مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 855

(103)
جلسة 9 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفي كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 138 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - النص في كادر سنة 1939 على أن الحد الأدنى لسن الموظف هو 18 سنة - عدم سريان هذا النص على المعينين باليومية.
(ب) مرتب - صيرورته حقاً مكتسباً للحكومة إذا لم يطالب به صاحبه في خلال خمس سنوات - المادة 50 من القسم الثاني للائحة المالية للميزانية والحسابات - قيام هذه المادة على اعتبارات تنظيمية عامة يتعين على الحكومة التزامها وعلى المحاكم أن تقضي بها، بحسبانها قاعدة قانونية واجبة التطبيق في علاقة الحكومة بموظفيها - عدم تخلف التزام طبيعي في ذمة الدولة بعد انقضاء الخمس سنوات سالفة الذكر.
(جـ) تقادم - مقتضيات النظام الإداري تؤدي إلى قيام الطلب أو التظلم الموجهين من الموظف إلى السلطة الرئاسية مقام المطالبة القضائية من حيث قطع التقادم.
1 - إن كادر سنة 1939 الصادر به منشور وزارة المالية رقم 4 لسنة 1939 كان ينص في الفقرة الأولى من المادة الأولى في باب "التعيين" على أنه "لا يجوز أن تقل سن أي مرشح لوظيفة حكومية وقت التعيين لأول مرة عن 18 سنة ميلادية، ولا تزيد على 24 للتعيين في الدرجة التاسعة ولا على 30 للدرجات الثامنة والسابعة والسادسة"، وفي الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أن "الحد الأدنى للسن وهو 18 سنة يجري على التعيين في الوظائف الدائمة والمؤقتة والخارجة عن هيئة العمال". ويبين من هذه النصوص أن قيد السن الوارد فيها لا يجري حكمه على التعيين في الوظائف التي باليومية.
2 - إن المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات تنص على أن "الماهيات التي لم يطالب بها في مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ويظهر من ذلك أن هذه المادة وإن اقتبست من النصوص المدنية مدة التقادم الخمسي. إلا أنها قررت في الوقت ذاته أنه بمجرد انقضاء هذه المدة تصبح تلك الماهيات وما يجري في حكمها حقاً مكتسباً للحكومة، فنفت تخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة وافترقت بذلك على الأحكام المدنية التي يقوم فيها هذا الالتزام الطبيعي، والتي تقضي بناء على ذلك بأنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها (م 387/ 1 مدني)، وأن الاعتبارات التي تقوم عليها المادة 50 سالفة الذكر هي اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض الميزانية - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب. ومن ثم فإن القاعدة التي قررتها هي قاعدة تنظيمية عامة يتعين على وزارات الحكومة ومصالحها التزامها، وتقضي بها المحاكم كقاعدة قانونية واجبة التطبيق في علاقة الحكومة بموظفيها، وهي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومن بينها تلك اللائحة.
3 - إن مقتضيات النظام الإداري تميل إلى اعتبار أنه يقوم مقام المطالبة القضائية - في قطع التقادم - الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الرئاسية المختصة متمسكاً فيه بحقه وطالباً أداءه.


إجراءات الطعن

في 25 من يناير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارات الأوقاف والشئون البلدية والقروية والصحة بجلسة 28 من نوفمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 17 لسنة 2 القضائية المقامة من فاطمة إبراهيم علي بدوي ضد وزارة الصحة العمومية، القاضي: "باستحقاق المدعية لأن تسوي حالتها بالدرجة التاسعة بمرتب 5 جنيهات شهرياً من أول ديسمبر سنة 1945 وما قد يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت المدعى عليها المصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين، للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه، "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعية المصروفات"، وقد أعلن هذا الطعن إلى الجهة الإدارية في 31 من يناير سنة 1956، وإلى المطعون عليها في 6 من فبراير سنة 1956، وعين لنظره جلسة 28 من أبريل سنة 1956، وأبلغ الطرفان في 16 من أبريل سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من الأوراق، في أن المطعون عليها رفعت إلى المحكمة الإدارية لوزارات الأوقاف والشئون البلدية والقروية والصحة العمومية - بعريضة أودعتها سكرتارية المحكمة في 3 من نوفمبر سنة 1954 - الدعوى رقم 17 لسنة 2 القضائية بمقتضى قرار معافاة صادر من المحكمة المذكورة تحت رقم 64/ 1 ق في 20 من أكتوبر سنة 1954 بناء على الطلب المقدم في 16 من يونيه سنة 1954 طالبة الحكم لها بأحقيتها للدرجة التاسعة من بدء التعيين مع ما يترتب على ذلك من آثار. وقالت بياناً لدعواها إنها حصلت على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية في سنة 1942، وأنها عينت بمصلحة الصحة الوقائية في 25 من ديسمبر سنة 1942 بوظيفة زائرة صحية بقسم الأوبئة بأجر يومي قدره 100 م، وأن أجرها وهي باليومية ارتفع بعد صدور قواعد الإنصاف إلى خمسة جنيهات، وبعد بلوغها السن القانونية عينت ممرضة درجة ثانية، ثم رقيت إلى الدرجة الأولى ولم تمنح الدرجة التاسعة إذ ظلت تشغل وظيفة ممرضة درجة أولى خارج الهيئة. وقد ردت الحكومة بأن قانون المعادلات لا ينطبق على المدعية لكونها معينة على درجة خارج الهيئة، وكون مؤهلها غير وارد بالجدول المرافق لهذا القانون. وبجلسة 28 من نوفمبر سنة 1955 قضت المحكمة الإدارية "باستحقاق المدعية لأن تسوي حالتها بالدرجة التاسعة بمرتب 5 جنيهات شهرياً من أول ديسمبر سنة 1945 وما يترتب على ذلك من آثار وفروق مالية، ورفض ما عدا ذلك من الطلبات، وألزمت المدعى عليها المصروفات"، وأقامت قضائها على أن المدعية حصرت طلباتها بجلسة 2 من يناير سنة 1955 في استحقاقها للدرجة التاسعة طبقاً لقواعد الإنصاف من 9 من أكتوبر سنة 1945 وما يترتب على ذلك من فروق مالية وآثار، وأن تعيينها جاء مخالفاً لقواعد الإنصاف التي أوجبت تعيين الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية بالدرجة التاسعة بمرتب قدره خمسة جنيهات، إذ طالما أن الوزارة كشفت عن نيتها في تعيينها بدرجات الكادر العام فقد كان يتعين عليها أن تمنحها الدرجة التاسعة من ذلك التاريخ، والمدعية تطلب منحها هذه الدرجة لا من أول ديسمبر سنة 1945 - تاريخ تعيينها في الدرجة الثانية خارج الهيئة - بل من 9 من أكتوبر سنة 1945 - تاريخ بلوغها السن القانوني - وقد كانت في الفترة من 9 أكتوبر سنة 1945 حتى أول ديسمبر سنة 1945 باليومية، ولا توجد ثمة قاعدة قانونية تلزم الوزارة بمنحها الدرجة المقررة لمؤهلها في ذلك الوقت؛ ومن ثم تستحق تسوية حالتها بالدرجة التاسعة من أول ديسمبر سنة 1945 بمرتب خمسة جنيهات شهرياً وما يترتب على ذلك من آثار وفروق، ولا يقف حائلاً دون هذه التسوية القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، إذ أنها لا تفيد من أحكامه طبقاً للقانون رقم 151 لسنة 1955. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 25 من يناير سنة 1956؛ مؤسساً طعنه على أن قواعد الإنصاف قدرت المؤهلات الدراسية وقررت لها درجات ورواتب وألزمت جهة الإدارة وضع الحاصلين على هذه المؤهلات قبل صدورها على درجات شخصية، كما حظرت عليها كل تعيين جديد في أقل من الدرجة المقررة للمؤهل الدراسي الذي يحمله المرشح للتعيين، وقد استمر العمل بقواعد الإنصاف حتى صدور القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة الذي أرسى قواعد التوظف على الأسس السليمة من حيث تقدير الأجر بقدر العمل ومسئولياته بغض النظر عما يحمله الموظف من شهادات علمية، ثم صدر القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية بغية تصفية الوضع القديم تصفية نهائية لا رجعة فيها، مع الإبقاء في الوقت ذاته على ما تعلقت به آمال الموظفين في القواعد السابقة، وقد رأت الحكومة أن تضمن الأحكام الخاصة بتقدير المؤهلات الدراسية في قانون موحد يكون هو - دون غيره من القواعد السابق صدورها في شأن تسعير المؤهلات - الواجب التطبيق، فنص في المادة التاسعة منه على أن "تسري على الدعاوى المنظورة أمام اللجان القضائية أو أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة الأحكام المقررة في هذا القانون"، وإذا كانت أحكام هذا القانون هي الواجبة التطبيق على الدعاوى المنظورة، فإنه لا يستساغ مع ذلك إحياء قواعد سابقة قضى عليها التنظيم الجديد الذي صدر ليحل محلها بهدف تصفية الوضع الشاذ المترتب عليها، ولما كان لا يفيد من قانون المعادلات المشار إليه إلا من توافرت له شروطه، وكان الثابت أن المدعية من المستخدمين الخارجين عن الهيئة الذين لا يفيدون من أحكامه، فإن طلب تسوية حالتها على أساس التسعير المقرر لشهادتها لا يقوم على أساس سليم، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون، وتكون قد قامت به حالة من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا. وانتهى السيد رئيس هيئة المفوضين من هذا إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض الدعوى، وإلزام المدعية بالمصروفات".
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن مثار النزاع في هذا الطعن منحصر في تحديد مدى سريان قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وأثر صدور القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية على هذا القرار.
ومن حيث إن هذه المحكمة سبق أن قضت بجلسة 10 من مارس سنة 1956 في الطعن رقم 7 لسنة 2 القضائية بأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 30 من يناير سنة 1944 كان يستهدف إنصاف حملة المؤهلات العلمية من الموظفين الذين كانوا في خدمة الحكومة فعلاً وقت صدوره، أولئك الذين تقرر بمقتضاه وضعهم في درجات شخصية تتفق والدرجات التي قدرها لمؤهلاتهم وذلك بعد حصر عددهم وتقرير الاعتمادات المالية اللازمة لهذا الغرض. وقد اتخذت وزارة المالية ما يقتضيه تنفيذ هذا القرار من إجراءات وأهمل تدبير المال اللازم لمواجهة نفقاته، الأمر الذي استغرق فترة من الزمن عين خلالها موظفون على مقتضى القواعد التي كان معمولاً بها قبل صدور قرار مجلس الوزراء المشار إليه، مما حمل وزارة المالية على إصدار الكتاب الدوري رقم 329 - 1/ 302 في 9 من ديسمبر سنة 1944 بسريان قواعد الإنصاف على هؤلاء الموظفين؛ تحقيقاً للمساواة بينهم وبين زملائهم الذين تناولهم القرار ممن كانوا في الخدمة وقت صدوره، أما من يعينون بعد هذا التاريخ فقد اشترط لجواز تعيينهم وجود درجات في الميزانية تتفق ومؤهلاتهم حسب ما هو وارد بقواعد الإنصاف؛ وذلك تنفيذاً للنهي الوارد في قرار مجلس الوزراء عن تعيين ذوي المؤهلات مستقبلاً في غير الدرجات المقررة لمؤهلاتهم. وقد توالى بعد ذلك صدور قرارات مجلس الوزراء بتقدير مؤهلات ما كانت قدرت بعد وبرفع تقديراته السابقة لمؤهلات أخرى، وقد فرقت هذه القرارات في الحكم بين من عين قبل 9 من ديسمبر سنة 1944 ومن عين بعد هذا التاريخ على أساس التأكيد بأن قواعد الإنصاف إنما يقتصر أثرها على من عين من الموظفين ذوي المؤهلات حتى هذا التاريخ فقط. ثم صدر بعد ذلك القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة الذي حدد أجر الموظف لا على أساس ما يحمله من مؤهلات عملية بل على قدر ما يؤديه للدولة من عمل وجهد بعد تعرف صلاحيته لهذه العمل. ورغبة في تصفية الأوضاع القديمة الناتجة من قواعد التسعير السابقة، وفي معالجة ما نجم عنها من شذوذ أصدر المشرع القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية مستهدفاً به إنصاف طوائف مختلفة من الموظفين لم تدركهم بإنصافها القواعد السابقة التي تحدد المستفيدون منها في حينها بعد أن حصر عددهم ودبرت الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ الإنصاف في حقهم، فاستنفدت أغراضها بالنسبة إليهم وترتبت لهم بمقتضاها مراكز قانونية ذاتية لا يجوز الاتفاق منها أو المساس بها، وقد أريد أن ينصرف حكم قانون المعادلات الدراسية إلى طوائف جدد من الموظفين سواء في ذلك من عينوا بعد 9 من ديسمبر سنة 1944 في درجات تقل عن تلك المقررة لمؤهلاتهم، أو من حصلوا على مؤهلاتهم أثناء الخدمة فلم يمنحوا الدرجات المقررة لها، أو من أغفل تقدير مؤهلاتهم إغفالاً تاماً أو من قدرت لمؤهلاتهم درجات ورواتب دون قيمتها، وكذلك من قعدوا عن اتخاذ إجراءات التقاضي لتسوية حالاتهم ممن تقدم ذكرهم (أي ممن تتناولهم أحكام هذا القانون في نطاق تطبيقه)، على أن يكون ذلك الإنصاف منوطاً بتوافر الشروط التي نصت عليها المادة الثانية ومقيداً بما نصت عليه المادة الثالثة من القانون المذكور. وقد تضمن الجدول المرافق للقانون المشار إليه مؤهلات غير تلك التي وردت بقرارات مجلس الوزراء التي نص في مادته الرابعة على اعتبارها ملغاة من وقت صدورها، وهي مؤهلات وردت بقرارات مجلس الوزراء السابقة التي لم ينص القانون على إلغائها، وهذه القرارات التي أغفل القانون رقم 371 لسنة 1953 النص على إلغائها - ومنها قرار إنصاف 30 من يناير سنة 1944 - وهي قرارات تنظيمية عامة تتضمن مزايا مالية للموظفين، وقد تحققت لهم في ظلها مراكز قانونية ذاتية استمدوها منها مباشرة، فلا يمكن إهدارها بأثر رجعي من وقت صدور القرارات التنظيمية التي ترتبت في ظلها تلك المراكز القانونية إلا بنص صريح خاص من قانون يقرر ذلك. ولما كان القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية قد خلا من مثل هذا النص الخاص على إلغاء تلك القرارات فإنها تظل قائمة نافذة منتجة آثارها في مجال تطبيقها؛ يؤكد هذا أن القانون المذكور لم ينص صراحة إلا على إلغاء قرارات بعينها في مادته الرابعة - هي تلك الصادرة في 8 من أكتوبر سنة 1950 وأول يوليه و2 و9 من ديسمبر سنة 1951 - وهي بذاتها التي استعرضها في مذكرته الإيضاحية بعد أن نعى على السياسة السابقة في تسعير الشهادات، وأفصح عن قصده في إلغاء هذه القرارات التي أورد بيانها دون التصريح بإلغاء قرارات الإنصاف السابقة عليها التي كان في وسعه لو شاء أن ينص على إلغائها؛ وعلل ذلك بما استشعرته الحكومة من تعلق آمال الموظفين بما جاءت به القرارات سالفة الذكر، وبأنها رأت أن تصفى ذلك الوضع القديم تصفية نهائية لا رجعة فيها؛ وذلك بإقرار تنفيذ معادلات يوليه وديسمبر سنة 1951 مع تضمينها في قانون موحد يصدر استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 لتسوية الحالات القديمة المعلقة تحقيقاً للمساواة بين الموظفين الذين بادروا بالالتجاء إلى القضاء فحصلوا على قرارات وأحكام بتنفيذ المعادلات بالنسبة إليهم، وبين باقي الموظفين الذين آثروا انتظار قيام الحكومة من نفسها بتنفيذ تلك المعادلات في حقهم في يسر ومسالمة، ورغبة في التوفيق بين مصلحة الخزانة العامة وبين ما تعلقت به آمال هؤلاء الموظفين رأي المشرع في المادة الثالثة من القانون رقم 371 لسنة 1953 عدم صرف فروق مالية لمن يفيدون من أحكامه إلا من تاريخ تنفيذه وعن المدة التالية له فقط، كما نص في المادة التاسعة منه على سريان الأحكام المقررة فيه على الدعاوى المنظورة أمام القضاء، وذلك بطبيعة الحال في حدود الأثر الرجعي الذي قرره، وهو مقصور على من شملهم حكم هذا القانون ومن ترتبت لهم حقوق بمقتضاه دون من سبق أن اكتسبوا مراكز قانونية ذاتية في ظل قواعد الإنصاف الصادر في سنة 1944، ومن جهة أخرى إذا تضمن قانون المعادلات رفعاً في تقدير المؤهلات أو زيادة في المرتب أو أية مزايا أخرى عما تضمنته قرارات الإنصاف السابقة، فإن حملة هذه المؤهلات يفيدون منها قانوناً ولو كانوا ممن تسري عليهم تلك القرارات، بيد أن هذه الإفادة لا تسري إلا من التاريخ المعين في قانون معادلات وبالشروط والقيود التي نص عليها.
من حيث إنه يبين من الأوراق أن المطعون عليها حصلت على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية من شهر يوليه سنة 1942، وأنها عينت بوزارة الصحة العمومية اعتباراً من 25 من سبتمبر سنة 1942 وهي دون السن القانونية بوظيفة زائرة صحية باليومية المؤقتة بأجر يومي قدره 100 م، ثم سويت حالتها طبقاً لقواعد الإنصاف فمنحت خمسة جنيهات أجرة شهرية مقسمة على 25 يوماً اعتباراً من 9 من أكتوبر سنة 1944 تاريخ بلوغها سن 17 سنة، وفي أول ديسمبر سنة 1945 عينت ممرضة درجة ثانية خارج هيئة العمال نساء بالماهية بآخر مربوط الدرجة الثانية، ثم رقيت إلى الدرجة الأولى خارج الهيئة اعتباراً من 4 من يناير سنة 1950 ومنحت علاوة دورية قدرها 200 م من أول مايو سنة 1951 وأخرى في أول مايو سنة 1953، وفي 4 من ديسمبر سنة 1954 صدر القرار الوزاري رقم 1264 باعتبارها في الدرجة التاسعة الشخصية من 9 من أكتوبر سنة 1945 تاريخ بلوغها السن القانونية (18 سنة) وتسوية حالتها على هذا الأساس بالتطبيق لأحكام القانون رقم 371 لسنة 1953 الخاص بالمعادلات الدراسية، مع عدم صرف الفرق الناشئ عن هذه التسوية إلا من 22 من يوليه سنة 1953، ثم ألغيت هذه التسوية بعد ذلك استناداً إلى القانون رقم 151 لسنة 1955. وقد قدمت المطعون عليها في 6 من يناير سنة 1946 تظلماً إلى الجهة الإدارية التمست فيه تطبيق قواعد الإنصاف على حالتها بوصفها حاصلة على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية، ثم سكتت بعد ذلك حتى رفعت دعواها في سنة 1954.
ومن حيث إن كادر سنة 1939 الصادر به منشور وزارة المالية رقم 4 لسنة 1939 كان ينص في الفقرة الأولى من المادة الأولى في باب "التعيين" على أنه "لا يجوز أن تقل سن أي مرشح لوظيفة حكومية وقت التعيين لأول مرة عن 18 سنة ميلادية، ولا تزيد على 24 للتعيين في الدرجة التاسعة، ولا على 30 للدرجات الثامنة والسابعة والسادسة......"، وفي الفقرة الثانية من المادة ذاتها على أن "الحد الأدنى للسن وهو 18 سنة يجري على التعيين في الوظائف الدائمة والمؤقتة والخارجة عن هيئة العمال". ويبين من هذه النصوص - التي عينت المطعون عليها في ظلها - أن قيد السن الوارد فيها لا يجري حكمه على التعيين في الوظائف التي باليومية، ولما كانت المذكورة قد عينت قبل بلوغها السن القانونية في وظيفة باليومية فإن تعيينها يكون قد وقع صحيحاً في حدود المركز القانوني الذي تم فيه، وتكون موجودة فعلاً وقانوناً في خدمة الحكومة وقت صدور قواعد الإنصاف في 30 من يناير سنة 1944 وقبل 9 من ديسمبر سنة 1944، وهو التاريخ الذي امتد إليه أثر إعمال هذه القواعد وإن لم تستكمل السن القانونية التي كان يجوز عند بلوغها إياها أن تطبق في حقها قواعد الإنصاف المشار إليه، فيما يتعلق بمنحها الدرجة المقررة لمؤهلها بمقتضى هذه القواعد، إلا بعد ذلك التاريخ.
ومن حيث إنه ولئن كانت المطعون عليها تفيد - حسبما سلف بيانه - من تطبيق قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944 اعتباراً من تاريخ بلوغها السن القانونية وهي سن الصلاحية للتعيين في الدرجة التاسعة المقررة لمؤهلها بمقتضى هذه القواعد، لكونها استمدت من القواعد المذكورة مباشرة في حينها مركزاً قانونياً ذاتياً لم يمسه قانون المعادلات الدراسية رقم 371 لسنة 1953 بأثر رجعي، إلا أن هذه المحكمة سبق أن قضت فيما يتعلق بالآثار المالية والفروق المترتبة على تطبيق القواعد المشار إليها، بأن روابط القانون الخاص تختلف في طبيعتها عن روابط القانون العام، وأن قواعد القانون المدني إنما وضعت لتحكم روابط القانون الخاص فلا تطبق وجوباً على روابط القانون العام إلا إذا وجد نص يقضي بذلك، فإن لم يوجد فلا يلتزم القضاء الإداري بتطبيق القواعد المدنية حتماًًًًً وكما هي، وأن المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات تنص على أن "الماهيات التي لم يطالب بها في مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ويظهر من ذلك أن هذه المادة وإن اقتبست من النصوص المدنية مدة التقادم الخمسي إلا أنها قررت في الوقت ذاته أنه بمجرد انقضاء هذه المدة تصبح تلك الماهيات وما يجرى في حكمها حقاً مكتسباً للحكومة، فنفت تخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة وافترضت بذلك على الأحكام المدنية التي يقوم فيها هذا الالتزام الطبيعي، والتي تقضي بناء على ذلك بأنه لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها (م 387/ 1 مدني)، وأن الاعتبارات التي تقوم عليها المادة 50 سالفة الذكر هي اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض الميزانية - وهي في الأصل سنوية - للمفاجئات والاضطراب، ومن ثم فإن القاعدة التي قررتها هي قاعدة تنظيمية عامة يتعين على وزارات الحكومة ومصالحها التزامها، وتقضي بها المحاكم كقاعدة قانونية واجبة التطبيق في علاقة الحكومة بموظفيها، وهي علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح، ومن بينها تلك اللائحة، وأن مقتضيات النظام الإداري تميل إلى اعتبار أنه يقوم مقام المطالبة القضائية - في قطع التقادم - الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الرئاسية المختصة متمسكاً فيه بحقه وطالباً أداءه.
ومن حيث إنه لما كانت دعوى المطعون عليها لم يسبقها تظلم إداري من قبلها قاطع للتقادم قبل خمس السنوات الأخيرة السابقة على رفع الدعوى في 3 من نوفمبر سنة 1954، فإن المذكورة لا تستحق الفروق المالية المترتبة على إنصافها إلا بالنسبة لما لم ينقض عليه أكثر من خمس سنوات سابقة على هذا التاريخ.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباستحقاق المدعية تسوية حالتها بالتطبيق لأحكام قواعد الإنصاف الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 30 من يناير سنة 1944، وذلك على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم، وألزمت الحكومة بالمصروفات.