مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 1997 إلى آخر سبتمبر1997) - صـ 709

(73)
جلسة 23 من مارس سنة 1997

السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ على عوض محمد صالح، وإدوارد غالب سيفين، وسامى أحمد محمد الصباغ، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3069 لسنة 34 قضائية عليا

(أ) اختصاص - ما يدخل فى اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى - عدم الرد على الطلبات المقدمة بإصدار الصحف. (قرار إدارى).
يلزم التفرقة بين سلطات المجلس الأعلى للصحافة التى أناط القانون التظلم منها أمام محكمة القيم وهى التظلم من قرارات الرفض الصريح لإنشاء الصحف - أما فى ما عدا ذلك - مثل عدم الرد على الإخطارات المقدمة من ذوى الشأن بإصدار الصحف - فان الاختصاص يظل منوطاً بقضاء مجلس الدولة - حيث إن عدم الرد فى حكم القرار الإدارى شأنه فى ذلك شأن القرار يصدر من أية جهة إدارة فى أى شأن من شئونها - إذ يستهدف تحديد المركز القانونى لطالب الترخيص بإصدار الصحيفة - القول بغير ذلك مفاده اختصاص محكمة القيم بما لم يتضمنه صريح نص القانون - تطبيق.
(ب) صحافة - الترخيص بإصدار الصحف والمجلات - سلطة المجلس الأعلى للصحافة - ضوابطها.
المواد 13 و14 و19 و20 من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة.
المشرع بعد أن أورد الشروط والضوابط اللازمة للترخيص بإصدار الصحف والمجلات أورد استثناء خوله للمجلس الأعلى للصحافة، حيث خصه بسلطة الاعفاء من كل أو بعض الشروط التى تطلبتها المادة (19) من قانون سلطة الصحافة بالنسبة إلى الحالات التى تقدم طلباتها إليه - سلطة المجلس فى هذا الشأن هى سلطة تقديرية تتيح له الموازنة والترجيح بغية تبين توافر الشروط التى تطلبها القانون كلها أو بعضها بما يحقق الغاية من اصدار الصحف باعتبارها ضمانة لحرية الرأى والتعبير ووسيلة للإعلام - لا يسوغ فى مجال السلطة التقديرية فى أمور استثنائية متعلقة بحرية إصدار وتملك الصحف افتراض قيام قرارات سلبية دون نص صريح من المشرع حيث يتعارض هذا الافتراض مع واقع الحال ومع صحيح أحكام القانون إذ لا يوجد ما يوجب على المجلس الأعلى للصحافة إقرار الاستثناءات من الأصل العام الذى خوله المشرع التصرف بشأنها.
عدم الرد من المجلس الأعلى للصحافة خلال المدة القانونية يعتبر فى حكم قرار الموافقة أو عدم الاعتراض على صدورها - أساس ذلك - حتى لا تكون سلطة المجلس مطلقة من كل قيد زمنى على نحو يشكل تقييداً لحرية الصحافة - مؤدى ذلك - هذه الموافقه أو عدم الاعتراض مقصور على الأحوال العادية - أما فى الأحوال التى يكون فيها ذوو الشأن مقدمو الإخطار أو ملكية الصحيفة ذاتها متعارضة مع نوعية الملكية التى أجازها المشرع وقرر لها الأولوية والتمييز - فلا يكون ثمة أساس من القانون للزعم بأن عدم رد المجلس الأعلى للصحافة فى هذه الحالة يعد موافقة عليها - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الاثنين الموافق 15/ 8/ 1988 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 3069 لسنة 34 ق. ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 5588 لسنة 41 ق والقاضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصرفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة بتقرير الطعن - قبول الطعن شكلا وبإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء أصليا: بعدم اختصاص محكمة القضاء الإدارى ولائياً بنظر الدعوى، واحتياطياً برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى. وتم إعلان الطعن على النحو الموضح بالأوراق.
قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع برفضه مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/ 7/ 1995 وبجلسة 20/ 11/ 1995 قررت احالة الطعن إلى هذه المحكمة والتى نظرته بجلسة 24/ 12/ 1995 وبالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 15/ 12/ 1996 قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة اليوم 23/ 3/ 1997 وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن الطعون ضده أقام الدعوى رقم 5588/ 41 ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 1/ 8/ 1987 طالباً فى ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبى بالامتناع عن تسليمه صك الترخيص بإصدار صحيفة المستقبل وإلزام المدعى عليه المصروفات، وقال بياناً لدعواه إنه تقدم بتاريخ 16/ 10/ 1985 إلى المدعى عليه بإخطار عن إصدار صحيفة تسمى المستقبل تطبع فى مصر باللغة العربية كل أسبوع وضمن إخطاره كافة البيانات المنصوص عليها فى المادة (14) من قانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980 ثم عاد وتقدم فى 8/ 1/ 1986 بإخطار جديد بذات بيانات الإخطار الأول موقعاً عليه من رئيس مجلس إدارة جمعية المستقبل ورئيس التحرير المرشح لجريدة المستقبل ومصدق على توقيعاتهم من مأمورية الشهر العقارى المختصة غير أن المدعى عليه التزم الصمت طوال أكثر من عام إلى أن خاطب المدعى بالكتاب رقم 1969 فى 18/ 4/ 1987 بطلب بعض البيانات والإيضاحات فرد عليه المدعى فى 26/ 4/ 1987 بكتاب معتمد من مديرية الشئون الاجتماعية المختصة مقدماً كل البيانات والإيضاحات التى طلبها ثم أخطره المدعى فى 29/ 4/ 1987 بكتاب موضحاً فيه مصادر تمويل الجريدة ثم أعاد الكتابة إلى المدعى عليه فى 4/ 5/ 1987 بتلقيه عرض أسعار طبع جريدة المستقبل مطالباً إياه بسرعة إصدار الترخيص ورغم ذلك فقد اعتصم المدعى عليه بالصمت، وإذ كان مقتضى المادتين 14، 15 من القانون رقم 148 لسنة 1980 أن المجلس الأعلى للصحافة يصدر قراره فى شأن الإخطار الوارد إليه لإصدار صحيفة وذلك خلال أربعين يوما من تاريخ تقديمه، وأن عدم إصدار القرار فى خلال المدة سالفة البيان يعتبر بمثابة عدم اعتراض من المجلس الأعلى للصحافة على الإصدار، ولما كان ذلك وكان قد مضى عامان منذ تقديم الإخطار بالصحيفة دون تلقى قرار فى شأن هذا الإخطار فإن مفاد ذلك هو موافقة المجلس الأعلى للصحافة على إصدار الصحيفة، وأضاف أن المدعى عليه قد التزم الصمت مرة أخرى عندما أنذره بتسليم صك الترخيص بإصدار الصحيفة وطبعها وتوزيعها باعتبار أن هذا الصك يعصمه من قيام جهات الأمن بحصار المجلة الوليدة.
وينعى المدعى على القرار الطعين مخالفته للقانون باعتبار أن موافقة المدعى عليه على إصدار الصحيفة ولو أنها موافقة بحكم إلا أنها تحتم عليه أن يسلم المدعى ما يدل على هذه الموافقة ليحميه من تعرض الغير له فى إصدار الصحيفة وإلا فإن تصرفه هذا يكون مخالفاً لنص المادة (15) من القانون رقم 148 لسنة 1980 فضلاً عما شاب القرار المذكور من عيب إساءة استعمال السلطة التى تبدو من أن المجلس رغم موافقته بنص القانون على طبع الجريدة يرفض إعطاء المدعى ما يفيد هذه الموافقة ليحميه مما قد يصيبه من أضرار فيما لو أقدم على طبع الجريدة دون أن يكون بيده صك الترخيص، وأضاف أن تنفيذ القرار يصيبه بأضرار فادحة تتمثل فيما يتحمله من أجور ومرتب رئيس التحرير والعاملين بالجريدة دون القيام بالعمل.
