أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 609

جلسة 3 من يونيه سنة 1958

برئاسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة: وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, والسيد أحمد عفيفي, ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(156)
طعن رقم 92 سنة 28 ق

(أ) تفتيش. نقض. "سبب موضوعي". قبول إثارة الدفع ببطلان التفتيش لأول مرة أمام محكمة النقض. شرطه.
(ب) إجراءات. بطلانها. أحوال البطلان المتعلقة بالنظام العام. عدم ورودها على سبيل الحصر في المادة 332 أ. ج
(ج) تفتيش. "بطلانه". غرفة الاتهام. إصدار الغرفة أمرها بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى قبل المتهم - الذي لم يحضر أمامها - لعدم كفاية الأدلة. استنادها في ذلك إلى بطلان التفتيش. جوازه.
1- إن الأحكام التي صرحت فيها هذه المحكمة بأن الدفع بطلان التفتيش هو من الدفوع الموضوعية التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمامها لا يقصد بها على وجه التحقيق استبعاد التفتيش وجميع أحكامه من حظيرة المسائل المتعلقة بالنظام العام، بل لهذا القول علة أخرى هي أن مثل هذا الطلب يستدعي تحقيقاً وبحثاً في الوقائع وهو ما يخرج بطبيعته عن سلطة محكمة النقض, فإذا كان ما جاء في الحكم من الوقائع دالا بذاته على وقوع البطلان جازت إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض, ولو لم يدفع به أمام محكمة الموضوع.
2- إن الشارع حاول تنظيم أحوال البطلان فيما أورده من قواعد عامة في المادة 331 وما بعدها من قانون الإجراءات الجنائية, إلا أن هذه النصوص تدل في عبارتها الصريحة على أن الشارع لم يحصر - وما كان في مقدوره أن يحصر - والقوانين السياسية والإدارية والمالية والجنائية أبدا متغيرة - المسائل المتعلقة بالنظام العام فذكر البعض من هذه المسائل في المادة 332 وترك للقاضي استنباط غيرها وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام وما هو من قبيل المصالح الخاصة التي يملك الخصوم وحدهم فيها أمر القبول من عدمه.
3- متى كانت غرفة الاتهام قد أصدرت أمرها بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم - الذي لم يحضر أمامها - لعدم كفاية الأدلة واستندت في ذلك إلى أن تفتيش المتهم قد وقع باطلاً قانوناً لصدوره بغير إذن من الجهة المختصة وفي غير الحالات التي يجيز فيها القانون لمأمور الضبط التفتيش, فلا يصح النعي عليها بأنها تجاوزت في ذلك حدود سلطتها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة محمد محمد الهندي (المطعون ضده) بأنه - حاز وأحرز جواره مخدرة "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً, وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و33 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والفقرة رقم 12 من الجدول رقم 1 المرفق به. وغرفة الاتهام بمحكمة الزقازيق الجزئية قررت حضورياً بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم لعدم كفاية الأدلة وذلك تطبيقاً للمادة 179/ 6 من قانون الإجراءات الجنائية.
فطعنت النيابة في هذا القرار بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

... وحيث إن الوجه الأول من وجهي الطعن يتحصل في أن الأحكام الخاصة بإجراء التفتيش ليست من النظام العام, فلا يجوز للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ما لم يدفع به أمامها على الوجه الذي بينه القانون في المادة 332 من قانون الإجراءات الجنائية وعلى ما أولته أحكام محكمة النقض في هذا الشأن فإن غرفة الاتهام - وسلطتها لا تتجاوز بأية حال سلطة محكمة الموضوع - لا تملك أن تحكم ببطلان التفتيش من تلقاء نفسها - ولما كان المطعون ضده - بوصفه متهما - لم يحضر أمام غرفة الاتهام في جلسة المرافعة - فإن القرار الصادر منها بعدم وجود لإقامة الدعوى قبل المطعون ضده لعدم كفاية الأدلة تأسيساً على بطلان التفتيش وما لحقه من إجراءات يكون قد خالف القانون.
وحيث إن النيابة العامة رفعت الدعوى إلى عرفة الاتهام محكمة الزقازيق على المطعون ضده طالبة إحالته إلى محكمة الجنايات بتهمة إحراز مواد مخدرة "حشيشاً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً الأمر المعاقب عليه بالمواد 1 و2 و33 و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والفقرة 12 من الجدول رقم 1 المرافق - فلم يحضر المطعون ضده أمامها, وأصدرت الغرفة أمرها المطعون فيه, بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبل المتهم لعدم كفاية الأدلة واستندت في ذلك إلى ما محصله أن الملازم أول محمود محبوب ضابط مباحث مركز فاقوس استصدر إذناً من النيابة بتفتيش عباس عطية سليمان الشهير بأبو ذراع ومسكنه ومن يتواجد له عند التفتيش لضبط ما يوجد من جواهر مخدرة أو أية ممنوعات - في غضون عشرة أيام تبدأ من تاريخ صدور الإذن في 26/ 9/ 1956 وفي يوم 27/ 9/ 1956 حرر الضابط محضراً أثبت فيه - كما جاء بالقرار المطعون فيه ما يلي: "أنه بناء على إذن النيابة سالف الذكر استقل هو والبوليس الملكي محمد حسانين إسماعيل وبعض رجال القوة من البوليس سيارتين وصوبوا شطرهم إلى مقهى حسن فرج حيث نما إلى علمهم بتواجد عباس عطية سليمان وقتئذ هناك, فلما وصلوا تلك المقهى علموا بأن عباس عطية سليمان كان قد غادر المقهى قبل وصولهم, ثم شاهدوا المتهم فرج (المطعون ضده) يخرج من المقهى مسرعاً وفي حالة ارتباك, فقام بتفتيشه, فعثر بجيب جلبابه العلوي الأيسر على لفافتين بداخلهما قطع يشتبه أن تكون حشيشاً, وأضاف إلى ذلك أنه سأل المتهم عن سبب إحراز المخدر, فأنكر ملكيته للمخدر" ويعد أن استعرضت الغرفة أقوال الشهود انتهت إلى القول: "ومن حيث إنه يبين من استطراد وقائع الدعوى على نحو ما تقدم أن المتهم لم يكن في حالة من حالات التلبس... كما أن الدعوى قد خلت من الدلائل الكافية التي نصت عليها المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تبيح لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم إذا توافرت تلك الدلائل. وفضلا عن ذلك فقد استقر قضاء القيام حالة التلبس ضرورة وجود مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة, وأن مجرد الشبهات أو الظنون من رجال المباحث لا تكون ثمت التلبس..... وحيث أنه لما كانت واقعة الدعوى حسبما شهد به السيد الملازم أول محمود محبوب ضابط مباحث مركز فاقوس من أنه ضبط المتهم وقام بتفتيشه بمجرد أن نظره يخرج من مقهى حسن فرج مسرعاً وفي حالة ارتباك دون أن يكون بيده ما تحويه جيوب ملابسه ودون أن توجد مظاهر خارجية تدل على وجود المخدر فيها, كأن يرى السيد ضابط المباحث بعينه المخدر ظاهراً من جيب المتهم, أو تبعث من ملابسه رائحة المخدر, بحيث يستطيع تعرفها بحاسة الشم. أما مجرد مشاهدته للمتهم وهو يجري, فإن ذلك لا ينبئ بذاته عن إحراز المخدر, ولا يجعله في حالة من حالات التلبس التي تجيز القبض عليه وتفتيشه. من حيث أنه علي هدي ما تقدم لا يمكن اعتبار المتهم في الدعوي الحالية أنه كان في حالة تلبس باحراز مخدر تجيز القبض عليه وتفتيشه, ومن ثم فما كان يجوز للسيد ضابط المباحث والحالة هذه أن يضبط المتهم ويفتشه على نحو ما أورده بمحضره وردده في محضر تحقيق النيابة, ذلك حتى لا يخلق بفعله حالة التلبس بل يجب أن تعرض لهذه الحالة ويشهدها دون تدخل منه بعمل إيجابي ومن حيث أنه متى تقرر ذلك وأن تفتيش المتهم وقع باطلاً قانوناً على نحو ما تقدم, فيترتب على ذلك انهيار الدليل المستمد منه واعتباره معدوماً".
وحيث وإن كان الشارع قد تناول في قانون الإجراءات الجنائية تنظيم أحوال البطلان فيما أورده من قواعد عامة في المادة 331 وما بعدها, إذ نص في المادة 331 على أن البطلان يترتب على عدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بأي إجراء جوهري. ثم جاءت المادة 332 ونصت على أنه إذا كان البطلان راجعاً لعدم مراعاة أحكام القانون المتعلقة بتشكيل المحكمة أو بولايتها بالحكم في الدعوى أو باختصاصها من حيث نوع الجريمة المعروضة عليها أو بغير ذلك مما هو متعلق بالنظام العام, جاز التمسك به في أية حالة كانت عليها الدعوى, وتقضي به المحكمة، ولو بغير طلب. ونصت المادة 333 على ما يأتي: "في غير الأحوال المشار إليها في المادة السابقة يسقط الحق في الدفع ببطلان الإجراءات الخاصة بجميع الاستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو التحقيق بالجلسة في الجنح والجنايات إذا كان للمتهم محام وحصل الإجراء بحضوره بدون اعتراض منه. أما في مواد المخالفات فيعتبر الإجراء صحيحاً إذا لم يعترض عليه المتهم ولو لم يحضر معه محام في الجلسة وكذلك يسقط حتى الدفع بالبطلان بالنسبة للنيابة العامة إذا لم تتمسك به في حينه", وإن كان الشارع قد حاول تنظيم ذلك, إلا أن هذه النصوص تدل في عبارتها الصريحة على أن الشارع لم يحصر - وما كان في مقدوره أن يحصر - والقوانين السياسية والإدارية والمالية والجنائية أبدا متغيرة - المسائل المتعلقة بالنظام العام, فذكر البعض من هذه المسائل في المادة 332 وترك للقاضي استنباط غيرها - وتمييز ما يعتبر منها من النظام العام وما هو من قبيل المصالح الخاصة التي يملك الخصوم وحدهم فيها أمر القبول من عدمه - حتى لا تتفاوت معايير القانون ولا يختل منطق نصوصه في مجال التطبيق - ولما كانت قواعد التفتيش ليست كلها من طبيعة واحدة فلا يمكن بالبداهة وضع مبادئ تنظيم قاعدة عامة تشمل قواعد التفتيش وإجراءاته - ومحكمة النقض فيما صدر منها من أحكام - في شأن التفتيش وغيره من المسائل إنما كانت تتحدث في كل قضية عن مخالفة قاعدة معينة من قواعد التفتيش وهي كلها ليست سواء. لما كان ذلك, وكانت الأحكام التي صرحت فيها هذه المحكمة بأنا الدفع ببطلان التفتيش هو من الدفوع الموضوعية التي لا يجوز إثارتها لأول مرة أمامها - لا يقصد منها على وجه التحقيق - استبعاد التفتيش وجميع أحكامه من حظيرة المسائل المتعلقة بالنظام العام بل لهذا القول علية أخرى تتصل بطبيعة الوظيفة القائمة عليها محكمة النقض اتصالا وثيقاً وكونها محكمة قانون ليس من شأنها بحث الوقائع فمهمتها ألا تنظر القضية إلا بالحالة التي كانت عليها أمام محكمة الموضوع - فلا يقبل أمامها طلب جديد أو دفع جديد لم يسبق عرضه على المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه - لأن الفصل في مثل هذا الطلب يستدعي تحقيقاً وبحثاً في الوقائع وهو ما يخرج بطبيعته عن سلطة محكمة النقض - فإذا كان ما جاء في الحكم من الوقائع دالا بذاته على وقوع البطلان جازت إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ولو لم يدفع به أمام محكمة الموضوع.
وحيث إن العبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع المحكمة باطمئنانها إلى الدليل المقدم إليها - فإذا كانت قد تعرضت بما هو واجب عليها من تطبيق القانون على الوجه الصحيح إلى بحث مأخذ الدليل والنظر في قوله في الإثبات أمامها - وهي في ذلك لا تتقيد بوجهات نظر الخصوم أنفسهم - فلا يصح النعي عليها أنها تجاوزت في ذلك حدود سلطتها, لأن واجبها في فحص الدليل قبل الأخذ به يمنع من القول بأن هناك من الأدلة ما يحرم عليها الخوض فيه - ولما كان تقدير توافر حالة التلبس والدلائل التي تؤدي إليه هو تقدير من صميم اختصاص قاضي الموضوع - على ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - فلا يصح النعي على المحكمة وهي بسبيل ممارسة حقها في التقدير بأنها تجاوزت سلطاتها إذ في ذلك ما يجر في النهاية إلى توقيع العقاب على برئ, وهو أمر يؤذي العدالة وتتأذى منه الجماعة - مما يتحتم مع إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير سلامة الدليل وقوته, دون قيد فيها عدا الأحوال المستثناة قانونا - لما كان ذلك، وكان القرار المطعون فيه قد أصاب فيها انتهى إليه من أن الطاعن لم يكن في حالة تلبس, ومن ثم فلم يكن يجوز لمأمور الضبطية القضائية تفتيشه بغير إذن من الجهة المختصة ولا تكون هناك محل لما تثيره النيابة في هذا الخصوص.
وحيث إن الوجه الثاني من الطعن تتحصل في أن القرار المطعون فيه قد خلط بين الجريمة المتلبس بها, وبين الحالة المنصوص عليها في المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية التي تجيز لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه في الجنايات, وأن الأمارات والقرائن المماثلة في الدعوى - وإن كانت لا ترقى إلى درجة التلبس - فهي لا تقصر عن تلك الحالة المنصوص عليها في المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إن القرار المطعون فيه - قد عرض لهذا الذي تشير إليه النيابة في طعنها فقال: "ومن حيث إنه مضافا إلى ما تقدم فإن الدعوى قد خلت من الدلائل الكافية التي نصت عليها المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تبيح لمأمور الضبط القضائي أن يأمر بالقبض على المتهم إذا توافرت تلك الدلائل" - وما قاله القرار في ذلك صحيح في القانون والواقع, فدعوى الخلط بين حالة التلبس والحالة الواردة في المادة 34 غير صحيح, فلا يصح الطعن على القرار من جهة عدم استشهاده بالدليل المستمد منه هذا الإجراء الباطل, ومن ثم يكون الطعن برمته في غير محله ويتعين رفضه موضوعاً.