مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 835

(101)
جلسة 9 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 110 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - وقفه عن العمل - الأصل هو حرمانه من المرتب مدة الوقف، والاستثناء هو جواز صرف المرتب كله أو بعضه - يستوي في ذلك الموظف الموقوف لحبسه احتياطياً، وذلك الذي أوقف لتهمة إدارية - الأمر العالي الصادر في 10/ 4/ 1883، وقرار مجلس الوزراء في 25/ 4/ 1912، والمادتان 95 و96 من قانون نظام موظفي الدولة.
(ب) موظف - تعريف الموظف الدائم في حكم القوانين واللوائح المعمول بها قبل صدور قانون نظام موظفي الدولة - قيام التلازم وقتئذ بين دائمية الوظيفة وبين التثبيت فيها - السلطة التي كانت تملك التأديب بالنسبة للموظفين الدائمين وتلك التي كانت تملكه بالنسبة للموظفين غير الدائمين.
1 - إن الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 قد نصت على أنه "يترتب على توقيف المستخدم عن العمل حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس الإدارة غير ذلك"، فهي تقرر قاعدة عامة هي حرمان المستخدم الموقوف من ماهيته طوال فترة الوقف ما لم يقرر مجلس التأديب صرف راتبه كله أو بعضه إليه. فالأصل هو الحرمان من المرتب عن مدة الوقف والاستثناء هو جواز صرفه كله أو بعضه حسبما يقدره مجلس التأديب في كل حالة بظروفها. وقد طبقت منشورات المالية هذه القاعدة في: (1) حالة الوقف لذنب يستوجب الرفت (مادة 111 من قانون المصلحة المالية) (2) في حالة الوقف بسبب حبس المستخدم في جريمة من الجرائم العادية. وقد نصت المادة 134 من قانون المصلحة المالية على أن "كل مستخدم يحبس حبساً احتياطياً أو لجريمة من الجرائم الاعتيادية يوقف عن وظيفته من يوم حبسه..... وماهيته في كل مدة إيقافه تكون حقاً للحكومة"، ثم عدلت هذه المادة تنفيذاً لقرار صادر من مجلس النظار في 25 من أبريل سنة 1912 كما يلي: "كل مستخدم يحبس حبساً احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي يجب إيقافه عن أعمال وظيفته من يوم حبسه وذلك لا يمنع الجزاءات التأديبية التي يمكن توقعيها عليه وتكون ماهيته حقاً للحكومة في كل مدة إيقافه ما لم يتقرر عدم وجود وجه لإقامة الدعوى عليه أو تحكم المحكمة الجنائية ببراءته من التهمة التي ترتب عليه حبسه، ففي هذه الحالة يجوز صرف ماهيته إليه عن مدة إيقافه ما لم تقرر السلطة التابع لها تأديبياً خلاف ذلك. والمقصود بعبارة "السلطة التابع لها تأديبياً" مجلس التأديب فيما يختص بالمستخدمين الداخلين في هيئة العمال ورئيس المصلحة فيما يختص بالخدمة المؤقتين والخارجين عن الهيئة". وهنا يجب التنبيه إلى أن تعديل صياغة تلك المادة على هذا النحو لا يعدو أن يكون من قبيل الاستطراد والإيضاح للنص الأصلي، وأنه مهما يكن من شأن صياغة هذا التعديل، مما فتح الباب للتأويل، فلا يمكن أن يمس القاعدة التي قررتها الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 تلك التي جعلت الأصل هو الحرمان من المرتب مدة الوقف باعتباره مقابل العمل وجعلت الاستثناء هو صرفه كله أو بعضه حسبما تقرره السلطة التأديبية في كل حالة بظروفها، والقول بغير ذلك قول غير صائب: إذ مؤداه أن مجلس الوزراء عدل في حكم قرره الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 على ما سبق البيان وهو ما لا يملكه؛ إذ القاعدة التنظيمية العامة لا ينسخها إلا أداة تنظيمية عامة من نفس المرتبة أو من مرتبة أعلى، وإذ لم يصدر قانون بتعديل حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 فإنه يظل قائماً لا ينال منه قرار مجلس الوزراء لو صح في الجدل أنه قصد إلى تعديله وهو أمر في الواقع غير مقصود، يؤكد هذا النظر أنه لو أخذ بالتأويل العكسي لكان الموظف الذي يتهم جنائياً ويحبس احتياطياً أحسن حالاً من