مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأربعون - الجزء الثاني (من 7 مارس سنة 1995 إلى 26 أغسطس سنة 1995) - صـ 1495

(152)
جلسة 28 من مارس سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ فاروق علي عبد القادر، والصغير محمد محمود بدران، ومحمد الشيخ علي أبو زيد، وعبد الرحمن سعد محمود عثمان - المستشارين.

الطعن رقم 3929 لسنة 38 القضائية

( أ ) سلك قنصلي - وظيفة مستشار - شغلها بطريق الندب من المخابرات العامة - حقوق مالية - منحة الثلاثة أشهر بفئة الخارج.
المواد 1 و2 و3 من قرار رئيس المخابرات العامة رقم 278 لسنة 1980
حدد قرار رئيس المخابرات العامة رقم 278 لسنة 1980 المعاملة المالية لأفراد المخابرات العامة العاملين بالخارج - حدد كذلك حالات استحقاق منحة الثلاثة أشهر بفئة الخارج وهي: الحالة الأولى: قطع العلاقات الدبلوماسية.
الحالة الثانية: تخفيض العدد أو إغلاق المكتب فجأة.
الحالة الثالثة: العودة بناء على طلب الدولة الاجنبية لاعتبار الفرد غير مرغوب فيه لسبب يتعلق بمهام وظيفته ولا يمس تصرفاته الشخصية - إذا لم تتوافر إحدى هذه الحالات انتفى مناط استحقاق المنحة المشار إليها - ندب فرد المخابرات لوظيفة مستشار بالقنصلية المصرية لدولة ما لا يقطع صلته الوظيفية بالمخابرات العامة - تطبيق.
(ب) دعوى ِ - تظلم - أثر التنازل عن التظلم في حساب المواعيد.
يبدأ ميعاد الطعن بالإلغاء من تاريخ نشر القرار أو إعلانه أو ثبوت العلم اليقيني به - ينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى مصدر القرار أو السلطة الرئاسية - صدور قرار صريح بالرفض قبل القرار الحكمي بالرفض يستوجب ميعاد الطعن من تاريخ الرفض الصريح - إذا علم الطاعن بالقرار المطعون فيه بتاريخ 5/ 8/ 1985 وتظلم منه في 25/ 9/ 1985 وتنازل عن تظلمه في 2/ 11/ 1985 فإنه لا جدوى من انتظار مدة الستين يوماً المقررة لجهة الإدارة للبت في التظلم - أساس ذلك: أن التنازل عن التظلم ينطوي على إقرار من المطعون بعدم رغبته في بحث التظلم من جهة الادارة - مؤدى ذلك: حساب ميعاد رفع الدعوى من تاريخ التنازل عن التظلم - تطبيق.
(ج ) قرار إداري - أركانه - ركن السبب - أثر تخلفه - البطلان لا الانعدام.
القرار الإداري لا يكون معدوماً إلا في حالة غصب السلطة أو في حالة انعدام إرادة مصدر القرار - يكون غصب السلطة في حالة اعتداء سلطة إدارية على اختصاص محجوز للسلطة التشريعية أو السلطة القضائية - إذا كانت الإدارة تتصرف داخل النطاق المقرر لها وكان المحل قابلاً لتعرض الإدارة له فإنه لا يصح القول بأن الإدارة غادرت النطاق الإداري بسبب انحرافها عن السبب - أساس ذلك: أن السبب يفسد فقط ولكنه لا ينعدم لأنه لازمة سيكولوجية لا تغادر الوعي ولا يتصور أن يتجرد منه إلا أن يكون القرار قد صدر تحت ضغط يعدم إرادة مصدر القرار أو في حالة من عدم الوعي - في هذه الحالة يرد السبب إلى تلاشي الإرادة بأكملها وليس السبب فحسب - طالما أن مصدر القرار يتصرف عن وعي فلابد أن يكون لتصرفه سبب سواء كان هذا السبب حقيقاً أو وهمياً كاذباً أو لم يكن متفقاً مع الصالح العام - في هذه الأحول جميعاً يكون السبب موجوداً وإن لم يكن صحيحاً مما يؤدي إلى بطلان القرار وليس انعدامه - أثر ذلك: أن قرار إنهاء الخدمة المبني على الاستقالة يكون باطلاً إذا لم يتقدم العامل باستقالته أصلاً - السبب في هذه الحالة ليس منعدماً وإنما هو سبب كاذب ومضلل ولا محل معه للقول بانعدام القرار وبالتالي يتعين إقامة الطعن في المواعيد المقررة - تطبيق(1).


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 6/ 9/ 1992 أودع الأستاذ/........ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن بموجب توكيل رسمي عام رقم 2224 ح لسنة 1989 توثيق قصر النيل النموذجي قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقريراً بالطعن، قيد بجدولها برقم 3929 لسنة 38 ق.ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) بجلسة 3/ 8/ 1992 في الدعوى رقم 1685 لسنة 40 ق، والذي قضى برفض طلب أحقية المدعي في مرتب الثلاثة أشهر بفئة الخارج وإلزامه نصف المصروفات .
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن، للأسباب الواردة به، الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع، بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض أحقيته في مرتب الثلاثة أشهر بفئة الخارج، والقضاء بأحقيته في اقتضائه وإلزام جهة الإدارة المصروفات عن الدرجتين.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما على النحو المبين بالأوراق.
وفي يوم الخميس الموافق أول أكتوبر عام 1992 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين بصفتيهما، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن، قيد بجدولها برقم 3 لسنة 39 ق. عليا، في ذات الحكم المطعون عليه بالطعن رقم 3929 لسنة 38 ق والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع، بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 282 لسنة 1985 فيما تضمنه من إحالة المدعي إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام جهة الإدارة نصف المصروفات.
وطلب الطاعنان بصفتيهما في ختام تقرير الطعن، للأسباب الواردة به، الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفه مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي الموضوع، بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به على النحو المذكور، والقضاء برفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات عن درجتي التقاضي،
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعنين، ارتأت فيه الحكم أولاً: فيما يتعلق بالطعن رقم 3929 لسنة 38 ق. عليا، بقبوله شكلاً، وفي الموضوع، بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع، بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 283 لسنة 1985 فيما تضمنه من إحالة المدعي إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبأحقية المدعي في صرف مرتب ثلاثة أشهر لفئة الخارج مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
ثانياً: فيما يتعلق بالطعن رقم 3 لسنة 39ق. عليا بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد نظرت دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة الطعنين على النحو الموضح بمحاضر جلساتها حيث أودعت هيئة قضايا الدولة حافظتي مستندات ومذكرة دفاع انتهت فيها إلى طلب الحكم بقبول الطعن رقم 3 لسنة 39 ق شكلاً - واحتياطياً: برفض الدعوى موضوعاً وإلزام المطعون ضده المصروفات عن الدرجتين، وقدم الحاضر عن الطاعن في الطعن رقم 3929 لسنة 38 ق حافظة مستندات ومذكرة دفاع التمس فيها الحكم برفض الطعن رقم 3 لسنة 39 ق المقام من الجهة الإدارية وإلزامها المصروفات.
وبجلسة 19/ 10/ 1994 قررت الدائرة ضم الطعن رقم 3 لسنة 39 ق إلى الطعن رقم 3929 لسنة 38 ق، ليصدر فيهما حكم واحد بجلسة 21/ 12 1994، وبهذه الجلسة تقرير إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظرهما بجلسة 17/ 1/ 1995، وبجلسة 14/ 2/ 1995 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم 28/ 3/ 1995، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة. ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا أوضاعهما الشكلية، فهما مقبولان شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 19/ 1/ 1986 أقام السيد/....... الدعوى رقم 1685 لسنة 40 ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة الجزاءات) ضد: 1 - رئيس الجمهورية بصفته 2 - رئيس المخابرات العامة بصفته، طلب في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الجمهوري رقم 283 لسنة 1985 فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار، وبأحقيته في مرتب ثلاثة أشهر بفئة الخارج وإلزام جهة اِلإدارة المصروفات.
وذكر شرحاً لدعواه، أنه كان منتدباً من المخابرات العامة للعمل بوزارة الخارجية، وقد صدر قرار من هذه الوزارة في 30/ 1/ 1984 بإلحاقه للعمل مستشاراً بقنصلية مصر في استانبول وتم استدعاؤه إلى مصر في 5/ 8/ 1985، حيث فوجئ بصدور القرار الجمهوري رقم 283 لسنة 1985 في 2/ 7/ 1985، بإحالته إلى المعاش بناء على طلبه، وتظلم من هذا القرار في 25/ 9/ 1985 بموجب تظلمين أحدهما للمدعى عليه الأول بصفته، والثاني للمدعى عليه الثاني بصفته، إلا أنه لم يتلق رداً على تظلمه، وأضاف المدعى أن قرار إحالته للمعاش مخالف لأحكام الفقرة الأخيرة من المادة 65 من القانون رقم 100 لسنة 1971 بنظام المخابرات العامة، إذ أنه لم يوقع على طلب يتضمن رغبته في الإحالة إلى المعاش، وذهب إلى إنه يستحق صرف مرتب ثلاثة أشهر بفئة الخارج لاستدعائه المفاجئ طبقاً للقواعد المعمول بها بوزارة الخارجية، وخلص إلى أنه يلتمس الحكم بالطلبات سالفة البيان.
وبجلسة 3/ 8/ 1992 حكمت المحكمة بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 283 لسنة 1985 فيما تضمنه من إحالة المدعي إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار ورفض ما عدا ذلك من الطلبات والزمت المدعي والجهة الإدارية بالمصروفات مناصفة بينهما.
وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة لقبول الدعوى شكلاً، تأسيساً على أنه قد ثبت من الأوراق أن القرار رقم 283 لسنة 1985 صدر بتاريخ 2/ 7/ 1985 وعلم به المدعي في 5/ 8/ 1985 حسبما أقر بذلك في صحيفة دعواه، وتظلم منه بتاريخ 25/ 9/ 1985، ولم تجحد جهة الإدارة ذلك، سوى قولها بأن المدعي سحب تظلمه بتاريخ 2/ 11/ 1985 وإنه من المقرر أن سحب التظلم لا يعني غل يد جهة الإدارة في بحثه والبت فيه، وإذ أقام المدعي دعواه بتاريخ 19/ 1/ 1986 خلال الستين يوماً التالية لانقضاء الستين يوماً المقررة للجهة الإدارية للبت في التظلم، فإن طلب إلغاء القرار المشار إليه يكون مقبولاً شكلاً، وأضافت المحكمة أن طلب المدعي الخاص بأحقيته في صرف مرتب ثلاثة أشهر بفئة الخارج، يعتبر من قبيل المنازعة في راتب، ومن ثم لا يتقيد بميعاد الطعن بالإلغاء، الأمر الذي يتعين معه القضاء بقبوله شكلاً.
وبالنسبة لموضوع طلب إلغاء قرار إحالة المدعي إلى المعاش، أقامت المحكمة قضاءها تأسيساً على أن المستفاد من أحكام المادة 65 من قانون المخابرات العامة رقم 100 لسنة 1971 أن مناط الإحالة إلى المعاش بالنسبة لمن يتقرر نقلهم أو إعادة تعيينهم من أفراد المخابرات العامة خارجها رهين بإخطارهم بذلك وطلبهم الإحالة إلى المعاش خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ ذلك الإخطار، وأنه لما كانت الأوراق خالية من دليل يفيد إخطار المدعي كتابة بأنه قد تقرر نقله أو إعادة تعيينه خارج المخابرات العامة، كما خلت أيضاً من دليل كتابي يفيد طلبه الإحالة إلى المعاش، فمن ثم يكون القرار رقم 283 لسنة 1985 بإحالته إلى المعاش قد قام على غير سبب صحيح يبرره - وفيما يتعلق بموضوع طلب المدعي أحقيته في صرف مرتب ثلاثة أشهر بفئة الخارج، ذهبت المحكمة إلى إن المستفاد من قرار رئيس المخابرات العامة رقم 278 لسنة 1980 أن المشرع حدد على سبيل الحصر الحالات التي يستحق فيها أفراد المخابرات العامة العاملين بالخارج منحة ثلاثة أشهر بفئة الخارج وهي 1 - قطع العلاقات الدبلوماسية 2 - تخفيض العدد أو إغلاق المكتب فجأة، 3 - العودة بناء على طلب الدولة الأجنبية لاعتبار الفرد غير مرغوب فيه لسبب يتعلق بمهام وظيفته ولا يمس تصرفاته الشخصية - وإنه لما كان الثابت من الأوراق أنه تم استدعاء المدعي من الخارج لصدور قرار جمهوري بإحالته إلى المعاش، فمن ثم لا تندرج هذه الحلة ضمن الحالات المشار إليها، وبالتالي يفتقد طلب المدعي المشار إليه سنده المبرر له، مما يتعين معه القضاء برفضه، وإنه لا يغير من ذلك تمسك المدعي بأحكام القرار الجمهوري رقم 913 لسنة 1970، لأن المذكور من العاملين بالمخابرات العامة، وإن ندبه لا يقطع علاقته الوظيفية بجهة عمله الأصلية.
ومن حيث إن الجهة الإدارية في الطعن رقم 3 لسنة 39 ق. عليا، تنعى على الحكم المطعون فيه مخالفته لأحكام القانون أو الخطأ في تطبيقه وتأويله للأسباب الآتية:
أولاً: أن الدعوى غير مقبولة شكلاً لأن المطعون ضده علم بالقرار المطعون فيه بتاريخ 5/ 8/ 1985 وتظلم لجهة الإدارة بتاريخ 8/ 10/ 1985 و15/ 10/ 1985 ومن ثم يكون التظلم مقدماً بعد ميعاد الستين يوماً المقرر بنص المادة 24 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وأنه على فرض أنه قدم التظلم بتاريخ 25/ 9/ 1985، فإن الثابت من الأوراق أنه قام بسحب تظلمه بتاريخ 2/ 11/ 1985 ومن ثم يعتبر تظلمه كأن لم يكن، ومن ناحية أخرى، فإنه على فرض عدم اعتبار التظلم كأن لم يكن، كان يتعين على المطعون ضده أن يقيم دعواه خلال ستين يوماً من تاريخ تنازله عن تظلمه في 2/ 11/ 1985 إذ لا جدوى من قيام جهة الإدارة ببحث التظلم والبت فيه.
ثانياً: أنه من باب الاحتياط، فإنه لا يوجد تظلم من القرار المطعون فيه، ذلك أن سحب التظلم يرتد إلى الماضي، بما مفاده اعتبار التظلم كأن لم يكن، ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة شكلاً، لعدم سابقة التظلم.
ثالثاً: لم يشترط المشرع في أحكام القانون رقم 100 لسنة 1971 بنظام المخابرات العامة، أن يفرغ إخطار عضو المخابرات في الشكل الكتابي، بل جرى العمل على إخطار العضو الذي يعمل في الخارج تليفونياً، ولم ينكر المطعون ضده واقعة الاتصال التلفوني، كما لم يشترط المشرع في طلب الإحالة إلى المعاش، أن يفرغ أيضاً في الشكل الكتابي، وقد حدث أن قامت رئاسة المطعون ضده بالاتصال به تليفونياً من تركيا بتاريخ 3/ 6/ 1985 وأخطرته بأنه تقرر نقله خارج المخابرات العامة، وخيرته بين النقل والإحالة إلى المعاش، إلا أنه أخطر رئاسته في ذات المحادثة التليفونية، برغبته في الإحالة إلى المعاش، وبناء عليه قامت المخابرات العامة بإعداد مذكرة للعرض على رئيس الجمهورية تفيد رغبة المطعون ضده في الإحالة إلى المعاش، فوافق سيادته وأصدر قراره رقم 283 في 2/ 7/ 1985 بإحالة المطعون ضده إلى المعاش بناء على طلبه، ومن ثم يكون هذا القرار متفقاً مع القانون، بما يتعين معه القضاء برفض طلب إلغائه.
وينعى الطاعن في الطعن رقم 3929 لسنة 38 ق. ع، على الحكم المطعون فيه مخالفته لأحكام القانون والخطأ في تطبيقه، للأسباب الآتية: أولاً: أنه لما كان الطاعن منتدباً لوزارة الخارجية، والتي ألحقته للعمل مستشاراً بقنصلية مصر في استانبول، فإنه يخضع للنظام القانوني الذي يسري على أعضاء السلك الدبلوماسي، فيسري عليه القانون رقم 45 لسنة 1982 والقرار الجمهوري رقم 913 لسنة 1970 وقرار وزير الخارجية رقم 1389 لسنة 1970، وأما قرار رئيس المخابرات العامة رقم 278 لسنة 1980، فمقصور على أفراد المخابرات العامة الذين لا يلحقون بوزارة الخارجية، ومن ثم فإن نقل الطاعن إلى القاهرة قبل انقضاء المدة المقررة للعمل بالخارج، يعتبر نقلاً مفاجئاً ويستحق عنه تعويض النقل المفاجئ، وهو مرتب الثلاثة أشهر بفئة الخارج.
ثانياً: أنه إذا كان يحق لجهة العمل الأصلية (المخابرات العامة) نقل الطاعن من الخارج إلى القاهرة قبل انقضاء مدة عمله بالخارج، إلا أنه يتعين صرف تعويض النقل المفاجئ إعمالاً لأحكام التشريعات المشار إليها.
ومن حيث إن المستقر عليه في قضاء هذه المحكمة أن ميعاد الطعن بالإلغاء يبدأ من تاريخ نشر القرار أو إعلانه أو ثبوت العلم اليقيني به، وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى مصدر القرار أو السلطة الرئاسية، وأنه إذا ثبت صدور قرار صريح برفض التظلم، قبل القرار الحكمي بالرفض، احتسب ميعاد الطعن من تاريخ الرفض الصريح، وأما إذا انقضت فترة القرار الحكمي، دون صدور قرار صريح، احتسب الميعاد من التاريخ الفرضي للقرار الحكمي، ولو صدر بعد ذلك قرار رفض صريح، ومن المقرر في هذا الخصوص، أن انتظار الميعاد المنصوص عليه بالمادة 24 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 قبل رفع دعوى الإلغاء، ليس مقصوداً لذاته، وإنما أريد به إتاحة الفرصة أمام جهة الإدارة لإعادة النظر في قرارها المتظلم منه، وبهذه المثابة فإنه لا معنى لانتظار انقضاء الميعاد المشار إليه إذا عمدت جهة الإدارة إلى البت في التظلم قبل انقضاء فسحته، ومن باب أولى، إذا كانت لا توجد جدوى من انتظار الميعاد المشار إليه وعندئذ يتعين على صاحب الشأن أن ينشط لإقامة الطعن في الميعاد المقرر قانوناً.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قد علم بالقرار المطعون فيه بتاريخ 5/ 8/ 1985، وتظلم منه بتاريخ 25/ 9/ 1985، ثم تقدم للجهة الإدارية الطاعنة بطلب مؤرخ 2/ 11/ 1985 متضمناً تنازله عن التظلم، فعندئذ لا جدوى من انتظار مدة الستين يوماً المقررة لجهة الإدارة للبت في التظلم، ذلك أن التنازل عن التظلم ينطوي على إقرار من المطعون ضده، بعدم رغبته في بحث التظلم من جهة الإدارة، ومن ثم تنتفي الحكمة من انتظار مدة الستين يوماً المقررة للجهة الإدارية للبت في التظلم، وبالتالي يكون من المتعين على المطعون ضده أن يقيم دعواه أمام محكمة القضاء الإداري خلال ستين يوماً من تاريخ تنازله عن تظلمه في 2/ 11/ 1985، ولما كان الثابت مما تقدم، أنه أقام دعواه بتاريخ 19/ 1/ 1986، فمن ثم تكون الدعوى مقامة بعد الميعاد المقرر قانوناً، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى غير ذلك، فإنه يكون قد خالف القانون، الأمر الذي يتعين معه القضاء بإلغائه، وبعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد القانوني، ولا يغير من ذلك، ما قد يثار من إمكان الطعن على القرار موضوع الدعوى بدون التقيد بميعاد بمقولة أنه قرار منعدم لانعدام ركن السبب لعدم تقديم الطاعن لاستقالته أصلاً ومعه ركن السبب في القرار المطعون فيه، لا وجه لذلك، إذ الأصل أن القرار لا يكون معدوماً إلا في حالة غصب السلطة أو في حالة انعدام إرادة مصدر القرار والأصل أن اغتصاب السلطة إنما يتكون في حالة اعتداء سلطة إدارية على اختصاص محجوز للسلطة التشريعية أو السلطة القضائية، أما إذا كانت الإدارة تتصرف داخل النطاق المقرر لها، وكان المحل قابلاً لتعرض الإدارة له، فإنه لا يصح القول بأن الإدارة غادرت النطاق الإداري بسبب انحرافها عن السبب، فالسبب يفسد فقط ولكنه لا ينعدم لأنه لازمة سيكولوجية لا تغادر الوعي، ولا يتصور أن يتجرد منه إلا أن يكون القرار قد صدر تحت ضغط يعدم إرادة مصدر القرار أو في حالة من عدم الوعي، وفي هذه الحالة يرد السبب إلى تلاشي الإدارة بأكملها وليس السبب فحسب، فطالما أن مصدر القرار يتصرف عن وعي، فلا بد أن يكون لتصرفه سبب سواء كان هذا السبب حقيقياً أو وهمياً أو كاذباً أو لم يكن متفقاً مع الصالح العام، ففي هذه الأحوال جميعاً يكون السبب موجوداً وإن لم يكن صحيحاً مما يؤدي إلى بطلان القرار لا إلى انعدامه، ومن ثم فإن قرار إنهاء خدمة الموظف المبني على استقالته يكون قراراً باطلاً فحسب إذا ثبت أنه لم يتقدم بالاستقالة أصلاً، لأن السبب في هذه الحالة لا يكون منعدماً على ما سلف إيضاحه وإن كان سبباً كاذباً ومضللاً مما لا محل معه للقول بانعدام القرار في هذه الحالة وبالتالي يتعين الطعن في القرار بمراعاة المواعيد المقررة للطعن بالإلغاء.
(راجع على سبيل المثال حكم مجلس الدولة الفرنسي في 20 يناير سنة 1922 منشور في مجلة القانون العام سنة 1933 ص 81 إذ انتهى المجلس إلى أن فصل الموظف بناء على استقالة اتضح أنها لم توجد أصلاً يؤدي إلى بطلان القرار لانعدامه.)
ومن حيث إنه عن طلب الطاعن في الطعن رقم 3929 لسنة 38 ق.ع أحقيته في صرف مرتب ثلاثة أشهر بفئة الخارج، فإنه يبين من مطالعة قرار رئيس المخابرات العامة رقم 278 لسنة 1980، أن المادة الأولى منه تقضي بأن "يستهدف تواجد أفراد المخابرات العامة في الخارج لأي سبب كان، خدمة أهداف المخابرات العامة.........".
وتقضي المادة الثانية منه بأن تكون المعاملة المالية لأفراد المخابرات العامة الذين يخدمون بالخارج وما يتمتعون به من المزايا على النحو التالي..... "أفراد المخابرات العامة العاملين بالخارج لأغراض العمليات وتحت الساتر الدبلوماسي: تسري عليهم اللائحة المرفقة ويتمتعون بما هو مقرر لنظرائهم بوزارة الخارجية من إعفاءات جمركية........... 2 - أفراد المخابرات العامة العاملين بالخارج لأغراض العمليات تحت السواتر الغير رسمية: تسري عليهم نفس المعاملة المنصوص عليها في الفقرة السابقة مع مراعاة...........
3 - ضباط الاتصال ومكاتب المشتريات الخارجية......." وتقضي المادة الثالثة من القرارات المشار إليها بأن يمنح أفراد المخابرات العامة العاملين بالخارج المنصوص عليهم بالفقرات رقم 1 و2 و3 من المادة الثانية منحة تعادل ثلاثه شهور بفئة الخارج لمواجهة التزامات المقل المفاجئ ما لم يكن قد تم النقل مباشرة لجهة أخرى بالخارج في إحدى الحالات الآتية: أ - قطع العلاقات الدبلوماسية. ب - تخفيض العدد وإغلاق المكتب فجأة. جـ - العودة بناء على طلب الدولة الأجنبية كحالة اعتبار الفرد غير مرغوب فيه بسبب يتعلق بمهام وظيفته ولا يمس تصرفاته الشخصية.
وتحسب الثلاثة شهور من تاريخ قطع العلاقات أو صدور قرار الخفض أو الغلق أو مغادرة البلاد التي يخدم بها.
ويمنح الورثة الشرعيون المنحة في حالة وفاة الفرد، ولا يمنع صرف المنحة من صرف مرتبات الفرد بالداخل من تاريخ مباشرته العمل.
والمستفاد من أحكام قرار رئيس المخابرات العامة سالف الذكر، أنه نظم المعاملة المالية والإدارية لأفراد المخابرات العامة العاملين بالخارج، وحدد ثلاث حالات على سبيل الحصر لاستحقاق العاملين بالخارج المشار إليهم بالفقرات 1 و2 و3 من المادة الثانية منهم، لمنحة ثلاث أشهر بفئة الخارج، وتمثلت هذه الحالات في الآتي: 1 - قطع العلاقات الدبلوماسية 2 - تخفيض العدد أو إغلاق المكتب فجأة. 3 - العودة بناء على طلب الدولة الأجنبية كحالة اعتبار الفرد غير مرغوب فيه لسبب يتعلق بمهام وظيفية ولا يمس تصرفاته الشخصية، كل ذلك ما لم يتقرر نقله إلى جهة أخري - وبهذه المثابة فإنه إذا لم تتوافر في الفرد العامل بالخارج أي من الحالات المشار إليها، فعندئذ ينتفي استحقاقه للمنحة المذكورة.
ومن حيث إنه لما كان الثابت من الأوراق أنه تم ندب الطاعن المذكور من المخابرات العامة للعمل بوزارة الخارجية بالقرار رقم 2981 لسنة 1984 بتاريخ 30/ 10/ 1984، حيث ألحق للعمل مستشاراً بقنصلية جمهورية مصر العربية في استانبول، وقد تم استدعائه من الخارج لصدور قرار رئيس الجمهورية رقم 283 لسنة 1985 في 2/ 7/ 1985 بإحالته إلى المعاش، فمن ثم لا يكون مستحقاً للمنحة المشار إليها، لعدم توافر أي من الحالات المذكورة بنص المادة الثالثة من القرار المشار إليه، في حقه وإذ انتهي الحكم المطعون فيه إلى ذلك، فإنه يكون قد صادف صحيح أحكام القانون، ولا يغير من ذلك، تذرع الطاعن بخضوعه للنظام القانوني الذي يسري على أعضاء السلك الدبلوماسي، لاسيما أحكام القرار الجمهوري رقم 913 لسنة 1970، ذلك أنه وإن كان المذكور قد انتدب للعمل بوزارة الخارجية وألحق للعمل كمستشار بالقنصلية المصرية في تركيا، فإن هذا الندب لا يقطع صلته الوظيفية مع جهة عمله الأصلية، وهي المخابرات العامة، ومن ثم يظل خاضعاً للقواعد والأحكام المعمول بها بهذه الجهة دون الأحكام المقررة بالجهة المنتدب إليها، لاسيما وأن تواجده بالخارج كان بغرض خدمة أهداف المخابرات العامة، وإن كان في الظاهر تحت الساتر الدبلوماسي، وقد نص على ذلك في المادة الأولى من قرار رئيس المخابرات العامة رقم 278 لسنة 1980.
ومن حيث إنه استناداً لما تقدم يكون الطعن رقم 3929 لسنة 38 ق. عليا، قائماً على غير سند صحيح من القانون، الأمر الذي يتعين معه القضاء برفضه وإلزام الطاعن المصروفات عملاً بنص المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة أولاً: بقبول الطعن رقم 3929 لسنة38 ق.ع شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات - ثانياً: بقبول الطعن رقم 3 لسنة 39 ق.ع شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به إلغاء القرار المطعون عليه وبعدم قبول الدعوى شكلاً بالنسبة لطلب إلغاء هذا القرار، لإقامتها بعد الميعاد وألزمت المطعون ضده المصروفات.


(1) مجلة القانون العام سنة 1933 صفحة 81 المنشور بها حكم مجلس الدولة الفرنسي في 20/ 1/ 1922 الذي انتهى إلى أن فصل الموظف بناء على استقالة لم تقدم يؤدي إلى بطلان القرار لانعدامه.