أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 78

جلسة 20 من يناير سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ حسين سعد سامح نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن علي المغربي، وعثمان مهران الزيني، ومحمد عبد الواحد الديب، وعادل برهان نور.

(18)
الطعن رقم 1818 لسنة 44 القضائية

(1) إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
حرية القاضي الجنائي في استمداد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه. حقه في الأخذ بأقوال المتهم في حق نفسه، وفي حق غيره. ولو عدل عنه.
(2) مسئولية جنائية. قتل خطأ. خطأ. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". جريمة. "أركانها". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه. تقدره محكمة الموضوع.
إنهاء الحكم إلى أن قعود الطاعن عن اتخاذ الاحتياط اللازم. رغم علمه بوجود خلل بالمصعد. يوفر ركن الخطأ في حقه. سائغ.
دفاع الطاعن. بأنه عهد إلى شركة فنية بصيانة المصعد. لا يقدح في مسئوليته، علة ذلك؟
1 - الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح في الاوراق، وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وأن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها.
2 - من المقرر أن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها أصلها في الأوراق - ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه وقد خلص مما له معينه الصحيح في الأوراق إلى أن ركن الخطأ الذي نسبه إلى الطاعن يتمثل في أنه رغم علمه بوجود خلل في أبواب المصعد لم يتخذ الاحتياط اللازم لمنع تشغيله حتى يتم إصلاحه مما أدى إلى وقوع الحادث يكون سائغاً في العقل والمنطق وهو ما يوفر قيام الخطأ من جانب الطاعن وتنتفي به عن الحكم قالة الفساد في الاستدلال - ولا يقدح في ذلك دفاع الطاعن بأنه عهد إلى شركة فنية بصيانة المصعد ذلك أن تعدد الأخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوي في ذلك أن يكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في حصوله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخر. الأول (الطاعن) بصفته مديراً للمستشفى القبطي والثاني بصفته العامل الفني للمصعد بها - تسبباً خطأ في موت... وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهما وعدم احتياطهما بأن لم يأمر المتهم الأول بصفته سالفة الذكر بإيقاف المصعد المذكور وعدم استعماله وقام المتهم الثاني باستعماله رغم علمهما بوجود خلل به وعدم صلاحيته - للعمل - واثناء محاولته نقل المجني عليه سالف الذكر بالمصعد المذكور بعد عمل جراحة له بالمستشفى تحرك هذا المصعد صاعداً إلى أعلى قبل إتمام وضع المجني عليه به نتيجة للخلل الموجود به فاصطدم المجني عليه بأعلى باب المصعد ثم سقط في البئر المخصص للمصعد فحدثت به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته. وطلبت عقابهما بالمادة 238 من قانون العقوبات. وأدعى ورثة المجني عليه مدنياً قبل المتهمين ورئيس مجلس إدارة المؤسسة العلاجية بمحافظة القاهرة ومحافظ القاهرة بصفته - متضامنين بمبلغ عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصاريف. ومحكمة الأزبكية الجزئية قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادة الاتهام بتغريم المتهم الأول عشرين جنيهاً وحبس المتهم الثاني ستة أشهر مع الشغل وكفالة عشرة جنيهات لوقف التنفيذ وإلزامهما مع المسئولين عن الحقوق المدنية أن يدفعوا متضامنين للمدعيين بالحقوق المدنية مبلغاً قدره خمسة آلاف جنيه على سبيل التعويض بالفريضة الشرعية بينهم مع مصروفات الدعوى المدنية. فاستأنف المتهمان هذا الحكم كما استأنفه المسئولون عن الحقوق المدنية والمدعون بها. ومحكمة القاهرة الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت في الدعوى حضورياً بقبول الاستئنافات شكلاً وفي الموضوع بتأييد الحكم المستأنف في الشق الجنائي بالنسبة إلى المتهم الأول وتعديله بالنسبة إلى المتهم الثاني إلى تغريمه ثلاثين جنيهاً - وأيدته في الشق المدني وألزمت كل بمصاريفه المدنية الاستئنافية. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض كما طعنت فيه إدارة قضايا الحكومة نائبة عن المسئولين عن الحقوق المدنية، ومحكمة النقض قضت بقبول الطعن المقدم من الطاعنين الأول والثاني (المحكوم عليه الأول ومحافظ القاهرة) شكلاً ونقض الحكم المطعون فيه والإحالة بالنسبة إلى الطاعنين وإلى الطاعن الثالث (رئيس مجلس إدارة المؤسسة العلاجية بمحافظة القاهرة) وإلى المحكوم عليه الآخر.... الذي لم يقرر بالطعن على الحكم. ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية أخرى، قضت في الدعوى من جديد حضورياً بقبول جميع الاستئنافات شكلاً وفي الموضوع (أولاً) في الشق الجنائي برفضه والتأييد بالنسبة إلى المتهم الأول وبتعديل العقوبة بالنسبة إلى المتهم الثاني والاكتفاء بتغريمه عشرين جنيه. (ثانياً) في الدعوى المدنية بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة إلى محافظ القاهرة وبعدم قبول الدعوى المدنية قبله. وتأييده فيما عدا ذلك ألزمت كل مستأنف للدعوى المدنية بمصاريف استئنافه. فطعن المحكوم عليه الأول في هذا الحكم بطريق النقض للمرة الثانية... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة القتل الخطأ قد شابه الخطأ في الإسناد والفساد في الاستدلال، ذلك بأنه عول في قضائه على أن الطاعن أقر بعلمه بالعطل الفني في المصعد الكهربائي الخاص بالمستشفى الذي يديره وبأنه لم يتخذ أي احتياط لمنع استعمله حتى يتم إصلاحه، في حين أن ذلك يخالف الثابت في الأوراق. كما أن الأوراق خلت من دليل على نسبة الخطأ إلى الطاعن لأن الحادث وقع نتيجة إلغاء جهاز الوقاية الذي يمنع المصعد من التحريك لدى فتح بابه الخارجي، وهو عيب لم يثبت علم الطاعن به كما أنه من ناحيته عهد إلى جهة فنية بصيانة المصعد فتكون هي وحدها المسئولة عن إهمالها دونه لأنه من غير الفنيين ولا تتم الصيانة تحت إشرافه، كما لم يثبت أن تلك الجهة قد أخطرت بوجود خلل في المصعد أو أشارات بعدم استعماله، وأن كان ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بعد إجراء عملية جراحية للمجني عليه في يوم الحادث وأثناء نقله على عربة ناقلة إلى مصعد المستشفى ارتفع المصعد قبل تمام إدخال العربة إليه مما أدعى إلى اصطدام جسم المجني عليه بأعلى فتحة الباب الخارجي وسقوطه في بئر المصعد ووفاته. ثم بين الحكم العيب الفني الذي أدى إلى تحرك المصعد مستمداً من شهادة اثنين من أعضاء اللجنة الفنية التي عاينته بقوله: "ومن حيث إن أقوال هذين الشاهدين جاءت مؤيدة لتركيز الخطأ المتسبب في الحادث فيما وصف به المصعد من أن الأمان المخصص للتحكم في باب المصعد الداخلي وكذا الباب الخارجي والمخصص لمنع تحريك المصعد إلا إذا قفل الباب الخارجي ومنع فتح الباب الخارجي إلا إذا كان المصعد يقف أمامه، هذا الأمان وجد معطلاً في الدور الثاني حيث وقع الحادث بمعنى أن المصعد كان يمكن استدعاؤه بواسطة الأدوار العليا فيصمد رغم بقاء الباب الخارجي للدور الذي به المصعد (الثاني) مفتوحاً وأن هذا هو سبب الحادث..." كما أورد الحكم مؤدى ما شهدت به إحدى الممرضات بالمستشفى من أن المصعد له سابقة خلل في الصعود وعدم الانضباط ثم أقام قضاءه بإدانة الطاعن على قوله "وإذ تأكد الخطأ المتسبب في الحادث بكونه خطأ فنياً في المصعد وكان المتهم الأول على علم به بإقراره ولم يتخذ بوصفه مدير المستشفى أي احتياط لدرء أو استعمال هذا المصعد حتى تصليحه والاشراف على تمام إصلاحه بنفسه فإن المتهم الأول يكون مخطئاً خطأ مباشراً ومسبباً للحادث شأنه في ذلك شأن المتهم الثاني الذي استمر على تشغيل المصعد رغم ملامسته لتلفه السالف ذكره مما ترتب عليه الحادث على الصورة التي سبق ذكرها". ولما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن هذا الذي أستند إليه الحكم من أن الطاعن بوصفه مديراً للمستشفى أقر بعلمه بوجود خلل في المصعد وبأنه لم يتخذ أي احتياط لمنع استعماله حتى يتم إصلاحه، له أصله الثابت في الأوراق، مما ينفي عنه دعوى الخطأ في الإسناد. لما كان ذلك. وكان الأصل أن القاضي الجنائي حر في أن يستمد اقتناعه من أي دليل يطمئن إليه طالما أن لهذا الدليل مأخذه الصحيح من الأوراق، وأن من حقه أن يأخذ في هذا الشأن بأقوال المتهم في حق نفسه وفي حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دام قد اطمأن إليها، وأن تقدير الخطأ المستوجب لمسئولية مرتكبه هو من المسائل الموضوعية التي تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة لها اصلها في الأوراق، فإن الحكم المطعون فيه وقد خلص مما له معينة الصحيح في الأوراق إلى أن ركن الخطأ الذي نسبه إلى الطاعن يتمثل في أنه رغم علمه بوجود خلل في أبواب المصعد، لم يتخذ الاحتياط اللازم لمنع تشغيله حتى يتم إصلاحه مما أدى إلى وقوع الحادث، يكون سائغاً في العقل والمنطق وهو ما يوفر قيام الخطأ في جانب الطاعن وتنتفي به عن الحكم قالة الفساد في الاستدلال. ولا يقدح في ذلك دفاع الطاعن بأنه عهد إلى شركة فنية بصيانة المصعد ذلك أن تعدد الاخطاء الموجبة لوقوع الحادث يوجب مساءلة كل من أسهم فيها أياً كان قدر الخطأ المنسوب إليه، يستوي في ذلك أن يكون سبباً مباشراً أو غير مباشر في حصوله. لما كان ذلك، وكان ما أورده الحكم من أدلة كافياً وسائغاً وتتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن بها، فإن الطعن ينحل إلى مجرد جدل موضوعي حول حق محكمة الموضوع في تقدير الدليل مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.