الموظف الذي وقف به الأمر عند حد الاتهام الإداري دون الجنائي؛ إذ على مقتضى ذلك التأويل - وقد ورد التعديل في المادة 134 فقط الخاصة بالحالة الأولى - يكون رد مرتب الموظف طوال مدة الوقف وجوبياً بينما يكون جوازياً في الحالة الثانية، في حين أنه لا يوجد أدنى مبرر للتفرقة في الحكم، مما يقطع بأنه لم يقصد إلى تغيير في الأحكام الموضوعية عند تعديل المادة 134 من قانون المصلحة المالية، وإنما قصد الاستطراد والإيضاح في حدود الأصل العام الذي قررته الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من الأمر العالي السالف الذكر، هذا الأصل الذي رددته المادتان 95 و96 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وقد استعرضت المادة الأولى حالة وقف الموظف بقرار من وكيل الوزارة ورئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه، واستعرضت الثانية حالة وقف الموظف بقوة القانون إذا حبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم جنائي، والحكم الموضوعي في الحالين واحد. والحكمة ظاهرة في ترك صرف المرتب كله أو بعضه أو عدم صرفه إلى السلطة التأديبية المختصة في كل حالة على حدتها وبظروفها؛ فالبراءة لعدم الصحة أو لعدم الجناية تختلف عن البراءة لعدم كفاية الأدلة في هذا التقدير، والبراءة من التهمة الجنائية لا تستتبع حتماً عدم المؤاخذة الإدارية، وليس من شك في أن السلطة التأديبية تصدر قرارها في صرف المرتب أو عدم صرفه على مقتضى هذه الاعتبارات.
2 - إن مجالس التأديب كانت - طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 - هي السلطة التأديبية المختصة بالنسبة للموظفين والمستخدمين الدائمين، وقد كانوا بحسب مفهوم تلك القوانين واللوائح السابقة على القانون المذكور من كان يجري على راتبهم حكم الاستقطاع، أي من كانوا مثبتين؛ إذ كان التلازم قائماً بين دائمية الوظيفة وبين التثبت فيها، فلا يعتبر موظفاً دائماً إلا من كان مثبتاً (أي يجرى على راتبه حكم الاستقطاع)، ولا يعتبر كذلك من كان لا يجرى على راتبه حكم الاستقطاع ولو كان معيناً على وظيفة دائمة، ومن عدا الموظفين الدائمين على النحو المتقدم كانت السلطة التأديبية بالنسبة لهم الوزراء أو رئيس المصلحة حسب الأحوال.


إجراءات الطعن

في 22 من يناير سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الرابعة) بجلسة 28 من نوفمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 1633 لسنة 8 ق المرفوعة من وزارة المواصلات ضد موسى محمد خليل، القاضي: "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات" وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن" الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتأييد قرار اللجنة القضائية بأحقية المتظلم في مرتبه عن مدة الإيقاف من 13 من أبريل سنة 1942 إلى 28 من ديسمبر سنة 1945، وإلزام الوزارة بالمصروفات"، وقد أعلن الطعن للحكومة في 26 من يناير سنة 1956 وللمطعون لصالحه في 5 من فبراير سنة 1956، وعين لنظر الدعوى جلسة 28 من أبريل سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من الأوراق، تتحصل في أن المطعون لصالحه قدم تظلماً إلى اللجنة القضائية لوزارة المواصلات قيد برقم 5377 لسنة 1 ق طالباً تقرير استحقاقه لصرف مرتبه مع إعانة غلاء المعيشة عن مدة وقفه عن العمل من 10 من أبريل سنة 1942 إلى 12 من نوفمبر سنة 1945 مع التعويض عن تأخير المصلحة في الصرف، وقال بياناً لذلك إنه في 10 من أبريل سنة 1942 اتهم وآخر في سرقة خمسة أرادب قمح من مخزن الشرابية فوقف عن العمل ثم أحيل إلى محكمة الجنايات، وفي 12 من نوفمبر سنة 1945 حكمت محكمة الجنايات ببراءته فأعيد إلى عمله، وقد فوجئ بعد ذلك بحرمانه من مرتبه عن مدة الوقف بناء على توصية من مدير البضائع، وقال طالب بتشكيل مجلس تأديب للنظر في صرف مرتبه عن