أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 644

جلسة 10 من يونيه سنة 1958

برئاسة السيد حسن داود المستشار, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومصطفى كامل, ومحمود محمد مجاهد, وعثمان رمزي المستشارين.

(164)
طعن رقم 1859 سنة 27 ق

(أ) حكم "النطق به". إجراءات. اختصاص. استبعاد القضية من الرول لعدم سداد الرسم. بعد النطق بالحكم. خطأ.
(ب) استئناف. ميعاده. متى يبدأ ميعاد استئناف الحكم الصادر بتثبيت الحكم الغيابي.
(ج) دعوى مدنية. اختصاص. شرط اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية.
(د) نقض. حالات الطعن. حكم. بطلانه. ماهية الشهادة التي يصح الاحتجاج بها على عدم ختمه في الثلاثين يوماً.
1- إن صدور الحكم والنطق به ينهي النزاع بين الخصوم ويخرج القضية من يد المحكمة بحيث لا يجوز لها أن تعود إلى نظرها بما لها من سلطة قضائية كما لا يجوز لها تعديل حكمها فيها أو إصلاحه إلا بناء على الطعن فيه بالطرق المقررة أو بطريق تصحيح الخطأ المادي المنصوص عليه في المادة 337 أ. ج. ومن ثم فإذا كانت المحكمة قد أمرت باستبعاد القضية من الرول لعدم سداد الرسم المقرر بعد الحكم فيها فإنها تكون قد أخطأت.
2- متى كانت المحكمة قد استبعدت القضية من الرول لعدم سداد الرسم بعد أن قضت غيابياً فيها ثم حكمت حضورياً بتثبيت الحكم الغيابي الذي أغفلته المحكمة فلم يعلن للمحكوم عليه فإن ميعاد الاستئناف يكون طبقاً للمادة 406 أ. ج هو عشرة أيام من تاريخ النطق بالحكم الحضوري ويكون التقرير بالاستئناف في حقيقته منصبا على الحكم الغيابي الذي اندمج فيه.
3- الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعي به ناشئاً عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن هذه الجريمة بل كان ناشئاً عن فعل آخر ولو كان متصلاً بها سقطت تلك الإباحة وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية.
4- الشهادة التي يصح الاحتجاج بها على عدم ختم الحكم في الثلاثين يوماً التالية لصدوره هي الشهادة الدالة على أن الحكم لم يكن قد تم التوقيع عليه وإيداعه قلم الكتاب يوم طلبه رغماً عن مضي ثلاثين يوماً على تاريخ صدوره.


الوقائع

أقام شفيق مشرقي عبد المسيح (المدعي بالحق المدني) دعوى الجنحة المباشرة أمام محكمة مركز أسيوط الجزئية كل من 1- شفيق سيدهم واصف و2- موريس شفيق سيدهم (المطعون ضدهما) بعريضة معلنة في 12 من سبتمبر سنة 1954 متهماً إياهما بأنهما في غضون سنة 1951 بدائرة مركز أسيوط: بددا مبلغ 840 ج ثمانمائة وأربعين جنيها سلم إليهما منه (الطالب) على سبيل الوديعة وطلبت معاقبتهما بالمادة 341 من قانون العقوبات كما طلب إلزامهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 1100 ج بفائدة قدرها 7% من تاريخ المطالبة الرسمية لحين السداد والمصاريف والأتعاب بحكم مشمول بالنفاذ المعجل وبلا كفالة وقيدت الدعوى بجدول تلك المحكمة برقم 3105 سنة 1954. نظرت المحكمة المشار إليها آنفاً هذه الدعوى ثم قضت فيها غيابياً بتاريخ 9 من نوفمبر سنة 1954 عملاً بمادة الاتهام أولاً - بحبس كل من المتهمين شهرين مع الشغل وكفالة أربعة جنيهات لكل منهما لوقف التنفيذ. وثانيا - إلزامهما متضامنين بان يدفعا للمدعي بالحق المدني ألف جنيه مصري والمصروفات المدنية المناسبة ومبلغ ألف قرش أتعاب محاماة ورفض ما دون ذلك من الطلبات وبعد النطق بهذا الحكم مباشرة طلب السيد رئيس القلم الجنائي بنيابة المركز في مذكرة قدمها للمحكمة إعادة القضية للرول واستبعادها منه لحين سداد الرسوم المدنية المستحقة فأعيدت. وفي أثناء نظرها دفع الحاضر مع المتهمين ببطلان الإعادة. وبعد أن أنهت المحكمة المذكورة سماعها أصدرت المحكمة حكما حضورياً بتاريخ 8 من ديسمبر سنة 1954 بتثبيت الحكم السابق صدوره. استأنف المحكوم عليهما هذا الحكم وقيد استئنافهما برقم 148 سنة 1955 - ومحكمة أسيوط الابتدائية بعد أن سمعت الاستئناف قضت حضورياً بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1956 بقبوله شكلاً وفي الموضوع أولاً - في الدعوى الجنائية بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين مما أسند إليهما بلا مصاريف جنائية. ثانياً - في الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به وبعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظرها وألزمت المدعي بالحق المدني بالمصاريف المدنية عن الدرجتين. فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه جاء باطلاً إذ اعتبر استئناف المتهمين وارداً على الحكم الغيابي الصادر من محكمة أول درجة بتاريخ 9 من نوفمبر سنة 1954 وقضى مع ذلك بقبول الاستئناف شكلاً مع انه لم يحصل التقرير به في قلم الكتاب إلا في يوم أول يناير سنة 1955 أي بعد فوات مواعيد المعارضة والاستئناف مما كان يقتضي من المحكمة الاستئنافية أن تحكم من تلقاء نفسها بعدم قبول الاستئناف شكلاً لرفعه بعد الميعاد.
وحيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن الطاعن أقام دعوى الجنحة المباشرة على المتهمين (المطعون ضدهما) أمام محكمة جنح مركز أسيوط بوصف أنهما بددا مبلغ 840 جنيها سلمت إليهما على سبيل الوديعة وطلبت النيابة معاقبتهما بالمادة 341 من قانون العقوبات فقضت محكمة الجنح غيابياً بتاريخ 9 من نوفمبر سنة 1945 بحبس كل من المتهمين شهرين مع الشغل وكفالة 400 قرش لإيقاف التنفيذ بإلزامهما متضامنين بأن يدفعا للمدعي بالحق المدني مبلغ ألف جنيه والمصروفات المدنية المناسبة وألف قرش أتعاباً للمحاماة وبعد النطق بالحكم مباشرة طلب رئيس القلم الجنائي بنيابة مركز أسيوط إعادة القضية للرول وقدم للمحكمة مذكرة طلب فيها استبعاد القضية لعدم سداد الرسوم المستحقة فقررت المحكمة تأجيل نظرها إلى جلسة 14 من ديسمبر سنة 1954 وتكليف المدعي بالحق المدني بسداد الرسوم وإعلان المتهمين. وبالجلسة الأخيرة حضر المتهمان كما حضر محامي الطاعن ودّفع ببطلان إعادة القضية للرول وحجزت القضية للحكم لجلسة 28 من ديسمبر سنة 1954 وفيها صدر الحكم حضورياً بتثبيت الحكم السابق صدوره - فاستأنف المتهمان هذا الحكم بتاريخ أول يناير سنة 1958 وقضت محكمة أسيوط الابتدائية بهيئة استئنافية حضورياً بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهمين مما أسند إليهما وفي الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف فيما قضى به عدم اختصاص المحكمة بنظرها وألزمت المدعي بالحق المدني بالمصاريف المدنية عن الدرجتين وجاء في أسباب هذا الحكم أن المحكمة الابتدائية أخطأت حين قررت بإعادة نظر القضية بعد صدور الحكم الغيابي وما كان لها أن تتخذ هذا الإجراء الذي لا سند له من القانون غير أنها تداركت ما وقعت فيه من خطأ فأصدرت حكمها الخير بتثبيت الحكم الغيابي وما كان في وسعها وهي في مجال تصحيح الوضع الخاطئ الذي سلكته إلا أن تعيد للحكم الأول اعتباره ولا يتأتى ذلك إلا بتثبيته وإبقائه على ما هو عليه ثم استطردت إلى القول بأنه "متى تقرر ما تقدم من أن الحكم الأخير قد قضى بتثبيت الحكم الغيابي وأن هذا القضاء قد انصب على الحكم الأول أي الغيابي دون التعرض لموضوع الاتهام, فاستئناف الحكم الأخير ينصب حالاً ومباشرة على الحكم الأول. وترتيباً على ما تقدم يكون للمتهمين حق المعارضة في ذلك الحكم الغيابي حقيقة, إلا أنهما قررا بالاستئناف مباشرة وهو حق لهما وفقاً لنص المادة 406 من قانون الإجراءات الجنائية ومن ثم فإن هذا الاستئناف يطرح على هذه المحكمة موضوع الاتهام والدعوى بجملتها" - لما كان ذلك وكان يترتب على صدور الحكم والنطق به انتهاء النزاع بين الخصوم وخروج القضية من يد المحكمة بحيث لا يحوز لها أن تعود إلى نظرها بما لها من سلطة قضائية - كما لا يجوز لها تعديل حكمها فيها أو إصلاحه إلا بناء على الطعن فيه بالطرق المقررة أو بطريق تصحيح الخطأ المادي المنصوص عليه في المادة 337 من قانون الإجراءات الجنائية, وكانت المحكمة الجزئية قد أخطأت عندما أعادت نظر القضية بعد الفصل فيها, وكان الحكم الذي أصدرته بعه ذلك لغو لا يعتد به لأن المحكمة التي أصدرته قد تجاوزت حقها في إصداره مما يتعين معه اعتباره كأن لم تكن واعتبار الحكم الغيابي قائماً ويكون التقرير بالاستئناف وإن كان وارداً على الحكم الأخير إلا أنه في حقيقته ينصب على الحكم الغيابي الذي اندمج فيه ويكون ميعاد الاستئناف طبقاً للمادة 406 من قانون الإجراءات الجنائية أن يحصل في ظرف عشرة أيام من تاريخ النطق به ما دام قد صدر حضورياً وما دام أن الحكم الغيابي قد أغفلته المحكمة فلم يعلن للمحكوم عليهما أو يثبت علمها به حتى يستعملاً حقهما في الطعن فيه بطريق المعارضة أو الاستئناف, ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه -حين قضى بقبول الاستئناف شكلاً - قد أصاب فيما قضى به ويتعين رفض هذا الوجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني هو بطلان الحكم لمضي أكثر من ثلاثين يوماً من تاريخ إصداره دون تحريره والتوقيع عليه طبقاً للمادة 312 من قانونا لإجراءات الجنائية.
وحيث إن الشهادة التي قدمها الطاعن لتدعيم هذا الوجه والمؤرخة في 30 من ديسمبر سنة 1956 مفادها أن الحكم قد صدر بتاريخ 29 من نوفمبر سنة 1956 قد أودع ملف القضية في يوم 29 من ديسمبر سنة 1956 - ولما كانت الشهادة التي يصح الاحتجاج بها على عدم ختم الحكم في الثلاثين يوماً التالية لصدوره هي على ما جرى قضاء هذه المحكمة الشهادة الدالة على أن الحكم لم يكن قد تم التوقيع عليه وإيداعه قلم الكتاب يوم طلبه رغماً عن مضي ثلاثين يوماً على تاريخ صدوره, ولذا فإن هذا الوجه من الطعن لا يكون له أساس.
وحيث إن مبنى الوجهين الثالث والرابع هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله إذ قضى ببراءة المتهمين من تهمة التبديد استنادا إلى أن العقد الذي سلم المال بموجبه عقد قرض وليس من عقود الأمانة مع أن الطاعن حين سلم النقود إلى المتهمين لم يصرح لهما باستعماله بل تسلماه على سبيل الأمانة, وما ثبت بالكتابة لا يجوز إثباته بغيرها. هذا إلى أن الحكم خالف نص المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية إذ قضى بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى المدنية دون أن يأمر بإحالتها إلى المحكمة المختصة كما تقضي بذلك المادة المذكورة.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة استخلصت من وقائع الدعوى ومن مناقشة المدعي بالحق المدني بالجلسة أن المبالغ التي سلمت للمتهمين بموجب السندات المقدمة في الدعوى إنما كانت على سبيل القرض إذ أنه رخص لهما باستعمالها في شئونها الخاصة والتصرف فيها وخلصت من ذلك إلى أن العلاقة التي تربط الطرفين علاقة مدنية بصرف النظر عما أثبت في السندات إذ العبرة بحقيقة الواقع ولا يصح تأثيم إنسان ولو بناء على اعترافه متى كان ذلك مخالفاً للحقيقة وقضت بناء على ذلك ببراءة المتهمين من تهمة التبديد كما قضت بعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية لعدم وجود جريمة يمكن أن تكون أساساً للمطالبة بالتعويض. لما كان ما تقدم, وكان قضاء هذه المحكمة جرى على أن الأصل في دعاوى الحقوق المدنية أن ترفع إلى المحاكم المدنية وإنما أباح القانون استثناء رفعها إلى المحكمة الجنائية متى كانت تابعة للدعوى العمومية وكان الحق المدعي به ناشئاً عن ضرر للمدعي من الجريمة المرفوعة عنها الدعوى العمومية, فإذا لم يكن الضرر ناشئاً عن هذه الجريمة بل كان ناشئاً عن فعل آخر ولو كان متصلاً بها سقطت تلك الإباحة وكانت المحاكم الجنائية غير مختصة بنظر الدعوى المدنية, فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالبراءة وعدم اختصاص المحكمة الجنائية بنظر الدعوى المدنية يكون سليمً لا خطأ فيه - أما الإحالة إلى المحكمة المختصة فلا يقضي بها إلا حيث تكون المحكمة الجنائية مختصة بنظر الدعوى المدنية ولكن الفصل فيها يستلزم إجراء تحقيق خاص ينبني عليه إرجاء الفصل في الدعوى الجنائية وذلك على ما هو ظاهر من عبارة الفقرة الثانية من المادة 309 من قانون الإجراءات الجنائية.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.