أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة التاسعة - صـ 866

جلسة 3 من نوفمبر سنة 1958

برياسة السيد المستشار حسن داود، وبحضور السادة: مصطفي كامل، ومحمود محمد مجاهد، وأحمد زكى كامل، ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(213)
الطعن رقم 1107 سنة 28 القضائية

بطلان الإجراءات. ما لا يعتبر سببا لبطلانها. مخالفة القواعد التنظيمية.
استدلال. جمع الاستدلالات. تحرير محضر بإجراءاتها. الأثر المترتب على عدم إثبات مأمور الضبط القضائي كل ما يجريه في الدعوى من استدلالات. المادة 24 أ. ج. ما نص عليه القانون في ذلك ورد على سبيل التنظيم والتوجيه.
لا يترتب البطلان إذا لم يثبت مأمور الضبط القضائي كل ما يجريه في الدعوى من استدلالات، وما نص عليه القانون من ذلك لم يرد إلا على سبيل التنظيم أو الإرشاد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: أحرز بقصد الاتجار جواهر مخدرة "أفيونا وحشيشا" في غير الأحوال المصرح بها قانونا، وطبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بمقتض المواد 1 و2 و33/ أ و جـ و35من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند 12 من الجدول (أ) الملحق به، فصدر قرارها بذلك. ومحكمة جنايات دمياط قضت حضوريا بمعاقبة المتهم بالسجن ثلاث سنوات وبتغريمه خمسمائة جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة وذلك تطبيقا للمواد 1 و2 و34 و35 من القانون رقم 351 لسنة 1952 والبندين رقمي 1 و12 من الجدول (أ) المرفق به. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.... الخ.