مدة الوقف فلم يجب إلى طلبه. وقد ردت المصلحة على التظلم بأن مدير عام الحركة والبضائع أوصى بعدم صرف مرتب المطعون لصالحه عن مدة وقفه عن العمل، ولما طلب هذا الأخير تشكيل مجلس تأديب للنظر في صرف مرتبه عن مدة الوقف أحيلت الأوراق إلى إدارة الرأي لمصلحة السكة الحديد فأشارت بأن قرار حرمان المطعون لصالحه من مرتبه عن مدة الوقف قد صدر من السلطة التي تملكه، ومن ثم فلا محل لإحالته إلى مجلس التأديب. وبجلسة 28 من سبتمبر سنة 1953 قررت اللجنة القضائية "باستحقاق المتظلم لمرتبه عن مدة الإيقاف من 13 من أبريل سنة 1942 إلى 28 من ديسمبر سنة 1945 وعدم اختصاصها بنظر التظلم بالنسبة لطلب التعويض"، واستندت اللجنة في قرارها إلى أن المتظلم يشغل الدرجة الثامنة الشخصية بالتطبيق لقواعد الإنصاف ومن ثم يخضع منذ صدورها للقواعد الخاصة بتأديب الموظفين الذين يشغلون وظائف دائمة، وأنه "لما كان الموظف الذي يشغل درجة دائمة لا يجوز قانوناً حرمانه من مرتبه عن مدة الوقف إلا بقرار من السلطة التأديبية المختصة وهي في هذه الحالة مجلس التأديب......، ولا يغير من هذا الوضع كون الموظف يشغل درجة شخصية أو درجة فعلية" فإنه "لما تقدم يكون القرار الصادر في يناير سنة 1946 من المدير العام لمصلحة السكة الحديد بحرمان المتظلم من مرتبه عن مدة الإيقاف قد صدر من جهة غير مختصة، ومن ثم يكون القرار باطلاً" وأن "المتظلم قد حكم ببراءته من التهمة المنسوبة إليه وأصبح هذا الحكم نهائياً ولم يصدر قرار من مجلس التأديب المختص بحرمان المتظلم من مرتبه عن مدة إيقافه عن العمل، ومن ثم يكون مستحقاً لمرتبه عن هذه المدة".
وبصحيفة أودعت سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 17 من ديسمبر سنة 1953 طعنت الحكومة في قرار اللجنة القضائية سالف الذكر وأسست طعنها على أن الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 ينص على أنه يترتب على وقف المستخدم عن عمله حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس التأديب غير ذلك، ومن ثم يكون قرار اللجنة القضائية بصرف المرتب عن مدة الوقف دون أن يكون هناك قرار من مجلس التأديب بذلك قد خالف قواعد الاستخدام التي تحكم حالة المطعون لصالحه وقت إنهاء الوقف كما خالف أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951. وبجلسة 28 من نوفمبر سنة 1955 حكمت المحكمة "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها" وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات"، وقد أقامت المحكمة قضاءها على أن الأصل طبقاً للأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 هو حرمان الموظف الموقوف من راتبه عن مدة وقفه ما لم تقرر السلطة التأديبية المختصة صرف راتبه كله أو بعضه وذلك على خلاف ما ذهبت إليه اللجنة القضائية بقرارها المطعون فيه، ومن ثم يكون القرار مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أنه وفقاً للمادة 134 من كتاب المصلحة المالية - المعدلة بقرار مجلس النظار الصادر في 25 من أبريل سنة 1912 - كل مستخدم يحبس حبساً احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي يجب إيقافه عن أعمال وظيفته من يوم حبسه وتكون ماهيته في كل مدة إيقافه حقاً للحكومة ما لم يتقرر عدم وجود وجه لإقامة الدعوى عليه أو تحكم المحكمة الجنائية ببراءته ففي هذه الحالة يجوز صرف ماهيته إليه عن مدة إيقافه ما لم تقرر السلطة التابع لها تأديبياً خلاف ذلك. فالأصل في حالة الحكم بالبراءة أو عدم وجود وجه لإقامة الدعوى هو استحقاق الموظف للمرتب، والاستثناء أن يحرمه منه مجلس التأديب، "وما كلمة يجوز الواردة بالنص على التفسير المقدم إلا بمثابة إشارة إلى الجهة الإدارة بالصرف؛ لأن الموظف إنما يستحق المرتب حيث لم يحرمه منه مجلس التأديب"، ولا يغني في هذا المقام الحجاج بأن قانون التوظف قد