أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة التاسعة - صـ 839

جلسة 21 من أكتوبر سنة 1958

برياسة السيد مصطفي فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: مصطفي كامل، وفهيم يسى جندي، والسيد أحمد عفيفي، ومحمد عطية إسماعيل المستشارين.

(206)
الطعن رقم 1030 لسنة 28 القضائية

(أ) استدلال. قبض. تلبس.
مجرد سير راكب في ممر عربة قطار واحتكاكه بالركاب لا يوفر حالة التلبس بالجريمة ولا يبرر من ثم القبض عليه.
حكم. ضوابط التدليل. وجوب أن تكون الأدلة وليدة إجراءات صحيحة. قبض باطل. أثره وجوب امتداده إلى الأعمال التالية المترتبة عليه.
مثال في توافر الصلة السببية بين القبض الباطل وبين الاعتراف والتفتيش وضبط الشيء موضوع الجريمة
(ب) إثبات.
لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بدون وجه حق.
1- متى كانت الواقعة كما استخلصتها المحكمة ووفقا لما أثبتته بحكمها على لسان المخبر تتحصل في أن هذا الأخير ارتاب في أمر المتهم حين رآه بعربة القطار يسير في ممرها ويحتك بالركاب فاعترض سبيله ومنعه من السفر طالبا إليه النزول من القطار فلما رفض جذبه إلى الرصيف وأمسك به ثم نادى الصول وأخبره أنه يشتبه في المتهم ويرغب التحري عنه ولما شرع الصول في اقتياد المتهم لمكتب الضابط القضائي أخذ يستعطفه ولما يئس منه رجاه أن يأخذ ما معه ويخلى سبيله فلما استوضحه الصول عما يحمله أفضى إليه مخدر فاقتاده لمكتب الضابط القضائي الذي أبلغ النيابة وقام المحقق بتفتيش المتهم فعثر معه على المادة المخدرة فيكون ما أثبته الحكم عن الريب والشكوك التي ساورت رجل البوليس وجعلته يرتاب في أمر المتهم لا تبرر بحال القبض عليه إذ لا يصح معها القول بأن المتهم كان وقت القبض عليه في حالة تلبس بالجريمة ومن ثم ف هو قبض باطل قانونا لحصوله في غير الأحوال التي يجيزها القانون وكذلك الاعتراف المنسوب للمتهم إذ هو في واقع الأمر نتيجة لهذا القبض الباطل كما أنه لا يجوز الاستناد في إدانة المتهم إلى ضبط المادة المخدرة معه نتيجة للتفتيش الذي قام به وكيل النيابة لأن هذا الدليل متفرع عن القبض الذي وقع باطلا ولم يكن ليوجد لولا هذا الأجراء الباطل ولأن القاعدة في القانون أن كل ما بنى على الباطل فهو باطل.
2- لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بدون حق.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز الجواهر المخدرة المبينة بالمحضر (حشيشا) في غير الأحوال المصرح بها قانونا وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1 و2 و33/ جـ و35 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 12 من الجدول (أ) الملحق به فقررت بذلك، وأمام محكمة جنايات قنا دفع الحاضر مع المتهم ببطلان القبض وما ترتب على ذلك من إجراءات، والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام برفض الدفع ببطلان القبض وبمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة ثلاثة آلاف جنيه وبمصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... الخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ تطبيق القانون وشابه قصور البيان ذلك بأن الطاعن دفع ببطلان القبض الذي وقع عليه لأنه تم في غير الأحوال التي يجيزها القانون فقضى الحكم برفض الدفع بمقولة إن القبض حصل بمعرفة الصول "حلمي بشاي" بعد أن أعترف له الطاعن بإحرازه للمخدر فأصبح لزاما عليه اعتراف الطاعن بارتكاب جناية أن يقبض عليه - مع أن واقعة الدعوى كما أوردها الحكم تفيد أن الاعتراف