أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 627

جلسة 9 من يونيه سنة 1958

برئاسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, والسيد أحمد عفيفي, ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(160)
طعن رقم 561 سنة 28 ق

(أ) إثبات. قوة الأمر المقضي. حجية الأحكام. مداها. عدم ورود الحجية إلا على المنطوق. مثال.
(ب) معارضة. متى تقبل المعارضة في الحكم الحضوري الاعتباري؟ م 241/ 2 أ. ج استئناف. تصدي حكم حضوري اعتباري صادر في دعوى وجائز استئنافه قانوناً. القضاء خطأ من محكمة أول درجة بقبول معارضة المتهم شكلاً. استنفاد المحكمة ولايتها بالفصل في المعارضة. استئناف الحكم الحضوري الاعتباري. النص على الحكم الاستئنافي برفضه إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة لا محل له.
(ج) محكمة الموضوع. خبراء. رأيهم. للمحكمة أن تأخذ بما تراه من تقاريرهم وتطرح ما عداه.
1- إذا قرر الحكم المستأنف أن العبرة في حجية الحكم بمنطوقه لا بأسبابه وأنه لا يمكن القول بأن محكمة أول درجة قد عدلت في حكمها الذي قبلت فيه المعارضة شكلاً لمجرد الإشارة في الأسباب إلى ما شابه من قصور من الناحية القانونية البحتة فإن هذا التقرير يكون صحيحاً في الواقع سديداً في القانون.
2- لا تقبل المعارضة في الحكم الحضوري الاعتباري إلا إذا أثبت المحكوم عليه قيام عذر منعه من الحضور ولم يستطع تقديمه قبل الحكم وكان استئنافه غير جائز إعمالاً لنص الفقرة الثانية من المادة 241 من قانون الإجراءات الجنائية فإذا كان الثابت أن الحكم الحضوري الاعتباري الصادر في الدعوى من الإحكام الجائز استئنافها قانونا وكان المحكوم عليه قد عارض في هذا الحكم فإنه يتعين على محكمة أول درجة أن تقضي بعدم قبول معارضته فإذا كانت قد أخطأت وحكمت بقبولها شكلاً فإن هذا الحكم لا يكسب المحكوم عليه حقاً لأنه صدر بالمخالفة لما يقضي به القانون فإن كان المحكوم عليه قد استأنف الحكم الحضوري الاعتباري أيضاً وكانت المحكمة قد فصلت فعلاً في معارضته واستنفدت ولايتها فإن القول بتفويت درجة من درجات التقاضي عليه والنعي على الحكم الاستئنافي برفضه إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في المعارضة لا يكون له محل.
3- الأمر في تقدير رأي الخبراء مما تختص به محكمة الموضوع ولها كامل الحرية في الأخذ بما تطمئن إليه من التقارير الفنية والالتفات عما لا تطمئن إليه منها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه أولا - اشترك مع متهم مجهول بالاتفاق والمساعدة والتحريض في ارتكاب تزوير في محرر رسمي هو سند لم يوقع عليه من الأستاذ رياض الجمل, بأن قدم المتهم السند المزور فمحا ما عليه من كتابة وحرر مخالصة عن دين قدره ألف جنيه. وثانياً - اتفق مع المتهم المجهول وحرضه فتمت الجريمة بناء على هذا التحريض وذلك الاتفاق. وطلبت عقابه بالمواد 210 و211 و40 و41/ 1 من قانون العقوبات. وادعى بحق مدني الأستاذ رياض الجمل المحامي وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة بولاق الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ عن التهمتين مع تطبيق المادة 32/ 2 من قانون العقوبات وإلزامه بأن يدفع للمدعي بالحق المدني مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت ومصاريف الدعوى المدنية. ولما أعلن هذا الحكم إلى المتهم في أول يوليه سنة 1953 بادر باستئنافه بتقرير مؤرخ في 8 أغسطس سنة 1953 وقيد برقم 4102 سنة 1953 ثم عارض وقضت المحكمة في معارضته بتاريخ 26 مايو سنة 1954 بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه, فاستأنف المتهم الحكم الأخير بتقرير مؤرخ في 27 مايو سنة 1954 وقيد استئنافه برقم 2840 سنة 1954. وفي أثناء نظر الاستئناف الأخير أمام محكمة مصر الابتدائية قدم المتهم مذكرة طلب فيها إعادة القصية إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوع المعارضة, وبعد أن أتمت المحكمة نظره قضت حضورياً بتاريخ 7 فبراير سنة 1955 بقوله شكلاً ورفض الطلب المتهم إعادة القضية إلى محكمة أول درجة من جديد وحددت جلسة لنظرها. فطعن المحكوم عليه في الحكم الأخير بطريق النقض وقيد طعنه بجدول المحكمة برقم 1231 سنة 26 ق وقضت محكمة النقض بتاريخ 14 من فبراير سنة 1956 بعدم جواز الطعن. ونظراً لوحدة الموضوع قررت المحكمة الاستئناف ضم الاستئناف الأول رقم 4102 سنة 1953 إلى الاستئناف الثاني رقم 2840 سنة 1954 وقضت حضورياً بتاريخ 10 فبراير سنة 1958 بتعديل الحكم المستأنف بالنسبة للعقوبة المقضي بها والاكتفاء بجبس المتهم ستة شهور مع الشغل وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة لما قضى به في الدعوى المدنية وألزمت المتهم بالمصروفات المدنية لهذا الاستئناف بلا مصروفات جنائية. فطعن الطاعن في الحكم الأخير بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من أوجه الطعن هو أن إجراءات المحاكمة قد شابها بطلان ذلك أن المحكمة قد فوتت على الطاعن درجة من درجات التقاضي إذ رفضت إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في المعارضة لأن هذه المحكمة كانت قد قضت بقبولها شكلاً ورفضها موضوعاً إلا أنها ذكرت في أسباب حكمها أنها تنهي إجراءات المحاكمة تاركة تحقيق دفاع المتهم إلى محكمة الدرجة الثانية.
وحيث إن الثابت من مراجعة الأوراق أنه صدر بتاريخ 30 يونيه سنة 1953 حكم حضوري اعتباري بجبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات, فعارض المتهم في هذا الحكم واستأنفه كذلك وقضت محكمة أول درجة بتاريخ 23 ديسمبر سنة 1953 بقول عذر المعارض في التخلف عن الحضور بجلسة 9 أبريل سنة 1953 والجلسات التالية لها واعتبار الحكم غيابياً له وبقبول المعارضة شكلاً وبعد أن عرضت هذه المحكمة لموضوع الدعوى وسمعت فيها شهودا قضت بجلسة 26 مايو سنة 1954 في موضوع المعارضة برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه وأشارت في أسباب حكمها إلى أنه كان يتعين القضاء بعدم قبول المعارضة شكلاً ولا يسعها إزاء ذلك إلا أن تنهي إجراءات الدعوى أمامها تاركة تحقيق دافع المتهم إلى محكمة الدرجة الثانية وأن تقضي بتأييد الحكم المعارضة فيه لأسبابه التي بنى عليها. فاستأنف المتهم هذا الحكم وطلب إعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوع المعارضة فرفضت محكمة ثاني درجة هذا الطلب وجاء في أسبابها "وحيث إنه لا مشاحة أيضاً في أن محكمة أول درجة حين قبلت معارضة المتهم شكلاً بجلسة 23 ديسمبر سنة 1953 واستجابت لما قدمه من أعذار لتخلفه قد تنكبت الصواب وخالفت صريح نص الفقرة الثانية من المادة 241 من قانون الإجراءات التي تشر إلى أن اعتبار المحكمة الحكم حضورياً ليس حكماً إنما هو قرارا يجوز العدول عنه إذا ما أثبت الخصم قيام عذر منعه من الحضور ومن تقديمه إلى المحكمة قبل الحكم ولكن على شريطة أن يكون القرار قد صدر في دعوى لا يجوز استئناف الحكم الصادر فيها بمعنى أنه إذا لم يتوافر هذان الأمران فالمعارضة في الحكم لا تقبل وما من شك في أن هذا الحكم الحضوري الاعتباري في القضية التي نحن بصددها جائز استئنافه في الدعويين المدنية والجنائية على حد سواء طبقاً للقواعد المتواضع عليها والمنصوص عنها صراحة في المادة 402 وما بعدها من قانون الإجراءات. حيث إنه مع ذلك فإن الحكم الصادر بقبول المعارضة شكلاً حكم قد تعلق به حق المتهم وقطع في هذا القبول على الرغم مما اعتوره من خطأ واكتنفه من مجافاة لنص القانون وروحه ويتعين على محكمة أول درجة أن تفصل برأي أيضاً في موضوع المعارضة وهذا هو الذي فعلته تلك المحكمة حين أصدرت حكمها المستأنف قاضية في موضوع المعارضة برفضها وتأييد الحكم المعارض فيه ومن المسلمات البدهية في القانون أن العبرة بمنطوق الحكم لا بأسبابه وأن الحجية للمنطوق بالذات ولا يمكن القول بأن محكمة أول درجة قد عولت في حكمها الذي قبلت فيه المعارضة شكلاً لمجرد أنها أشارت في الأسباب إلى ما شابه من قصور من الناحية القانونية البحتة ما دامت قد استنفذت ولايتها وأدلت برأيها في موضوع المعارضة بعد أن سبق لها قبولها من الناحية الشكلية ولذلك يكون ما يطلبه المستأنفان من إعادة القضية لنظر المعارضة من جديد خليق بالرفض". لما كان ذلك, وكان هذا الذي أورد الحكم صحيحاً في الواقع سديداً في القانون وكان نص الفقرة الثانية من المادة 241 من قانون الإجراءات الجنائية يجري على أنه "لا تقبل المعارضة في الحكم الصادر في هذه الأحوال إلا إذا أثبت المحكوم عليه قيام عذر منعه من الحضور ولم يستطع تقديمه قبل الحكم وكان استئنافه غير جائز" وكان الثابت أن الحكم الحضوري الاعتباري الصادر في الدعوى الحالية من الأحكام الجائز استئنافها قانوناً مما كان يتعين معه على محكمة أول درجة أن تقضي من أول الأمر في المعارضة بعدم قبولها. إلا إنه وإن كانت قد أخطأ وحكمت بقبول المعارضة شكلاً فإن هذا الحكم لا يكسب الطاعن حقاً لأنه صدر بالمخالفة لما يقضي به القانون, فضلاً عن أنه كان قد استأنف الحكم الحضوري الاعتباري فعلاً. هذا إلى أن المحكمة قد فصلت فعلاً في المعارضة واستنفذت ولايتها, لما كان ذلك كله، فإن ما ينعاه الطاعن في الوجه الأول لا يكون له محل.