أورد في نص المادة 96 منه أن "كل موظف يحبس حبساً احتياطياً أو تنفيذاً لحكم جنائي يوقف بقوة القانون عن عمله مدة حبسه ويوقف صرف مرتبه وبعد انتهاء مدة الحبس يقرر وكيل الوزارة ما يتبع في شأن صرف مرتبه بحسب الأحوال" وهو يفيد ترخص الجهة الإدارية في هذا الصرف حيث يتوقف على صدور قرار به من وكيل الوزارة ولا يغني ذلك ولا يكفي إذ أنه بمثابة تعديل في النص القديم لا كما ذهبت محكمة القضاء الإداري من أنه استمرار للعمل بأحكامه. ولما كان المطعون لصالحه قد حكم ببراءته فإن تطبيق الحكم المتقدم عليه يستلزم استحقاقه لمرتبه عن مدة الوقف طالما لم يصدر قرار من المجلس التأديبي بحرمانه منه، أما القرار الصادر من مدير عام المصلحة فهو قرار لا يملك تقرير هذا الحرمان؛ لأن المطعون لصالحه من الموظفين الداخلين في الهيئة، ولا يغير من ذلك أن المطعون لصالحه كان في الدرجة الثامنة الشخصية وقت وقفه عن العمل فيعتبر من المستخدمين الخارجين عن الهيئة وبالتالي فإن رئيس المصلحة هو الذي يملك بالنسبة إليه تقرير هذا الحرمان - لا يغير هذا من النظر السابق؛ إذ أن وضع المطعون لصالحه في الدرجة الثامنة ولو بصفة شخصية يجعله من الموظفين الداخلين في الهيئة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهباً مخالفاً فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إن الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 - قد نصت على أنه "يترتب على توقيف المستخدم عن العمل حرمانه من ماهيته ما لم يقرر مجلس الإدارة غير ذلك"، فهي تقرر قاعدة عامة هي حرمان المستخدم الموقوف من ماهيته طوال فترة الوقف ما لم يقرر مجلس التأديب صرف راتبه كله أو بعضه إليه. فالأصل هو الحرمان من المرتب عن مدة الوقف والاستثناء هو جواز صرفه كله أو بعضه حسبما يقدره مجلس التأديب في كل حالة بظروفها، وقد طبقت منشورات المالية هذه القاعدة في: (1) حالة الوقف لذنب يستوجب الرفت (مادة 111 من قانون المصلحة المالية) م، (2) في حالة الوقف بسبب حبس المستخدم في جريمة من الجرائم العادية. وقد نصت المادة 134 من قانون المصلحة المالية على أن "كل مستخدم يحبس حبساً احتياطياً أو لجريمة من الجرائم الاعتيادية يوقف عن وظيفته من يوم حبسه....... وماهيته في كل مدة إيقافه تكون حقاً للحكومة"، ثم عدلت هذه المادة تنفيذاً لقرار صادر من مجلس النظار في 25 من أبريل سنة 1912 كما يلي: "كل مستخدم يحبس حبساً احتياطياً أو تنفيذاً لحكم قضائي يجب إيقافه عن أعمال وظيفته من يوم حبسه وذلك لا يمنع الجزاءات التأديبية التي يمكن توقعيها عليه وتكون ماهيته حقاً للحكومة في مدة إيقافه ما لم يتقرر عدم وجود وجه لإقامة الدعوى عليه أو تحكم المحكمة الجنائية ببراءته من التهمة التي ترتب عليه حبسه، ففي هذه الحالة يجوز صرف ماهيته إليه عن مدة إيقافه ما لم تقرر السلطة التابع لها تأديبياً خلاف ذلك والمقصود بعبارة "السلطة التابع لها تأديبياً" مجلس التأديب فيما يختص بالمستخدمين الداخلين في هيئة العمال ورئيس المصلحة فيما يختص بالخدمة المؤقتين والخارجين عن الهيئة". وهنا يجب التنبيه إلى أن تعديل صياغة تلك المادة على هذا النحو لا يعدو أن يكون من قبيل الاستطراد والإيضاح للنص الأصلي، وأنه مهما يكن من شأن صياغة هذا التعديل، مما فتح الباب للتأويل بمثل ما ذهبت إليه هيئة المفوضين فلا يمكن أن يمس القاعدة التي قررتها الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 تلك التي جعلت الأصل هو الحرمان من المرتب مدة الوقف باعتباره مقابل العمل، وجعلت الاستثناء هو صرفه كله أو بعضه حسبما تقرره السلطة التأديبية في كل حالة بظروفها، والقول بغير ذلك قول غير صائب؛ إذ مؤداه أن مجلس الوزراء عدل في حكم قرره الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 على ما سبق البيان وهو ما لا يملكه؛ إذ القاعدة