذا ورد في قانون نص يقضي باستثناء طائفة من القرارات من رقابة الإلغاء والتعويض لحكمه ابتغى الشارع إصابتها وغاية مشروعة قصد حمايتها وجب تأويل هذا النص بصورة مضيقة تصطنع الاحتراس من توسيع مدي شموله حرصاً على عدم إهدار هذه الضمانة التي يوفرها قضاء الإلغاء وتوقيا لمحظور أتى به هذا النص من قبل أنه أوصد باب الطعن بالإلغاء والمطالبة بالتعويض معاً وإذاً فكلما انتفى وجود أي هذه القرارات التي أحاطها الشارع بالتحصين المشار إليه وجب التقرير بعودة الرقابة القضائية بالنسبة لما عداها.
5) أن المشرع أجاز في المادة الثالثة من القانون رقم 84 لسنة 1959 تعيين بعض الموظفين الفنيين بقسم قضايا وزارة الأوقاف في إدارة قضايا الحكومة وأوجب تعيينهم في وظائف مماثلة لوظائفهم وأوجب تحديد أقدمياتهم في قرارات تعيينهم كما أوجب تعيين من تركوا بقسم قضايا الأوقاف بوظائف فنية أو إدارية لا تقل من حيث الدرجة عن درجاتهم وقد قصد المشرع - وقصده في ذلك كان جلياً وواضحاً - إلى أن الذين لا يعينون بإدارة قضايا الحكومة ينبغي ألا ينحدر بمستواهم الوظيفي من حيث الدرجة عن درجاتهم السابقة التي كانوا بقسم قضايا الأوقاف باكتفاء ما حاق بهم من الحرمان من كادر القضاء وميزاته وعلاواته فلم يرد أن يتركهم تحت رحمة وزارة الأوقاف تعينهم في أية وظيفة وبأية درجة ولو أدنى من درجاتهم فيصيبهم الضرر مضاعفاً ويجتمع بهم الحرمان من الكادر القضائي ومميزاته والتعيين على درجات أقل من درجاتهم لا لذنب جنوه أو مطعن في كفاياتهم سوى ما ابتغاه من قصر التعيين في إدارة قضايا الحكومة على حمله أجازة الحقوق كما أن المادة الرابعة صريحة في حظر الطعن على التعيين وتحديد الأقدمية التي تقع مطابقة لما نصت عليه أحكام المادة الرابعة بمعنى أنه متى عين عضو قسم قضايا الأوقاف في إدارة قضايا الحكومة في وظيفة مماثلة لوظيفته التي كان عليها ونص على تحديد أقدميته في قرار التعيين أو عين عضو بقسم قضايا لأوقاف لم يتيح له حظ التعيين في إدارة قضايا الحكومة في وظيفة فنية أو إدارية لا تقل درجتها عن درجته التي كان عليها بالكادر القضائي فقد وقعت هذه التعيينات وتحديد تلك الأقدمية محصنة من أي طعن سواء بالإلغاء أو التعويض فلا يجوز أن يطعن أحد من رجال قضايا الحكومة على قرارات تعيين الوافدين عليهم من زملائهم أعضاء قسم قضايا الأوقاف فقد يرى أن هذا التعيين يمسه وأنه قد يصلح سبباً في حرمانه من ترقية مقبلة إلى درجة أعلى كما لا يجوز لمن عينوا بإدارة قضايا الحكومة أن يطعنوا على تحديد أقدمياتهم الصادرة في قرارات تعيينهم ولا لمن فاتهم حظ التعيين بإدارة قضايا الحكومة أن يطلبوا إلغاء قرارات تعييهم في وظائف فنية أو إدارية ما دامت درجتها لا تقل عن درجاتهم التي كانوا عليها وذلك لحكمة ظاهرة وهي أن المشرع قد انصرف قصده بهذا الحظر إلى حماية الأوضاع الحساسة المترتبة على عدم نقل بعض رجال قسم قضايا الأوقاف إلى قضايا الحكومة وقد نشأ هذا الحرج من أنها بتت في صلاحية الأعضاء الجدد بأنهم جديرين بهذا النقل بحكم كفايتهم العلمية والذاتية فلم تروجها عند إمساكها عن نقل البعض الآخر لأن تفسح لهم باب الطعن في هذه القرارات سداً منها للذرائع ومنعاً للجدل والمهاترات حول هذه الكفايات كفاية أو قصوراً وهو أمر لا يتفق مع الصون لكرامة رجال كانوا زملاء لأعضاء إدارة القضايا وقد يصرفهم هذا الجدل حول صلاحيتهم عن الإقبال على عملهم في وظائفهم الجديدة كما أنه أراد أن يغلق باب المنازعة في الأقدميات المحددة في قرارات النقل ذلك أن الأقدميات بين الأنداد تثير كثيراً من المهاترات وتوقظ اللجاجة بين زملاء مما يعكر الصفو ويفصم روابط الألفة والتضامن بينهم وهو أمر يتنافى مع ما يجب أن يسود أفراد الفئة الواحدة من حسن الزمالة ومتانة الود والصفاء. وقد يؤثر على قيامهم بعملهم على الوجه الأكمل فيضار بذلك الصالح العام وغني عن البيان أن المشرع ابتغى عدم التنازع واللجاج حول التعيين في هذه الوظائف أو الطعن بأنها وظائف تقل في احترامها ومركزها الأدبي وبسلطانها عن وظائفهم التي كانوا يشغلونها ولكنه قيد هذا بشرط واحد هو ألا تقل درجتها عن درجاتهم الحالية أما إذا لم يعين من ينقلون إلى إدارة قضايا الحكومة في وظائف مماثلة لدرجاتهم أو لم تحدد أقدمياتهم في قرارات تعيينهم أو عين من تركوا بوزارة الأوقاف في وظائف فنية أو إدارية تقل درجتها عن درجاتهم التي كانوا عليها بالكادر القضائي فإن هذه القرارات لا يمتد إليها الحظر الوارد بالمادة الرابعة ولا تكون محصنة من الطعن عليها بالإلغاء.
ويخلص من كل ذلك أنه إذا صدرت القرارات المنفذة للقانون 84 سنة 1959 في إطار الشروط التي أوجبتها المادة الثالثة منه فإنها تقع حصينة من الإلغاء وبمنأى من أي طعن إلغاء أو تعويضاً إذ يضفي عليها الحظر الوارد بالمادة الرابعة حمايته أما إذا انحرفت عن تلك الشروط فإن الحظر لا ينظمها ولا يحميها ويكون من حق من صدرت في شأنه أو من يضار بها أن يطعن عليها بالإلغاء أو يطالب بالتعويض عنها ولا حجية فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه وما تقول به الحكومة من أن الحظر الوارد بالمادة الرابعة عام يشمل جميع القرارات سواء ما توافرت فيها الشروط التي أوجبتها المادة الثالثة أم ما لم تتوفر فيه تلك الشروط إذ لا تخصيص بغير مخصص لأنه فضلاً عما سبق تبيانه من عدم صحة ذلك فإن هذا القول مدحوض بأنه لا يعقل أن يستوجب المشرع شروطاً خاصة بالمادة الثالثة حماية للموظفين ثم يضفي حمايته وسلطانه على تلك القرارات التي تنحرف عن تلك الشروط التي وضعها والتي تنطوي على الانتقاص من الحقوق المكتسبة والأوضاع المستقرة للموظفين وقد كان في مقدوره لو أراد ذلك أن يتحلل من تلك الشروط بجعل سلطانها في تنفيذ أحكام هذا القانون مطلقاً من كل قيد.
وفي ضوء ما سلف بيانه يحق للطاعن أن يقيم طعنه على أنه عين في درجة أقل من درجته التي كان عليها بالكادر القضائي، ومن ثم يكون الدفع بعدم جواز نظر الطعن في غير محله.
6) بمقارنة درجة مستشار مساعد بالدرجة الأولى وبدرجة مدير عام يتبين أن درجة مستشار مساعد تبدأ براتب قدره 900 جنيه وتنتهي إلى 1300 جنيهاً سنوياً بعلاوة قدرها 84 جنيهاً كل سنتين وأن الدرجة الأولى يبدأ مربوطها براتب قدره 960 جنيهاً وتنتهي 1140 جنيهاً سنوياً بعلاوة قدرها 60 جنيهاً كل سنتين وأن درجة مدير عام تبدأ براتب قدره 1205 جنيها ًوتنتهي إلى 1300 جنيهاً سنوياً بعلاوة قدرها 100 جنيهاً كل سنتين ومعنى ذلك بما لا يدع مجالاً للشك أن الدرجة الأولى تقل في علاوتها ونهاية مربوطها عن درجة مستشار مساعد وأن درجة مدير عام هي أقرب درجات الكادر العام إلى درجة مستشار مساعد والتي تتفق معها في متوسط المربوط ونهايته.


