مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 844

(102)
جلسة 9 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 126 لسنة 2 القضائية

( أ ) طعن - منازعة في مرتب أو معاش أو مكافأة - رفعها أمام اللجنة القضائية التي يجيز قانون إنشائها استئناف أحكامها أياً كانت قيمة الدعوى - صدور الحكم فيها من المحكمة الإدارية التي لا يجيز قانون إنشائها استئناف تلك الأحكام إذا لم تجاوز قيمة الدعوى مائتين وخمسين جنيهاً - عدم جواز استئناف هذا الحكم إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز هذا القدر - المادة 1/ 3 من قانون المرافعات.
(ب) دعوى الإلغاء - طلبات إلغاء القرارات الإدارية الخاصة بمنح علاوات - المادة 8/ 3 من قانون مجلس الدولة رقم 165 لسنة 1955 - وجوب أن تكون العلاوة من العلاوات التي لا ينشأ المركز القانوني فيها إيجاباً أو سلباً إلا بصدور قرار إداري ممن يملكه بسلطة تقديرية - استقرار المركز الذاتي للعلاوة الاعتيادية أو علاوة الترقية - صيرورتها جزءاً من المرتب - اعتبار المنازعة فيها بعد ذلك من منازعات الرواتب - الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر.
(ج) دعوى - منازعة في علاوة - شمول النزاع لأصل الاستحقاق وامتداد حجية الحكم الصادر في شأنه إلى عناصر غير قابلة للتقدير سلفاً - اعتبارها من الدعاوي غير القابلة لتقدير قيمتها.
1 - إنه وإن كان القرار الذي كان يصدر من اللجنة القضائية - حين قدم التظلم موضوع المنازعة إليها - مما يقبل الطعن وقتذاك أمام محكمة القضاء الإداري أياً كانت قيمة الدعوى وذلك طبقاً لقانون إنشاء اللجان القضائية رقم 160 لسنة 1952، إلا أنه بعد إذ ألغيت تلك اللجان وأنشئت المحاكم الإدارية بالقانون رقم 147 لسنة 1954، فإن الأحكام الصادر من هذه المحاكم في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت تكون نهائية إذ لم تجاوز قيمة الدعوى مائتين وخمسين جنيهاً، أما إذا جاوزت قيمتها هذا النصاب أو كانت مجهولة القيمة، جاز استئنافها أمام محكمة القضاء الإداري طبقاً لنص المادة التاسعة من القانون المشار إليه بما في ذلك الأحكام الصادرة منها في الدعاوي التي من هذا القبيل المحالة إليها من اللجان القضائية، وذلك عملاً بالفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تقضي بعدم سريان القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها متى كانت ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق، وسريانها بالنسبة لما صدر من الأحكام بعد تاريخ العمل بها، أما الأحكام الصادرة في التظلمات الخاصة بالطعن في القرارات الإدارية النهائية، والمحالة إليها من اللجان والتي خولت المحاكم الإدارية سلطة الفصل فيها بصفة وقتية بالحكم الانتقالي المنصوص عليه في المادة 13 من قانون إنشائها، على الرغم من أنه ليس لها اختصاص في الإلغاء بالنسبة للدعاوي الجديدة، فإن هذه الأحكام تظل قابلة للاستئناف أمام محكمة القضاء الإداري.
2 - إن طلب الإلغاء المتعلق بعلاوة لا يعتبر من طلبات إلغاء القرارات الإدارية الخاصة بمنح علاوات (المنصوص عليها في البند 2 من المادة 3 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، والبند ثالثاً من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة) إلا إذا كانت العلاوة من العلاوات التي لا ينشأ المركز القانوني فيها إيجاباًًًًً أو سلباً إلا بصدور قرار إداري ممن يملكه بسلطة تقديرية، وهذا يصدق - في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة - على القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بالتطبيق للمادة 44 منه بتأجيل العلاوة الاعتيادية أو بالحرمان منها على حسب التقارير السنوية السرية المقدمة عن الموظف وفقاً لحكم المادة 42، كما يصدق على كل علاوة تكون الإدارة - بمقتضى القانون - مخولة منحها أو منعها بسلطة تقديرية، كما كان الشأن في العلاوات في بعض الكادرات القديمة مثل كادر سنة 1931 التي كانت تجعل منحها جوازياً وتقديرياً للإدارة بحسب حالة الوفورات في الميزانية، بينما أصبح استحقاق الموظف للعلاوة الاعتيادية طبقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 مستمداً من هذا القانون مباشرة، وتحل في أول مايو التالي لمضي الفترة المبينة فيه ما دام لم يصدر قبل ذلك قرار من لجنة شئون الموظفين بتأجيلها أو الحرمان منها. إلا أنه إذا استقر للموظف المركز القانوني الذاتي بالنسبة لعلاوة الترقية بالقرار المنشئ لها، أو بالنسبة للعلاوة الاعتيادية بالقرار المنشئ لها إن كانت مما تمنح أو تمنع جوازاً وبسلطة تقديرية، أو بالنسبة للعلاوة الاعتيادية بحلول ميعادها إن كان استحقاقهاً مستمداً من القانون رأساً بنص فيه ولم يحصل تأجيلها أو الحرمان منها بقرار خاص - إنه إذ ما استقر للموظف المركز الذاتي لهذه العلاوات على النحو المفصل آنفاً. فإنها تصبح جزءاً من المرتب تضاف إليه وتندمج فيه وتعتبر المنازعة فيها بعد ذلك من منازعات الرواتب المنصوص عليها في البند 2 من المادة 3 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة والبند ثانياً من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة.
