أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 590

جلسة 27 من مايو سنة 1958

برئاسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومحمود محمد مجاهد وأحمد زكي كامل, ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(151)
طعن رقم 516 سنة 28 ق

تعدد الجرائم. قتل عمد. إحراز سلاح. محكمة النقض "سلطة محكمة النقض". تقدير توفر الشروط المقررة في المادة 32 ع. موضوعي. متى يجوز لمحكمة النقض التدخل. مثال.
إن تقدير توفر الشروط المقررة في المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توفرها هو من شأن محكمة الموضوع وحدها, إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم توجب تطبيق المادة المذكورة عملاً بنصها فإن عدم تطبيقها يكون من الأخطاء التي تقتضي تدخل محكمة النقض لتطبيق القانون على وجهه الصحيح, فإذا كان الثابت من عبارة الحكم أن المتهم أحرز السلاح بقصد ارتكاب جريمة القتل فإن الارتباط بين الجريمتين يكون قائماً مما يقتضي اعتبارهما جريمة واحدة عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولاً - قتل عمداً ومع سبق الإصرار والترصد عطية معوض علشه وذلك بأن انتوى قتله وأعد لذلك صلاحاً نارياً (بندقية) وتربص له في طريق عودته إلى منزله وما أن ظفر به حتى أطلق عليه عدة أعيرة نارية قاصداً قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. وثانيا - أحرز سلاحاً نارياً (بندقية ألماني مششخنة) بغير ترخيص. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 230 و231 و232 من قانون العقوبات والمواد 1 و26/ 2 و30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والقسم الأول من الجدول رقم 3 المرفق به. فقررت بذلك ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بالمادة 234/ 1من قانون العقوبات عن التهمة الأولى وبالمواد 1 و26/ 2 و30 من المرسوم بقانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 والجدول رقم 3 الملحق به عن التهمة الثانية بمعاقبة حسن حامد نصار بالأشغال الشاقة المؤبدة عن التهمة الأولى وبالأشغال الشاقة ثلاث سنوات مصادرة السلاح المضبوط عن التهمة الثانية. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى أوجه الطعن المقدمة من الأستاذ محمد سامي مازن المحامي عن الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه شاب أسبابه التناقض وفساد الاستدلال والخطأ في الإسناد ذلك بأن أحداً من الشهود لم يذكر بأنه رأى الطاعن وهو يرتكب جريمة القتل بل شهدوا بضبطه عقب الحادث وقد تناقضت أقوالهم في ذلك تناقضا بينما فبينما يقرر الشاهد معتمد محمد احمد كليب أنه خرج من الماكينة مع زميله كامل سليمان على أثر سماع الأعيرة النارية حيث قابلهما الطاعن قادماً يجري من جهة الجثة التي تبعد عن مكان الضبط بنحو ثلاثة قصبات فتمكنا من ضبطه بعد أن ألقى ما معه من طلقات في الماء - إذا بزميله كامل سليمان يقرر أن الطاعن حين قابلاه لم يكن يجري بل كان يسير على مهل وكان على بعد عشرين قصبة من مكان الجثة ولم يلق بشيء في الماء بالرغم من هذا التناقض فقد أثبت الحكم أن أقوال الشاهد كامل حسن سليمان تطابق رواية الشاهد معتمد محمد احمد كليب واستخلص من أقوالهما ثبوت واقعة القتل في حق الطاعن وهو استخلاص غير سائغ - هذا فضلاً عما ورد به الحكم على دفاع الطاعن بشأن إنكار ملكيته للبندقية المضبوطة استناداً إلى عدم تعرف الكلب البوليسي عليه حيث قال الحكم في ذلك "إن هذا الدفاع مردود بأن البندقية كانت ملوثة بالغاز مما يتعذر معه على الكلب البوليسي أن يتعرف على صاحبها... ومع ذلك فإن تعرف الكلب البوليسي كما قضت بذلك محكمة النقض لا يعتبر دليلا بل هو مجرد قرينة وبالتالي فعدم تعرفه لا يعتبر دليلاً على عدم ملكية المتهم لهذه البندقية" وهذا القول ينطوي على فساد في الاستدلال إذا اتخذت المحكمة من تلوث البندقية بالغاز وعدم تعرف الكلب البوليسي على البندقية دليلاً ضد المتهم وليس لصالحه - يضاف إلى ذلك أن الحكم أخطا في الإسناد حين أورد أقوال شاهد النفي على جمعه الشريف إذ نسب إليه قوله إنه لم يكن على موعد مع الطاعن في يوم الحادث بالذات مع أنه أكد ذلك في شهادته.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين الواقعة في قوله "إنه في صباح يوم 14 من شهر أغسطس سنة 1955 بأراضي ناحية بني زراح من أعمال مركز أبنوب بينما كان كل من معتمد محمد أحمد كليب أوسطى ماكينة ري حليم عازر وكامل حسان سليمان خفيرها جالسين عند مبنى الماكينة إذ سمعا عدة أعيرة نارية على الطريق العمومي فهرعا صوب مصدرها فوجدا حسن حامد نصار حاملا بندقية هندي وقادماً مهرولا نحوهما فسألاه عن سبب اطلاق النار فأمرهما بعدم التعرض له فأما أصرا على أن يبدي لهما السبب أطلق من بندقيته عياراً صوب معتمد محمد أحمد كليب لإرهابه ليتنحى عن طريقه فتفادى معتمد هذا العيار بالانبطاح على الأرض فصوب كامل حسان بندقيته التي كان يحملها نحو حسن حامد نصار وهدده باطلاق العيار عليه وقام معتمد وقبض على حسن حامد وعاونه كامل واتجها به نحو مصدر صوب الأعيرة الأولى فوجدا على بعد حوالي خمسة عشر متراً جثة عطية معوض علشة ملقاه في ميل الجسر فاستغاثا وحضر على استغاثتهما علي علي إسماعيل وأحمد محمد عثمان ومعهما الخفير الخصوصي سليمان محمد عبد الرحمن فرويا للعسكريين ما حصل وسلماهما المتهم بالبندقية...". ثم أورد الحكم الأدلة التي استند إليها في إدانة الطاعن وهي أقوال الشهود معتمد محمد أحمد كليب وكامل حسن سليمان وعلي علي إسماعيل وباقي شهود الإثبات والتقرير الطبي الشرعي والمعانية. وعرض الحكم من ذلك إلى دفاع الطاعن ورد عليه في قوله: "وحيث إن المتهم حسن حامد نصار أنكر ما أسند إليه وقال إنه كان يسير في الطريق الزراعي قاصداً الشيخ علي الشريف في عرب القوازيح لإجراء حساب بينهما عندما وصل إلى محل الحادث خرج عليه معتمد محمد كليب وكامل حسن سليمان وأمسكا به واتهماه بقتل عطية معوض علشة وكان معتمد يحمل البندقية المضبوطة وأراد أن يمسكها فامتنع فطعنه معتمد بسكين في ظهره كما ضربه كامل سليمان بطورية في كوعه الأيسر وألقياه أرضاً إلي أن حضر الجنديان فسلماه لهما.... وحيث إن ما ردده الدفع بالجلسة من أن المتهم كان يسير سيراً طبيعياً في طريقه إلى الشيخ علي جمعه الشريف مردود عليه بأن أقوال معتمد كليب وكامل حسن قاطعة في أنه كان يجري آتيا من محل وجود الجثة حاملا سلاحه المستعمل في الحادث وعندما اعترضا طريقه أطلق صوبهما عيارا ناريا ولو كان يسير سيراً طبيعياً لما هرول في طريقه ولما أطلق النار على معترضيه ولوقف معهما للبحث عن القاتل وهو لم يقف إلا بعد أن هدده كامل حسان باطلاق النار عليه ونفذت ذخيرته هو. وحيث إن ما أثاره الدفاع من أن البندقية المضبوطة مع المتهم ليست له بدليل أن الكلب البوليسي لم يتعرف عليه بعد أن شمها مردود عليه بأن البندقية كانت ملوثة بالغاز مما يتعذر معه على الكلب البوليسي أن يتعرف على صاحبها إذ أن رائحة الغاز تغلب الرائحة الطبيعية للأشياء وعرق الجسم ومع ذلك فإن تعرف الكلب البوليسي كما قضت بذلك محكمة النقض لا يعتبر دليلاً بل هو مجرد قرينة وبالتالي فعدم تعرفه لا يعتبر دليلا على عدم ملكية المتهم لهذه البندقية. وحيث إنه عن وجود خصومات بين المتهم والشاهدين معتمد كليب وكامل حسان فإنه ثابت من أقوال المتهم نفسه أنه ليس بينه وبين الشاهدين شخصياً أية خصومات بل العداء بين البعض أفراد كل من العائلتين ولم يثبت شدة الصلة بين هؤلاء وبين الشاهدين ومع ذلك فإنه لولا هذه الخصومات لما أقدم الشاهدان على ضبطه والشهادة ضده إذ أن الشهادة في مثل هذه المناطق وبين هذه الفئة من الناس توجد الضغائن بين الشاهد وبين من يشهد ضده وتعتبر كالقتل تماما والمتهم لم يجرح شهادة هذين الشاهدين بما يدحض أقوالهما...." لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بين الواقعة بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة القتل التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة من شانها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها مما تطمئن إليه من عناصر الدعوى المطروحة أمامها وكان يبين من الاطلاع على مفردات القضية التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقاً لوجه الطعن المبني على خطأ الإسناد أن ما نقله الحكم من أقوال الشاهدين الأولين وأقوال شاهد النفي على جمعه الشريف يتفق وما ورد على لسانهم في التحقيق ولم يقع خطأ في الإسناد. وكان ما استخلصه الحكم من أقوال الشهود ليس إلا استخلاصاً سائغاً لا عيب فيه وكان التناقض الذي يعب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة وكان لا يلزم في القانون أن يكون الدليل مباشراً وقائماً بذاته بل يكفي أن تتساند الأدلة ويكمل بعضها بعضا وللمحكمة أن تستخلص من مجموعها ما ترى أنه مؤد إليه - لما كان ما تقدم فإن الطعن على هذا النحو يكون غير سديد.