إجراءات الطعن

بتاريخ 24 من أبريل سنة 1961 أودع السيد/ محمود هنداوي خضر عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 23 من فبراير سنة 1961 في الدعوى رقم 634 لسنة 14 القضائية المرفوعة من السيد/ محمود هنداوي خضر ضد وزارة الأوقاف القاضي بعدم جواز نظر الدعوى لعدم قابلية القرار المطعون فيه لأي طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية وألزمت المدعي المصروفات. وطلب السيد/ محمود هنداوي خضر للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإعادة النزاع من جديد إلى محكمة القضاء الإداري وليقضي الطاعن بطلباته الواردة في صحيفة دعواه مع إلزام الوزارة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقد أعلن الطعن إلى وزارة الأوقاف في 29 من أبريل سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28 من مارس سنة 1964 وأخطرت الحكومة والمدعي في 3 من فبراير سنة 1964 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 2 من أبريل سنة 1964. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه المبين بالمحضر قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بإلغاء القرار الوزاري رقم 1575 الصادر في 12/ 8/ 1959 بتعيينه في وظيفة من الدرجة الأولى بالكادر الفني العالي بالوزارة اعتباراً من 1/ 7/ 1959 فيما تضمنه من عدم تعيينه في وظيفة مدير عام من نفس التاريخ مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال في بيان ذلك أنه تخرج في كلية الشريعة ونال شهادة العالمية مع أجازة القضاء الشرعي ثم عين في وظائف إدارية في وزارة الأوقاف إلى أن عين محامياً بالقسم الشرعي وتدرج في مناصبه حتى وصل إلى وظيفة مستشار مساعد بقسم قضايا الوزارة وفي 25/ 3/ 1959 صدر القانون رقم 84 سنة 1959 ونشر بالجريدة الرسمية في 20/ 3/ 1959 قاضياً بإلغاء قسم قضايا الأوقاف وإحلال إدارة قضايا الحكومة في اختصاصاته وتضمن هذا القانون تعيين الموظفين الفنيين بقسم قضايا الأوقاف في الوظائف المماثلة بإدارة قضايا الحكومة وينص على أن الذين لا يعينون في إدارة قضايا الحكومة يحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر يعينون خلالها في وظائف فنية وإدارية لا تقل من حيث الدرجة عن درجاتهم الحالية ولم يكن من حظ المدعي أن يعين في إدارة قضايا الحكومة وترتب على ذلك أن عينته الوزارة في الدرجة الأولى الفنية بالقرار الوزاري رقم 575 في 12/ 8/ 1959 بمرتب قدره 78 جنيهاً ومضى المدعي قائلاً أن الدرجة الأولى التي عين عليها مربوطها من 960 - 1140 جنيهاً سنوياً بعلاوة 60 جنيهاً كل سنتين في حين أن وظيفة المستشار المساعد هي درجة خاصة مرتبها من 900 إلى 1300 جنيهاً سنوياً بعلاوة 84 جنيهاً كل سنتين وواضح من هذا أن نهاية مربوط الدرجة الأولى وعلاواتها أقل من نهاية مربوط وعلاوات وظيفة المستشار المساعد، ومن ثم لا تكون الدرجة الأولى معادلة لدرجة المدعي الأمر الذي يتعارض صراحة ونص القانون رقم 84 لسنة 1959 والقاضي بأن الدرجة التي يتم التعيين فيها لا يجوز أن تقل عن درجة المعين الحالية ولا خلاف في هذا، أن العبرة في تقدير الدرجة هو بآخر مربوطها لا بدايته وعلاواتها. ولقد تظلم المدعي من ذلك إلى السيد الوزير بالتظلم رقم 183 في 24/ 9/ 1959 طالباً تصحيح وضعه ولكن الوزارة لم تستجب لطلبه ولذلك رفع دعواه بطلب إلغاء القرار. وردت الوزارة على الدعوى بأن المدعي لا يحمل شهادة الليسانس في القوانين فلم يعين بإدارة قضايا الحكومة ونظراً لأنه كان يتقاضى راتباً سنوياً قدره 936 جنية في درجته القضائية فقد استبدلت الوزارة بدرجته هذه درجة أولى (960 - 1140) جنيهاً بالكادر الفني العالي بميزانيتها لعام 1959/ 1960 ثم أصدرت القرار المطعون فيه متضمناً تعيين المدعي في الدرجة الأولى المذكورة وفي وظيفة عضو الهيئة القانونية وذلك اعتباراً من أول يوليو سنة 1958 - ودفعت الوزارة بعدم قبول الدعوى مستندة في ذلك إلى نص المادة الرابعة من القانون رقم 84 سنة 1959 التي تقضي بأن "تكون القرارات الصادرة أو تحديد الأقدمية وفقاً لأحكام المادة السابقة (وهي المادة 3 بفقرتيها سالفتى الذكر) نهائية وغير قابلة لأي طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية" وترى الوزارة أن هذا النص يحرم المدعي من الطعن قضائياً في قرار تعيينه إذ هو قرار نهائي وغير قابل للطعن أمام أية جهة قضائية طبقاً للمادة 4 سالفة الذكر والتي ورد نصها عاماً وشاملاً لجميع قرارات التعيين الصادرة وفقاً للمادة 3 سواء كانت قرارات متعلقة بأعضاء قسم القضايا الذين عينوا بإدارة قضايا الحكومة في وظائف قضائية أو كانت متعلقة بمن عين منهم في الوظائف الفنية أو الإدارية بالكادر العام بل إن النص صريح في دلالته على أن الفريق الأخير هم المقصودون به إذ تقول القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية نهائياً وغير قابلة لأي طعن والفريق الأول عينوا في نفس وظائفهم التي كانوا يشغلونها بقسم قضايا الأوقاف ولذا فإن قرارات تعيينهم في هذه الوظائف لا يمكن أن تكون محل طعن وإنما قد يكون لهم مصلحة في الطعن على قرارات تحديد أقدميتهم وليس على قرارات تعيينهم أما من عينوا في وظائف الكادر العام وهي وظائف مختلفة عن وظائفهم السابقة فهم في الحقيقة المعينون بالنص وقد سلب المشرع جهة القضاء سلطة التعقيب على القرارات الصادرة بتعيينهم.