وبجلسة 16/ 6/ 1988 صدر الحكم المطعون فيه وقضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والزام الجهة الإدارية المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن الظاهر من أوراق الدعوى أن مجلس إدارة جمعية المستقبل للتنمية الاجتماعية قد أرسل بتاريخ 16/ 10/ 1985 إخطاراً إلى المجلس الأعلى للصحافة للموافقة على إصدار جريدة أسبوعية باسم المستقبل ومتضمناً للبيانات المطلوبة قانوناً، كما تقدمت الجمعية بإخطار آخر فى 8/ 1/ 1986 عن إصدار الصحيفة المذكورة على النموذج المعد لذلك من المجلس الأعلى للصحافة متضمناً للبيانات المطلوبة بالخانات المعدة لذلك ولتوثيق توقيع المدعى على هذا الإخطار بالشهر العقارى وفى 18/ 4/ 1987 أفاد المجلس الأعلى للصحافة المدعى بالكتاب رقم 1928 بطلب تقديم عدة مستندات وردت الجمعية على ذلك بالكتاب المؤرخ 26/ 4/ 1987 مرفقاً به بعض المستندات.
وإذا كان المشرع قد ترك للجهة الإدارية الحرية فى استثناء الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيما خلا الأحزاب السياسية والنقابية والاتحادات من شرط اتخاذ الصحف التى تصدرها شكل التعاونيات أو شركات المساهمة تبعاً لما تترخص فيه بموجب تقريرها إلا أنها تلتزم بأن تضع نفسها فى أفضل الظروف والأحوال للقيام بهذا التقرير وأن تجريه بروح موضوعية وبناء على عناصر تبنى عليها رأيها ووفقاً للإجراءات المنصوص عليها قانوناً فإذا ما اتخذت الإدارة موقفاً سلبياً ولم تقم باستعمال اختصاصها التقديرى ودون البحث والتمحيص فى شأنه وبدون الإجراءات التى نص عليها القانون فإن ذلك يعد مخالفة لالتزام قانونى ومن ثم فإنه بالتطبيق لما تقدم وكان الظاهر من الأوراق أن المدعى قد تقدم للجهة الإدارية بطلب الترخيص بإصدار الصحيفة المذكورة بالبيانات المنصوص عليها قانوناً واستوفى المستندات والبيانات التى طلبتها الجهة الإدارية وامتنعت الجهة الإدارية عن إصدار الترخيص المطلوب بدعوى عدم استيفاء الصحيفة لشرط اتخاذ شكل الشركات أو التعاونيات فإن قرارها فى هذا الشأن لم يقم بحسب الظاهر على أساس سليم من القانون إذ كان عليها السير فى إجراءات الترخيص بعرض الأمر على لجنة الصحافة لإبداء رأيها ثم المجلس الأعلى للصحافة لإصدار قراره فى هذا الشأن ولا يسعف الجهة الإدارية التمسك بعدم توافر الشروط القانونية فى الإخطارين المقدمين من المدعى لعدم استيفائه للبيانات والمستندات المطلوبة فيهما فإن ذلك مردود بتوافر الإخطارين للبيانات المطلوبة قانوناً فضلاً عن أن الجهة الإدارية لم تحدد البيانات أو المستندات التى لم يتم استيفاؤها، ومتى كان ما تقدم فإن ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ قد توافر بالإضافة إلى توافر ركن الاستعجال بالنظر إلى ما ينطوى عليه القرار المطعون فيه من المساس بحرية المدعى فى التعبير عن رأيه والمساس بوضع الجمعية التى يمكن للصحيفة المطلوبة بخدمة أغراضها بما يلحق بها أضراراً يتعذر تداركها إلى جانب أن حرية الرأى والتعبير عنه هى من الحريات العامة التى كفلها الدستور ومن ثم يتعين الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله من وجهين الوجه الأول: عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى ذلك أن القرار المطعون فيه بعدم قانونية الإخطار المقدم من الطاعن بصفته تضمن رفضاً من المجلس الأعلى للصحافة إصدار ترخيص لهذه الصحيفة وإذ نص المشرع صراحة فى المادة (15) من قانون سلطة الصحافة رقم 148 لسنة 1980 على اختصاص محكمة القيم بنظر الطعن فى قرار رفض إصدار الصحيفة وعليه فإن محاكم مجلس الدولة تغدو غير مختصة بنظر الطعن الماثل، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير ذلك يكون قد صدر مخالفاً للقانون متعيناً إلغاؤه والقضاء أصلياً بعدم اختصاص المحكمة.