وحيث إن مبنى التقرير المقدم من الأستاذ فهمي أبو غدير المحامي هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون إذ قضى بعقوبة مستقلة عن جريمة إحراز السلاح مع وجود ارتباط بينها وبين جريمة القتل مما كان يتعين معه إعمال حكم المادة 32/ 2 من قانون العقوبات والحكم بالعقوبة المقررة لأشد الجريمتين هذا فضلا عما شاب الحكم من خطأ في الإسناد وقصور في البيان وفساد في الاستدلال ذلك أنه أخطأ في تحصيل شهادة الشاهدين الأولين وشاهد النفي علي جمعه الشريف على النحو المبين بالتقرير الأول كما أخطأ حين تحدث عن التقرير الطبي الشرعي فذكر أنه انتهى إلى أن إصابات المجني عليه تحدث من البندقية والأظرف المضبوطة مع أن التقرير لم يقطع بذلك وحين رد على دفاع الطاعن ونفي وجود خصومة بينه وبين شاهدي الإثبات مع أن الطاعن أكد في أقواله قيام هذه الخصومة. يضاف إلى ذلك قصور الحكم في بيان نية القتل ومدى تطابق أقوال الشهود مع التقرير الطبي بالرغم من قيام التعارض بينهما إذ يقرر الشهود أنهم لم يسمعوا سوى ثلاثة أعيرة بينما أثبت التقرير الطبي إصابات المجني عليه تحدث عن خمسة وبنى الحكم توافر نية القتل على ذلك كما دانت المحكمة الطاعن وكونت عقيدتها على أساس من الشك والاحتمال وليس على سبيل الجزم واليقين فقالت في بيان الباعث على القتل أنه ربما تجدد النزاع في محل الحادث بين المتهم والمجني عليه فتأثر المتهم وأجهز عليه وهو قول لا دليل عليه في الأوراق وما كان يصح الاستناد إليه.
ولما كان الحكم المطعون فيه على ما سبق القول قد بين الواقعة بما تتوافر به أركان الجريمة التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها وكان يبين من الاطلاع على المفردات أنه لم يقع خطأ في الإسناد يعيب الحكم ويؤثر على سلامته وكان ما قاله الحكم عن تطابق أقوال الشهود والتقرير الطبي له سنده في الأوراق وكان الخطأ في بيان الباعث على الجريمة لا يعيب الحكم لأنه ليس ركنا من أركانها وكان باقي ما يثيره الطاعن في هذا التقرير فيما عدا الوجه الأول ليس إلا جدلاً موضوعياً يتعلق بواقعة الدعوى وتقدير الأدلة فيها مما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها في ذلك - وحيث إن ما يثيره الطاعن في الوجه الأول بشأن تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات على أساس صحيح ذلك بأنه وإن كان تقدير توفر الشروط المقررة في المادة 32 من قانون العقوبات أو عدم توفرها هو من شأن محكمة الموضوع وحدها - لها أن تقرر فيه ما تراه استناداً إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهت إليه. إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم توجب تطبيق المادة المذكورة عملاً بنصها فإن عدم تطبيقها يكون من الأخطاء التي تقتضي تدخل محكمة النقض لتطبيق القانون على وجهه الصحيح - ولما كان الثابت من عبارة الحكم أن الطاعن أحرز السلاح بقصد ارتكاب جريمة القتل فيكون الارتباط بين الجريمتين قائماً مما تقتضي اعتبارهما جريمة واحدة عملاً بالمادة 32/ 2 من قانون العقوبات والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما - ويتعين لذلك نقض الحكم نقضاً جزئياً فيما قضى به من عقوبة عن جريمة إحراز السلاح وتصحيحه وتطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات والاكتفاء بعقوبة الشغال الشاقة المؤبدة ومصادرة السلاح ورفض الطعن فيما عدا ذلك.