وبجلسة 23 من فبراير سنة 1961 قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى لعدم قابلية القرار المطعون فيه لأي طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية وألزمت المدعي بالمصروفات وأقامت المحكمة قضائها على أن المادة الثالثة من القانون رقم 84 سنة 1959 تنص على أنه "استثناء من أحكام القانون رقم 58 لسنة 1959 يجوز خلال أسبوع من تاريخ العمل بهذا القانون تعيين الموظفين الفنيين بقسم قضايا وزارة الأوقاف في الوظائف المماثلة لوظائفهم بإدارة قضايا الحكومة متى توافرت فيهم الشروط المبينة بالبند (2) من المادة 55 من القانون رقم 58 لسنة 1959 ويكون التعيين بقرار من رئيس الجمهورية أو من وزير العدل حسب الأحوال وتحدد في القرار أقدمية المعينين بالنسبة إلى أعضاء إدارة قضايا الحكومة أما الذين لم يعينوا في إدارة قضايا الحكومة فيحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر يعينون خلالها في وظائف فنية أو إدارية لا تقل من حيث الدرجة عن درجاتهم الحالية كما نصت المادة 4 من القانون المذكور على أن تكون القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية وفقاً لأحكام المادة السابقة نهائية وغير قابلة لأي طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية. ولما كان قصد المشرع من نص المادة الرابعة سالفة الذكر هو منع أية جهة قضائية من النظر في الطعون الخاصة بالموظفين الفنيين بقسم قضايا الأوقاف في الوظائف الفنية أو الإدارية سواء أكانت هذه القرارات صحيحة أو مخالفة للقانون وذلك حسماً للمنازعات ومنعاً من إثاره طعون قد يطول مداها فهو بذلك يضفي حماية قانونية على كافة القرارات الإدارية الصادرة تنفيذاً للمادة الثالثة من القانون سالف الذكر ويعصم هذه القرارات من أي إلغاء ومن غير هذه الحماية تصبح هذه القرارات هدفاً للطعن شأنها في ذلك شأن القرارات الإدارية التي لم يرد بشأنها مانع من الطعن وبالتالي قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أوجه ثلاثة هي:
(1) بطلان الحكم لمخالفته لقواعد قانون المرافعات لأن أحد مستشاري المحكمة لم يسمع المرافعة في الدعوى ومع ذلك اشترك في إصدار الحكم فإن الحكم قد وقع باطلاً تطبيقاً للمادة 339 مرافعات.
(2) الخطأ في تطبيق القانون لأن الحكم المطعون فيه أضفى الحصانة التشريعية على منازعات لم يحصنها القانون رقم 84 لسنة 1959 إذ أن نص المادة الرابعة من ذلك القانون صريحة في أن القرارات التي لا تقبل الطعن أمام أية جهة قضائية هي القرارات الصادرة بالتعيين أو بتحديد الأقدمية في حين أن الطاعن لم يطعن في قرار تعيينه في وظيفة من وظائف الكادر العام ولا في قرار عدم تعيينه في إدارة قضايا الحكومة ولا في قرار تحديد أقدمية المعينين في إدارة قضايا الحكومة من موظفي قسم قضايا الأوقاف الملغي وإنما موضع الطعن هو الدرجة التي تسوي حالة الطاعن عليها وهي أقل من الدرجة التي كان عليها في كادر القضاء وقد ظهرت آثار هذه المخالفة فور منح الطاعن أول علاوة من علاوات الدرجة الجديدة فقد قل مرتبه عما كان سيصل إليه لو منح علاوته الدورية من فئة علاوات كادر القضاء وسيضطرد هذا الانخفاض في المرتب إلى أن يصل إلى نهاية الربط المالي للدرجة التي عين عليها ثم تقف فلا يزيد، ولو كان على الدرجة القضائية لاضطردت الزيادة إلى أن يصل إلى نهاية ربطها وهو أعلى من نهاية ربط الدرجة التي عين عليها في الكادر العام. هذا فضلاً عما قررته الجمعية العمومية للفتوى والتشريع من أن درجة المستشار المساعد تعادل درجة المدير العام لا الدرجة الأولى عند النظر في تقرير بدل السفر وكل ذلك مما يقطع بأن الدرجة التي عين عليها المدعي أقل من الدرجة التي يستحقها بالتطبيق لحكم المادة الثالثة من القانون رقم 84 لسنة 1959 وكل ذلك يعيب القرار المطعون فيه ويسقط عنه الحصانة القانونية إذا فرض أنه بين القرارات التي حصنها التشريع سالف الذكر.