الوجه الثانى: لما كان الطلب المقدم من المطعون ضده لا يعد إخطاراً بالمعنى المقصود فى المادة (15) من القانون رقم 148 لسنة 1980 لعدم اتخاذ الجمعية شكل الشركة المساهمة أو الجمعية التعاونية، كما لم يتقدم المطعون ضده إلى المجلس الأعلى للصحافة بالبيانات والمستندات التى طلب المجلس منه استيفاءها والتى تعد عناصر لازمة وضرورية للفصل فى طلب ترخيص إصدار الصحيفة المطلوب إصدارها لذلك فإن امتناع المجلس عن إصدار الترخيص المطلوب يكون قد صادف صحيح أحكام القانون مما يتعين معه الحكم برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبا مخالفا فيكون متعين الإلغاء والحكم احتياطياً برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن مناط الحكم بوقف تنفيذ القرار الإدارى توافر ركنين: أولهما ركن الجدية بأن يقوم الطعن بحسب الظاهر من الأوراق على أسباب يرجح معها الحكم بإلغاء القرار عند نظر طلب الإلغاء، وثانيهما ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى بإلغائه.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية فإن المادة (13) من القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة تنص عن أن "حرية إصدار الصحف للأحزاب السياسية والأشخاص الاعتبارية والخاصة مكفولة طبقاً للقانون".
وتنص المادة (14) على أن "يجب على كل من يريد إصدار صحيفة جديدة أن يقدم إخطاراً كتابياً إلى المجلس الأعلى للصحافة موقعاً عليه من الممثل القانونى للصحيفة يشتمل على اسم ولقب وجنسية ومحل إقامة صاحب الصحيفة واسم الصحيفة واللغة التى تنشر بها وطريقة إصدارها وعنوانها واسم رئيس التحرير وعنوان المطبعة التى تطبع فيها الصحيفة". وتنص المادة (15) على أن "يصدر المجلس الأعلى للصحافة قراره فى شأن الإخطار المقدم إليه لإصدار الصحيفة خلال مدة لا تجاوز أربعين يوماً من تاريخ تقديمه إليه ويعتبر عدم إصدار القرار فى خلال المدة سالفة البيان بمثابة عدم اعتراض من المجلس الأعلى للصحافة على الإصدار وفى حالة صدور قرار برفض إصدار الصحيفة يجوز لذوى الشأن الطعن فيه أمام محكمة القيم بصحيفة تودع قلم كتاب هذه المحكمة خلال ثلاثين يوماً..".
وتنص المادة (19) على أن "ملكية الأحزاب السياسية والأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة للصحف مكفولة طبقاً للقانون. ويشترط فى الصحف التى تصدرها الأشخاص الاعتبارية الخاصة فيما عدا الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات أن تتخذ شكل تعاونيات أو شركات مساهمة على أن تكون الأسهم جميعها فى الحالتين اسمية ومملوكة لمصريين وحدهم.... ويجوز للمجلس الأعلى للصحافة أن يستثنى من كل أو بعض الشروط سالفة البيان".
وتنص المادة (20) على أن "يعد المجلس الأعلى للصحافة نموذجاً لعقد تأسيس الصحيفة التى تتخذ شكل شركة مساهمة أو تعاونية ونظامها الأساسى، ويحدد عقد التأسيس أغراض الصحيفة وأسماء رئيس وأعضاء مجلس الإدارة المؤقت من بين المساهمين".
ومن حيث إن لهذه المحكمة قضاء مستقر بأنه يلزم التفرقة بين سلطات المجلس الأعلى للصحافة التى أناط القانون التظلم منها أمام محكمة القيم وهى التظلم من قرارات الرفض الصريح لإنشاء الصحف، أما ما عدا ذلك من حالات مثل عدم الرد على الإخطارات المقدمة من ذوى الشأن بإصدار الصحف فإن الاختصاص به يظل منوطاً بقضاء مجلس الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة فى المنازعات الإدارية - وحيث يكون عدم الرد فى هذه الحالة فى حكم القرار الإدارى شأنه فى ذلك شأن القرار الذى يصدر من أية جهة إدارية فى أى شأن من شئونها، إذ يستهدف هذا التصرف تحديد المركز القانونى لطالب الترخيص بإصدار الصحيفة ويتمخض عن إرادة ملزمة مصدرها القانون، ويراد بالإفصاح عنها إحداث مركز قانونى معين يعتبر فى حد ذاته ممكناً وجائزاً قانوناً والباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة.
والقول بغير ذلك مفاده اختصاص محكمة القيم بما لم يتضمنه نص صريح فى القانون ودون مراعاة للاختصاص الأصلى والولاية العامة المخول من المشرع الدستورى فى المادة (172) من الدستور لمحاكم مجلس الدولة بالمنازعات الإدارية ويتعارض مع ذلك التنظيم الذى يقوم أساساً على ذلك فى قانون مجلس الدولة رقم 47/ 1972.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أحكام قانون الصحافة أن المشرع بعد أن أورد الشروط والضوابط اللازمة للترخيص بإصدار الصحف والمجلات قد أورد استثناء خوله إلى المجلس الأعلى للصحافة حيث خصه بسلطة الإعفاء من كل أو بعض الشروط التى تطلبتها المادة (19) سالفة الذكر بالنسبة إلى الحالات التى تقدم طلباتها إليه ومن ثم فإن سلطة المجلس فى هذا الشأن هى سلطة تقديرية تتيح له الموازنة والترجيح بغية تبين توافر الشروط التى تطلبها القانون كلها أو بعضها بما يحقق الغاية من إصدار الصحف باعتبارها ضمانة لحرية الرأى والتعبير ووسيلة للإعلام، ومن ثم لا يسوغ فى مجال السلطة التقديرية فى أمور استثنائية متعلقة بحرية إصدار وتملك الصحف افتراض قيام قرارات سلبية دون نص صريح من المشرع حيث يتعارض هذا الافتراض مع واقع الحال ومع صحيح أحكام القانون إذ لا يوجد ما يوجب على المجلس الأعلى للصحافة إقرار الاستثناءات من الأصل العام الذى خوله المشرع التصرف بشأنها لافتراض أن امتناعه يعد قراراً سلبياً بالمعنى والتحديد الذى تضمنه قانون مجلس الدولة رقم 47/ 1972.
ومن حيث إنه وإن كان صحيحاً ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن عدم الرد من المجلس الاعلى للصحافة خلال المدة القانونية يعتبر فى حكم قرار الموافقة أو عدم الاعتراض على صدورها فإن قصد المشرع منه استنهاض المجلس لمباشرة اختصاصه ومسئولياته وحثه على بحث الإخطارات المقدمة إليه لإصدار الصحف والبت فيها خلال أجل معقول حتى لا تكون سلطة المجلس المذكور سلطة مطلقة من كل قيد زمنى على نحو يشكل تقييداً لحرية إصدار الصحف التى كفلها الدستور والقانون - وهذه الموافقة أو عدم الاعتراض مقصور على الأحوال العادية التى يتوفر فى الصحيفة والطلب المقدم بشأنها ما يعد من الأركان الأساسية التى استلزمها الدستور وقانون الصحافة فى تحديد ملكية الصحف، ونوعية ملاكها يماثل ذلك من جوانب أساسية التزم بالنص عليها المشرع الدستورى وقانون تنظيم الصحافة كذلك تنظيماً لحرية إصدار الصحف وتملكها، أما فى الأحوال التى يكون فيها ذوى الشأن مقدمى الإخطار أو ملكية الصحيفة ذاتها متعارضة مع نوعية الملكية التى أجازها المشرع وقرر لها الأولوية والتمييز التى نحت بالمشرع إلى تنظيم ملكية الصحف وإصدارها على أساس الإخطار وليس الترخيص فإنه لا يكون ثمة أساس من القانون للزعم بأن عدم رد المجلس الأعلى للصحافة فى هذه الحالة يعد موافقة على مباشرته السلطة التقديرية الخاصة بالموافقة على حالات معينة لا تتفق مع المبدأ العام فى تحديد ملكية الصحف وأولويتها ذلك أنه لا يتأتى الفصل بين كيفية الإخطار عن صحيفة جديدة وبين الشكل القانونى لمالكها أو من له حق إصدارها والذى يجب أن يتخذ وفقاً للقانون وأن يستوفى أولاً