أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة السادسة - صـ 27

جلسة 5 من أكتوبر سنة 1954

برياسة السيد الأستاذ أحمد محمد حسن رئيس المحكمة، وبحضور السادة الأساتذة: إبراهيم خليل، وإسماعيل مجدي، وحسن داود، ومحمود إسماعيل المستشارين.

(12)
القضية رقم 954 سنة 24 القضائية

( أ ) حكم. تسبيبه. نية القتل. استظهارها. مثال.
(ب) حكم. تسبيبه. دفاع شرعي. الدفع به. تأسيسه على أن الحادث الذي ارتكبه المتهمون يعتبر وحدة غير قابلة للتجزئة. نفي قيام حالة الدفاع الشرعي عمن بدأ الحادث يكفي لنفي قيامها عن باقي المتهمين.
1 ـ يكفي لاستظهار نية القتل لدي المتهمين قول الحكم إنها ثابتة " من استعمالهما سلاحاً قاتلاً بطبيعته (بنادق خرطوش) ومن تصويبهما في مقتل من المجني عليهما (بطنيهما) وإصابتهما فعلاً في تلك المواضع الإصابات الخطرة التي كانت سببا في وفاة أولهما " .
2 - إذا كان منطق الحكم هو أن الحادث كان وحدة غير قابلة للتجزئة، فإنه إذا ما نفي قيام الدفاع الشرعي عمن بدأ الحادث معه من المتهمين وأثبت نية الاعتداء عليه، وعلى زملائه، فقد انتفت حالة الدفاع عن المتهمين جميعاً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم: أولا ـ المتهم الأول قتل عمداً عثمان حسن خلف بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ـ وثانيا ـ المتهم الثاني قتل عمداً عبد المقصود محمد خلف بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته ـ وثالثا ـ المتهم الثاني أيضاً شرع في قتل فايد محمد عبد الله عمداً بأن أطلق عليه عيارين ناريين قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج – ورابعاً – المتهم الثالث شرع في قتل محمد سعيد حماد عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً قاصداً قتله فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه وهو إسعاف المجني عليه بالعلاج وخامسا ـ المتهمان الثاني والثالث ـ أيضا ضرباً عمداً أحمد حسن خلف فأحدثا به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي لا تحتاج لعلاج، وطلبت إلى قاضي الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 45 و 46 و 234/ 1 من قانون العقوبات، فقرر بذلك. ومحكمة جنايات بني سويف قضت حضورياً عملاً بالمواد 234/ 1 و 45 و 234/ 1 و 242/ 1 و 32/ 2 من قانون العقوبات - أولاً ـ بمعاقبة كل من عبد الرحمن أحمد وهبه وطه عزوز وهبه بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة. وثانيا ـ بمعاقبة عزوز عبد اللطيف وهبه بالأشغال الشاقة لمدة سبع سنين. وثالثا ـ ببراءة عزوز وهبه من تهمة الشروع في قتل فايد محمد عبد الله.
فطعن المحكوم عليهم الثلاثة في هذا الحكم بطريق النقض.. إلخ.