3 - إذا كان الثابت أن المدعي طلب الكف عن خصم نصف علاوة الترقية والعلاوة الدورية ورد المبالغ التي خصمت وذلك اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 325 لسنة 1952، واستبان للمحكمة أن النزاع المطروح يشمل أصل استحقاق العلاوة، فلا حجة فيما يذهب إليه الطاعن من أن قيمة هذا النزاع تتحدد بما لا يجاوز 250 ج بمقولة أن خصم العلاوة أصبح مقصوراً على سنتي 53/ 1954، 54/ 1955 المنصوص عليهما بالقانون سالف الذكر وأن مجموع الخصم خلال السنتين لا يجاوز تلك القيمة - لا حجة في ذلك؛ لأن هذا النظر مردود بأن قيمة النزاع الحقيقي لا تقوم فقط على مقدار الرقم الناتج من حساب المتجمد من نصف العلاوة في مدة السنتين الماليتين سالفتي الذكر - كما يبدو للرأي البادي - بل يترتب على شمول النزاع لأصل الاستحقاق، أي لسببه وأساسه القانوني، وسواء شملت المنازعة قيام الاستحقاق أو حدوده ومداه - يترتب على ذلك نتائج أبعد مدى لا يمكن التكهن بها وتقديرها مقدماً؛ ذلك أن العلاوة إذا استحقت للموظف أصبحت جزءاً من مرتبه يضاف إليه ويندمج فيه، ولما كان يترتب على مقدار هذا المرتب آثار عدة في شتى الروابط القانونية بين الموظف والحكومة، سواء في تحديد المرتبات الإضافية التي تقدر بفئات معينة تنسب إلى المرتب الأصلي، كإعانة غلاء المعيشة، والعلاوة الاجتماعية، وسائر الإعانات بمختلف أنواعها، وكبدل التخصص وبدل التفرع وبدل الانتقال وبدل السفر وبدل التمثيل والمكافآت عن الأعمال الإضافية، أو من حيث استقطاع الاحتياطي للمعاش وربطه، أو تقدير المكافآت عن مدة الخدمة، أو الخصم من الرواتب عند التأديب، وغير ذلك مما لا يمكن معرفة مداه سلفاً لتوقفه على ظروف مستقبلة ليس في الوسع التكهن بها، وكانت حجية الحكم في أصل الاستحقاق ستشمل ذلك كله ولا تقتصر على الجزء المخصوم من العلاوة - لما كان الأمر كذلك، فإن النزاع في أصل الاستحقاق كما هو الشأن في خصوصية هذه الدعوى يجعلها غير قابلة للتقدير مقدماً.


إجراءات الطعن

في 24 من يناير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) بجلسة 7 من ديسمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 63 لسنة 2 القضائية (استئناف) المقامة من وزارة المالية ضد محمود عثمان أحمد، القاضي: (أولاً) برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، (ثانياً) بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى المستأنف عليه وألزمته بالمصروفات. وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، والقضاء بعدم قبول الاستئناف شكلاً وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة المالية في 2 من فبراير سنة 1956، وإلى المطعون لصالحه في 27 من فبراير سنة 1956، وعين لنظره جلسة 21 من أبريل سنة 1956، وأبلغ الطرفان في 16 من أبريل سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة. وقد انقضت المواعيد القانونية دون أن يقدم المطعون لصالحه مذكرة بملاحظاته بينما أودع ديوان الموظفين مذكرة في 14 من أبريل سنة 1954. ولدى نظر الطعن بالجلسة سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المطعون لصالحه رفع إلى اللجنة القضائية لوزارة المالية والاقتصاد التظلم رقم 793 لسنة 2 القضائية بعريضة أودعها سكرتيرية اللجنة في 16 من يناير سنة 1954 طلب فيها: 1 - أن يتوقف ديوان الموظفين عن خصم نصف علاوة ترقيته إلى الدرجة الخامسة الحاصلة في 30 من أبريل سنة 1953، وكذا نص العلاوة الدورية التي استحقت له في أول مايو سنة 1953، وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1953، 2 - رد جميع المبالغ التي خصمها منه الديوان بدون وجه حق من أول يوليه سنة 1953 بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من فبراير سنة 1953 اعتباراً من تاريخ العمل بالقانون رقم 325 لسنة 1953 وهو أول يوليه سنة 1953، وجميع ما يترتب على ذلك من آثار. وقد أحيل هذا التظلم إلى المحكمة الإدارية لوزارات المالية والتجارة والزراعة والتموين التي حلت محل اللجنة القضائية وذلك بالتطبيق لحكم المادة 13 من القانون رقم 147 لسنة 1954 بإنشاء المحاكم الإدارية، فقضت بجلسة 7 من أغسطس سنة 1954 "بعدم جواز خصم ما يعادل نصف مقدار علاوة الترقية ونصف مقدار العلاوة الدورية التي استحقت للمدعي في أول مايو سنة 1953 من إعانة غلاء المعيشة، وذلك اعتباراً من أول يوليه سنة 1953، وبأحقية المدعي في صرف ما سبق خصمه من ذلك التاريخ". وبعريضة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 18 من أكتوبر سنة 1954 استأنفت وزارة المالية والاقتصاد هذا الحكم طالبة "الحكم بقبول هذا الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء حكم المحكمة الإدارية الصادر لصالح المستأنف ضده والمبين بصحيفة هذا الطعن، مع إلزام المستأنف ضده بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، وقيد هذا الاستئناف تحت رقم 63 لسنة 2 القضائية (استئناف). وقد قدم المستأنف ضده مذكرة طلب فيها الحكم بصفة أصلية بعدم جواز نظر الاستئناف شكلاً لقلة النصاب، بمقولة إن الحكم المستأنف صادر من المحكمة الإدارية التي أحكامها نهائية لا تقبل الطعن، ولا سيما أن المبلغ المستحق له حتى تاريخ صدور الحكم لا يجاوز الستين جنيهاً ويدخل بذلك في نصاب اختصاصها النهائي. ومن باب الاحتياط برفض الاستئناف موضوعاً مع إلزام الحكومة بكافة المصروفات عن الدرجتين. وبجلسة 7 من ديسمبر سنة 1955 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثانية) في هذا الاستئناف "(أولاً) برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، (ثانياً) بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف، ورفض دعوى المستأنف عليه، وألزمته بالمصروفات". وأقامت قضاءها - فيما يتعلق بالدفع - على أن المستأنف عليه طلب في دعواه أمام المحكمة الإدارية الحكم، أولاً: بأن يكف ديوان الموظفين عن خصم نصف علاوة الترقية ونصف العلاوة الدورية من إعانات الغلاء اعتباراً من أول يوليه سنة 1953، وثانياً: رد جميع المبالغ التي خصمت منه بدون وجه حق من ذلك التاريخ وجميع ما يترتب على ذلك من آثار، وأن هذين الطلبين مرتبطان أحدهما بالآخر تمام الارتباط؛ إذ يتوقف الفصل في الطلب الثاني على الفصل في الطلب الأول الذي يهدف إلى إلغاء القرار الصادر بخصم نصف العلاوة وهو طلب مجهول القيمة بعد الطلب الثاني فرعاً منه، الأمر الذي يجعل الاستئناف جائزاً في الطلبين. وفيما يختص بالموضوع أسست حكمها على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من فبراير سنة 1953 قد صدر مطلقاً من أي قيد زمني، ولذلك يطبق على العلاوات التي استحقت قبل صدور القانون رقم 325 لسنة 1953، وتستمر الآثار الناشئة عن تطبيقه حتى تلغى أو تعدل بأحكام أخرى. ولما كان القانون المشار إليه لم يلغ أو يعدل الآثار الناشئة عن تطبيق قرار مجلس الوزراء سالف الذكر فإن الإجراء الذي اتخذه ديوان الموظفين باستمرار الخصم هو إجراء سليم لا مطعن عليه. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 24 من يناير سنة 1956؛ واستند في طعن إلى أن دعوى المستأنف عليه هي من قبيل المنازعات المتعلقة بالرواتب التي يستمد صاحب الشأن أصل حقه فيها من القوانين واللوائح مباشرة دون أن يلزم لنشوء مثل هذا الحق صدور قرار إداري خاص بذلك، أما طلب الكف عن الخصم من إعانة الغلاء، أو إلغاء القرار الصادر باستمرار هذا الخصم، فلا يغير من طبيعة المنازعة من خصومة شخصية (تقوم على أصل حق ذاتي لصاحب الشأن) إلى خصومة عينية (تقوم على اختصام القرار الإداري عينه)، وعلى هذا الأساس فإن المحكمة إنما تنظر مثل هذه القرارات أو الإجراءات على اعتبار أنها من العناصر المتفرعة عن المنازعة الأصلية في حدود اختصاصها الكامل، ولو صح أن المستأنف عليه إنما هدف من دعواه إلى إلزام جهة الإدارة بالكف عن الخصم، أو إلى إلغاء القرار الصادر بالخصم، لوجب أن يكون هذا أو ذاك سبباً لعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، سواء باعتبار أن المحكمة لا تملك الحلول محل الإدارة في إصدار قرار إداري معين هو من صميم اختصاص هذه الجهة، أو لكون المادة 4 من القانون رقم 147 لسنة 1954 قد قصرت ولاية المحاكم الإدارية على الفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت. بيد أن المستأنف ضده إنما يهدف إلى استصدار حكم مقرر لحقوقه باعتبارها مستمدة من القرارات التنظيمية العامة، وذلك بما للمحكمة من ولاية كاملة في المنازعات الخاصة بالمرتبات وما إليها، وهي منازعات حكم المحكمة الإدارية فيها انتهائي إذا لم تجاوز قيمة الدعوى مائتين وخمسين جنيهاً، والعبرة في تقدير الدعوى - بحسب القواعد المقررة في قانون المرافعات - هي بقيمة الحق بأكمله إذا كان الحق كله متنازعاً عليه. ولما كان مجلس الوزراء قد أصدر في 25 من نوفمبر سنة 1953 قراراً بأنه لدى استحقاق الموظف لعلاوة أول مايو سنة 1955 يتوقف أثر الخصم، فإن الحق المطالب به تكون قيمته قد تحددت نهائياً، وهي لا تجاوز بحال مائتين وخمسين جنيهاً، ومن ثم يكون الحكم الصادر من المحكمة الإدارية في الدعوى موضوع الاستئناف حكماًًًًً نهائياً، ويكون الاستئناف - تبعاً لذلك - غير مقبول شكلاً. وإذ قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، فإنه يكون قد صدر مخالفاً للقانون، وتكون قد قامت به إحدى حالات الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وخلص السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض الدفع بعدم جواز الاستئناف، والقضاء بعدم قبول الاستئناف شكلاً، وإلزام الحكومة بالمصروفات، وقد قدم ديوان الموظفين في 14 من أبريل سنة 1956 مذكرة بملاحظاته تمسك فيها بطلب تأييد الحكم المطعون فيه للأسباب التي سبق أن أبداها لدى استئناف حكم المحكمة الإدارية أمام محكمة القضاء الإداري، وأضاف أن المادة 13 من القانون رقم 147 لسنة 1954 الخاص بإنشاء وتنظيم المحاكم الإدارية قد تضمنت حكماً عاماً ينطبق على جميع التظلمات التي كانت منظورة أمام اللجان القضائية ولم تحجز لإصدار قرار فيها وأحيلت إلى المحاكم الإدارية - ومنها التظلمات الخاصة بالطعون في القرارات الإدارية النهائية - وهو أن حكم المحاكم في جميع هذه التظلمات يكون قابلاً للطعن فيه بالاستئناف أمام محكمة القضاء الإداري في الميعاد المحدد في الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من القانون المذكور، وهي ستون يوماً من تاريخ إبلاغها، ومن المعلوم أن الدعاوي التي نظرت أمام المحكمة الإدارية وأصدرت فيها حكماً مثل الحكم موضع الطعن إنما نظرت ابتداء أمام لجنة قضائية وأحيلت طبقاً لأحكام القانون رقم 147 لسنة 1954 إلى المحكمة الإدارية؛ ومن ثم فهي أحكام غير نهائية؛ إذ أنها قابلة للطعن فيها بطريق الاستئناف، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه قد جاء سليماً مطابقاً للقانون، ويتعين القضاء برفض الطعن، وإلزام المستأنف عليه بالمصروفات.
( أ ) عن الدفع بعدم جواز استئناف حكم المحكمة الإدارية أمام محكمة القضاء الإداري:
من حيث إنه وإن كان القرار الذي كان يصدر من اللجنة القضائية - حين قدم التظلم موضوع المنازعة إليها مما يقبل الطعن وقتذاك أمام محكمة القضاء الإداري أياً كانت قيمة الدعوى - وذلك طبقاً لقانون إنشاء اللجان القضائية رقم 160 لسنة 1952، إلا أنه بعد إذ ألغيت تلك اللجان وأنشئت المحاكم الإدارية بالقانون رقم 147 لسنة 1954، فإن الأحكام الصادر من هذه المحاكم في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت تكون نهائية إذ لم تجاوز قيمة الدعوى مائتين وخمسين جنيهاً، أما إذا ما جاوزت قيمتها هذا النصاب أو كانت مجهولة القيمة، جاز استئنافها أمام محكمة القضاء الإداري طبقاً لنص المادة التاسعة من القانون المشار إليه بما في ذلك الأحكام الصادرة منها في الدعاوي التي من هذا القبيل المحالة إليها من اللجان القضائية، وذلك عملاً بالفقرة الثالثة من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تقضي بعدم سريان القوانين المنظمة لطرق الطعن بالنسبة لما صدر من الأحكام قبل تاريخ العمل بها متى كانت ملغية أو منشئة لطريق من تلك الطرق، وسريانها بالنسبة لما صدر من الأحكام بعد تاريخ العمل بها، أما الأحكام الصادرة في التظلمات الخاصة بالطعن في القرارات الإدارية النهائية، والمحالة إليها من اللجان والتي خولت المحاكم الإدارية سلطة الفصل فيها بصفة وقتية بالحكم الانتقالي المنصوص عليه في المادة 13 من قانون إنشائها على الرغم من أنه ليس لها اختصاص في الإلغاء بالنسبة للدعاوي الجديدة، فإن هذه الأحكام تظل قابلة للاستئناف أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه ولئن كان لا يعتبر من طلبات إلغاء القرارات الإدارية الخاصة بمنح علاوات المنصوص عليها في البند 2 من المادة 3 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة والبند ثالثاً من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، إلا إذا كانت العلاوة من العلاوات التي لا ينشأ المركز القانوني فيها إيجابا أو سلباً إلا بصدور قرار إداري ممن يملكه بسلطة تقديرية، وهذا يصدق في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة على القرار الصادر من لجنة شئون الموظفين بالتطبيق للمادة 44 منه بتأجيل العلاوة الاعتيادية أو بالحرمان منها على حسب التقارير السنوية السرية المقدمة عن الموظف وفقاً لحكم المادة 42، كما يصدق نظرياً على كل علاوة تكون الإدارة، بمقتضى القانون، مخولة منحها أو منعها بسلطة تقديرية، كما كان الشأن في العلاوات في بعض الكادرات القديمة مثل كادر سنة 1931 التي كانت تجعل منحها جوازياً وتقديرياً للإدارة بحسب حالة الوفورات في الميزانية، بينما أصبح استحقاق الموظف للعلاوة الاعتيادية طبقاً للقانون رقم 210 لسنة 1951 مستمداً من هذا القانون مباشرة وتحل في أول مايو التالي لمضي الفترة المبينة فيه ما دام لم يصدر قبل ذلك قرار من لجنة شئون الموظفين بتأجيلها أو بالحرمان منها. إلا أنه إذا استقر للموظف المركز القانوني الذاتي بالنسبة لعلاوة الترقية بالقرار المنشئ لها، أو بالنسبة للعلاوة الاعتيادية بالقرار المنشئ لها إن كانت مما تمنح أو تمنع جوازاً وبسلطة تقديرية، أو بالنسبة للعلاوة الاعتيادية بحلول ميعادها إن كان استحقاقها مستمداً من القانون رأساً بنص فيه ولم يحصل تأجيلها أو الحرمان منها بقرار خاص - إنه إذا ما استقر للموظف المركز الذاتي لهذه العلاوات على النحو المفصل آنفاً. فإنها تصبح جزءاً من المرتب تضاف إليه وتندمج فيه وتعتبر المنازعة فيها بعد ذلك من منازعات الرواتب المنصوص عليها في البند 2 من المادة 3 من القانون رقم 9 لسنة 1949 الخاص بمجلس الدولة، والبند ثانياً من المادة 8 من القانون رقم 165 لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة، وهذا يصدق على العلاوتين في خصوصية هذا النزاع، سواء علاوة الترقية أو العلاوة الاعتيادية، فلا وجه - والحالة هذه - للقول بأنها منازعة مما تدخل في نطاق طلبات الإلغاء، يجوز استئناف الحكم الصادر فيها أمام محكمة القضاء الإداري بقطع النظر عن القيمة المالية للنزاع، بل يتعين البحث فيما إذا كان يدخل في النصاب الانتهائي الذي كانت تحكم فيه المحاكم الإدارية وقتذاك طبقاً للمادة 9 من القانون رقم 147 لسنة 1954 أم كان يجاوز هذا النصاب.
ومن حيث إن الطعن يقوم في تقديره لقيمة الدعوى على أنه بعد إذ أصبح الخصم من العلاوة مقصوراً على سنتي 953/ 954 و954/ 955 فقد تحددت قيمة النزاع بما لا يجاوز 250 جنيهاً، وإن كان مدى الخصم عند تقديم التظلم إلى اللجنة القضائية في 16 من يناير سنة 1954 غير محدود وقتذاك؛ إذ ما كان قد تحدد بهاتين السنتين. ولكن هذا النظر مردود بأن قيمة النزاع الحقيقي لا تقوم فقط على مقدار الرقم الناتج من حساب المتجمد من نصف العلاوة في مدة السنتين الماليتين سالفتي الذكر كما يبدو للرأي البادي، بل يترتب على شمول النزاع لأصل الاستحقاق، أي لسببه وأساسه القانوني، وسواء شملت المنازعة قيام الاستحقاق أو حدوده ومداه - يترتب على ذلك نتائج أبعد مدى لا يمكن التكهن بها وتقديرها مقدماً؛ ذلك أن العلاوة إذا استحقت للموظف أصبحت - كما سلف القول - جزءاً من مرتبه يضاف إليه ويندمج فيه، ولما كان يترتب على مقدار هذا المرتب آثار عدة في شتى الروابط القانونية بين الموظف والحكومة، سواء في تحديد المرتبات الإضافية التي تقدر بفئات معينة تنسب إلى المرتب الأصلي، كإعانة غلاء المعيشة، والعلاوة الاجتماعية، وسائر الإعانات بمختلف أنواعها، وكبدل التخصص وبدل التفرغ وبدل الانتقال وبدل السفر وبدل التمثيل والمكافآت عن الأعمال الإضافية، أو من حيث استقطاع الاحتياطي للمعاش وربطه، أو تقدير المكافآت عن مدة الخدمة، أو الخصم من الراتب عند التأديب، وغير ذلك مما لا يمكن معرفة مداه سلفاً لتوقفه على ظروف مستقبلة ليس في الوسع التكهن بها، وكانت حجية الحكم في أصل الاستحقاق ستشمل ذلك كله ولا تقتصر على الجزء المخصوم من العلاوة - لما كان الأمر كذلك، فإن النزاع في أصل الاستحقاق كما هو الشأن في خصوصية هذه الدعوى، يجعلها غير قابلة للتقدير مقدماً.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون هذا الدفع في غير محله متعيناً رفضه.
(ب) عن الموضوع:
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بأن القانون رقم 325 لسنة 1953 لم يقصد إلى إلغاء المبدأ الذي قام عليه قرار مجلس الوزراء الصادر في 25 من فبراير سنة 1953 من حيث خصم علاوة الترقية أو العلاوة الاعتيادية، وإنما قصد إلى استحداث تنظيم جديد، من حيث كيفية الخصم وطريقته لا من حيث مبدئه، وأن العلاوة التي استحقت في ظل سريان أحكام قرار 25 من فبراير سنة 1953 يستمر الخصم بمقدار نصفها من إعانة الغلاء حتى بعد نفاذ القانون رقم 325 لسنة 1953. فكل من التنظيمين يجب إعماله في مجال تطبيقه، فيطبق القرار من حيث طريقته في الخصم بالنسبة للعلاوات التي استحقت في مدة سريانه، ويطبق القانون الجديد من حيث طريقته في الخصم بالنسبة للعلاوات التي استحقت منذ نفاذه.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن في غير محله متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.