مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلي أخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 1347

(128)
جلسة 28 من يونيه سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 1437 لسنة 7 القضائية

اختصار - درجة - كادر - ترقية - نوع الدرجة أو ماهية الكادر الذي تنتمي إليه - يعد كلاهما لازماً من لوازم الدرجة ووصفها من أوصافها غير منفك عنها - انصباب طعن المدعى على هذا الوصف وحده - يتمخض إلى أن يكون طلباً بتعديل قرار الترقية - مهمة القضاء الإداري - إلغاء القرارات الإدارية دون تعديلها - لا يملك الحلول محل الإدارة في إصدار قرار الترقية - امتناع توجيه طلب الإلغاء إلى وصف القرار الإداري دون موضوعه وجوهره بما يفضي إلى تعديله دون إلغائه.
إنه إذا كان نوع الدرجة أو ماهية الكادر الذي تنتمي إليه يعد كلاهما لازماً من لوازم الدرجة ووصفاً من أوصافها غير منفك عنها، فإن انصباب طعن المدعي على هذا الوصف وحده فضلاً عن عدم تمشيه مع حقيقة وضعه السابق على الترقية يتمخض إلى أن يكون طلباً بتعديل قرار الترقية إلى الدرجة الرابعة الكتابية وهو ما لا يملكه قضاء الإلغاء التخطي وغنى عن البيان أن هذه المحكمة لا تملك في منازعات الترقية إلا إلغاء التخطي عند الاقتضاء والمدعي لا يقول بالتخطي ولا يدعيه بالنسبة إلى قرار الترقية موضوع دعواه وإنما بطلب تعديل وصف هذا القرار أو إنشاء درجة رابعة إدارية يطلب ترقيته عليها عوضاً عن الدرجة الرابعة الكتابية وكلا الأمرين يخرج عن سلطة هذه المحكمة، وعما يجوز أن تلزم به جهة الإدارة، لأن مهمتها مقصورة على إلغاء القرارات الإدارية دون تعديلها، ولأنها لا تملك الحلول محل الإدارة في إصدار قرار الترقية ولا إلزامها باتخاذ إجراء يقتضيه مثل هذا القرار، وإذن فجماع القول في الدعوى الحاضرة إنها مرفوضة لانعدام أساسها، ولامتناع أن يوجه طلب الإلغاء إلى وصف القرار الإداري، دون موضوعه وجوهره بما يفضي إلى تعديله دون إلغائه.


إجراءات الطعن

في يوم الاثنين الموافق 10 من يوليو سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة نيابة عن السيد وزير العدل، سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1437 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 11 من مايو سنة 1961 في الدعوى رقم 1934 لسنة 14 القضائية المقامة من جان أنيس تمور ضد وزارة العدل، والقاضي باعتبار المدعي في الكادر الإداري وما يترتب على ذلك من آثار - وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في صحيفة طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في 19 من يوليو سنة 1961 وعين لنظره جلسة 28 من ديسمبر سنة 1963 أمام دائرة فحص الطعون التي قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا الدائرة الثانية.
