مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 803

(97)
جلسة 2 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 154 لسنة 2 القضائية

إنصاف - قرارات مجلس الوزراء في 30/ 1/ 1944 - عدم تولد أثرها حالاً ومباشرة بمجرد صدورها، بل بعد فتح الاعتماد المالي من الجهة التي تملكه - مثال بالنسبة لإنصاف خدم المساجد.
إن قواعد الإنصاف الصادر بها قرارات مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 ما كان يمكن قانوناً أن يتولد أثرها حالاًًًًً ومباشرة بمجرى صدورها، وإنما بفتح الاعتماد المالي المخصص لهذا الغرض من الجهة التي تملكه. وإذ كان الاعتماد المالي المخصص لمواجهة أعباء إنصاف خدم المساجد لم يفتح إلا في 7 من فبراير سنة 1952 بالنسبة لمن كانوا معينين قبل 30 من يناير سنة 1944، فإنه من هذا التاريخ فقط تصبح قرارات الإنصاف بالنسبة لهذه الطائفة جائزة وممكنة قانوناً ومنتجة لآثارها.


إجراءات الطعن

في 2 من فبراير سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناًًًًً في الحكم الصادر في المحكمة الإدارية لوزارات الصحة والشئون البلدية والقروية والأوقاف، بجلسة 4 من ديسمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 300 لسنة 1 ق المرفوعة من سعدية يوسف شعراوي أرملة المرحوم عبد المعطي أحمد عاشور ضد وزارة الأوقاف القاضي: "باستحقاق مورث المدعية لأن تسوي حالته برفع راتبه إلى ثلاثة جنيهات شهرياً وفق قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 باعتباره من الخدمة الخارجين عن هيئة العمال وما يترتب على ذلك من آثار، وصرف الفروق المالية الناتجة عن هذا التسوية إلى ورثته من 30 من يناير سنة 1944 حتى 6 من فبراير سنة 1952، ورفض ما عدا من الطلبات"، وقد أعلن الطعن إلى الوزارة في 9 من فبراير سنة 1956 وإلى المدعية في 8 من فبراير سنة 1956، وعين لنظر الطعن جلسة 5 من مايو سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الاطلاع على الأوراق، تتحصل في أن مورث المدعية قد تظلما إلى اللجنة القضائية لوزارة الأوقاف قيد برقم 1810 سنة 2 ق طالباً تسوية حالته بالتطبيق لقواعد الإنصاف وصرف الفروق المالية مضافاً إليها إعانة الغلاء والعلاوات الدورية، وقال بياناًًًًًًًًًً لذلك إنه عين في أول مارس سنة 1927 في وظيفة خادم دورة مياه بمرتب 120 قرش، ولما صدرت قواعد الإنصاف لم تطبق الوزارة هذه القواعد على خدم المساجد ومؤذنيها، فأقام الشيخ محمد عبد الوهاب - باعتباره رئيساً للاتحاد - الدعوى رقم 689 سنة 4 ق أمام محكمة القضاء الإداري طالباً تطبيق قواعد الإنصاف على طائفة المؤذنين والخدم فقضى في 7 من فبراير سنة 1952 بتطبيق قواعد الإنصاف عليهم، وقد تعسفت الوزارة في تنفيذ ذلك الحكم فصرفت فروق المرتب مع تاريخ صدور الحكم لمن عين قبل 30 من يناير سنة 1944 وصرفت الفروق من أول يناير سنة 1944 لمن عين بعد 30 من يناير سنة 1944، ولما كان الشيخ محمد عبد الوهاب رئيس الاتحاد قد عين بعد 30 من يناير سنة 1944 فقد صدر قرار وزاري بصرف فروق المرتب إليه من تاريخ الحكم، فأقام الدعوى رقم 101 سنة 6 ق. وقد قضت المحكمة في 25 من يونيه سنة 1953 بإلزام الوزارة بأن تدفع له فروق الراتب من تاريخ تعيينه حتى 7 من فبراير سنة 1953 وقد وجب إلزام الوزارة بتنفيذ هذا الحكم في شأن كل من شابهت حالتهم حالة الشيخ محمد عبد الوهاب ومنهم المتظلم. وردت وزارة الأوقاف على التظلم، على ما ورد بالحكم المطعون فيه، أنه بالرغم من أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في 7 من فبراير سنة 1952 في القضية المرفوعة من الشيخ محمد عبد الوهاب يعتبر حكماًًًًً شخصياً فإن الوزارة عممته على جميع خدم المساجد، ورفعت راتبهم إلى ثلاثة جنيهات من تاريخ الحكم لمن كانوا في الخدمة قبل 30 من يناير سنة 1944 واعتباراًًًًً من أول يناير سنة 1953 لمن عينوا بعد ذلك التاريخ. وبجلسة 4 من