المقول به جاء لاحقا للقبض الباطل الذي وقع على الطاعن وكان نتيجة له ومن ثم فهو اعتراف باطل هذا فضلا عن أن الحكم قد أغفل الرد على دفاع موضوعي هام وهو عدم معقولية صدور الاعتراف من الطاعن خاصة وأن المخبر الذي كان ممسكا به مع الصول قرر أنه لم يسمع صدور الاعتراف منه وبذلك أيضا شهد الضابط القضائي. كما أن المحكمة وهى تتحدث عن الشك الذي ساور رجل البوليس من وجود الطاعن بعربة القطار قد تأثرت بما ذكرته في أسباب حكمها خطأ. من وصول القطار لمحطة الأقصر الساعة 7.30 من مساء يوم الحادث الذي وقع في الساعة 7.30 صباحا ولا ريب أن ما يثيره ظرف الليل في نفس رجل البوليس من حذر وشكوك لا ينطبق على واقعة وقد حدثت في وضح النهار.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في رده على الدفع المقدم من الطاعن بشأن بطلان القبض عليه في قوله "وحيث إن الدفاع عن المتهم دفع ببطلان القبض وما ترتب على ذلك من إجراءات لأن المتهم لم يكن في حالة من الحالات التي تبيح القبض عليه قانونا. وحيث إن الثابت من وقائع الدعوى أنه بينما كان البوليس الملكي (سيد حسن أحمد عبد الرسول) يمر على رصيف المحطة رابه أمر المتهم لسيره بممر عربة القطار واحتكاكه بالركاب فاستوقفه وسأله عن وجهته وعمله فارتبك وتزايدت علامات الارتباك عليه فأراد التحري عنه وأنزله من عربة القطار ونادى على الصول "حلمي بشاي إبراهيم" فلما علم بتفاصيل الحادث وأراد أن يأخذ المتهم إلى مكتب المأمور القضائي طلب منه أن يتركه مقابل أخذ ما معه فلما استفسر منه عما معه أخبره أنه يحمل مواد مخدرة فأصبح لزاما على الصول وقد اعترف أمامه المتهم بارتكاب جناية أن يقبض عليه وعلى هذا الأساس يكون الدفع ببطلان القبض في غير محله ويتعين رفضه". لما كان ذلك وكانت الواقعة كما استخلصتها المحكمة ووقفا لما أثبتته بحكمها على لسان المخبر "سعيد حسن أحمد عبد الرسول" تتحصل في أن هذا الأخير أرتاب في أمر الطاعن حين رآه بعربة القطار يسير في ممرها ويحتك بالركاب فاعترض سبيله ومنعه من السفر طالبا إليه النزول من القطار فلما رفض جذبه إلى الرصيف وأمسك به ثم نادى الصول وأخبره أنه يشتبه في المتهم ويرغب التحري عنه ولما شرع الصول في اقتياد المتهم لمكتب الضابط القضائي أخذ يستعطفه ولما يئس منه رجاه في أن يأخذ ما معه ويخلى سبيله فلما استوضحه الصول عما يحمله أفضى إليه أنه مخدر فاقتاده لمكتب الضابط القضائي الذي أبلغ النيابة وقام المحقق بتفتيش الطاعن فعثر معه على المادة المخدرة. لما كان ذلك وكان ما أثبته الحكم عن الريب والشكوك التي ساورت رجل البوليس وجعلته يرتاب في أمر الطاعن لا تبرر بحال القبض عليه إذ لا يصح معها القول بأن الطاعن كان وقت القبض عليه في حالة تلبس بالجريمة ومن ثم فهو قبض باطل قانونا لحصوله في غير الأحوال التي يجيزها القانون. وكذلك الاعتراف المنسوب للطاعن إذ هو في واقع الأمر نتيجة لهذا القبض الباطل. كما أنه يجوز الاستناد في إدانة الطاعن إلى ضبط المادة المخدرة معه نتيجة للتفتيش الذي قام به وكيل النيابة لأن هذا الدليل متفرع عن القبض الذي وقع باطلا ولم يكن ليوجد لولا هذا الإجراء الباطل. لما كان ذلك، وكانت القاعدة في القانون أن كل ما بنى على الباطل فهو باطل وكانت الدعوى خالية من أي دليل آخر وكان لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بدون حق فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه وبراءة الطاعن مع مصادرة المادة المخدرة المضبوطة عملا بنص الفقرة الثانية من المادة 30 من قانون العقوبات.