وحيث إن مبنى باقي أوجه الطعن هو القصور في الأسباب والإخلال بحق الدفاع وفي بيان ذلك يقول الطاعن عن الحكم الحضوري الاعتباري الصادر من محكمة أول درجة والمكمل لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد استند في الإدانة على أقوال عدلي محمد عرفة التي حصلها في أن الطاعن قدم إليه ورقة الحساب بعد أن محا منها بعض عبارتها وطلب إليه تحرير مخالصة في موضع تلك العبارات مع أن هذا الشاهد عدل عن تلك الراوية في جلسة المعارضة إلا أن المحكمة لم تبين الأسباب التي دعتها إلى اطراح هذه الراوية والأخذ بأقواله الأولى - وأغفل الحكم الرد على ما دفع به الطاعن من استحالة حصول الواقعة بالوصف الذي رواه المدعي بالحق الذي قرر أن الشاهد حلمي شلتوت حرر بينه وبين المتهم ورقة محاسبة من صورتين وأن الطاعن ارتكب التزوير في إحدى هاتين الصورتين وقدم المدعي المدني الصورة الأخرى للمحكمة في حين أن هذا الشاهد قرر في محضر تحقيق النيابة أنه حرر صورة واحدة تسلمها المدعي المدني ومن ثم يكون التزوير بالطريقة التي يدعيها المدعي المدني يستحيل وقوعه, كذلك فقد دفع الطاعن بأن سبب اتهامه يرجع إلى أن المدعي المدني كان قد استلم نيابة عنه مبلغ مائة جنيه ولما طالبه سارع مبلغاً بهذا الادعاء ومما يدل على ذلك أنه قرر أنه هو الذي حرر ورقة المحاسبة, ثم عدل وذكر أنه حلمي شلتوت وعاد مقرراً أنه عدلي محمد, يضاف إلى ذلك أن الخبير الاستشاري أثبت في تقريره استحالة وقوع الحادث بالوصف الذي ورد بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير من أن التزوير تم بطريق محو بعض عبارات المحرر بمادة كيماوية إذ أن استعمال هذه المادة كان من مقتضاه محو الأسطر الزرقاء المبينة على المحرر, كذلك إلا أنها وجدت سليمة مما ينفي نظرية المحو بهذه الطريقة وقد تحدى الدفاع عن الطاعن في مذكرته التي قدمها إلى محكمة الدرجة الثانية خبير قسم أبجاث التزييف والتزوير أن يقوم بتجربة لمحو كتابة من محرر دون المساس بسطوره وأليافه إلا أن المحكمة رفضت تكليف هذا الخبير بإجراء تلك التجربة مما يعتبر منها إخلالاً بحق الطاعن في الدفاع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها - لما كان ذلك, وكان الحكم قد عرض إلى دفاع المتهم بشأن استحالة حدوث التزوير بطريق محو العبارات المدونة على المحرر مع بقاء الأسطر المبينة فرد على ذلك بما يفنده استناداً إلى ما ذكره خبير قسم أبحاث التزييف والتزوير أمام المحكمة من أنه يجوز ذلك تبعا لنوع الخبير إذ هناك ما يتأثر بالمحو ما لا يتأثر به, فضلاً عن أنه لاحظ أن السطور الخالية منها ما تأثر فعلا بالمحو لأنها أقل ظهوراً من باقي السطور. ولما كانت المحكمة قد انتهت من ذلك إلى اطمئنانها إلى النتيجة التي انتهى إليها الخبير المذكور وخلصت إلى أن المحرر المزور كان يحوي في الأصل كتابة أخرى وعبارات أخرى بإمضاء الأستاذ رياض الجمل المدعي المدني ثم محيت العبارات الأصلية باستعمال مادة كيماوية وكتب مكان المحو بالعبارات الحالية الثابتة بالمحرر التي تتضمن تخالص المتهم من الدين المدين به للمدعي بالحق المدني وهو الدين الثابت بورقة المحاسبة المؤرخة 28 مارس سنة 1949 والمقدمة من المدعي والموقع عليها بإمضاء المتهم الذي هو بلا شك صاحب المصلحة الوحيد والذي يستفيد دون غيره من هذا التزوير - ولما كان لمحكمة الموضوع بما لها من حق التقدير, كامل الحرية في الأخذ بما تطمئن إيه من التقارير الفنية والالتفات عما لا تطمئن إليه منها, وكان ما يدعيه الطاعن من أنه دون في مذكرته ما يفيد تحديه الخبير الفني الحكومي لا يخرج عن كونه دفاعاً موضوعياً لا يعد من قبيل الطلبات الجازمة التي تلزم محكمة الموضوع بإجابتها أو الرد عليها في أسباب حكمها, وكان باقي ما ينعاه الطاعن لا يخرج عن كونه جدلاً موضوعياً في تقدير أدلة الدعوى مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض - لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.