المحكمة

... وحيث إن محصل الوجهين الأول والثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطأ في القانون وشابه خطأ الإسناد. وفي بيان ذلك يقول الطاعن إنه دفع أمام محكمة الموضوع ببطلان التفتيش لعدم توفر التحريات السابقة على الإذن به، فقد أوجب نص الفقرة الثانية من المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية أن يثبت مأمور الضبط القضائي في محضره جميع الإجراءات التي يباشرها ومكان حصولها، ومع ذلك فإن الضابط يحي نور الدين قد خالف هذا النص واقتصر على القول بأنه تحرى وراقب دون أن يبين كيفية هذه التحريات وتاريخها حتى يمكن مراقبة مدى صحتها. هذا إلى أن المخبر المرافق له أثناء التفتيش قال إنه هو الذي أرشد عن الطاعن، وأن الضابط سأل هذا الأخير عما إذا كان هو حسن السلكاوى، مما يقطع بأنه لم يكن يعرفه من قبل، خلافا لما ذكره الضابط المذكور في التحقيق الذي أجرى قبل صدور إذن التفتيش من أنه هو الذي تولى التحريات بنفسه ولم يشاركه فيها أحد، كما تمسك الطاعن بأن التفتيش تم في غيبته، خلافا لما تقضى به المادة 51 من قانون تحقيق الجنايات من وجوب حصول التفتيش بحضور المتهم أو من ينيبه عنه، كلما أمكن ذلك. وقد رد الحكم على هذا الدفع بقوله إن التفتيش تم في حضور زوجة الطاعن استنادا إلى ما شهد به الضابط عبد الله أباظة والمخبر محمود رفاعي مع أن الثابت على لسان هذين الشاهدين أن الزوجة كانت تقف على باب الحجرة، وهذا الباب - كما يبين من المعاينة - تفصله صالة عن باب دورة المياه المقول بالعثور على المخدر فيها، والضابط لم يستطع الرؤية داخل تلك الدورة إلا بالاستعانة بمصباح كهربي - بطارية - وفي كل هذا ما ينفي أن التفتيش تم في حضور الزوجة - هذا وقد أخطأت المحكمة في الإسناد إذ قالت إن واقعة دخول المخبر الحواوشى إلى محل الطاعن قبل الضابط يحيى نور الدين هي التي أدت إلى وجود اللبس الكلامي، مع أن أحدا لم يقل بأن المخبر المذكور - دخل محل الطاعن قبل الضابط.
وحيث إن واقعة الدعوى كما أثبتها الحكم المطعون فيه تتحصل في "أن الملازم أول يحي نور الدين بمعاونة المخبر ابراهيم محمود عبد العزيز الحواوشى والملازم أول عبد الله سليمان أباظة ضابط مباحث بندر دمياط بمعاونة المخبر محمد أحمد رفاعي قد توجها بناء على أمر النيابة العامة إلى تفتيش شخص ومحل بقالة ومسكن الطاعن فعثر الأول على ثلاث لفافات بها حشيش ولفافة بها أفيون بجيب صديريه الأيمن، وعثر الثاني بمنزله فوق سقف دورة المياه الواقعة تحت السلم على قطعتين من الحشيش - إحداهما ملفوفة والأخرى عارية" وأورد الحكم الأدلة السائغة التي استخلص منها ثبوت الجريمة في حق الطاعن ثم عرض إلى ما دفع به من بطلان الأمر بالتفتيش لعدم إبتنائه على تحريات فقال "الثابت من الأوراق أن الملازم أول يحي نور الدين قرر للسيد وكيل النيابة المحقق عند طلب استصدار إذن بتفتيش المتهم (الطاعن) أنه تأكد بنفسه من أن المذكور يتجر في المخدرات فقام بمراقبته بنفسه وبمعاونة بعض المرشدين، وثبت له بعد ذلك صحة ما وصل إليه من تحريات وقد صدر أمر التفتيش بناء على هذا التحقيق وهذا التوكيد - وبما أن الدفاع يستند في دفعه إلى أن المخبر إبراهيم الحواوشى أرشد الضابط إلى المتهم، وقرر بذلك في التحقيق الذي أجرى بالجلسة - وبما أن الدفاع لا يقوم على أساس إذ من الواضح أن واقعة دخول المخبر الحواوشى إلى محل المتهم قبل الملازم يحيى نور الدين هي التي أدت إلى وجود هذا اللبس الكلامي الذي لا يعنى إطلاقا أن السيد يحيى نور الدين لم يكن يعرف المتهم قبل ذلك. أما سؤاله المتهم أنه هو حسن السلكاوى فقد جاء على سبيل التوكيد للمذكور أنه هو المعنى بالتفتيش دون سواه". ولما كان ما قاله الحكم من ذلك وأسس عليه قضاءه بصحة أمر التفتيش صحيحا في القانون، إذ أنه من المقرر أن تقرير جدية التحريات وكفايتها الإصدار الأمر بالتفتيش هو من المسائل الموضوعية التي يوكل الأمر فيها إلى سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع، فمتى كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية التحريات التي بنى أمر التفتيش عليها وكفايتها لتسويغ إصداره فأقرت النيابة على تصرفها في هذا الشأن. كما هو الحال في الدعوى فلا معقب عليها في ذلك لتعلقه بالموضوع لا بالقانون، وكان