التنظيمية العامة لا ينسخها إلا أداة تنظيمية عامة من نفس المرتبة أو من مرتبة أعلى، وإذ لم يصدر قانون بتعديل حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي الصادر في 10 من أبريل سنة 1883 فإنه يظل قائماً لا ينال منه قرار مجلس الوزراء لو صح في الجدل أنه قصد إلى تعديله وهو أمر في الواقع غير مقصود، يؤكد هذا النظر أنه لو أخذ بالتأويل الذي ذهبت إليه هيئة المفوضين لكان الموظف الذي يتهم جنائياً ويحبس احتياطياً أحسن حالاً من الموظف الذي وقف به الأمر عند حد الاتهام الإداري دون الجنائي؛ إذ على مقتضى ذلك التأويل - وقد ورد التعديل في المادة 134 فقط الخاصة بالحالة الأولى - يكون رد مرتب الموظف طوال مدة الوقف وجوبياً بينما يكون جوازياً في الحالة الثانية في حين أنه لا يوجد أدنى مبرر للتفرقة في الحكم مما يقطع بأنه لم يقصد إلى تغيير في الأحكام الموضوعية عند تعديل المادة 134 من قانون المصلحة المالية وإنما قصد الاستطراد والإيضاح في حدود الأصل العام الذي قررته الفقرة الأخيرة من المادة الثامنة من الأمر العالي السالف الذكر هذا الأصل الذي رددته المادتان 95 و96 من القانون رقم 210 لسنة 1951، وقد استعرضت المادة الأولى حالة وقف الموظف بقرار من وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة كل في دائرة اختصاصه واستعرضت الثانية حالة وقف الموظف بقوة القانون إذا حبس احتياطياً أو تنفيذاً لحكم جنائي، والحكم الموضوعي في الحالين واحد. والحكمة ظاهرة في ترك تقدير صرف المرتب كله أو بعضه أو عدم صرفه إلى سلطة التأديبية المختصة في كل حالة على حدتها وبظروفها؛ فالبراءة لعدم كفاية الأدلة في هذا التقدير، والبراءة من التهمة الجنائية لا تستتبع حتماً عدم المؤاخذة الإدارية، وليس من شك في أن السلطة التأديبية تصدر قرارها في صرف المرتب أو عدم صرفه على مقتضى هذه الاعتبارات.
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة المطعون لصالحه أنه التحق بالعمل بوظيفة تلميذ ظهورات في 3 من أغسطس سنة 1936، ثم نقل إلى الدرجة الخصوصية خارج الهيئة في أول يوليه سنة 1938، وفي 13 من أبريل سنة 1942 قبض عليه لاتهامه وآخر في سرقة فأوقف عن عمله، وقد حكم في 20 من يناير سنة 1945 ببراءته وأعيد إلى عمله في 29 من ديسمبر سنة 1945، وقد طبقت عليه قواعد الإنصاف فاعتبر في الدرجة الثامنة الشخصية قيداً على الدرجة الخصوصية منذ تعيينه الأول لحصوله على البكالوريا ثم نقل إلى الدرجة الثامنة الأصلية في 12 من يناير سنة 1950، وعقب عودته إلى عمله أوصى مفتش عام الحركة والبضائع بعدم صرف مرتبه إليه عن مدة وقفه فصدر قرار مدير عام المصلحة في يناير سنة 1946 بحرمانه من مرتبه عن مدة وقفه عن العمل.
ومن حيث إن مجالس التأديب كانت - طبقاً للقوانين واللوائح المعمول بها قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 - هي السلطة التأديبية المختصة بالنسبة للموظفين والمستخدمين الدائمين، وقد كانوا بحسب مفهوم تلك القوانين واللوائح السابقة على القانون المذكور من كان يجرى على راتبهم حكم الاستقطاع أي من كانوا مثبتين؛ إذ كان التلازم قائماً بين دائمية الوظيفة وبين التثبيت فيها، فلا يعتبر موظفاً دائماً إلا من كان مثبتاً أي يجرى على راتبه حكم الاستقطاع، ولا يعتبر كذلك من كان لا يجرى على راتبه حكم الاستقطاع ولو كان معيناً على وظيفة دائمة، ومن عدا الموظفين الدائمين على النحو المتقدم كانت السلطة التأديبية بالنسبة لهم الوزراء أو رئيس المصلحة حسب الأحوال. ومن ثم يكون القرار الصادر من مدير مصلحة السكة الحديد بحرمان المطعون لصالحه من مرتبه عن مدة وقفه - وقد كان وقت صدوره معتبراً موظفاً غير دائم - قد صدر حينذاك ممن يملكه، ويكون الطعن - والحالة هذه - على غير أساس سليم، ويتعين من أجل ذلك رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً.