مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 924

(112)
جلسة 23 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة بدوي إبراهيم حمودة والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 141 لسنة 2 القضائية

جزاء تأديبي - لا يلزم لاعتبار القرار الإداري بمثابة الجزاء التأديبي المقنع أن يكون متضمناً عقوبة من العقوبات التأديبية المعينة في القانون - النقل المكاني - حق الإدارة في إجرائه - حدوده.
لا يلزم لكي يعتبر القرار الإداري بمثابة الجزاء التأديبي المقنع أن يكون متضمناً عقوبة من العقوبات التأديبية المعينة، وإلا لكان جزاء تأديبياً صريحاً، وإنما يكفي أن تتبين المحكمة من ظروف الأحوال وملابساتها أن نية الإدارة اتجهت إلى عقاب الموظف، ولكن بغير إتباع الإجراءات والأوضاع المقررة لذلك فانحرفت بسلطتها في القرار لتحقيق هذا الغرض المستتر، فيكون القرار بمثابة الجزاء التأديبي المقنع، ويكون عندئذ مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، ومخالفاً للقانون. أما إذا تبين أنها لم تنحرف بسلطتها لتحقيق مثل هذا الغرض الخفي، وإنما استعملتها في تحقيق المصلحة العامة التي أعد لها القرار، كان سليماً ومطابقاً للقانون. فإذا كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن نقل المدعي من محكمة القاهرة الابتدائية إلى محكمة المنيا الابتدائية بمثابة العقوبة التأديبية بغير سلوك طريق التأديب، فإنه يكون غير مستند إلى أساس سليم من القانون؛ وذلك أنه فيما يختص بالجانب النوعي من النقل، فإن المدعي قد نقل إلى وظيفة لا تقل درجتها عن درجة وظيفته الأولى، فلم يتضمن نقله أي تنزيل له أما بالنسبة إلى الجانب المكاني منه، فإن الموظف بحكم الوظيفة من عمال المرافق العامة التي يجب أن تسير في جميع البلاد على حد سواء، فإذا اقتضت المصلحة العامة نقله من بلد إلى آخر وجب أن يوطن نفسه على تحمل ذلك في سبيل أداء واجبه، وإلا اختل سير المرفق. حقيق أن البلاد تختلف في مراتب العمران وفي توفير أسباب الرفاهية في المعيشة، وأن العدالة المطلقة تقتضي تكافؤ الفرص بينهم في هذا الشأن، إلا أنه ما لم ينظم ذلك بقواعد تنظيمية عامة - كما تم بالنسبة لرجال القضاء الإداري والري - فإن النقل يكون من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة، حسبما يكون متفقاً مع الصالح العام.


إجراءات الطعن

في 26 من يناير سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لشئون وزارة العدل في 28 من نوفمبر سنة 1955 في الدعوى رقم 566 لسنة 2 القضائية المرفوعة من ديمتري حداد ضد وزارة العدل، والقاضي: "بإلزام الوزارة بأن تدفع للمدعي مبلغ 200 م و79 ج والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات"، وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة الطعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات". وأعلن الطعن للجنة الإدارية في 2 من فبراير سنة 1956 وللخصم في 11 من فبراير سنة 1956، ثم عين لنظره جلسة 5 من مايو سنة 1956، وأرجئ إصدار الحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يستفاد من أوراق الطعن، تتحصل في أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 566 لسنة 2 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري وطلب الحكم: (أولاً) بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار النقل مؤقتاً إلى أن يتم الفصل في الموضوع (ثانياً) إلغاء قرار النقل أصلاً مع إلزام وزارة العدل بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع حفظ كافة الحقوق. وقال بياناً للدعوى إنه كان من بين موظفي المحاكم المختلطة الملغاة الذين نقلوا إلى القضاء الوطني حيث ألحق بقلم التوزيع بمحكمة القاهرة الابتدائية واستمر يباشر عمله، ونظراً لضغط العمل فقد انتهز فرصة مرور السيد مدير مكتب الوزير بمكتبه وشكا إليه ذلك فأثارت هذه الشكوى حقد مدير التفتيش الكتابي والإداري وأخذ يتربص به وما أن أرسلت وزارة المالية إلى وزارة العدل تخطرها بأن المدعي ترك سكنه بمصر الجديدة لآخر مخالفاً بذلك نصوص العقد المبرم بينه وبين الشركة حتى انتهز مدير التفتيش هذه الفرصة وعمل على استصدار قرار بنقله إلى محكمة المنيا أعلن إليه في 3 من سبتمبر سنة 1953، وأن هذا القرار قد قصد به في حقيقة الأمر تأديبية؛ ولهذا أقام هذه الدعوى طالباً وقف تنفيذه وإلغاءه. وقد أجابت الوزارة على هذه الدعوى بأن وزارة المالية أخطرت إدارة المحاكم بأن المدعي ترك الشقة المؤجرة إليه بترخيص من وزارة المالية إلى حسين عبد المجيد الميكانيكي بسلاح الطيران بالمخالفة للقواعد المعمول بها مما يتنافي مع ما يجب أن يتصف به الموظف؛ ولذلك فقد وافقت لجنة شئون الموظفين على نقله إلى محكمة المنيا الابتدائية.
وقد رفضت محكمة القضاء الإداري طلب وقف تنفيذ القرار، ونظراً لأن المدعي ترك خدمة الحكومة أثناء نظر دعوى الإلغاء فقد عدل طلباته بجلسة 19 من ديسمبر سنة 1954 وقصرها على طلب الحكم بتعويض قدره 150 ج.
وبمناسبة صدور القانون رقم 165 لسنة 1955 بتنظيم مجلس الدولة أحيلت الدعوى بحالتها إلى المحكمة الإدارية المختصة للفصل فيها.
وفي 27 من نوفمبر سنة 1955 قضت المحكمة الإدارية بإلزام المدعى عليها بأن تدفع للمدعي مبلغ 200 م و79 ج والمصروفات، ومبلغ 300 قرشاً مقابل أتعاب المحاماة، ورفضت ما عدا ذلك من الطلبات، وأسست قضاءها على أن نقل المدعي إلى محكمة المنيا للسبب الذي ساقته الوزارة يحمل في طياته جزاء تأديبياً لم تراع فيه الإجراءات التأديبية المرسومة في القانون رقم 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء مما يتعين معه الحكم للمدعي بتعويض عما أنفقته كأجر لمبيته وثمناً لوجبات طعامه وتنقلاته بين مصر والمنيا للاطمئنان على عائلته، بالإضافة إلى عشرة جنيهات رأت أن تحكم بها كتعويض أدبي.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن قرار النقل المكاني ليس من القرارات الإدارية التي لا يقبل طلب إلغائها أو التعويض عنها، وإذ كانت المحكمة قد اعتبرت النقل يخفي جزاء تأديبياً، وأنه صدر باطلاً لمخالفته للأوضاع المرسومة في قانون نظام القضاء في شأن موظفي المحاكم، فإن الجزاءات التي عددتها المادة 84 من القانون رقم 210 لسنة 1951 الخاص بموظفي الدولة ليس من بينها النقل من إدارة إلى أخرى.
ومن حيث إنه لا يلزم لكي يعتبر القرار الإداري بمثابة الجزاء التأديبي المقنع أن يكون متضمناً عقوبة من العقوبات التأديبية المعينة، وإلا لكان جزاء تأديبياً صريحاً، وإنما يكفي أن تتبين المحكمة من ظروف الأحوال وملابساتها أن نية الإدارة اتجهت إلى عقاب الموظف ولكن بغير إتباع الإدارة والأوضاع المقررة لذلك فانحرفت بسلطتها في القرار لتحقيق هذا الغرض المستتر، فيكون القرار بمثابة الجزاء التأديبي المقنع، ويكون عندئذ مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة، ومخالفاً للقانون. أما إذا تبين أنها لم تنحرف بسلطتها لتحقيق مثل هذا الغرض الخفي، وإنما استعملتها في تحقيق المصلحة العامة التي أعد لها القرار، كان سليماً ومطابقاً للقانون.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن نقل المدعي من محكمة القاهرة الابتدائية إلى محكمة المنيا الابتدائية بمثابة العقوبة التأديبية بغير سلوك طريق التأديب وهو مذهب لا يستند إلى أساس سليم من القانون؛ وذلك أنه فيما يختص بالجانب النوعي من النقل، فإن المدعي قد نقل إلى وظيفة لا تقل درجتها عن درجة وظيفته الأولى فلم يتضمن نقله أي تنزيل له، أما بالنسبة إلى الجانب المكاني منه، فإن الموظف بحكم الوظيفة من عمال المرافق العامة التي يجب أن تسير في جميع البلاد على حد سواء، فإذا اقتضت المصلحة العامة نقله من بلد إلى آخر وجب أن يوطن نفسه على تحمل ذلك في سبيل أداء واجبه وإلا اختل سير المرفق. حقيق أن البلاد تختلف في مراتب العمران وفي توفير أسباب الرفاهية في المعيشة، وأن العدالة المطلقة تقتضي تكافؤ الفرص بينهم في هذا الشأن، إلا أنه ما لم ينظم ذلك بقواعد تنظيمية عامة - كما تم بالنسبة لرجال القضاء والري - فإن النقل يكون من الملاءمات المتروكة لتقدير الإدارة، حسبما يكون متفقاً مع الصالح العام.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون، ويتعين إلغاؤه، والقضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.