أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة التاسعة - صـ 693

جلسة 23 من يونيه سنة 1958

برئاسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل, ومحمود محمد مجاهد, وأحمد زكي كامل, ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(175)
طعن رقم 792 سنة 28 ق

(أ) تزوير. استعمال ورقة مزورة. حكم تسبيب كاف. إثبات الحكم اشتراك المتهمة في تزوير الورقة التي استعملتها تحدثه استقلالا عن ركن العلم في جريمة الاستعمال. غير لازم.
(ب) دعوى جنائية. وقفها. متى يجب على المحكمة وقف الدعوى الجنائية؟ م 223 أ ج.
(ج) دعوى جنائية. دعوى مدنية. أحوال شخصية. تزوير. وجوب ترقب القاضي المدني أو قاضي الأحوال الشخصية. فصل القاضي الجنائي في أمر الورقة المدعي بتزويرها والمقدمة إليه كدليل على الإثبات.
1- متى كان الحكم قد أثبت على المتهم أنه اشترك مع مجهول في تزوير شهادة ميلاده وأورد على ذلك أدلة كافية, وكان اشتراكه في التزوير يفيد حتما علمه بأن الورقة التي استعملها مزورة, فلا يعيب الحكم من عدم تحدثه عن ركن العلم في جريمة استعمال الورقة المزورة.
2- قصد الشارع بما أوجبه في المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية من إيقاف الدعوى الجنائية أن تكون مسألة الأحوال الشخصية مما يتصل بركن من أركان الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية, أو بشرط لا يتحقق وجود الجريمة إلا بوجوده وإلا لا تتوافر علة الإيقاف, وهذه العلة في خصوص هذا النص هي أن تكون المسألة مما يتوقف عليها جدياً الفصل في الدعوى الجنائية، ومن ثم فلا جناح على المحكمة إذا فصلت في الدعوى الجنائية المرفوعة بتزوير ورقة ولو كانت الورقة تمت بصلة إلى نزاع مطروح أمام المحكمة المدنية ولما يفصل فيه.
3- إن الواجب يقتضي بأن يترقب القاضي المدني أو قاضي الأحوال الشخصية حتى يفصل القاضي الجنائي نهائياً في أمر ورقة مدعي بتزويرها متى كانت هذه الورقة بذاتها مقدمة إلى المحكمة المدنية كدليل على الإثبات.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة بأنها أولا: اشتركت مع مجهول بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في ورقة أميرية هي مستخرج رسمي لشهادة ميلادها بطريق الاصطناع بأن اتفقت معه على تحريرها وإثبات البيانات الواردة فيها فحررها ووقع عليها بإمضاءين مزورين للموظفين المختصين بتحرير مثل هذه الورقة كما وقع بختم لوزارة الصحة وقد تمت الجريمة بناء على هذه المساعدة وذلك الاتفاق. وثانياً: استعملت المحرر المزور سالف الذكر بأن قدمته لمحكمة الأزبكية الشرعية في الدعوى 350 لسنة 1954 وراثات ولمحكمة القاهرة للأحوال الشخصية في الدعوى 122 سنة 1955 القاهرة للأحوال الشخصية مع علمها بتزويره. وطلبت من غرفة الاتهام إحالتها إلى محكمة الجنايات لمعاقبتها بالمواد 40/ 2 - 3 و41 و211و 212 و214 من قانون العقوبات. فقررت بذلك, وادعت جليلة خليل عبده بحق مدني قدره مائة جنيه على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمة. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضريا عملا بمواد الإتهام مع تطبيق المادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات بمعاقبة هانم حسن عبده بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة وإلزامها بأن تدفع للمدعية بالحق المدني جليلة خليل عبده مبلغ مائة جنيه والمصروفات المدنية وخمسمائة قرش أتعاب محاماة. فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق انقض...... الخ.


المحكمة

... وحيث إن محصل الطعن هو أن الحكم المطعون فيه جاء مشوباً بالقصور والخطأ في إجراءات الدعوى, وتقول الطاعنة بياناً بذلك إن الحكم لم يتحدث عن ركن العلم في جريمة استعمال الورقة المزورة وهذا الركن لا يصح افتراض قيامه لدى الطاعنة أنها لا تعلم شيئاً عن ظروف الورقة المزورة إذ أنها وجدتها ضمن أوراق كانت والدتها المتوفاة تحتفظ بها, ولما عثرت عليها قدمتها للمحكمة في قضية الميراث لإثبات بنوتها لها بعد وفاتها في 15/ 7/ 1954 بالأراضي الحجازية وكانت خالتها تنازعها منزلا موروثاً عن المتوفاة, هذا إلى أن الحكم آخذ الطاعنة بأنها اصطنعت الشهادة مع أنها لا تستطيع كشف الاصطناع ولم يشهد أحد بأنها هي التي اصطنعت الشهادة أو أنها اشتركت في اصطناعها أو تزويرها وأخيراً بأنه كان من واجب المحكمة إتباع مقتضى المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية فتوقف الدعوى الجنائية حتى يفصل في دعوى الميراث التي ما زالت منظورة أمام محكمة الأحوال الشخصية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بني واقعة الدعوى بما تتوافر فيه العناصر القانونية لجنايتي تزوير الأوراق الأميرية واستعمالها مع العلم بتزويرها وقال في هذا البيان "إن المدعية بالحق المدني جليلة خليل عبده كان لها شقيقة تدعي زهرة خليل عبده وقد توفيت بالأقطار الحجازية في سنة 1954 فرفعت الدعوى رقم 350 بلسنة 1954 وراثات أمام محكمة الأزبكية الشرعية للحصول على إعلام شرعي بإثبات وفاة المرحومة زهرة خليل عبده وانحصار إرثها فيها بما أن المتوفاة لم تنجب ذرية وقد علمت المتهمة بهذه الدعوي فحضرت إحدى جلساتها وتدخلت في الدعوي زاعمة أنها ترث أيضاً في المرحومة زهرة خليل عبده, وقدمت بإحدى الجلسات شهادة ميلاد تدعي أنها خاصة بها وثابت بها أنها ابنة المرحومة زهرة خليل عبده فلم يصدر الإعلام الشرعي لهذه المنازعة فاضطرت المدعية بالحق المدني لرفع دعوى وراثة أمام المحكمة الشرعية الكلية, وبإلغاء المحاكم الشرعية أحيلت الدعوى إلى محكمة القاهرة للأحوال الشخصية وقيدت برقم 122 سنة 1955 وقدمت المتهمة فيها شهادة ميلاد مثبت بها أنها استخرجتها في 26/ 8/ 1945 وموقع عليها باسم شاكر يعقوب وأحمد كمال الشربيني ومختوم عليها بختم وكيل وزارة الصحة وبختم للوزارة ومثبت بها أنه وجد مقيدا بالصحيفة 71 تحت رقم 2114 ميلاد هانم بنت أحمد حسن منصور من زهرة خليل عبده في 22/ 8/ 1928 وأنها استخرجت بناء علي طلب هانم أحمد حسن منصور ومقيدة برقم 2937, فطعنت المدعية بالحق المدني على هذه الشهادة بالتزوير مقررة أن أختها زهرة خليل عبده لم ترزق بذرية وأبلغت النيابة بهذا التزوير, فاستعملت النيابة من دار المحفوظات عن هذه الشهادة فأفادت بأنه بالبحث في دفتر مواليد بولاق لم يستدل على اسم هانم أحمد حسن منصور أو هانم حسن عبده ابنة زهرة خليل عبده من بين مواليد 22/ 8/ 1928 وجاء بتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بأن التوقعين المنسوبين لشاكر يعقوب وأحمد كمال الشربيني على الشهادة يختلفان عن توقيعهما, وقد ظهر من الاطلاع على المستخرج المضبوط أنه طبع بالمطبعة الأميرية سنة 1951 في حين أن المستخرج مؤرخ سنة 1945" وبعد هذا البيان أورد الحكم على صحة التوقيع وإسنادها إلى الطاعنة أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها, من هذه الأدلة شهادة جليلة خليل عبده المدعية بالحقوق المدنية وطه حسن منصور والسيد أحمد علي عماره وقد شهدا أن المتوفاة لم تنجب أولاداً طيلة حياتها وشهادة شاكر يعقوب إبراهيم وأحمد كمال الشربيني, وإفادة دار المحفوظات التي تنفي الاستدلال على قيد اسم الطاعنة بدفتر المواليد، وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذي دل على أن التوقيعات المنسوبة لشاكر يعقوب إبراهيم وأحمد كمال الشربيني يختلفان عن توقعيهما الصحيح وهما مزوران وأن المستخرج المضبوط طبع بالمطبعة الأميرية سنة 1951 في حين أنه يحمل تاريخاً سنة 1945. ولما كان الحكم أثبت على الطاعنة أنها اشتركت مع مجهول في تزوير شهادة ميلادها وأورد على ذلك أدلة كافية وكان اشتراكها في التزوير يفيد حتما عليها بأن الورقة التي استعملتها مزورة وذلك عندما قدمتها في القضية رقم 122 لسنة 1955 أحوال شخصية, لما كان ذلك وكان الشارع إذ نص في المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "إذا كان الحكم في الدعوى الجنائية يتوقف على الفصل في مسألة من مسائل الأحوال الشخصية يجب على المحكمة الجنائية أن توقف الدعوى, وتحدد للمتهم أو للمدعي بالحقوق المدنية أو المجني عليه حسب الأحوال أجلا لرفع المسألة المذكورة إلى الجهة ذات الاختصاص" قد قصد بما أوجبه من إيقاف الدعوى الجنائية أن تكون مسألة الأحوال الشخصية مما يتصل بركن من أركان الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجنائية, أو بشرط لا يتحقق وجود الجريمة إلا بوجوده وإلا لا تتوافر علة الإيقاف, وهذه العلة في خصوص هذا النص هي أن تكون المسألة مما يتوقف عليها جدياً الفصل في الدعوى الجنائية, لما كان ذلك, وكان القاضي الجنائي بحسب الأصل غير مقيد بما يصدره القاضي المدني أو قاضي الأحوال الشخصية من أحكام, فإذا ما رفعت أمامه هو الدعوى الجنائية ورأى بناء على ما أورده من أسباب أن الورقة مزورة, فلا جناح عليه في ذلك ولو كانت الورقة تمت بصلة إلى نزاع مطروح أمام المحكمة المدنية ولما يفصل فيه, بل إن الواجب يقضي العكس بأن يترقب القاضي المدني أو قاضي الأحوال الشخصية حتى يفصل القاضي الجنائي نهائيا في أمر الورقة المدعي بتزويرها متى كانت هذه الورقة بذاتها مقدمة إلى المحكمة المدنية كدليل على الإثبات, لما كان ذلك فإن ما تثيره الطاعنة في أوجه الطعن التي قدمتها لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.