أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة التاسعة - صـ 754

جلسة 6 من أكتوبر سنة 1958

برياسة السيد المستشار حسن داود، وبحضور السادة: محمود ابراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(185)
الطعن رقم 943 سنة 28 القضائية

إثبات. حرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته من الأدلة المطروحة أمامه.
إجراءات المحاكمة. شفهية الإجراءات. استئناف. الأحوال التي لا تلتزم فيها المحكمة الاستئنافية بسماع الشهود. حكم. تسبيب الحكم الاستئنافى.
جواز استناد الحكم الاستئنافى إلى أقوال شهود سئلوا في تحقيق البوليس بعد الحكم ابتدائيا في الدعوى عند طرح هذا التحقيق بالجلسة وعدم مطالبة الطاعن سؤالهم وتحقق شفوية المرافعة أمام محكمة أول درجة.
لقاضى الموضوع في المواد الجنائية الحرية في تكوين اقتناعه من الأدلة المطروحة أمامه، كما أن له أن يعتمد على أي دليل منها يستخلص منه ما هو مؤد إليه فإذا كانت أقوال الشهود الذين استند إليهم الحكم الاستئنافى مطروحة على بساط البحث وقد أتيح للخصوم الإطلاع عليها ومناقشتها في الجلسة ولم يطلب المدعى بالحقوق المدنية إلى المحكمة الاستئنافية استدعاء هؤلاء الشهود لمناقشتهم، فإنه لا يصح له أن ينعى على المحكمة أنها استندت في حكمها إلى أقوال وردت في تحقيق البوليس - بناء على شكوى قدمها المتهم بتبديد عقد - بعد إحالة الدعوى إلى المحكمة والحكم فيها ابتدائيا ما دامت قد حققت شفوية المرافعة أمام محكمة الدرجة الأولى بسماع شهود الإثبات في الدعوى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المتهم بأنه بدد العقد المبين الوصف بالمحضر للدكتور سامي كامل ميخائيل والمسلم إليه على سبيل الوكالة لتقديمه لمصلحة الشهر العقاري والتوثيق "مكتب القاهرة" لاتخاذ الإجراءات الخاصة بتصويره وغيرها من الإجراءات الخاصة به فاختلسه إضرارا بالمجني عليه، وطلبت عقابه بالمادة 341 من قانون العقوبات وادعى بحق مدني الدكتور سامي كامل ميخائيل وطلب الحكم له قبل المتهم بمبلغ 56 جنيها على سبيل التعويض مع المصاريف وأتعاب المحاماة. ومحكمة قصر النيل الجزئية قضت حضوريا. أولا: بحبس المتهم شهرين مع الشغل وكفالة عشرين جنيها لوقف التنفيذ تطبيقا لمادة الاتهام المطلوب محكامته بها. ثانيا: بإلزامه بأن يدفع للمدعى بالحق المدني خمسة جنيهات على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف فاستأنف المحكوم عليه هذا الحكم طالبا إلغاءه وبراءته مما هو منسوب إليه ورفض الدعوى المدنية قبله كما استأنفه المدعى بالحقوق المدنية والتمس القضاء له بما طلبه من تعويض، ومحكمة مصر الابتدائية قضت حضوريا بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المتهم ورفض الدعوى المدنية وألزمت رافعها بالمصروفات تطبيقا للمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية. فطعن في الحكم الأخير بطريق النقض... الخ.


المحكمة

وحيث إن مبنى الوجهين الأول والرابع من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وفى تأويله وشاب إجراءات المحاكمة بطلان أثر في الحكم. ذلك أن المحكمة استندت في حكمها إلى شهادة شهود سئلوا بمعرفة البوليس بناء على شكوى قدمها المطعون ضده في 17 من نوفمبر سنة 1956 بعد إحالة الدعوى إلى المحكمة والحكم فيها ابتدائيا في 29 من أكتوبر سنة 1956، وهى تحقيقات باطلة لم تجرها المحكمة بنفسها أو تندب أحد أعضائها لإجرائها، وكان يتعين على المحكمة إعلان الشهود الذين سئلوا في هذه التحقيقات للحضور أمامها لمناقشتهم، وقد ضمت هذه التحقيقات إلى ملف الدعوى بغير إذن من المحكمة، كما أجازت للمتهم إثبات عكس ما هو ثابت بالكتابة بشهادة الشهود، إذ أنه أقر في دفاتر مصلحة الشهر العقاري باستلامه العقد موضوع الجريمة، وما كان يجوز إثبات عكس هذه الواقعة إلا بالكتابة.
وحيث إنه لما كان لقاضى الموضوع في المواد الجنائية الحرية في تكوين اقتناعه من الأدلة المطروحة أمامه، كما أن له أن يعتمد على أي دليل منها يستخلص منه ما هو مؤد إليه، وكانت أقوال الشهود الذين استند إليهم الحكم مطروحة على بساط البحث، وقد أتيح للخصوم الإطلاع عليها ومناقشتها في الجلسة، وكان الطاعن لم يطلب إلى المحكمة استدعاء هؤلاء الشهود لمناقشهم، فليس له أن ينعى على المحكمة أنها استندت في حكمها إلى أقوال وردت في التحقيق، دون أن تسمعها، ما دامت قد حققت شفوية المرافعة أمام محكمة الدرجة الأولى بسماع شهود الإثبات في الدعوى - لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة الاستئنافية وإن كانت مقيدة التي سبق طرحها على القاضي الابتدائي، غير مقيدة بالنسبة إلى الدفوع وطرق الدفاع، فلها أن تعرض لجميع ما يعرضه الخصوم أمامها تأييدا للتهمة أو دفعا لها، ولو كان جديدا، وكانت المحكمة قد استندت في قضائها بالبراءة إلى أن المتهم رد العقد إلى المجني عليه بعد أن تسلمه من مصلحة الشهر العقاري، فإن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين لا يكون له محل ويتعين رفضه.
وحيث إن مبنى الوجهين الثاني والثالث هو قصور الحكم في الرد على أسباب الحكم الابتدائي الذي قضى بالإدانة وإغفاله الاعتراف المنسوب إلى المتهم أمام البوليس من وجود العقد معه واستعداده لرده إلى الطاعن إذا دفع له خمسة عشر جنيها، مع ما للاعتراف من حجية في ثبوت الواقعة.
وحيث إن ما يثيره الطاعن في هذين الوجهين مردود بأن محكمة الموضوع ليست ملزمة في حالة القضاء بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام، لأن في إغفال التحدث عن بعض هذه الأدلة ما يفيد ضمنا أنها أطرحتها ولم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم - لما كان ما تقدم، وكانت المحكمة قد استندت في قضائها بالبراءة إلى عدم اقتناعها بأدلة الاتهام المقدمة في الدعوى بناء على الأسباب السائغة التي أوردتها، وكان تقدير الأدلة من حقها وحدها دون معقب عليها في ذلك، فإن الطعن على هذا النحو يكون جدلا موضوعيا مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.