الشروط التى تطلبتها المادة (19) المشار إليها حتى يكون لهذا الإخطار الأثر الذى رتبه المشرع على تقديمه فإذا ما تخلف فى الإخطار شرط أساسى من الشروط اللازمة لإصدار الصحف وفقاً للدستور والقانون وبينها شرط ملكية الصحيفة لأحد الأشخاص القانونية التى حددها الدستور والقانون، حيث اشترط أن يكون مالك الصحيفة متخذاً شكل التعاونيات أو الشركات المساهمة فإنه لا يعتد بالإخطار لعدم تكامل أركان بياناته الجوهرية بمضى المدة التى تفترض الموافقة ضمناً من المجلس فحيث لا يملك المجلس الأعلى للصحافة أن يباشر سلطة صريحة فى تحديد مركز قانونى معين بالمخالفة لأحكام الدستور ولقانون الصحافة فيما يتعلق بإصدار الصحف فمن باب أولى لا يمكن أن ينسب إليه افتراضا الموافقة الحكمية على مخالفة الدستور والقانون حيث يتعين أن تفسر إرادته وأن يعمل بها تحت رقابة القضاء وسواء صراحة أو ضمناً فى إطار سيادة القانون.
ومن حيث إن الظاهر من الأوراق فإن المطعون ضده وإن تقدم بتاريخ 16/ 10/ 1985 إلى الطاعن بصفته ما اعتبره الأول إخطاراً من مجلس إدارة جمعية المستقبل للتنمية الاجتماعية بمحافظة القاهرة والمشهرة برقم 3360/ 85 عملاً بالمادة (14) من القانون رقم 148/ 1980 وطلب الموافقة على إصدار الجمعية لجريدة أسبوعية تعنى بالقضايا الاجتماعية والثقافية وتحمل اسم (المستقبل) ثم تقدم بإخطار آخر فى 8/ 2/ 1986 به ذات بيانات الإخطار الأول، فأخطر بالكتاب رقم 1968 فى 18 /4 /1987 لتقديم بعض البيانات والإيضاحات اللازمة، فرد عليه المطعون ضده بالكتاب المؤرخ 26/ 4/ 1987، وبتاريخ 29/ 4/ 1987 أخطر الأخير الطاعن بصفته بكتاب أوضح فيه مصادر تمويل جريدة المستقبل، كما أخطره بتاريخ 4/ 5/ 1987 بأنه تلقى عرضاً لأسعار طبع جريدة المستقبل، وإن كان الطاعن بصفته لم يقم بالرد بعد ذلك على المطعون ضده خلال الأجل الذى حددته المادة (15) سالفة البيان إلا أن البين من ظاهر الأوراق أنا الجمعية المشار إليها أنما هى إحدى الجمعيات المنشئة طبقاً للقانون رقم 32 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة التى تستهدف حسب لائحة النظام الأساسى لها رعاية أسر الشهداء والمقاتلين، وزيادة الإنتاج عن طريق الأسر المنتجة وإرسال بعثات الحج وأداء العمرة، وتحقيق التكافل الاجتماعى إلى غير ذلك من الأغراض الاجتماعية، ومن ثم فهى لم تأخذ الشكل الذى حدده القانون رقم 148 لسنة 1980 لإصدار الصحف حسبما سلف بيانه ومن ثم فإن سكوت المجلس الأعلى للصحافة عن الرد على المدعى لعدم اكتمال شرط ملكية الصحيفة على النحو الذى تطلبه القانون المشار إليه والذى لا يعد إخطاراً بالمعنى الذى عناه هذا القانون ومن ثم فلا يعتبر السكوت أو عدم الرد بمثابة موافقة ضمنية على إصدار الصحيفة - وعليه لا يتوافر ركن الجدية فى طلب وقف التنفيذ مما يستوجب رفض الطلب دون حاجة لبحث ركن الاستعجال لعدم جدواه، وإذ خالف الحكم الطعين هذا النظر ومن ثم يتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بالمصروفات عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف القرار المطعون فيه والزمت المطعون ضده المصروفات.