ديسمبر سنة 1955 حكمت المحكمة الإدارية التي أحيل إليها التظلم "باستحقاق مورث المدعية لأن تسوي حالته برفع راتبه إلى ثلاثة جنيهات شهرياًًًًً وفق قواعد الإنصاف الصادرة في 30 من يناير سنة 1944 باعتباره من الخدم الخارجين عن هيئة العمال وما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية الناتجة عن هذه التسوية إلى ورثته من 30 من يناير سنة 1944 حتى 6 من فبراير سنة 1952 ورفض ما عدا ذلك من الطلبات". وأقامت المحكمة قضاءها على "أن البند التاسع عشر من كتاب المالية الدوري رقم ف 234/ 3021 المؤرخ 6 من سبتمبر سنة 1944 بشأن تنفيذ قواعد الإنصاف قد نص فيما يتعلق بالخدم الخارجين عن هيئة العمال على أن الموجودين منهم الآن في الخدمة بماهية تقل عن ثلاثة جنيهات ترفع ماهياتهم إلى هذا القدر" وأن "نص البند سالف الذكر قد جاء عاماًًًًً مطلقاًًًًً، ومن ثم فهو يسري على جميع الخدمة الخارجين عن هيئة العمال بسائر الوزارات بما فيها وزارة الأوقاف، وبالتالي يفيد منه مورث المدعية بوصفة خادماًًًًً بالمسجد..." وأن "الوزارة لم تعامل مورث المدعية على هذا الأساس ولم ترفع راتبه إلى ثلاثة جنيهات إلا من 7 من فبراير سنة 1952، فمن ثم يكون مورث المدعية محقاًًًًً في دعواه ويستحق رفع راتبه إلى ثلاثة جنيهات اعتباراً من 30 من يناير سنة 1944 وصرف الفروق المترتبة من هذا التاريخ حتى 6 من فبراير سنة 1952". أما فيما يختص بطلب مورث المدعية تدرج أجره بالعلاوات الدورية فإن قواعد الإنصاف لم تنص على استحقاق الخدمة الخارجين عن الهيئة لعلاوات دورية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه لا شبهة في أن من حق مورث المدعية، بوصفه من الخدمة الخارجين عن هيئة العمال، الإفادة من الحكم الوارد في شأن هذه الفئة من المستخدمين الذي قرر حداً أدنى لماهياتهم لا يقل عن ثلاثة جنيهات، على أن إنفاذ هذا الحكم من حيث صرف الفروق المترتبة على تطبيقه رهين بتوافر الاعتماد المالي اللازم لصرف تلك الفروق، ومن تاريخ الموافقة على الاعتماد يتقرر حق المدعي في صرفها. فإذا كان الثابت أن هذا الاعتماد لم يتقرر إلا في 7 من فبراير سنة 1952 فإن طلب المدعية اقتضاء الفروق المالية عن المدة السابقة على هذا التاريخ لا يقوم على أساس سليم من القانون، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون.
ومن حيث إن القرار الإداري، باعتباره إفصاح الجهة الإدارية المختصة في الشكل الذي يتطلبه القانون عن إرادة ملزمة بما لها من سلطة بمقتضى القوانين واللوائح بقصد إحداث أثر قانوني معين يكون ممكناًًًًً وجائزاً قانوناًًًًً ابتغاء مصلحة عامة - إن القرار بهذه المثابة لا يتولد عنه أثره حالاًًًًً ومباشرة إلا إذا كان ذلك ممكناً وجائز، أو متى أصبح كذلك.
ومن حيث إن قرارات الإنصاف الصادر بها قرارات مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 ما كان يمكن قانوناً أن يتولد أثرها حالاًًًًً ومباشرة بمجرى صدورها، وإنما بفتح الاعتماد المالي المخصص لهذا الغرض من الجهة التي تملكه. وإذ كان الاعتماد المالي المخصص لمواجهة أعباء إنصاف خدم المساجد لم يفتح إلا في 7 من فبراير سنة 1952 بالنسبة لمن كانوا معينين قبل 30 من يناير سنة 1944 - وهي حالة مورث المدعية فإنه من هذا التاريخ فقط تصبح قرارات الإنصاف بالنسبة لهذه الطائفة جائزة وممكنة قانوناً ومنتجة لآثارها.
ومن حيث إن الوزارة قد طبقت قواعد الإنصاف في حق مورث المدعية اعتباراًًًًً من 7 من فبراير سنة 1952، فمن ثم يكون الحكم المطعون فيه - إذ قضي بصرف الفروق المالية لمورث المدعية اعتباراً من 30 من يناير سنة 1944 إلى 6 من فبراير سنة 1952 - قد خالف القانون, ويكون الطعن - والحالة هذه - قد قام على أساس سليم من القانون.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاًًًًً, وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المطعون عليهم بصفتهم بالمصروفات.