مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة التاسعة - العدد الثالث (من أول يونيه سنة 1964 إلي أخر سبتمبر سنة 1964) - صـ 1354

(129)
جلسة 28 من يونيه سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة علي محسن مصطفى وعبد الفتاح بيومي نصار وحسنين رفعت حسنين وأبو الوفا زهدي محمد المستشارين.

القضية رقم 1713 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - مركز قانوني - نظام التطوع للتدريس بمعهد البحوث الإسلامية بالجامع الأزهر مقابل بدل جراية شهرية - لا يجعل المتطوع في مركز الموظفين المعينين على وظيفة دائمة أو مؤقتة بميزانية الأزهر ولا يعطيه حقاً في مزايا إحدى هذه الوظائف - عدم اعتباره موظفاً فعلياً وعدم انطباق قاعدة الإثراء بلا سبب للمطالبة بالتعويض عن عمله - أساس ما تقدم.
(ب) اختصاص القضاء الإداري - موظف عام - المتطوعون للتدريس بمعهد البحوث الإسلامية بالجامع الأزهر - عدم اتصافهم بوصف المعينين بإحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة بميزانية الأزهر لا يسقط عنهم لزوماً صفة الموظف العام - اختصاص القضاء الإداري بمنازعاتهم.
1) إن الذي تستخلصه المحكمة مما تقدم أنه ليس ثمة رابطة وظيفية قد قامت بين المدعي - وهو متطوع للتدريس بمعهد البحوث الإسلامية - والجامع الأزهر ولا يمكن أن يعتبر قانوناً موظفاً معيناً في خدمة الحكومة على وظيفة دائمة أو مؤقتة، ومن لم يتم تعيينه في هذه الوظيفة بالأداة القانونية ممن يملك التعيين، ومن ثم فلا ينشأ له مركز قانوني يتصل بالوظيفة العامة كموظف ولا يستحق مرتباً لما عساه أن يكون قد أدى من خدمات بناء على افتتاح رابطة التوظف قانوناً. وما جرى في حق المدعي يؤكد هذه الحقيقة فلم يصدر له قرار بتعيينه في إحدى الوظائف ولم يعقد له اختبار أجراه الجامع الأزهر لاختياره طبقاً لترتيب النجاح ولم يقدم أي مسوغات للتعيين ولم يوقع عليه الكشف الطبي، ومن ثم فليس له ملف خدمة يعتبر وعاء طبيعياً لعمله الوظيفي ولا يعدو حال المدعي بالنسبة لاتصاله بالجامع الأزهر أن يكون خاضعاً لنظام التطوع، كما جاء بحق في دفاع الجامع الأزهر، ولا يصدق في حقه القول بأنه يعتبر موظفاً فعلياً لأن نظرية الموظف الفعلي لا تقوم إلا في الأحوال الاستثنائية البحتة تحت إلحاح الحاجة إلى الاستعانة بمن ينهضون بتسيير دولاب العمل في بعض الوظائف، ضماناً لانتظام المرافق العامة وحرصاً على تأدية خدماتها للمنتفعين منها باطراد ودون توقف وتحتم الظروف غير العادية أن تفضي جهة الإدارة عند تصدي هؤلاء الموظفين للخدمة العامة إذ لا يتسع أمامها الوقت لإتباع أحكام الوظيفة العامة في شأنهم، ونتيجة لذلك لا يحق لمن يتصدى لأمور الوظيفة في ظل هذا النظام أن يطلب من الإدارة أن تطبق علنه أحكام الوظيفة العامة كما لا يحق له الإفادة من مزاياها لأنه لم يخضع لأحكامها أصلاً ولم يعين وفقاً لأصول التعيين فيها.
وأنه ولئن اتسعت روابط القانون الخاص أو علاقات الأفراد بمال الدولة عاماً كان أو خاصاً لأن تكون مجالاً لأعمال قاعدة الإثراء بلا سبب إذا توافرت شروطها فإن العلاقة الوظيفية العامة لا يتصور فيها تطبيق هذه القاعدة إلا في أضيق نطاق كما لو طالبت الدولة أحد موظفيها برد ما أخذه منها بغير استحقاق ذلك بأن المشرع ينظر إلى من يقحم نفسه في أمور الوظيفة العامة نظرة غريبة وحذر فلا يشجع المتفضل في أوضاع القانون العام كما يشجعه في علاقات الأفراد إذ يفترض في الفضولي أنه يعمل في شئون الغائب بلا إذن والإدارة في شئون وظائفها ليست غائبة أو غافلة، ولأن الوظائف ولاية عامة تكفل القانون بتحديد حقوق وشروط من يتولون مقاليدها بقواعد منضبطة تقطع السبيل على من يقحمون أنفسهم في اختصاصاتها كما في حالتي غصب السلطة والموظف الفعلي، والغصب لا يرتب للغاصب حقوقاً قبل الدولة بل يجر المسئولية المدنية بل الجنائية طبقاً لبعض الشرائع والموظف الفعلي لا يستقيم توليه لأمور الوظيفة العامة إلا في ظروف غير عادية صرفه تشفع لتوليه إياها وكلاهما غير متحقق في المنازعة الحالية ومع ذلك فلا حق للموظف الفعلي في مركز الوظيفة القانوني ولا في الإفادة من مزاياها.
وأنه لو سلم في الجدل المحض بمكان تطبيق قاعدة الإثراء بلا سبب على هذه المنازعة بذريعة أن المدعي كان يعمل أستاذاً بمعهد البحوث بالأزهر لقاء أجر هو دون ما يتقاضاه زملاؤه في المؤهل، فإن ذلك مردود بأن مركزه في الأزهر وهو يتصدى لخدمة عامة يمنعه من المطالبة بتعويض استناداً إلى هذه القاعدة من قبل أن الأزهر إنما أفاد من خدماته بسبب قانوني فجهوده استوجبها عليه نظام التطوع والمتطوع يعمل لما تطوع له لا ينبغي من وراء ذلك إلا ما عول عليه من مقابل حدده العرف في ظلم النظام، ولا حجة في القول بأن المدعي يستحق قبل الأزهر تعويضاً عن عمله غير المشروع لأن الأزهر إذ أقام في وضح النهار صلته بالمدعي على أساس نظام التطوع ولم يكتم عنه طبيعة علاقته به طوال السنين التي اتصلت فيها بينهما الأسباب لا يكون مرتكباً لخطأ يستوجب مسئوليته.
2) أنه لا وجه للمحاجة بأن المدعي - وهو متطوع للتدريب بمعهد البحوث الإسلامية بالأزهر - لو كان حقاً منبت الصلة بقوانين التوظف بالأزهر لانهدم الأساس الذي يقوم عليه اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، ذلك أن عدم اتصافه بوصف المعين في إحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة بميزانية الأزهر لا يسقط عنه لزوماً صفة الموظف العام الذي يسهم في انتظام مرفق عام، لأن العلاقة التي كانت تربطه بالأزهر لم يكن مبناها عقد عمل فردي بل هي علاقة تنظيمية يحكمها نظام التطوع وهو نظام يجعله مشبهاً بالموظف العام إذ يجمعه به جامع التصدي للخدمة العامة وهذا كاف لقيام اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى.


إجراءات الطعن

بتاريخ 4 من سبتمبر سنة 1961 أودع السيد/ محمد أمين علي رستم عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 13 من مارس سنة 1961 في الدعوى رقم 895 لسنة 11 القضائية المرفوعة من السيد/ محمد أمين علي رستم ضد الجامع الأزهر القاضي برفض دعوى المدعي وإلزام المدعي بالمصروفات. وطلب الطاعن للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباستحقاق الطاعن لأن تصرف إليه من يوم إقامة دعواه المرتب المقرر لمؤهله الدراسي طبقاً لأحكام قانون المعادلات الدراسية على أساس اعتباره في الكادر الفني العالي مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجامع الأزهر مصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة - وقد أعلن الطعن إلى الجامع الأزهر في 12 من سبتمبر سنة 1961 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 9 من يونيو سنة 1962 وأخطرت الحكومة والمدعي في 28 من مايو سنة 1962 بميعاد هذه الجلسة وفيها قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 20 من يناير سنة 1963 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه المبين بالمحضر قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة. من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما تبين من أوراق الطعن - في أن المدعي أقام دعواه بطريق المعافاة طلب فيها الحكم بصرف مرتبه من يوم رفع الدعوى على أساس الكادر الفني، وقال في بيان ذلك أنه نال شهادة العالمية مع أجازة القضاء الشرعي من كلية الشريعة سنة 1941 والتحق بوظيفة مدرس العلوم الدينية بالقسم العام بالجامع الأزهر وفي سنة 1949 نال شهادة العالمية مع إجازة التدريس وهو موظف بالقسم العام الآن دون أن يتقاضى مرتباً رغم أن لديه أوراقاً تثبت أنه مدرس فني يقوم بإلقاء الدروس الدينية حسب جدول الحصص الموزعة عليه مثل زملائه المدرسين وخطابات من إدارة الامتحانات الابتدائية لوضع الامتحانات وتصحيح الإجابات. وأن شروط المادة السادسة من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بشروط التوظف متوفرة في حالته وأن إدارة الأزهر درجت على تعيين الموظفين بما دون أن تطالبهم بمسوغات التعيين لأنهم متخرجون في الأزهر فتكتفي بملفاتهم الموجودة لديها، وعلى ذلك فإن المدعي يعتبر نفسه من موظفي الدولة وينطبق عليه نص المادة 21 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 التي تنص على أن يستحق الموظف مرتبه من تاريخ تسلمه العمل فعلاً وأنه قائم بالتدريس من أول أكتوبر سنة 1951 وأن مرتب شهادة العالمية مع إجازة التدريس التي يحملها 18 جنيهاً شهرياً ورد الجامع الأزهر على الدعوى بأن المدعي يخضع لنظام التطوع للتدريس بالجامع الأزهر وهو يقتضي من المتطوع التقدم بالتماس لشيخ الجامع الأزهر يطلب السماح له بإعطاء بعض الدروس بمعهد البحوث الإسلامية، وعند موافقة شيخ الجامع الأزهر على قبوله متطوعاً بمنح بدل الجراية، كما يقتضي نظام التطوع أن يتقدم بطلب لتجديد تطوعه سنوياً حتى يتسنى صرف بدل الجراية، وهذا ما اتبع مع المدعي إذ أنه جدد تطوعه مدرساً بمعهد البحوث الإسلامية سنة 1956/ 1957 بناء على الطلب المقدم منه في 27/ 9/ 1956، وفيما يتعلق بقيامه بوضع أسئلة وتصحيح أوراق إجابة فإن معهد البحوث لم يكلفه بذلك وأنه تصرف عادة مكافآت امتحان للمدرسين المتطوعين وغيرهم مقابل قيامهم ببعض أعمال الامتحانات وأما جداول الحصص فلا تعدو أن تكون مجرد إعلان بوقت الحصة المتطوع إليها. وفيما يتعلق بتعيين المدعي في درجة تتناسب مع مؤهله الدراسي فإن الأزهر يلتزم في التعيين بهذه الوظائف بترتيب التخرج العالي بعد الإعلان عن الوظائف وإتباع الإجراءات المنصوص عليها طبقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 وأنه قبل صدور هذا القانون كان لا يقوم الأزهر بتعيين مدرسي العلوم الدينية والعربية إلا بعد اجتيازهم امتحان يجريه الجامع الأزهر وهو ما يتوافر في حق المدعي وأنه لا توجد قرارات منظمة للمتطوع بالتدريس في الجامع الأزهر ولا يوجد لدى معهد البحوث الإسلامية سوى قرارات السماح للمدعي بالتطوع وطلب الجامع الأزهر الحكم برفض الدعوى.
وبجلسة 13 من مارس سنة 1961 قضت المحكمة برفض دعوى المدعي وألزمته بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن نظام التطوع بالجامع الأزهر جرى به العرف من قديم وأنه ليس له من القواعد الموضوعية أكثر من أنه يقتضي من المتطوع التقدم سنوياً بالتماس إلى شيخ الجامع الأزهر لإعطاء بعض الدروس بمعهد البحوث الإسلامية وبمنح المتطوع بدل جراية قدره 820 م - 1 ج شهرياً ويتم إلحاق المتطوع بالعمل بمجرد موافقة شيخ الجامع الأزهر على طلب المتطوع دون أن يطالب المتطوع بإجراءات التعيين المنصوص عليها في المادة السادسة من القانون رقم 210 لسنة 1951، وأن بدل الجراية أو بدل الخبز الذي يمنح للمتطوع يصرف في الميزانية من اعتمادات الباب الثاني (مصروفات عامة)، كما جاء في مذكرة الجامع الأزهر المودعة ملف الدعوى تحت رقم 23 دوسيه وليس من اعتمادات الباب الأول الخاص بالأجور والمرتبات، وأن الجهة المختصة بصرف هذا البدل هي حسابات الأوقاف (مذكرة الجامع الأزهر المودعة تحت رقم 17 دوسيه) ولما كانت علاقة المتطوع بجهة الإدارة تقتصر على استحقاقه للجراية أو بدل الخبز دون استحقاق لأي مرتب عن مدة تطوعه، إذ أن معاملة المدعي على أساس أنه في الكادر الفني إنما تستلزم وجود الأداء القانونية التي تسبغ على المدعي المركز القانوني الذي يطالب به لأن العبرة في قيام رابطة التوظف على أساس قانوني معين مشروط بانصراف نية الإدارة إلى تعيين الشخص على هذا الأساس القانوني الأمر الذي لم يقم في شأن المدعي، ومن ثم تكون الدعوى غير قائمة على أساس من القانون خليقة بالرفض.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه لم يتصد لمجموعة القرائن التي قدمها إثباتاً لقيام الرابطة القانونية بينه وبين الأزهر على أساس شغل وظيفة عامة من وظائف التدريس وأن المركز القانوني لأي موظف يمكن استخلاصه من أوراق ملف خدمته وليس بلازم أن يعثر على قرار إداري بتحديد هذا المركز إنما قد تستخلص الحقيقة المتنازع عليها من كل ورقة يقدمها الطرفان إلى المحكمة وأن الحكم المطعون فيه قد فاته أن يواجه المسألة من زاوية أخرى وهي أن المدعي يعتبر على الأقل موظفاً فعلياً ومن حقه أن يتناول الراتب القانوني الذي يستحقه بحكم مؤهلاته العلمية طيلة قيامه بالتدريس في معهد البعوث الإسلامية، ومن ثم يكون الحكم قد شابه القصور في استظهار هذه الجوانب من الدعوى وقد انتهى إلى رفضها على أساس غير سليم من القانون.
ومن حيث إن الثابت من استظهار أوراق الدعوى أن العلاقة بين المدعي والجامع الأزهر يحكمها نظام التطوع للتدريس بمعهد البحوث الإسلامية والذي يقوم على ما جرى به العرف والعمل من زمن قديم وليس له قواعد موضوعة ويقتضي ذلك النظام ممن يرغب في التطوع للتدريس أن يتقدم بالتماس إلى شيخ الجامع الأزهر يطلب الإذن له في إلقاء بعض الدروس بمعهد البحوث الإسلامية وعند موافقة شيخ الجامع على قبوله متطوعاً يمنح بدل جراية وقدره 820 م - 1ج في الشهر كما يقضي نظام التطوع أن يتقدم المتطوع بطلب تطوعه سنوياً كي يتسنى له صرف بدل الجراية وبطبيعة الحال لا يطالب المتطوع بالتزام إجراءات التعيين المنصوص عليها في قوانين التوظف وجدير بالذكر أن بدل الجراية يصرف له من اعتمادات الباب (2) مصروفات عامة بند (12). وليس من اعتمادات الباب الأول الخاص بأجور ومرتبات موظفي الدولة. وقدم الجامع الأزهر تأييداً لذلك صورة طبق الأصل من قرارات الإذن للمدعي في التطوع بتاريخ 12 من نوفمبر سنة 1955 مؤشراً عليها من شيخ الجامع الأزهر بقبول التطوع بتاريخ 19 من نوفمبر سنة 1955 كما قدم صورة طبق الأصل من الطلب المقدم من المدعي في 27 من سبتمبر سنة 1956 عن العام الدراسي 1956- 1957 وعليه تأشيرة من شيخ الجامع الأزهر بتاريخ أول أكتوبر سنة 1956 بتمكينه من التدريس بمعهد البحوث الإسلامية متطوعاً عن هذا العام وكذا طلباً مقدماً من المدعي عن العام الدراسي 1958/ 1959. يقر فيه اختياراً بقبوله أن يكون متطوعاً بمعهد الأبحاث الإسلامية عن ذلك العام نظير بدل الخبز. وقدم الجامع الأزهر كتاباً من معهد البحوث الإسلامية برقم 205 في 21/ 2/ 1960 مؤشراً عليه من حسابات الأوقاف بأن طلب المدعي المقدم منه عن سنة 1942 لم يستدل عليه لمضي مدة طويلة وأنه لم يعثر على الطلبات سالفة الذكر.
ومن حيث إن الذي تستخلصه المحكمة مما تقدم أنه ليس ثمة رابطة وظيفية قد قامت بين المدعي - وهو متطوع للتدريس بمعهد البحوث الإسلامية - والجامع الأزهر ولا يمكن أن يعتبر قانوناً موظفاً معيناً في خدمة الحكومة على وظيفة دائمة أو مؤقتة، من لم يتم تعيينه في هذه الوظيفة بالإدارة القانونية ممن يملك التعيين، ومن ثم فلا ينشأ له مركز قانوني يتصل بالوظيفة العامة كموظف ولا يستحق مرتباً لما عساه أن يكون قد أدى من خدمات بناء على افتتاح رابطة التوظف قانوناً. وما جرى في حق المدعي يؤكد هذه الحقيقة فلم يصدر له قرار بتعيينه في إحدى الوظائف ولم يعقد له اختبار أجراه الجامع الأزهر لاختياره طبقاً لترتيب النجاح ولم يقدم أي مسوغات للتعيين ولم يوقع عليه الكشف الطبي، ومن ثم فليس له ملف خدمة يعتبر وعاء طبيعياً لعمله الوظيفي ولا يعدو حال المدعي بالنسبة لاتصاله بالجامع الأزهر أن يكون خاضعاً لنظام التطوع، كما جاء بحق في دفاع الجامع الأزهر، ولا يصدق في حقه القول بأنه يعتبر موظفاً فعلياً لأن نظرية الموظف الفعلي لا تقوم إلا في الأحوال الاستثنائية البحتة تحت إلحاح الحاجة إلى الاستعانة بمن ينهضون بتسيير دولاب العمل في بعض الوظائف، ضماناً لانتظام المرافق العامة وحرصاً على تأدية خدماتها للمنتفعين منها باطراد ودون توقف وتحتم الظروف غير العادية أن تفضي جهة الإدارة عند تصدي هؤلاء الموظفين للخدمة العامة إذ لا يتسع أمامها الوقت لإتباع أحكام الوظيفة العامة في شأنهم، ونتيجة لذلك لا يحق أن يتصدى لأمور الوظيفة في ظل هذا النظام أو يتقاضى أو يطلب من الإدارة أن تطبق عليه أحكام الوظيفة العامة كما لا يحق له الإفادة من مزاياها لأنه لم يخضع لأحكامها أصلاً ولم يعين وفقاً لأصول التعيين فيها.
ومن حيث إنه ولئن اتسعت روابط القانون الخاص أو علاقات الأفراد بمال الدولة عاماً كان أو خاصاً لأن تكون مجالاً لأعمال قاعدة الإثراء بلا سبب إذا توافرت شروطها فإن العلاقة الوظيفية العامة لا يتصور فيها تطبيق هذه القاعدة إلا في أضيق نطاق كما لو طالبت الدولة أحد موظفيها برد ما أخذه منها بغير استحقاق ذلك بأن المشرع ينظر إلى من يقحم نفسه في أمور الوظيفة العامة نظرة ريبة فلا يشجع المتفضل في أوضاع القانون العام كما يشجعه في علاقات الأفراد إذ يفترض في الفضولي أنه يعمل في شئون الغائب بلا إذن والإدارة في شئون وظائفها ليست غائبة أو غافلة، ولأن الوظائف ولايات عامة تكفل القانون بتحديد حقوق وشروط من يتولون مقاليدها بقواعد منضبطة تقطع السبيل على من يقحمون أنفسهم في اختصاصاتها كما في حالتي غصب السلطة والموظف الفعلي، والغصب لا يرتب للغاصب حقوقاً قبل الدولة بل يستجر مسئوليته المدنية بل الجنائية طبقاً لبعض الشرائع والموظف الفعلي لا يستقيم توليه لأمور الوظيفة العامة إلا في ظروف غير عادية صرفة تشفع لتوليه إياها وكلاهما غير متحقق في المنازعة الحالية ومع ذلك فلا حق للموظف الفعلي في مركز الوظيفة القانوني ولا في الإفادة من مزاياها.
وأنه لو سلم في الجدل المحض بمكان تطبيق قاعدة الإثراء بلا سبب على هذه المنازعة بذريعة أن المدعي كان يعمل أستاذاً بمعهد البحوث بالأزهر لقاء أجر هو دون ما يتقاضاه زملاؤه في المؤهل، فإن ذلك مردود بأن مركزه في الأزهر وهو يتصدى لخدمة عامة يمنعه من المطالبة بتعويض استناداً إلى هذه القاعدة من قبل أن الأزهر إنما أفاد من خدماته بسبب قانوني فجهوده استوجبها عليه نظام التطوع والمتطوع يعمل لما تطوع له لا يبغي من وراء ذلك إلا ما عول عليه من مقابل حدده العرف في ظل ذلك النظام، ولا حجة في القول بأن المدعي يستحق قبل الأزهر تعويضاً عن عمله غير المشروع لأن الأزهر إذ أقام في وضح النهار صلته بالمدعي على أساس نظام التطوع ولم يكتم عنه طبيعة علاقته به طوال السنين التي اتصلت فيها بينهما الأسباب لا يكون مرتبكاً لخطأ يستوجب مسئوليته.
ومن حيث إنه لا وجه للمحاجة بأن المدعي - لو كان حقاً منبت الصلة بقوانين التوظف بالأزهر لانهدم الأساس الذي يقوم عليه اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى، ذلك أن عدم اتصافه بوصف المعين في إحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة بميزانية الأزهر لا يسقط عنه لزوماً صفة الموظف العام الذي يسهم في انتظام مرفق عام، لأن العلاقة التي كانت تربطه بالأزهر لم يكن مبناها عقد عمل فردي بل هي علاقة تنظيمية يحكمها نظام التطوع وهو نظام يجعله مشبهاً بالموظف العام إذ يجمعه به جامع التصدي للخدمة العامة وهذا كاف لقيام اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى.
ومن حيث إنه إذا كان وجه الحق في طبيعة الرابطة التي ربطت المدعي بالأزهر هو ما سلف بيانه، فلا أساس لما قام عليه الطعن من وجوب تطبيق قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 في حقه لأنه لم يكن بالبداهة معيناً بصفة دائمة على وظيفة دائمة بميزانية الأزهر حسبما أوجبت المادة الثانية من القانون رقم 371 لسنة 1953 معدلة بالقانون رقم 151 لسنة 1955.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ استند على أن المدعي كان ينفق مجهوده في ظل نظام التطوع إلى إقرار صادر منه غير مستكره على توقيعه يستفاد منه ومن باقي أوراق الطعن أنه ألقى دروسه وهو على بينة من الأساس الذي قامت عليه علاقته بالأزهر فإنه لا يكون مخالفاً للقانون ويتعين من أجل ذلك القضاء برفض الطعن لكونه معدوم الأساس والإنتاج مع إلزام الطاعن بكامل المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً، وألزمت المدعي بالمصروفات.