(3) عدم دستورية القانون رقم 84 لسنة 1959 وبطلانه شكلاً.
لأنه أورد نصاً بعدم قابلية القرارات التي تصدر موافقة لحكم المادة الثالثة منه لأي طعن قضائي ولأنه يكون قد أغلق باب التقاضي إلغاء وتعويضاً أمام أصحاب الشأن، والتشريع الذي يتضمن مثل هذا النص يكون قد عطل كثيراً من النصوص الدستورية المتعلقة بين التقاضي وبحق المساواة أمام القانون، ومن ثم فهو مخالف للدستور هذا فضلاً عن أنه من حيث الشكل باطل لأنه لم يعرض على إدارة الفتوى والتشريع بمجلس الدولة لصياغته صياغة قانونية ولإزالة ما قد يكون فيه من تضارب مع الدستور ومع ما في القوانين المعمول بها وهذا الإغفال يجعل التشريع باطلاً من الناحية الشكلية. ولما كان الحكم المطعون فيه لم يتعرض بالبحث لعيب عدم الدستورية والبطلان الشكلي اللذين أثارهما الطاعن أمام محكمة القضاء الإداري المطعون في حكمها فإنه يكون قد صدر مخالفاً للقانون ومستوجباً الإلغاء.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث من أوجه الطعن وهو بطلان القانون رقم 84 لسنة 1959 بعدم عرضه على مجلس الدولة فقد:
1- جرى قضاء هذه المحكمة على أنه لا يترتب على عدم
العرض على مجلس الدولة بطلان القانون.
ومن ثم يكون هذا الدفع في غير محله ويتعين رفضه.
ومن حيث إنه بالنسبة للدفع بعدم دستورية القانون رقم 84 لسنة 1959 بسبب حجية رقابة القضاء الإداري إلغاء تعويضاً. فإن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن القانون لا يكون غير دستوري إلا إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه ومقتضاه، ومرد ذلك إلى أن الدستور وهو القانون الأعلى فيما يقرره لا يجوز أن تهدره أية أداة أدنى وأن وظيفة القضاء هي تطبيق القانون فيما يعرض له من أقضية وقد جاءت المادة الرابعة من القانون رقم 84 لسنة 1959 بضم قسم قضايا وزارة الأوقاف إلى إدارة قضايا الحكومة فيما قضت به من أن تكون القرارات الصادرة بالتعيين أو تحديد الأقدمية وفقاً لأحكام المادة الثالثة نهائية غير قابلة لأي طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية مضيقة لاختصاص القضاء مانعة إياه من نظر المنازعات المشار إليها بالطريق المباشر أو بالطريق غير المباشر أي سواء بالإلغاء أو بالتعويض وما لها فلا وجه للنعي بعدم الدستورية بدعوى مصادرة حق التقاضي إذ تجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء والحد منها وإذا كان لا يجوز من الناحية الدستورية حرمان الناس كافة من الالتجاء إلى القضاء لأن في ذلك مصادرة لحق التقاضي وهو حق كفل الدستور أصله، أن تكون مثل هذه المصادرة بمثابة تعطيل لوظيفة السلطات القضائية وهي سلطة أنشأها الدستور لتؤدي وظيفتها في أداء العدالة مستقلة عن السلطات الأخرى لئن كان ذلك ما تقدم إلا أنه لا يجوز الخلط بين هذا الأمر وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو التضييق فكل ما يخرجه القانون من اختصاص القضاء يصبح معزولاً عن نظره.
ومن ثم فيكون الدفع بعدم دستورية القانون رقم 84 لسنة 1959 في غير محله وعلى غير أساس ويتعين رفضه.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن الخاص ببطلان الحكم لمخالفته لقواعد قانون المرافعات لأن أحد مستشاري المحكمة لم يسمع المرافعة في الدعوى ومع ذلك اشترك في إصدار الحكم مردود بأن الهيئة التي أصدرته ووقعت عليه مشكلة من نفس الهيئة التي سمعت المرافعة في الدعوى وقررت حجز القضية للحكم لجلسة 9/ 2/ 1961 وفي هذه الجلسة الأخيرة حضر أحد المستشارين بالإضافة إلى الهيئة السابقة حيث تقرر مد أجل الحكم أسبوعين وبجلسة 23/ 2/ 1961 صدر الحكم المطعون فيه دون أن يشترك فيه إصداره المستشار الأخير، ومن ثم يكون هذا الوجه من أوجه الطعن غير قائم على أساس سليم من الواقع ويتعين القضاء برفضه.
ومن حيث إنه من المقرر أن القضاء الإداري ليس ممنوعاً بحكم النصوص المغلقة لباب الطعن بالإلغاء إلا من النظر في قرارات إدارية بذاتها عينت فيها بطريق التنصيص عليها وخصت بالذكر على سبيل الحصر والتعيين ذلك أن الأصل المؤصل في بلد يقدس وعيه العام مبدأ المشروعية هو تسليط رقابة الإلغاء على كافة القرارات الإدارية دعماً للضمانة الأصلية التي يحققها قضاء الإلغاء لمن تحيفت بهم تلكم القرارات فإذا ورد في قانون نص يقضي باستثناء طائفة من القرارات من رقابة الإلغاء والتعويض لحكمه ابتغى الشارع إصابتها وغاية مشروعة قصد حمايتها وجب تأويل هذا النص بصورة مضيقة تصطنع الاحتراس من توسيع مدى شموله حرصاً على عدم إهدار هذه الضمانة التي يوفرها قضاء الإلغاء وتوقياً لمحذور أتم به هذا النص من قبل أنه أوصد باب الطعن بالإلغاء والمطالبة بالتعويض معاً وإذاً فكلما انتفى وجود أي هذه القرارات التي أحاطها الشارع بالتحصين المشار إليه وجب التقرير بعودة الرقابة القضائية بالنسبة لما عداها.
ومن حيث إنه قد استبان للمحكمة من الإطلاع على القانون رقم 84 لسنة 1959 أن المادة الثالثة يجري حكمها كالآتي: "استثناء من أحكام القانون رقم 58 لسنة 1959 يجوز خلال أسبوع من تاريخ العمل بهذا القانون تعيين الموظفين الفنيين بقسم قضايا وزارة الأوقاف في الوظائف المماثلة لوظائفهم بإدارة قضايا الحكومة متى توافر فيهم الشرط المبين بالبند (2) من المادة 55 من القانون رقم 58 لسنة 1959 ويكون التعيين بقرار من رئيس الجمهورية أو من وزير العدل حسب الأحوال وتحدد في القرار أقدمية المعينين بالنسبة إلى أعضاء إدارة قضايا الحكومة أما الذين لا يعينون في إدارة قضايا الحكومة فيحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ثلاثة أشهر يعينون خلالها في وظائف فنية أو إدارية لا تقل من حيث الدرجة عن درجاتهم الحالية كما نصت المادة الرابعة على أنه تكون القرارات الصادرة بالتعيين وتحديد الأقدمية وفقاً لأحكام المادة السابقة نهائية وغير قابلة لأي طعن أو مطالبة أمام أية جهة قضائية" ومفهوم هذين النصين ومدلولهما.
ومن حيث إن المشرع أجاز في المادة الثالثة من القانون رقم 84 لسنة 1959 تعيين بعض الموظفين الفنيين بقسم قضايا وزارة الأوقاف في إدارة قضايا الحكومة وأوجب تعيينهم في وظائف مماثلة لوظائفهم وأوجب تحديد أقدمياتهم في قرارات تعيينهم كما أوجب تعيين من تركوا بقسم قضايا الأوقاف بوظائف فنية أو إدارية لا تقل من حيث الدرجة عن درجاتهم وقد قصد المشرع - وقصده في ذلك كان جلياً وواضحاً - إلى أن الذين لا يعينون بإدارة قضايا الحكومة ينبغي ألا ينحدر بمستواهم الوظيفي من حيث الدرجة عن درجاتهم السابقة التي كانوا بقسم قضايا الأوقاف باكتفاء ما حاق بهم من الحرمان من كادر القضاء وميزاته وعلاواته فلم يرد أن يتركهم تحت رحمة وزارة الأوقاف تعينهم في أية وظيفة وبأية درجة ولو أدنى من درجاتهم فيصيبهم الضرر مضاعفاً ويجتمع بهم الحرمان من الكادر القضائي ومميزاته والتعيين على درجات أقل من درجاتهم لا لذنب جنوه أو مطعن في كفاياتهم سوى ما ابتغاه من قصر التعيين في إدارة قضايا الحكومة على حمله أجازة الحقوق كما أن المادة الرابعة صريحة في حظر الطعن على التعيين وتحديد الأقدمية التي تقع مطابقة لما نصت عليه أحكام المادة الرابعة بمعنى أنه متى عين عضو قسم قضايا الأوقاف في إدارة قضايا الحكومة في وظيفة مماثلة لوظيفته التي كان عليها ونص على تحديد أقدميته في قرار التعيين أو عين عضو بقسم قضايا الأوقاف لم يتح له حظ التعيين في إدارة قضايا الحكومة في وظيفة فنية أو إدارية لا تقل درجتها عن درجته التي كان عليها بالكادر القضائي فقد وقعت هذه التعيينات وتحديد تلك الأقدمية محصنة من أي طعن سواء بالإلغاء أو التعويض فلا يجوز أن يطعن أحد من رجال قضايا الحكومة على قرارات تعيين الوافدين عليهم من زملائهم أعضاء قسم قضايا الأوقاف فقد يرى أن هذا التعيين يمسه وأنه قد يصلح سبباً في حرمانه من ترقية مقبلة إلى درجة أعلى كما لا يجوز لمن عينوا بإدارة قضايا الحكومة أن يطعنوا على تحديد أقدمياتهم الصادرة في قرارات تعيينهم ولا لمن فاتهم حظ التعيين بإدارة قضايا الحكومة أن يطلبوا إلغاء قرارات تعييهم في وظائف فنية أو إدارية ما دامت درجتها لا تقل عن درجاتهم التي كانوا عليها وذلك لحكمة ظاهرة وهي أن المشرع قد انصرف قصده بهذا الحظر إلى حماية الأوضاع الحساسة المترتبة على عدم نقل بعض رجال قسم قضايا الأوقاف إلى قضايا الحكومة وقد نشأ هذا الحرج من أنها بتت في صلاحية الأعضاء الجديرين بهذا النقل بحكم كفايتهم العلمية والذاتية فلم تروجها عند إمساكها عن نقل البعض الآخر لأن تفسح لهم باب الطعن في هذه القرارات سداً منها للذرائع ومنعاً للجدل والمهاترات حول هذه الكفايات كفاية وقصوراً وهو أمر لا يتفق مع الصون لكرامة رجال كانوا زملاء لأعضاء إدارة القضايا وقد يصرفهم هذا الجدل حول صلاحيتهم عن الإقبال على عملهم في وظائفهم الجديدة كما أنه أراد أن يغلق باب المنازعة في الأقدميات المحددة في قرارات النقل ذلك أن الأقدميات بين الأنداد تثير كثيراً من المهاترات وتوقظ اللجاجة بين زملاء مما يعكر الصفو ويفصم روابط الألفة والتضامن بينهم وهو أمر يتنافى مع ما يجب أن يسود أفراد الفئة الواحدة من حسن الزمالة ومتانة الود والصفاء. وقد يؤثر على قيامهم بعملهم على الوجه الأكمل فيضار بذلك الصالح العام. وغني عن البيان أن المشرع ابتغى التنازع واللجاج حول التعيين في هذه الوظائف أو الطعن بأنها وظائف تقل في احترامها ومركزها الأدبي وبسلطاتها عن وظائفهم التي كانوا يشغلونها، ولكنه قيد هذا بشرط واحد هو ألا تقل درجتها عن درجاتهم الحالية أما إذا لم يعين من ينقلون إلى إدارة قضايا الحكومة في وظائف مماثلة لدرجاتهم أو لم تحدد أقدمياتهم في قرارات تعيينهم أو عين من تركوا بوزارة الأوقاف في وظائف فنية أو إدارية تقل درجتها عن درجاتهم التي كانوا عليها بالكادر القضائي فإن هذه القرارات لا يمتد إليها الحظر الوارد بالمادة الرابعة ولا تكون محصنة من الطعن عليها بالإلغاء.