وقد نظرته هذه الدائرة بجلسة 17 مايو سنة 1964 على النحو المبين بمحضر الجلسة وأرجأت النطق بالحكم فيه إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 934 لسنة 14 القضائية ضد وزارة العدل أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعها سكرتارية المحكمة المذكورة في 7 من أبريل سنة 1960 وطلب فيها الحكم (بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بتعديل أو توضيح القرار الوزاري الذي صدر في 21 من نوفمبر سنة 1954 وبإثبات أن ترقية المدعي بمقتضى قرار 21 من نوفمبر سنة 1954 كانت إلى الدرجة الرابعة الإدارية ووضع المدعي في أقدميته على هذا الأساس مع منحه جميع الآثار والثمرات التي تترتب على ذلك ومع إلزام الوزارة المدعى عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وشمول الحكم بالنفاذ وقال بياناً لدعواه أنه من الجامعيين الحاصلين على الليسانس في القوانين، وفي أول مارس سنة 1938 عين في الدرجة السادسة الإدارية في وظيفة مترجم بالمحاكم المختلطة ثم رقى إلى الدرجة الخامسة الإدارية اعتباراً من أول أبريل سنة 1949، وفي 5 من سبتمبر سنة 1949، 12 من أكتوبر سنة 1949 صدر قراران وزاريان حاصل ما تقرر فيهما أن ينقل موظفو المحاكم المختلطة إلى المحاكم الوطنية في وظائفهم وبدرجاتهم ومقتضى هذا أن ينقل المدعي إلى المحاكم الوطنية في وظيفته وهي مترجم وبدرجته وهي الخامسة الإدارية وكان هذا تأييداً لما ورد في الميزانيات السابقة وخاصة ميزانية السنة المالية 1948 - 1949 التي أدرجت وظائف المترجمين تحت وظائف القسم الإداري، وفي 21 من نوفمبر سنة 1954 رقى المدعي إلى الدرجة الرابعة ومن البديهي أنها الدرجة الرابعة الإدارية، ولما استفسر عن ترتيب أقدميته في الدرجة الرابعة الإدارية بخطاب مؤرخ 21 من نوفمبر سنة 1959 أجابت الوزارة بخطاب مؤرخ 13 من ديسمبر سنة 1959 أنه في الدرجة الرابعة الكتابية "وفقاً لأقدميته بين زملائه في هذا الكادر باعتبار أقدميته في الدرجة الخامسة الكتابية والتي نقل إليها منذ إلغاء المحاكم المختلطة في 15 من أكتوبر سنة 1949" وقد تظلم من هذا في 19 من يناير سنة 1960 وطلب في تظلمه تعديل أو توضيح القرار الوزاري الصادر في 21 من نوفمبر سنة 1954 بجعل ترقيته إلى الدرجة الرابعة الإدارية وليس الكتابية ولما لم يجد تظلمه نفعاً أقام دعواه بناء على الأسباب الآتية (أولاً) أن استناد الوزارة إلى أنه كان في الدرجة الخامسة الكتابية عندما نقل إلى المحاكم الوطنية استناد خاطئ إذ أن قراري 5 من سبتمبر 1949 و12 من أكتوبر سنة 1949 الذين نقل بمقتضاها إلى المحاكم الوطنية قد قررا أن ينقل إليها في وظيفته وبدرجته اللتين كان فيهما في المحاكم المختلطة وان الثابت بملف خدمته أنه كان يشغل وظيفة مترجم في الدرجة الخامسة الإدارية في المحاكم المختلطة وكان مقتضى هذا أن ينقل في وظيفته هذه وفي الدرجة الخامسة الإدارية إلى المحاكم الوطنية وبذلك يكون ما استندت إليه الوزارة مخالفاً للقانون وللقرارين الوزاريين سالفي الذكر ووجب اعتباره في الكادر الإداري (ثانياً) أن وضعه في الكادر الكتابي يعتبر تنزيلاً له أو عقوبة مقنعة بلا مبرر الأمر الذي يجعل له مصلحة في رفع دعواه (ثالثاً) أنه وقد وضحت أحقيته في اعتباره في الكادر الإداري فقد وجب الحكم له بذلك وهو ما سبق أن قضت به محكمة القضاء الإداري في عدم حالات مماثلة - وقد ردت وزارة العدل على الدعوى بأن المدعي عين كاتباً في الدرجة جـ، (الثامنة الكتابية) في أول يوليو سنة 1931 بالمحاكم المختلطة ثم تدرج فيها إلى أن رقى إلى الدرجة الخامسة من أول أبريل سنة 1949. بالقرار الصادر في 28 من أبريل 1949 ولم يوضح في هذا القرار أنه رقى إلى الدرجة الخامسة الإدارية كما يدعي ولو كان رقى إلى الخامسة الإدارية لثبت هذا في القرار الإداري الصادر بترقيته أسوة ببعض زملائه على أنه بانتهاء أجل المحاكم المختلطة في 15 من أكتوبر سنة الابتدائية نقل المدعي وزملاؤه إلى المحاكم الابتدائية والنيابات وتم توزيعهم حسب حاجة العمل في كل منها وكان المدعي من بين من ألحقوا بمحكمة القاهرة الابتدائية (القسم المدني) بمقتضى القرار الوزاري المؤرخ 5 من سبتمبر سنة 1949 حيث اعتبر مقيداً في الكادر الكتابي وانتظم بأقدميته في هذه الدرجة حيث رقى منها إلى الدرجة الرابعة الكتابية في 21 من نوفمبر سنة 1954 هذا ولا يوجد بالقسم المدني سالف الذكر درجات خامسة أو سادسة بالكادر الإداري سواء في الماضي أو الحاضر بالإضافة إلى أن القرارات التي صدرت بتوزيع هؤلاء الموظفين ونقلهم إلى المحاكم الابتدائية وكذلك قرارات ترقياتهم في الكادر الكتابي لم تكن محل طعن ولو كان المدعي شاغلاً لدرجة خامسة إدارية لما جازت ترقيته لعدم وجود درجات رابعة إدارية ولعدم جواز نقل شاغل الدرجة الإدارية على درجة كتابية لاختلاف الكادرين هذا إلى أنه على فرض أن المدعي كان يشغل درجة إدارية بالمحاكم المختلطة فإن نقله وزملائه بعد إلغاء تلك المحاكم وإن كان لم يوضح به نوع الكادر المنقولين إليه إلا أن ذلك قد وضح جلياً في الميزانية التالية للنقل (ميزانية 1950 - 1951) إذ صدر قانون الميزانية متضمناً وضع جميع المنقولين ضمن درجات الكادر الكتابي وكان النقل وقتئذ جائزاً من كادر إلى آخر وانتهت الوزارة إلى أنه ليس للمدعي أحقية في الادعاء بوجوده في الكادر الإداري - وبجلسة 11 من مايو سنة 1961 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الدعوى قاضياً باعتبار المدعي بالكادر الإداري مع ما يترتب على ذلك من آثار وبإلزام الحكومة بالمصروفات وعرضت المحكمة في أسباب حكمها (للشكل) فقالت أن التكييف القانوني للدعوى هو الطعن في القرار الخاص بوضع المدعي في الكادر الكتابي عند نقله من المحاكم المختلطة إلى المحاكم الأهلية ولم يعلم المدعي أنه وضع بالكادر المذكور إلا عندما استفسر من الوزارة في 21 من نوفمبر سنة 1959 عن ترتيبه في الدرجة الرابعة الإدارية التي رقى إليها في 21 من نوفمبر سنة 1954 وقد رفع دعواه في الميعاد القانوني ثم تطرقت أسباب الحكم إلى الموضوع فذكرت أنه بمطالعة ميزانية السنة المالية 1948 - 1949 للمحاكم المختلطة التي نقل المدعي في خلالها إلى المحاكم الوطنية يبين أنه يتدرج تحت وظائف القسم الإداري بها وظائف المترجمين ولا يوجد في القسم الكتابي وظائف مخصصة لمترجمين كلية، ومن ثم لا شك في أن المدعي كان يشغل وظيفة من الدرجة الخامسة الإدارية قبل نقله إلى المحاكم الوطنية وكان يتعين أن يوضع عند نقله على درجة خامسة إدارية أي من نوع الدرجة التي كان عليها بالمحاكم المختلطة وإذ وضع في درجة كتابية أي في درجة أدنى فإن ذلك يكون مخالفاً للقانون ولا وجه لما ذهبت إليه الوزارة من أن ميزانية المحاكم الوطنية لم يكن بها درجات إدارية حتى ينقل إليها المدعي إذ أن ترتيب الدرجات هو من شأن الحكومة فكان عليها أن تدبر الأمر بإيجاد درجات إدارية بالوسائل التشريعية لمواجهة نفاذ القانون، ومن ثم يعتبر المدعي شاغلاً لوظيفة بالكادر الإداري مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن نقل المطعون ضده من المحاكم الوطنية إلى المحاكم المختلطة قد تم في ظل كادر سنة 1939 الذي لم يكن يعرف التقسيم بين نوعي الكادر الإداري والكتابي وليس ثمة انفصال بينهما وهذا واضح بملأ نصوص الكادر. ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون إذ خلص إلى أن المطعون ضده كان يشغل وظيفة بالكادر الإداري قبل نقله إلى المحاكم الوطنية لمجرد أنه كان يعمل بالقسم الإداري بالمحكمة المختلطة لأن هذه التسمية كانت للتعرف بالقسم الذي ينتمي إليه وليست للتدليل على بيان نوع الكادر الموضوع به.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه بموجب قرار وزير العدل الصادر في 28 من أبريل سنة 1949 رقى المطعون ضده - وكان وقتئذ مترجماً من الدرجة السادسة بمحكمة مصر المختلطة - إلى الدرجة الخامسة اعتباراً من أول أبريل سنة 1949 - وفي 5 من سبتمبر سنة 1949 أصدر وزير العدل قراراً ذكر في ديباجته أنه نظراً لانتهاء أجل المحاكم المختلطة قد رؤى توزيع موظفيها على ديوان الوزارة والمحاكم والنيابات بحسب حاجة العمل في كل منها وقد تضمن القرار في البند (رابعاً) منه تخصيص مائة موظف لمحكمة مصر كان من بينهم المطعون ضده الذي ذكر قرين اسمه أن درجته (خامسة) ونص على تنفيذ القرار اعتباراً من 15 من أكتوبر سنة 1949 - وفي 21 من نوفمبر سنة 1954 أصدر وزير العدل القرار رقم 4886 الذي صدر بما يأتي: (نظراً لخلو الوظائف الآتي بيانها بالكادر الكتابي بالقسم المدني بالمحاكم الابتدائية:
2 درجة رابعة.... وبناء على ما رأته لجنة شئون الموظفين بالوزارة بجلستها المنعقدة في 4 من نوفمبر سنة 1954 من الموافقة على شغل هذه الدرجات بالترقية بالأقدمية المطلقة...) وقد نص القرار بعد ذلك على ترقية المطعون ضده إلى الدرجة الرابعة بالكادر الكتابي بالقسم المدني بالمحاكم الابتدائية بالأقدمية.
ومن حيث إن المطعون ضده قد حدد طلباته في صحيفة دعواه المطعون على حكمها بما يأتي: "الحكم بتعديل أو توضيح القرار الوزاري الذي صدر في 21 من نوفمبر سنة 1954 وبإثبات أن ترقية المدعي بمقتضى قرار 21 من نوفمبر سنة 1954 كانت إلى الدرجة الرابعة الإدارية ووضع المدعي في أقدميته على هذا الأساس مع منحه جميع الآثار والثمرات التي تترتب على ذلك" وهي بعينها الطلبات المحددة في التظلم الذي قدمه قبل رفع دعواه والمؤرخ 19 من يناير 1960، وسند المطعون ضده في طلباته هذه أن القرار الذي نقل بمقتضاه إلى المحاكم الوطنية قضى بأن ينقل إليها في وظيفته ودرجته اللتين كان فيهما في المحاكم المختلطة وأن الثابت بملف خدمته أنه كان يشغل وظيفة مترجم في الدرجة الخامسة الإدارية في المحاكم المختلطة وكان مقتضى هذا أن ينقل في وظيفته هذه وفي الدرجة الخامسة الإدارية إلى المحاكم الوطنية وبذلك يكون ما استندت إليه الوزارة في اعتبار ترقيته إلى الدرجة الرابعة الكتابية من أنه كان في الدرجة الخامسة الكتابية عند نقله إلى المحاكم الوطنية مما يوجب معه اعتباره في الكادر الإداري.
ومن حيث إنه إذا كان طلب المدعي - حسبما يستبان من صحيفة دعواه مقصوراً على الطعن في قرار ترقيته إلى الدرجة الرابعة الكتابية بتاريخ 21 من نوفمبر سنة 1954 فيما تضمنه من إغفال النص على انتمائه إلى الكادر الإداري وكانت تلك الصحيفة ليس فيها شيء يدل على أن المدعي طلب إلغاء إلحاقه بالكادر الكتابي بالمحاكم الوطنية عند نقله إليها مع أن هذا الطلب كان حتماً عليه لو أراد أن يتقاضى الإدارة إنفاذ الآثار القانونية المترتبة على اعتباره بالكادر الإداري، وكان لا يغني عن هذا الطلب الواضح المحدد أن يورد المدعي تأييدا لطلب الإلغاء عبارات عامة تفيد ضرورة وضعه على درجة خامسة بالكادر الإداري عند النقل إلى المحاكم على اعتبار أن الأسانيد المسوقة لتأييد مزعمه لا تقوم مقام طلب الإلغاء في الخصوص الذي وردت فيه وأن اكتفاءه بتأدية رسم واحد عن دعواه ينبئ عن حقيقة ما قصد إليه من الاقتصار على طلب وحيد بإلغاء قرار الترقية آنف الذكر، إذا كان ما تقدم كذلك فإن وضع المدعي بالكادر الكتابي السابق على قرار الترقية المطعون فيه يكون بلا مراء حصيناً من الإلغاء بعد إذ تبين أنه علم به وسكت عن الطعن فيه.
ومن حيث إن طلب المدعي إلغاء قرار ترقيته إلى الدرجة الرابعة الكتابية للاعتبارات التي اعتمد عليها يصبح إذن معدوم الأساس القانوني بعد أن تحصن وضعه في الكادر الكتابي على ما سلف بيانه، إذ لا يسوغ له بالبداهة أن يطعن في قرار الترقية على الوجه المتقدم إذا كانت حقيقة وضعه بعد انتقاله إلى المحاكم الوطنية أنه موظف لا ينتمي إلى غير الكادر الكتابي وكان استصحاب الحال في شأنه يقضي لزاماً بترقيته على درجة رابعة كتابية لا على درجة إدارية. ولا شبهه في أن طلب المدعي اعتبار الدرجة الكتابية التي رقى عليها درجة إدارية هو اعتبار لا يصار إليه بسهولة لكونه تصويراً خاطئاً لأمر غير واقع إذ يفترض أن الدرجة الكتابية التي كانت شاغرة قبل ترقيته هي درجة رابعة إدارية وهو ما لم يكن حاصلاً ولو سلم جدلاً بوجود درجة إدارية تصح ترقية المدعى عليها فالمادة 43 من قانون نظام موظفي الدولة لا تجيز آنذاك ترقية الكتابيين على إحدى الدرجات الإدارية إلا بقيود وفي مواطن غير متحققة في هذه المنازعة.
ومن حيث إنه إذا كان نوع الدرجة أو ماهية الكادر الذي تنتمي إليه يعد كلاهما لازماً من لوازم الدرجة ووصفاً من أوصافها غير منفك عنها، فإن انصباب طعن المدعي على هذا الوصف وحده فضلاً عن عدم تمشيه مع أحقية وضعه السابق على الترقية يتمخض إلى أن يكون طلباً بتعديل قرار الترقية إلى الدرجة الرابعة الكتابية وهو ما يملكه قضاء الإلغاء وغني عن البيان أن هذه المحكمة لا تملك في منازعات الترقية إلا إلغاء التخطي عند الاقتضاء والمدعي لا يقول بالتخطي ولا يدعيه بالنسبة إلى قرار الترقية موضوع دعواه وإنما يطلب تعديل وصف هذا القرار أو إنشاء درجة رابعة إدارية يطلب ترقيته عليها عوضاً عن الدرجة الرابعة الكتابية وكلا الأمرين يخرج عن سلطة هذه المحكمة، وعما يجوز أن تلزم به جهة الإدارة، لأن مهمتها مقصورة على إلغاء القرارات الإدارية دون تعديلها، ولأنها لا تملك الحلول محل الإدارة في إصدار قرار الترقية ولا إلزامها باتخاذ إجراء يقتضيه مثل هذا القرار، وإذن فجماع القول في الدعوى الحاضرة أنها مرفوضة لانعدام أساسها، ولامتناع أن يوجه طلب الإلغاء إلى وصف القرار الإداري دون موضوعه وجوهره بما يفضي إلى تعديله دون إلغائه وعلى ذلك يكون الحكم المطعون فيه قد جانب الصواب في إجازته تعديل القرار الصادر بترقية المدعي إلى الدرجة الرابعة حيث لا تجيزه الأصول الإدارية الصحيحة، كما أخطأ في إلغاء وضعه المبتدأ في الكادر الكتابي بالمحاكم الوطنية مع أن هذا الوضع لم يطعن فيه بالإلغاء. وبناء على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه حقيقاً بالإلغاء والطعن سليماً في النتيجة التي انتهى إليها، ويتعين من ثم القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.