المحكمة

وحيث إن مبني الطعن هو الإخلال بحق الدفاع لأن الطاعنين طلبوا إلى المحكمة الانتقال إلى مكان الحادث، وإجراء معاينة، لأن المعاينة التي أجرتها النيابة في التحقيقات جاءت قاصرة بسبب إجرائها في المساء قبل أن يبدأ التحقيق، ولم تكن النواحي التي يتطلب الأمر استجلاءها قد تكشفت، فضلاً عن أن الرسم الكروكي المرافق لها يناقضها ولا يتفق مع مدلولها وهي وإن أشارت إلى أن هنالك طريقاً يفصله عن الأرض الزراعية حاجز من البوص .إلا أن إعادة المعاينة كانت لازمة لإثبات أن الجناة كانوا حين إطلاق النار, على ذلك الطريق, وأن المجني عليهم, وقد كانوا بالأرض الزراعية ما كان في وسعهم أن يروا الجناة مع قيام هذا الحاجز الذي كان موجوداً وقت وقوع الحادث, والذي ظل موجوداً على الطبيعة حتى إبداء هذا الطلب إلى المحكمة, إلا أنها التفتت عنه بمقولة إنه يستوي إن كان الجاني على الطريق أو بالحقل, إذ كان الاعتداء في كل حال على مرأى من الشهود, وقد وقع الحادث وقت الغروب, والضوء كاف للرؤية, والمتهم الأول على مقربة منهم والزراعة التي بالحقل قصيرة, مما لا يجعل هناك محلاً لإجابة طلب الدفاع إلى إجراء معاينة جديدة. ويقول الطاعنون أيضاً إنهم كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس يبرر الاعتداء الذي وقع منهم على فرض حصوله, ذلك لما ثبت من شهادة الشهود من أنه بعد فض النزاع وقع بين الطرفين في بدء الأمر, تربص فريق المجني عليهم لفريق الطاعنين, حتى إذا مر بهم الطاعن الأول اعتدوا عليه بالضرب, وكانوا يحملون العصي والفؤوس, وكان الاعتداء شديداً, حتى أن الطاعن الأول ألقى نفسه في الترعة فراراً من الفتك به, لكنهم بالرغم من ذلك واصلوا ملاحقة الطاعنين حتى وقع الحادث بالقرب من منازلهم. وقد جاء رد الحكم على هذا الدفاع قاصراً مستنداً إلى وقائع لا سند لها من الأوراق إذ قالت المحكمة إن المجني عليهم لم يكن معهم سلاح على خلاف الثابت بالتحقيقات من أنهم كانوا يحملون عصياً وفؤوساً, هذا إلى الخطأ في القول بأن حق الدفاع رهن بوجود سلاح ناري مع البادئ بالاعتداء, مع أن هذه الحالة تتحقق متى كان المعتدى مذوداً بأية وسيلة من وسائل الاعتداء الآخرى الأمر الذي لم ينفه الحكم عن المجني عليهم. هذا إلى أن الحكم وهو يتحدث عن نفى قيام حالة الدفاع الشرعي, قصر ذلك على الطاعن الأول مع أن هذا الدفاع يتمسك به الطاعنون جميعاً, وبذا يكون الحكم قد سكت على الرد على هذا الدفاع فيما يختص بالطاعنين الثاني والثالث ويضيف الطاعنون أن الحكم المطعون فيه جاء قاصراً أولا في الرد على دفاع الطاعن الأول من أن إصابة المجني عليه الأول كانت قاتلة فور حصولها لأنها أصابت القلب فما كان في مكنته أن يتكلم وطلب استدعاء الطبيب الشرعي لمناقشته في ذلك استجلاء لهذه النقطة, ولتكذيب الشاهد الذي قرر أن المصاب تكلم، غير أن المحكمة ردت على هذا الطلب بأن الإصابة ليست في المخ وهو مركز النطق, ومن ثم كان في استطاعة المصاب أن يتكلم وإن كانت الإصابة في القلب وهذا قول تنقصه الدقة، لأن إصابة القلب لا تقل خطورة عن إصابة المخ. هذا إلى أن المحكمة لم ترد على باقي أوجه الدفاع الآخرى، وأهمها شاهد نفي الطاعن الأول الذي صادقه على دفاعه من أنه لم يكن على مسرح الجريمة ولم يشترك في ارتكابها ـ ثانيا: في التحدث عن توفر نية القتل بالنسبة إلى الطاعنين الثاني والثالث، وهو ركن أساسي في جرائم القتل يجب أن تتحدث عنه المحكمة استقلالاً وإلا كان حكمها معيباً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى، والأدلة على ثبوتها، وتحدث صراحة عن نية القتل لدي الطاعنين الثاني والثالث خلافاً لما يقوله الطاعنان فقال إنها ثابتة " من استعمالهما سلاحاً قاتلاً بطبيعته (بنادق خرطوش) ومن تصويبهما في مقتل من المجني عليهما (بطنهما) وإصابتهما فعلاً في تلك المواضع الإصابات الخطرة التي كانت سبباً في وفاة أولهما ". وإذ تحدث عن نفي حالة الدفاع الشرعي قال: إن فريق المجني عليهم لم يكونوا مسلمين واستند في ذلك إلى ما شهد به العمدة من أن وكيل شيخ الخفراء المجني عليه ترك بندقيته الحكومية في منزله قبل قدومه لمحل الحادث، وأن ما صدر منه من أقوال وقتذاك يدل على أنه لم تكن لدي فريق المجني عليهم نية الاعتداء، بل جاءوا إلى حقل المجني عليه الآخير لإحضار ولده وماشيته خوفاً عليهما من