ويخلص من كل ذلك أنه إذا صدرت القرارات المنفذة للقانون 84 سنة 1959 في إطار الشروط التي أوجبتها المادة الثالثة منه فإنها تقع حصينة من الإلغاء وبمنأى من أي طعن إلغاء أو تعويضاً إذ يضفي عليها الحظر الوارد بالمادة حمايته أما إذا انحرفت عن تلك الشروط فإن الحظر لا ينظمها ولا يحميها ويكون من حق من صدرت في شأنه أو من يضار بها أن يطعن عليها بالإلغاء أو يطالب بالتعويض عنها، ولا حجية فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه وما تقول به الحكومة من أن الحظر الوارد بالمادة الرابعة عام يشمل جميع القرارات سواء ما توافرت فيها الشروط التي أوجبتها المادة الثالثة أم ما لم تتوفر فيه تلك الشروط إذ لا تخصيص بغير مخصص لأنه فضلاً عما سبق تبيانه من عدم صحة ذلك فإن هذا القول مدحوض بأنه لا يعقل أن يستوجب المشرع شروطاً خاصة بالمادة الثالثة حماية للموظفين ثم يضفي حمايته وسلطانه على تلك القرارات التي تنحرف عن تلك الشروط التي وضعها والتي تنطوي على الانتقاص من الحقوق المكتسبة والأوضاع المستقرة للموظفين، وقد كان في مقدوره لو أراد ذلك أن يتحلل من تلك الشروط بجعل سلطانها في تنفيذ أحكام هذا القانون مطلقاً من كل قيد. وفي ضوء ما سلف يحق للطاعن أن يقيم طعنه على أنه عين في درجة أقل من درجته التي كان عليها بالكادر القضائي، ومن ثم يكون الدفع بعدم جواز نظر الطعن في غير محله وواجب الرفض ويكون الحكم إذ أخذ بهذا الدفع في غير محله ولا سند له من القانون ويتعين إلغاؤه والقضاء بقبول الدعوى.
ومن حيث إنه يتعين البحث في مدى منازعة طرفي الخصومة بالنسبة للموضوع وفيها يقول المدعي أن الدرجة الأولى التي وضع عليها تقل عن درجة مستشار مساعد التي كان عليها بالكادر القضائي إذ تقل في علاواتها ونهايتها عن درجته. إذ بالوزارة تذهب عكس ذلك مقررة أن الدرجة الأولى هي الدرجة التي يجب تعيينه عليها إذ أن مرتبه الذي يتقاضاه وقدره 78 جنيهاً يدخل ضمن نطاق مربوطها وإنها تتفق مع درجة مستشار مساعد بالنسبة لمبدأ أول مربوطها.
6 - بمقارنة درجة مستشار مساعد بالدرجة الأولى وبدرجة مدير عام يتبين أن درجة مستشار مساعد تبدأ براتب قدره 900 جنيهاً وتنتهي إلى 1300 جنيهاً سنوياً بعلاوة قدرها 84 جنيهاً كل سنتين وأن الدرجة الأولى يبدأ مربوطها براتب قدره 960 جنيهاً وتنتهي 1140 جنيهاً سنوياً بعلاوة قدرها 60 كل سنتين وأن درجة مدير عام تبدأ براتب قدره 1205 جنيهاً وتنتهي إلى 1300 جنيهاً سنوياً بعلاوة قدرها 100 جنيه كل سنتين ومعنى ذلك بما لا يدع مجالاً للشك أن الدرجة الأولى تقل في علاوتها ونهاية مربوطها عن درجة مستشار مساعد وأن درجة مدير عام هي أقرب درجات الكادر العام إلى درجة مستشار مساعد والتي تتفق معها في متوسط المربوط ونهايته.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك كان تعيين المدعي في الدرجة الأولى الفنية يضعه في درجة أقل من درجته التي كان عليها بالكادر القضائي وكان قرار تعيينه بالنسبة لهذه الدرجة باطلاً لمخالفته لصريح نص المادة الثالثة من القانون رقم 84 لسنة 1959، التي توجب التعيين في درجة لا تقل عن درجة الموظف التي كان عليها بالكادر القضائي. وحتى مع التسليم من باب المحاولة أن درجة مدير عام تزيد عن درجة مستشار مساعد فإنه لا مندوحة ولا غني عن تعيين المدعى عليها ما دامت الدرجة الأولى تقل عن درجته القضائية وهو ما حرمه المشرع الذي لم يمنع تعيينه في درجة تزيد عن درجته.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون من حق المدعي أن يعين في درجة مدير عام ويكون القرار المطعون فيه إذ قضي بغير ذلك ووضعه في درجة أقل وهي الدرجة الأولى يكون قد وقع مخالفاً للقانون مما يتعين معه إلغاؤه فيما قضي به من عدم تعيين المدعي في درجة مدير عام وما يترتب على ذلك من آثار وفروق من تاريخ نفاذ قرار التعيين المشار إليه.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وفي تطبيقه. ومن ثم يتعين القضاء بإلغاء القرار الصادر بتعيين المدعي في الدرجة الأولى فيما تضمنه من عدم تعيينه في درجة مدير عام وما يترتب على ذلك من آثار وفروق من تاريخ نفاذ قرار التعيين مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار رقم 1575 الصادر في 12 من أغسطس سنة 1959 بتعين المدعي في وظيفة من الدرجة الأولى بالكادر الفني العالي بوزارة الأوقاف اعتباراً من أول يوليو سنة 1959 فيما تضمنه من عدم تعيينه في درجة مدير عام وما يترتب على ذلك من آثار من تاريخ نفاذ هذا القرار وألزمت الحكومة بالمصروفات.