مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 874

(105)
جلسة 9 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 197 لسنة 2 القضائية

( أ ) موظف - نقله من السلك الفني العالي أو الإداري إلى الفني المتوسط أو الكتابي أو العكس - القانونان رقما 42 و87 لسنة 1953 - شروط تطبيقهما - حصر مجال تطبيق النقل في الدرجات التي خلت نتيجة التطهير - في غير محله قانوناً - دليل ذلك.
(ب) موظف - نقله من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري دون ترقية - شروط صحته.
1 - خول المشرع الإدارة - بمقتضى كل من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 والمادة الثانية من القانون رقم 87 لسنة 1953 - رخصة وقتية، على خلاف حكم المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، في نقل الموظفين من سلك إلى آخر، وقد جاءت هذه الرخصة مطلقة من أي قيد، سواء من حيث طبيعة الوظيفة التي يتم النقل إليها أو من حيث سبب خلوها، فيما عدا القيد الزمني الذي أورده لاستعمال هذه الرخصة والشرط النوعي الذي استلزم به أن تكون كلتا الوظيفتين المنقول منها والمنقول إليها من درجة واحدة. وبعد أن أجاز في المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 النقل من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية وعلل ذلك بصالح العمل حتى تتمكن الحكومة من شغل الوظائف الكثيرة الشاغرة وقتذاك بالنقل أو الترقية دون إبطاء ودون التقيد ببعض القواعد العامة المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة التي قد تقف حائلاً دون تحقيق هذه الغاية، أضاف في القانون رقم 87 لسنة 1953 مادة جديدة تقضي بجواز نقل الموظفين من الكادر الفني المتوسط أو الكتابي إلى الكادر الفني العالي أو الإداري، وذلك للمحكمة ذاتها ولكي يتم التناسق والتعادل بتبادل النقل بين الكادرات المختلفة وحتى يتسنى الانتفاع بكفايات الموظفين الموجودين في الكادر المتوسط وقد يكون منهم من يحمل مؤهلاً عالياً ومن اكتسب خبرة من ممارسة العمل وتقضي المصلحة العامة بالانتفاع بهم في الكادر العالي. وإذ كانت المذكرة الإيضاحية لكل من هذين القانونين قد تضمنت تنويهاً إلى أنه ترتب على تطبيق المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي أن شغرت كثير من الدرجات والوظائف الحكومية، وإلى أن بعض لجان فصل الموظفين أوصت بوجوب شغل هذه الوظائف وتبادل نقل الموظفين من كادر إلى آخر مراعاة لصالح العمل ولكي يمكن تحقيق الأغراض التي دعت إلى استصدار تلك المراسيم بقوانين - فليس مقتضى هذه الإشارة حصر مجال تطبيق النقل في الدرجات التي خلت نتيجة للتطهير أو تخلفت بسببه دون ما عداها من الدرجات الأخرى، بل مجرد بيان لحكم الغالب من الحالات التي كانت من بين بواعث إصدار هذا التشريع، والتي لا يمكن أن تنقلب قيداً على النص المطلق الذي وضع بصفة عامة ولمدة مؤقتة استثناء من أحكام نظام موظفي الدولة، وهو القانون الذي لا يتحدد تطبيقه في مجاله بدرجات معينة، ولا يخرج الاستثناء عن طبيعة المستثنى منه. وقد أفصح المشرع في المذكرتين الإيضاحيتين للمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 والقانون رقم 87 لسنة 1953 عن الحكمة العامة في إجازة نقل الموظفين بمقتضى هذين التشريعين، تلك الحكمة التي تسمو عن مجرد الرغبة في شغل الوظائف الشاغرة والتي تتمثل في تحقيق مصلحة العمل وعدم تعطيل الأداة الحكومية أو التقصير في رعاية المرافق العامة بسبب خلو كثير من الدرجات والوظائف الحكومية، ثم الانتفاع بكفايات الموظفين الموجودين في الكادر المتوسط، ولا سيما حملة الشهادات العالية منهم، والإفادة من خبرتهم في الكادر العالي، بغية إتمام التناسق بين الكادرين وتحقيق الأغراض التي تتفق والأهداف التي دعت إلى استصدار المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي. ولو وقف الأمر عند حد الحرص على شغل الوظائف التي شغرت نتيجة للتطهير أو بسببه لأمكن ذلك من طريق الترقية إلى هذه الوظائف أو التعيين فيها وفقاً لقانون نظام موظفي الدولة دون حاجة إلى تشريع خاص يجيز النقل بين الكادرين على خلاف أحكام هذا القانون.
2 - إذا كانت جهة الإدارة تملك - بمقتضى نص المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 142 لسنة 1953 الصادر في 26 من مارس سنة 1953 - "الترقية من أعلى درجة في الوزارة أو المصلحة من درجات الكادر الكتابي فيها إلى الدرجة التالية لها في الكادر الإداري" بشروط معينة، فإنها تملك من باب أولى النقل دون ترقية متى اقتضى ذلك حسن سير العمل في المصالح العامة، ما دام النقل ليس إلى وظيفة درجتها أقل ولا يفوت على الموظف دوره في الترقية بالأقدمية. ولا يجوز أن يحول دون إعمال سلطة النقل هذه ابتغاء وجه المصلحة العامة التذرع - سواء من قبل الموظف المنقول أو من جانب موظفي الجهة المنقول إليها - بأمل في حق قائم على مصلحة فردية لا تتوازى مع المصلحة العليا الأسمى منها والواجب تغليبها عليها.


إجراءات الطعن

في 13 من فبراير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 15 من ديسمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 4726 لسنة 8 القضائية المقامة من فايز توماس سوريال ضد وزارة الحربية والبحرية، القاضي: "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع: أولاً - بإلغاء قرار اللجنة القضائية بالنسبة إلى ما قضت به من رفض التظلم الخاص بطلب إلغاء القرار 273 الصادر في 29 أبريل سنة 1953 فيما تضمنه من نقل محمد عبد العزيز خليل من الدرجة الرابعة الكتابية إلى الدرجة الرابعة الإدارية وبإلغاء هذا القرار. ثانياً - رفض الدعوى وتأييد قرار اللجنة القضائية بالنسبة إلى باقي الطلبات. ثالثاً - إلزام المدعي والحكومة بالمصاريف مناصفة بينهما"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار النقل المطعون فيه وفيما قضى به من تقسيم المصروفات مناصفة بين الحكومة والمتظلم، ورفض التظلم في هذا الشق أيضاً، وإلزام المتظلم وحده بالمصروفات"، وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الحربية والبحرية في 7 من مارس سنة 1956 وإلى المطعون عليه في 13 من مارس سنة 1956 وعين لنظره جلسة 19 من مايو سنة 1956، وفي 12 من أبريل سنة 1956 أودع المطعون عليه سكرتيرية المحكمة مذكرة بملاحظاته انتهى فيها إلى طلب الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتأييد الحكم فيما قضى به من إلغاء قرار نقل الأستاذ محمد عبد العزيز خليل من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري وإلغائه في الشطر الذي رفض من طلبات المدعي بأن يضاف فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 29 من أبريل سنة 1953 مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وغيرها، مع إلزام الوزارة بالمصروفات والأتعاب، وحفظ كافة الحقوق الأخرى"، ولم تقدم الحكومة مذكرة ما في الميعاد القانوني، وقد أبلغ الطرفان في 6 من مايو سنة 1956 بميعاد الجلسة التي عينت لنظر الطعن، وفيها سمعت المحكمة إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم مع الترخيص في تقديم مذكرات.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه قدم إلى اللجنة القضائية لوزارتي الأشغال العمومية والحربية والبحرية التظلم رقم 3483 لسنة 1 القضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية اللجنة في أول أغسطس سنة 1953 أبدى فيها وفي المذكرات التي قدمها للجنة بعد ذلك أنه حاصل على بكالوريوس التجارة في سنة 1936 والتحق بخدمة وزارة الحربية والبحرية بالدرجة السادسة اعتباراً من 14 من نوفمبر سنة 1937 ثم رقي إلى الدرجة الخامسة بالتطبيق لقواعد التنسيق من أول مايو سنة 1946، وأنه كان يترقب ترقيته إلى الدرجة الرابعة الإدارية لأن ترتيبه كان الثالث في كشف أقدمية موظفي الدرجة الخامسة، بيد أن الوزارة أصدرت في 29 من أبريل سنة 1953 القرار رقم 273 بنقل محمد عبد العزيز خليل من الدرجة الرابعة الكتابية إلى الدرجة الرابعة الإدارية التي كانت شاغرة في هذا التاريخ ثم أصدرت قراراً آخر في التاريخ ذاته بترقية اثنين من الموظفين إلى درجتين رابعة كانتا خاليتين بالكادر الإداري أيضاً وكان هو يليها في ترتيب الأقدمية بما يجعل من حقه الترقية إلى ثالثتهما التي نقل إليها محمد عبد العزيز خليل والتي كان يتعين ترقيته هو إليها بالأقدمية المطلقة لو لم يتم هذا النقل، ونعى على قرار النقل هذا مخالفته للقانون؛ لأنه وقد استند إلى القانونين الاستثنائيين رقمي 42 و87 لسنة 1953 اللذين صدرا لمواجهة خاصة هي شغل الوظائف التي خلت بفصل شاغليها بغير الطريق التأديبي تحقيقاً للمصلحة العامة حتى لا تتعطل الأداة الحكومية، يكون قد خالف قصد المشرع من إصدار هذين القانونين؛ لكون الوظيفة التي نقل إليها محمد عبد العزيز خليل لم تخل بفصل شاغلها بغير الطريق التأديبي، وخلص من هذا إلى طلب إلغاء القرار رقم 273 الصادر في 29 من أبريل سنة 1953 فيما تضمنه من نقل محمد عبد العزيز خليل من الدرجة الرابعة الكتابية إلى الدرجة الرابعة الإدارية وتقرير أحقيته في أن يرقى إلى هذه الدرجة بالأقدمية المطلقة بصفة أصلية، وبصفة احتياطية في أن يرقى إلى إحدى درجتين رابعة إداريتين خلتا بترقية شاغليهما بقرار صدر في 30 من يونيه سنة 1953. وقد دفعت وزارة الحربية بعدم قبول التظلم شكلاً لتقديمه بعد الميعاد القانوني؛ إذ أن المتظلم لم يعترض على قرار النقل إلا في 9 من يوليه سنة 1953 أي بعد مرور أكثر من ستين يوماً، كما ردت على موضوع التظلم بأن محمد عبد العزيز خليل كان يشغل وظيفة مدير الإدارة بمصلحة الأرصاد الجوية منذ أبريل سنة 1949 وظل بها إلى أن نقل إلى الديوان العام والجيش في 6 من سبتمبر سنة 1951 مع ندبه للعمل بإدارة المصانع الحربية، ونظراً إلى أن درجات المصانع الحربية كانت مدرجة ضمن اعتمادات الباب الثالث من ميزانية الديوان العام والجيش فقد كان يخصم بماهيته على إحدى الدرجات الرابعة الإدارية بالمصانع الحربية، ولما رأى ديوان الموظفين قصر درجات المصانع على موظفيها واستقلالها عن درجات الديوان العام والجيش لم يسع الوزارة إلا أن تخصم بماهيته على إحدى الدرجات الرابعة الكتابية لعدم وجود درجات إدارية خالية بالديوان العام والجيش وذلك حتى يتسنى لها تصحيح وضعه عندما تخلو درجة رابعة إدارية، فلما خلت ثلاث درجات رابعة في الكادر الإداري سوت حالته للإفادة من خبرته بأعمال المستخدمين وذلك بنقله إلى إحداها، وقد تم هذا النقل بالتطبيق لأحكام القانون رقم 87 لسنة 1953 لتصحيح الوضع الخاطئ الذي نجم عن عدم وجود درجة رابعة إدارية خالية حينما كان يخصم بماهيته على درجة كتابية وصدر بذلك قرار الوزارة في 29 من أبريل سنة 1953 استعمالاً للحق المخول لها في النقل من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري، أما الدرجتان الأخريان فقد استعرضت لجنة شئون الموظفين بالوزارة أسماء موظفي الدرجة الخامسة الإدارية المرشحين لها فوجدت أن أقدمهم هما أحمد سعد الدين ومحمد خضر وكلاهما يشغل الدرجة الخامسة منذ أول مايو سنة 1946 ولا يوجد بملفي خدمتهما ما يحول دون ترقيتهما فأوصت بترقيتهما إلى الدرجة الرابعة الإدارية بالأقدمية المطلقة وصدر قرار وزاري بهذه الترقية اعتباراً من 29 من أبريل سنة 1953، أما المتظلم فيقع ترتيبه في كشف الأقدمية بعدهما. وبجلسة 7 من ديسمبر سنة 1953 قررت اللجنة القضائية "(أولاً) رفض الدفع بعدم قبول الطعن لتقديمه بعد الميعاد - (ثانياً) عدم اختصاصها بالنظر في طلب ترقية المتظلم إلى إحدى الدرجات المختلفة عن ترقية شاغليها بحركة الترقيات التي أصدرتها الوزارة في 30 من يونيه سنة 1953 - (ثالثاً) رفض ما عدا ذلك من الطلبات، وإلزام مقدمه بالرسوم المقررة"، واستندت في قرارها برفض الدفع بعدم قبول الطعن إلى أنه لم يثبت علم المتظلم علماً يقينياً بقرار النقل من تاريخ سابق لتظلمه من هذا النقل - للوزارة في 9 من يوليه سنة 1953 ثم للجنة في 30 من يوليه سنة 1953 - بمدة تزيد على ستين يوماً. كما بنت رفضها للطلب الأصلي الخاص بإلغاء القرار رقم 273 الصادر في 29 من أبريل سنة 1953 على أن الوزارة قد التزمت الأهداف التي أراد المشرع تحقيقها بإصدار القانون رقم 87 لسنة 1953 عندما نقلت محمد عبد العزيز خليل من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري للإفادة من خبرته في الأعمال التي مارسها بأقسام المستخدمين فضلاً عن كونه يحمل مؤهلاً جامعياً. أما بالنسبة إلى الطلب الاحتياطي وهو تقرير أحقية المتظلم في الترقية إلى إحدى الدرجات الرابعة الإدارية المتخلفة عن ترقية شاغلها إلى الدرجة الثالثة الإدارية بحركة الترقيات التي أجرتها الوزارة في 30 من يونيه سنة 1953 فقد قضت اللجنة بعدم اختصاصها بنظره لكونه يتركز في حقيقته في مطالبة اللجنة بالحلول محل جهة الإدارة في إصدار قرار إداري هو من صميم اختصاص الإدارة ولا تملك اللجنة إلزامها بإصداره. وقد طعن المتظلم في قرار اللجنة هذا أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم 4726 لسنة 8 القضائية التي أودع صحيفتها سكرتارية المحكمة في 3 من مارس سنة 1954 طالباً فيها الحكم "بإلغاء قرار اللجنة القضائية لوزارتي الأشغال والحربية الصادر في التظلم رقم 3483 لسنة 1 ق بتاريخ 7 من ديسمبر سنة 1953 وإلغاء قرار وزير الحربية رقم 273 الصادر في 29 من أبريل سنة 1953 فيما تضمنه من ترك الطالب في الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية اعتباراً من التاريخ المذكور وما يترتب على ذلك من آثار مالية، مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة؛ وأسس طعنه على أن نقل محمد عبد العزيز خليل من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري قد تم استناداً إلى المراسيم بقوانين رقم 42 ورقم 87 ورقم 132 لسنة 1953 في حين أن هذه القوانين لا تبيح النقل إلا لشغل الدرجات التي تخلو بفصل شاغليها بغير الطريق التأديبي وهذا لا ينطبق على الدرجات الرابعة التي خلت بالوزارة نتيجة ترقية شاغليها ومن بينها الدرجة موضوع النزاع، فضلاً عن أن هذه القوانين هي قوانين استثنائية لا يجوز استعمال الرخصة الممنوحة للإدارة بمقتضاها في غير الأغراض التي حددها المشرع وإلا كانت مخالفة لأحكام المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 ومنطوية على إساءة استعمال السلطة. وبجلسة 15 من ديسمبر سنة 1955 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) في هذه الدعوى "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع: أولاً - بإلغاء قرار اللجنة القضائية بالنسبة إلى ما قضت به من رفض التظلم الخاص بطلب إلغاء القرار رقم 273 الصادر في 29 من أبريل سنة 1953 فيما تضمنه من نقل محمد عبد العزيز خليل من الدرجة الرابعة الكتابية إلى الدرجة الرابعة الإدارية وبإلغاء هذا القرار. ثانياً - رفض الدعوى وتأييد قرار اللجنة القضائية بالنسبة إلى باقي الطلبات. ثالثاً - إلزام المدعي والحكومة بالمصاريف مناصفة بينهما"، وأقامت قضاءها على أن أعمال السلطة المخولة للحكومة في النقل من كادر إلى آخر بمقتضى القوانين رقم 42 ورقم 87 ورقم 132 لسنة 1953 لا يكون إلا إذا كانت الوظيفة التي تم النقل إليها قد خلت بفصل شاغليها نتيجة للتطهير أو بسبب الترقية إلى إحدى الوظائف المطهرة؛ ومن ثم فلا يكون للجهة الإدارية حق النقل من كادر إلى آخر إلا في حدود هذا القيد القانوني الذي هو الباعث على إصدار تلك القوانين، وما دامت الدرجة الرابعة الإدارية التي نقل إليها محمد عبد العزيز خليل غير متخلفة عن التطهير أو بسببه، فإن هذا النقل يكون قد وقع مخالفاً للقانون ومشوباً بإساءة استعمال السلطة.
ولا عبرة بما تتذرع به الحكومة من أن المذكور كان عند نقله من المصانع الحربية إلى الوزارة يصرف مرتبه على الدرجة الرابعة الإدارية؛ إذ أن هذا لا يغير من وضعه في الكادر الكتابي. أما بالنسبة إلى الطلب الخاص بالترقية إلى الدرجة التي تشغر بإلغاء قرار نقل محمد عبد العزيز خليل من الكادر الكتابي فإن المحكمة لا تملك الأمر بهذه الترقية ولا بالترقية إلى الدرجات التي خلت بالقرار الصادر في 30 من يونيه سنة 1953؛ إذن أن ذلك هو من شئون الجهة الإدارية في حدود القوانين واللوائح. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتارية هذه المحكمة في 13 من فبراير سنة 1956 طلب فيها "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء قرار النقل المطعون فيه وفيما قضى به من تقسيم المصروفات مناصفة بين الحكومة والمتظلم، ورفض التظلم في هذا الشق أيضاً، وإلزام المتظلم وحده المصروفات"، واستند في طعنه إلى أن المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 وكذا المادة الثانية من القانون رقم 87 لسنة 1953 قد وردتا مطلقتين من أي قيد عدا قيد الفترة الزمنية التي يجوز فيها النقل، وأنه إذا كانت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 قد أشارت إلى أن كثيراً من الدرجات والوظائف الحكومية قد شغرت نتيجة لتطبيق المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي فليس مفاد هذا أن النقل لا يجوز في جميع الحالات إلا إلى درجة خلت لفصل شاغليها نتيجة للتطهير أو بسببه، بل هو بيان للحالات الغالبة التي كانت من ضمن البواعث على إصدار هذا التشريع، ومثل هذا الباعث لا يجوز أن يكون قيداً قانونياً على النص المطلق؛ يؤكد ذلك أن المذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون المشار إليه لم تجتزئ بهذا الباعث، بل أشارت إلى بواعث أخرى لإصداره وكل ما هنالك أن النقل إلى السلك الأدنى بمثابة عقوبة يلزم أن تدور في فلك المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، أي تقتصر على من تعلق به شبهات مما يفسد الأداة الحكومية، ولا قيد بعد ذلك. أما المادة الثانية من القانون رقم 87 لسنة 1953 فإنها تجيز النقل إلى السلك الأعلى، وقد أفصحت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون عن أن الغرض من ذلك إنما هو الانتفاع بكفايات الموظفين الموجودين في الكادر المتوسط ومنهم كثير من حملة المؤهلات العالية أو ممن استفادوا خبرة عملية، وتقضي المصلحة العامة الانتفاع بهم في الكادر العالي. ولما كان الثابت أن وزارة الحربية قد استهدفت بقرار النقل المطعون فيه، فوق تصحيح وضع محمد عبد العزيز خليل، الإفادة من خبرته في العمل بإدارة المستخدمين، فإنها تكون قد تغيت المصلحة العامة التي قصدها القانون رقم 87 لسنة 1953، ويكون قرارها غير معيب، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون، وتكون قد قامت به الحالة الأولى من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا المنصوص عليها في المادة 15 من قانون مجلس الدولة، وقد أودع المطعون عليه سكرتيرية هذه المحكمة في 12 من أبريل سنة 1956 مذكرة بملاحظاته طلب فيها أن تتصدى المحكمة لموضوع الدعوى برمته وأن تلغي الشطر من الحكم الذي قضى برفض جانب من طلباته الأصلية، وقال فيما يتعلق بإلغاء قرار النقل إنه يجب أن يتم إلى درجة خلت عن التطهير أو بسببه، وفيما يختص بأحقيته في الترقية إن هذا هو الأثر المباشر لإلغاء قرار النقل؛ لأنه هو وحده صاحب الحق في هذه الدرجة بلا منازع متى ألغى قرار نقل شاغلها الذي لا يستحقها، وخلص من هذا إلى طلب الحكم "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بتأييد الحكم فيما قضى به من إلغاء قرار نقل الأستاذ محمد عبد العزيز خليل من الكادر الكتابي إلى الكادر الإداري وإلغائه في الشطر الذي رفض من طلبات المدعي بأن يضاف فيما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى الدرجة الرابعة اعتباراً من 29 أبريل سنة 1953 مع ما يترتب على ذلك من آثار مالية وغيرها، مع إلزام الوزارة بالمصروفات والأتعاب، مع حفظ كافة الحقوق الأخرى"، ثم قدم بعد ذلك مذكرة تكميلية قال فيها إن المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 إنما تتكلم عن الترقية من أعلى درجة في الوزارة أو المصلحة بالكادر الكتابي إلى الدرجة التالية لها في الكادر الإداري في حدود النسبة المخصصة للاختيار بشرط ألا يزيد نصيب ذوي المؤهلات المتوسطة عن 40% من النسبة المخصصة للترقية بالاختيار، أما نقل الموظف من الدرجة الرابعة الكتابية إلى الدرجة الرابعة الإدارية فإنه مخالف لنص المواد 47 وما بعدها من قانون نظام موظفي الدولة التي تمنع النقل من كادر إلى كادر.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع في هذا الطعن تدور حول ما إذا كان القانون رقم 87 لسنة 1953 الذي استندت إليه وزارة الحربية والبحرية في نقل محمد عبد العزيز خليل من الدرجة الرابعة بإدارة المستخدمين بالكادر الكتابي إلى الدرجة الرابعة الإدارية يجيز هذا النقل لحكمة عامة هي الانتفاع بكفايات الموظفين الموجودين في الكادر المتوسط بمناسبة صدور قوانين التطهير أم يقيد ذلك بوجوب تحقيق غير محدد هو ألا يتم النقل إلا إلى درجة خلت بفصل شاغلها نتيجة للتطهير أو بسببه، وما إذا كانت الوزارة قد تغيت في إصدار قرار النقل المشار إليه المصلحة العامة التي استهدفها المشرع بإصدار القانون سالف الذكر أم جانبت هذه الغاية وانحرفت بالرخصة المخولة لها بمقتضاه إلى غرض آخر، وهل كان هذا النقل يقع صحيحاً لو لم يتم استناداً إلى هذا القانون الاستثنائي بل جرى بالتطبيق لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بنظام موظفي الدولة. وإذا كان قرار النقل المطعون فيه قد صدر معيباً فهل انطوى على تخط للمطعون عليه في الترقية إلى الدرجة الرابعة الإدارية اعتباراً من تاريخ صدوره أم أن ما يطلبه المذكور من ترقيته إلى هذه الدرجة يخرج عن ولاية القضاء؟.
ومن حيث إنه يبين من استقراء النصوص الاستثنائية المؤقتة الخاصة بنقل الموظفين من سلك إلى آخر أن المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 - الصادر في 22 من يناير سنة 1953 بوضع استثناء وقتي من بعض أحكام المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - نص في مادته الأولى على أنه "استثناء من أحكام المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 المشار إليه يجوز في الفترة من تاريخ العمل بهذا القانون إلى آخر فبراير سنة 1953 نقل الموظف من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية من الدرجة ذاتها، وقد كانت المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - وقت صدور هذا المرسوم بقانون وقبل تعديلها بالقانون رقم 94 لسنة 1953 الصادر في 7 مارس سنة 1953 وإضافة فقرة أخيرة إليها بالقانون رقم 586 لسنة 1953 - تنص على أنه "يجوز نقل الموظف من إدارة إلى أخرى. ويجوز نقله من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إذا كان النقل لا يفوت عليه دوره في الترقية أو الأقدمية أو كان بناء على طلبه. ومع ذلك لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى وزارة أو مصلحة أخرى إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ولو حل دور ترقيته في نسبة الأقدمية في المصلحة المنقول إليها. ولا يجوز النقل من وظيفة إلى أخرى درجتها أقل"، ثم صدر بعد ذلك في 26 من فبراير سنة 1953 القانون رقم 87 لسنة 1953 وقضى في مادته الأولى بأن "يستمر العمل بأحكام المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 إلى آخر مارس سنة 1953"، كما نص في مادته الثانية على أنه "يجوز في الفترة المبينة في المادة السابقة نقل الموظف من وظيفة فنية متوسطة أو كتابية إلى وظيفة فنية عالية أو إدارية من الدرجة ذاتها"، وأعقب ذلك في 19 من مارس سنة 1953 صدور القانون رقم 132 لسنة 1953 الذي نص في مادته الأولى على أن "يستمر العمل بأحكام المرسوم بقانون رقم 42 والقانون رقم 87 لسنة 1953 المشار إليهما إلى آخر أبريل سنة 1953".
ومن حيث إنه جاء بالمذكرة الإيضاحية للمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 أنه "ترتب على تطبيق المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي أن شغرت كثير من الدرجات والوظائف الحكومية، ولما كان صالح العمل قد يقضي شغل بعض هذه الوظائف حتى لا تتعطل الأداة الحكومية أو تقصر في رعاية المرافق العامة، واستجابة لما أوصت به بعض لجان الفصل من وجوب نقل موظفين من وظائف فنية أو إدارية إلى وظائف كتابية مراعاة لصالح العمل ولكي يمكن تحقيق الأغراض التي دعت إلى استصدار تلك المراسيم بقوانين، فإنه رؤى من الضروري وقف العمل ببعض أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 لفترة تتمكن فيها الحكومة من شغل الوظائف بالنقل أو الترقية دون إبطال ودون التقيد ببعض القواعد العامة المنصوص عليها في قانون موظفي الدولة والتي تقف حائلاً دون تحقيق الأغراض المقصودة. لذلك أعدت وزارة المالية مشروع القانون المرافق بوضع استثناء وقتي من أحكام المادة 47 من القانون المذكور من مقتضاها جواز نقل الموظف من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية من درجتها"، كما ورد بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 87 لسنة 1953 أنه "استجابة لما أوصت به لجان فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، ونظراً لشغر كثير من الوظائف والدرجات الحكومية، أصدرت الحكومة بقانون رقم 42 لسنة 1953 استثناء من أحكام المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ويقضي هذا المرسوم بقانون بجواز نقل الموظفين من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية من الدرجة ذاتها، وقد تحدد للعمل بأحكام هذا المرسوم مدة وجيزة تنتهي في آخر فبراير سنة 1953. ولما كانت الفائدة المرجوة من إصدار المرسوم بقانون المشار إليه لم يتسن تحقيقها على الوضع الذي ترمي إليه توصيات لجان فصل الموظفين ومصلحة العمل؛ وذلك لضيق الوقت الذي حدد للعمل بهذا المرسوم، فقد رؤى إفساح الوقت بمد العمل بأحكام هذا المرسوم بقانون لمدة أخرى تنتهي في آخر مارس سنة 1953. وقد أضيفت مادة جديدة في هذا القانون تقضي بنقل الموظفين من الكادر المتوسط إلى الكادر العالي، وذلك للانتفاع بكفايات الموظفين الموجودين في الكادر المتوسط، وقد يكون كثير منهم حملة شهادات عالية أو استفادوا خبرة جمة وتقضي المصلحة العامة بالانتفاع بهم في الكادر العالي وليتم التناسق لتوفر الحكمة في الحالتين".
ومن حيث إنه يستخلص من استظهار النصوص المتقدمة أن المشرع خول الإدارة - بمقتضى كل من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 والمادة الثانية من القانون رقم 87 لسنة 1953 - رخصة وقتية على خلاف المادة 47 من القانون رقم 210 لسنة 1951، في نقل الموظفين من سلك إلى آخر، وأن هذه الرخصة جاءت مطلقة من أي قيد سواء من حيث طبيعة الوظيفة التي يتم النقل إليها أو من حيث سبب خلوها فيما عدا القيد الزمني الذي أورده لاستعمال هذه الرخصة والشرط النوعي الذي استلزم به أن تكون كلتا الوظيفتين المنقول منها والمنقول إليها من درجة واحدة. وبعد أن أجاز في المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 النقل من وظيفة فنية عالية أو إدارية إلى وظيفة فنية متوسطة أو كتابية وعلل ذلك بصالح العمل حتى تتمكن الحكومة من شغل الوظائف الكثيرة الشاغرة وقتذاك بالنقل أو الترقية دون إبطاء ودون التقيد ببعض القواعد العامة المنصوص عليها في قانون نظام موظفي الدولة التي قد تقف حائلاً دون تحقيق هذه الغاية، أضاف في القانون رقم 87 لسنة 1953 مادة جديدة تقضي بجواز نقل الموظفين من الكادر الفني المتوسط أو الكتابي إلى الكادر الفني العالي أو الإداري، وذلك للمحكمة ذاتها، ولكي يتم التناسق والتعادل بتبادل النقل بين الكادرات المختلفة، وحتى يتسنى الانتفاع بكفايات الموظفين الموجودين في الكادر المتوسط وقد يكون منهم من يحمل مؤهلاً عالياً ومن اكتسب خبرة من ممارسة العمل وتقضي المصلحة العامة بالانتفاع بهم في الكادر العالي. وإذ كانت المذكرة الإيضاحية لكل من هذين القانونين قد تضمنت تنويهاً إلى أنه ترتب على تطبيق المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي أن شغرت كثير من الدرجات والوظائف الحكومية وإلى أن بعض لجان فصل الموظفين أوصت بوجوب شغل هذه الوظائف وتبادل نقل الموظفين من كادر إلى آخر مراعاة لصالح العمل ولكي يمكن تحقيق الأغراض التي دعت إلى استصدار تلك المراسيم بقوانين، فليس مقتضى هذه الإشارة حصر مجال تطبيق النقل في الدرجات التي خلت نتيجة للتطهير أو تخلفت بسببه دون ما عداها من الدرجات الأخرى، بل مجرد بيان لحكم الغالب من الحالات التي كانت من بين بواعث إصدار هذا التشريع والتي لا يمكن أن تنقلب قيداً على النص المطلق الذي وضع بصفة عامة ولمدة مؤقتة استثناء من أحكام نظام موظفي الدولة وهو القانون الذي لا يتحدد تطبيقه في مجاله بدرجات معينة، ولا يخرج الاستثناء عن طبيعة المستثنى منه. وقد أفصح المشرع في المذكرتين الإيضاحيتين للمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 1953 والقانون رقم 87 لسنة 1953 عن الحكمة العامة في إجازة نقل الموظفين بمقتضى هذين التشريعين، تلك الحكمة التي تسمو عن مجرد الرغبة في شغل الوظائف الشاغرة والتي تتمثل في تحقيق مصلحة العمل وعدم تعطيل الأداة الحكومية أو التقصير في رعاية المرافق العامة بسبب خلو كثير من الدرجات والوظائف الحكومية ثم الانتفاع بكفايات الموظفين الموجودين في الكادر المتوسط ولا سيما حملة الشهادات العالية منهم والإفادة من خبرتهم في الكادر العالي، بغية إتمام التناسق بين الكادرين وتحقيق الأغراض التي تتفق والأهداف التي دعت إلى استصدار المراسيم بقوانين الخاصة بفصل الموظفين بغير الطريق التأديبي، ولو وقف الأمر عند حد الحرص على شغل الوظائف التي شغرت نتيجة للتطهير أو بسببه لأمكن ذلك من طريق الترقية إلى هذه الوظائف أو التعيين فيها وفقاً لقانون نظام موظفي الدولة دون حاجة إلى تشريع خاص يجيز النقل بين الكادرين على خلاف أحكام هذا القانون.
ومن حيث إنه ثابت من الأوراق أن وزارة الحربية إنما استهدفت في إصدار قرارها المطعون فيه - بنقل محمد عبد العزيز خليل من الدرجة الرابعة بإدارة المستخدمين بالكادر الكتابي إلى مثيلتها بالكادر الإداري مع حساب أقدميته في هذه الأخيرة من تاريخ ترقيته إلى الدرجة الرابعة الكتابية - المصلحة العامة التي قصدها القانون رقم 87 لسنة 1953 وهي الإفادة من خبرته بشئون المستخدمين بعد إذ شغل وظيفة مدير الإدارة بمصلحة الأرصاد الجوية فوظيفة مدير مستخدمي المصانع الحربية ومصانع الطائرات ثم وظيفة وكيل مستخدمي الوزارة التي لم يندب لها ديوان الموظفين من يقوم بأعبائها سواه، فضلاً عن كونه يحمل مؤهلاً عالياً هو بكالوريوس التجارة في سنة 1937، وعما حفل به ملف خدمته من الإشادة بكفايته، كما توخت في الوقت ذاته تصحيح وضعه الناتج عن قيده اضطراراً على إحدى الدرجات الكتابية بميزانية الديوان العام والجيش بعد نقله من مصلحة الأرصاد الجوية إلى الديوان المذكور وندبه للعمل بإدارة المصانع الحربية خصماً بماهيته على إحدى الدرجات الرابعة الإدارية بهذه المصانع وذلك بعد أن رأى ديوان الموظفين وجوب استقلال هذه المصانع بوظائفها عن الديوان العام وبعد أن تبين عدم وجود درجات إدارية خالية وقتذاك بهذا الأخير، ورغم أن المذكور كان شاغلاً لدرجة رابعة إدارية بالفعل منذ أول أكتوبر سنة 1951 تاريخ نقله إلى ديوان عام الوزارة والجيش.
ومن حيث إنه فضلاً عما تقدم ولما كانت وظائف الدرجة الرابعة الإدارية الخالية وقت صدور حركة الترقيات التي تمت في 29 من أبريل سنة 1953 ثلاثاً رقي إلى اثنين منها كل من أحمد محمد سعد الدين ومحمد محمد خضر بالأقدمية المطلقة لكونهما أقدم موظفي الدرجة الخامسة الإدارية ويسبقان المطعون عليه في ترتيب الأقدمية ولا يوجد بملفي خدمتهما ما يحول بين ترقيتهما، فليس ثمة قيد من المادة 47 من قانون نظام موظفي الدولة على حرية الإدارة في نقل محمد عبد العزيز خليل إلى ثالثة هذه الدرجة بمراعاة حقيقة وضعه من أنه كان شاغلاً للدرجة الرابعة الإدارية التي رقى إليها اعتباراً من أول مايو سنة 1950 بالقرار الوزاري رقم 196 الصادر في 31 من مايو سنة 1950، وأنه إنما خصم بماهيته على إحدى الدرجات الرابعة الكتابية اضطراراً لضرورة لا دخل لإرادته فيها بسبب عدم وجود درجات إدارية خالية بميزانية الديوان العام والجيش بعد إلغاء قيده على الدرجة الرابعة الإدارية بالمصانع الحربية بناء على ما ارتآه ديوان الموظفين من وجوب قصر درجات هذه المصانع على موظفيها. وإذ كانت جهة الإدارة تملك بمقتضى نص المادة 41 من القانون رقم 210 لسنة 1951 معدلة بالقانون رقم 143 لسنة 1953 الصادر في 26 من مارس سنة 1953 - "الترقية من أعلى درجة في الوزارة أو المصلحة من درجات الكادر الكتابي فيها إلى الدرجة التالية لها في الكادر الإداري" بشروط معينة، فإنها تملك من باب أولى النقل دون ترقية متى اقتضى ذلك حسن سير العمل في المصالح العامة، ما دام النقل ليس إلى وظيفة درجتها أقل ولا يفوت على الموظف دوره في الترقية بالأقدمية ولا يجوز أن يحول دون إعمال سلطة النقل هذه ابتغاء وجه المصلحة العامة التذرع سواء من قبل الموظف المنقول أو من جانب موظفي الجهة المنقول إليها بأمل في حق قائم على مصلحة فردية لا تتوازى مع المصلحة العليا الأسمى منها والواجب تغليبها عليها.
ومن حيث إنه متى كان قرار النقل المطعون فيه قد وقع صحيحاً مطابقاً للقانون، فلا وجه بعد ذلك لما ينعاه المطعون عليه من تخطيه في الترقية إلى الدرجة التي تم النقل إليها وقد رقي بعد ذلك إلى الدرجة الرابعة الإدارية اعتباراً من 31 من ديسمبر سنة 1953 بالقرار الوزاري رقم 982.
ومن حيث إنه لما تقدم من أسباب يكون الطعن في محله، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه فيما قضى به من استجابة لطلبات المدعي الذي يتعين رفض دعواه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، في موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.