اعتداء فريق الطاعنين وهناك وقعت الواقعة " ثم انتهي إلى القول بأن لا أساس لما دفع به الطاعن الأول من أن قدوم فريق المجني عليهم كان بقصد الاعتداء، بل إن هذا الطاعن وهو ابن كبير عائلته عز عليه أن يعتدي عليه من أحد فريق المجني عليهم ويهان على الصورة التي أوضحتها المحكمة، فثارت ثائرته، واستدعي ولدي عمه الطاعنين الثاني والثالث للانتقام لشرفه المهان، وأراد أن يثأر من أحسن شخص من خصومه، وهو وكيل شيخ الخفراء المجني عليه الأول، فوقع الاعتداء الذي توالي بأن أطلق الطاعنون النار على المجني عليهم. ولما كان هذا الاستخلاص سائغاً، ومتفقاً مع الوقائع التي أوردتها المحكمة في الحكم ومن شأنه أن يؤدي إلى ما انتهت إليه المحكمة من أن الاعتداء الذي وقع من أحد المجني عليهم على الطاعن الأول كان قد انقطع، وأن عودة ذلك الطاعن مع زميليه واعتداءهم على المجني عليهم كان انتقاماً وأخذاً بالثأر ـ لما كان ما تقدم، وكان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعنين إذ استند في دفاعه عنهم جميعاً إلى قيام حالة الدفاع الشرعي، فإنه خص بالذكر ما وقع من اعتداء أحد فريق المجني عليهم على الطاعن الأول، ورغبة هذا الفريق في الانتقام منه هو بالذات ولم يفرد للطاعنين الثاني والثالث دفاعاً خاصاً في هذا الصدد غير ما يشملهما مع الطاعن الأول، فإذا كان الحكم قد خص هذا الآخير بالذكر عند تحدثه عن نفي حالة الدفاع الشرعي، فذلك لأن الحادث بدأ معه، ولأنه هو الذي استفز زميليه الثاني والثالث لكي يسهما معه في الأخذ بالثأر. هذا إلى أن منطق الحكم ينحو على أن ما أثير من أن الطاعنين كانوا في حالة دفاع شرعي، إنما أسس على أن الحادث كان وحدة غير قابلة للتجزئة، فإذا ما نفي قيام الدفاع الشرعي عمن بدأ الحادث معه، وأثبت نية الاعتداء عليه، وعلي زميليه، فقد انتفت حالة الدفاع عن الطاعنين جميعاً.
وحيث إنه فيما يختص بطلب المعاينة، فإن الحكم المطعون فيه قد رد على هذا الطلب بما يفيد أن المحكمة لم تكن غافلة عما قاله الدفاع من وجود سور من البوص بين الحقل والطريق، وأنها إنما التفتت عن هذا الطلب للأسباب التي ذكرتها إذ قالت: "إن الطبيب الشرعي قال في نتيجة تقريره إن العيار أطلق من الأمام واليسار إلى الخلف واليمين بميل بسيط إلى أسفل، بينما الثابت من شهادة الشهود أن الضارب والمضروب كان كلاهما بالحقل أي في مستوى واحد، وعليه يستنتج الدفاع أن الضارب كان على الطريق، وليس بداخل الحقل، وهذا الاستنتاج لا يوهن من صحة الإسناد، لأنه سواء كان الضارب بداخل الحقل أم على حافته، فإنه كان على كل حال على مرأى من شهود الواقعة، والحادثة حصلت وقت الغروب، والضوء كاف للرؤية، والمتهم الأول على مقربة منهم وزراعة القصب كما قرر الشهود بالجلسة، لا يعدو ارتفاعها عشرة سنتيمترات ومن أجل هذا لا ترى المحكمة محلاً لإجابة طلب الدفاع انتقالها إلى مكان الحادث لإجراء المعينة وتحديد مكان الضارب من المضروب، وبعد أن مضى على الواقعة خمس سنوات أصبح من العسير على الشهود أن يحددوا الموقف والمكان، ولكن المهم أن شهادتهم بالرؤية تقنع المحكمة وليس هناك ما يضعف الثقة بها أو يزعزعها " ويبين مما تقدم أن الحكم رد على دفاع الطاعن في هذا الصدد في حدود ما أثاره وما تضمنه من طلب. على أن الدفاع لم يبين لمحكمة الموضوع ما يقوله الآن من وجود تعارض بين ما أثبتته المعاينة التي أجرتها النيابة وبين الرسم الكروكي المرافق لها. كما أنه لا تعارض بين ما أثبته الحكم من أقوال الشهود والكشف الطبي الشرعي، إذ افترض الحكم احتمال أن يكون الضارب واقفاً على حافة الطريق عند إطلاق النار مما يجعل العيار يسير مسراه الذي وصفه الحكم بأنه من أعلي إلى خلف بميل بسيط إلى أسفل ـ لما كان ما تقدم، وكان لم يثبت بمحضر الجلسة أي طلب للدفاع عن ندب الطبيب الشرعي لمناقشته على قدرة المجني عليه الأول على التكلم من عدمه، بل إن هذه العبارة وردت في صيغة تفويض الأمر إلى المحكمة، وكانت هي في حدود سلطتها التقديرية لم تر ضرورة إليها، وكان ما يقوله الطاعنون من عدم الرد على أوجه الدفاع الآخرى مردوداً بأن المحكمة ليست ملزمة بالرد على كل ما يثيره من وجوه الدفاع الموضوعية ما دام الرد عليها مستفاداً من أخذ المحكمة بأدلة الشهود التي بينتها في الحكم.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.