لا يترتب البطلان إذا لم يثبت مأمور الضبط القضائي كل ما يجربه في الدعوى من استدلالات، وما نص عليه القانون من ذلك لم يرد إلا على سبيل التنظيم والإرشاد - لما كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن التفتيش، تم بناء على انتداب من سلطة التحقيق، فإن استناد الطاعن إلى المادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية لا محل له لأن مجال تطبيق هذه المادة هو عند دخول رجال الضبط القضائي المنازل وتفتيشها في الأحوال التي يجيز لهم القانون ذلك فيها. أما التفتيش الذي يقوم به أعضاء النيابة العامة بأنفسهم أو مأمور الضبط القضائي بناء على ندبهم لذلك من سلطة التحقيق، فإنه تسرى عليه أحكام المادة 92 من قانون الإجراءات الجنائية والخاصة بالتحقيق بمعرفة قاضى التحقيق، والتي تنص على أن التفتيش يحصل بحضور المتهم أو من ينيبه عنه إن أمكن ذلك، ولما كانت المادة 199 من ذلك القانون قد أجازت للنيابة العامة مباشرة التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقا للأحكام المقررة لقاضى التحقيق، وكان لكل من أعضاء النيابة العامة طبقا للمادة 200 من قانون الإجراءات الجنائية أن يكلف أي مأمور ضبط قضائي ببعض الأعمال التي من خصائصه، فإن ما ينعاه الطاعن من بطلان التفتيش لعدم تطبيق أحكام المادة 51 من قانون الإجراءات الجنائية عند إجرائه لا يكون له سند من القانون - لما كان ما تقدم، وكان لا جدوى من الدفع ببطلان تفتيش مسكني الطاعن، ما دام الحكم قد استند في قضائه إلى ما أسفر عنه تفتيش شخصه من ضبط مواد مخدرة في حيازته، وهو ما يكفي وحده لحمل قضائه للإدانة عليه. هذا ولما كان يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المخبر الحواوشى شهد بأنه والضابط يحيى نور الدين توجها إلى محل الطاعن، وأنه أشار للضابط عليه، فأمره بإمساكه ثم حضر الضابط وسأل الطاعن عن اسمه، مما مؤداه أن واقعة إمساك المخبر بالطاعن تمت قبل حضور الضابط، ومن ثم فإن ما قاله الحكم من ذلك له أصل ثابت بالأوراق - لما كان ذلك، فإن ما جاء بهذين الوجهين من الطعن على غير أساس. وحيث إن مبنى الوجه الثالث أن الحكم المطعون فيه شابه قصور في البيان، ذلك بأن الطاعن أثار في دفاعه بأن رئيس مكتب المخدرات هو الذي ندب أصلا للتفتيش، ثم ندب بدوره الضابط يحيى نور الدين لتفتيش الطاعن، كما ندب الضابط عبد الله أباظة لتفتيش مسكنه، على أن يتولى هو الإشراف على عملية التفتيش، والمحكمة لم تسمع شهادة رئيس مكتب المخدرات لتستوضح مدى هذا الإشراف الذي هو قيد لا يجوز له التحلل منه وإلا كان الإجراء باطلا، كما ذكر الحكم أن المخدر عثر عليه فوق دورة المياه، خلافا لما ذكره الضابط الذي أجرى التفتيش من أنه عثر عليه أسفل تلك الدورة في ظلام دامس مما لا يبعث على الاطمئنان إلى أقواله. هذا إلى أن الطاعن أثار أيضا في دفاعه أن الضابط قرر أنه رآه واقفا في مكان مدخل محله، وإذن فقد كان في استطاعته التخلص من المخدر قبل أن يصل إليه رجال القوة وقبل تفتيشه هذا إلى أنه من غير المعقول أن يضع الطاعن المخدر في جيب الصديرى الداخلي، مع أنه كان يرتدى معطفا به عدة جيوب أو أن يترك بعض فتات المواد المخدرة في منزله، وقد التفتت المحكمة عن دفاعه هذا ولم ترد عليه.
وحيث إنه يبين من محضر جلسة المحاكمة أن المحكمة حققت شفوية المرافعة بسماع من حضر من شهود الإثبات دون أن يتوجه إليها الطاعن بطلب سماع رئيس المباحث أو غيره من الشهود، ومن ثم فلا يحق له أن ينعى عليها عدم القيام بإجراء سكت هو عن المطالبة بتنفيذه - ولما كان الحكم قد أثبت في حق الطاعن أن المخدر ضبط في مسكنه، فإنه لا جدوى مما يثيره من أن الضابط عثر على المخدر أسفل سقف دورة المياه - لا فوقها كما أثبت الحكم - وكان الحكم قد أثبت أن الملازم أول يحيى نور الدين قد توجه مع رئيس مكتب المخدرات لتفتيش الطاعن في محله، وأن هذا التفتيش تم تحت إشراف رئيسه، فإن ذلك يكفي لصحته - لما كان كل ما تقدم وكان باقي ما ساقه الطاعن في هذا الوجه من طعنه مردودا بأن المحكمة غير ملزمة بمتابعة الدفاع والرد عليه في كل شبهة موضوعية يثيرها لأن حكمها بالإدانة لأدلة الثبوت التي أوردتها ما يفيد معنى إطراح هذا الدفاع فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعا.