مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والأربعون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1997 إلى آخر سبتمبر1997) - صـ 781

(82)
جلسة 30 من مارس سنة 1997

السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ محمد عبد الرحمن سلامة، والسيد محمد السيد الطحان، وإدوارد غالب سيفين، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 4042 لسنة 37 قضائية عليا

أسلحة وذخائر - ترخيص بحمل وإحراز سلاح - سلطة الجهة الإدارية - حدودها.
المادة الأولى من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر معدلاً بالقانون رقم 34 لسنة 1974 وبالقانون رقم 26 لسنة 1978.
المشرع منذ أن تصدى لتنظيم حمل السلاح واحرازه خول الجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية واسعة النطاق، فجعل من حقها أن ترفض الترخيص وأن تقيد الترخيص بأي شرط تراه كما خولها بغير خلاف أن تسحب الترخيص مؤقتاً أو تلغيه نهائياً - حسبما يتراءى لها من ظروف الحال وملابساته بما يكفل وقاية المجتمع وحماية الأمن، وبما لا معقب عليها ما دامت تلك الجهة المختصة لم تخالف القانون ولم تتعسف في استعمال سلطتها عند إصدار قرارها - هذه السلطة ليست مطلقة من كل قيد بل هي مقيدة بما أمرها به المشرع على أن يكون قرارها الصادر منها في هذا الشأن مسبباً - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 22/ 8/ 1991 أودع الأستاذ/........... بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية تقريراً بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 4042 لسنة 37 ق.ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 572 لسنة 45 ق بجلسة 4/ 7/ 1991 والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعى مصروفاته.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير طعنه - قبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضده المصروفات. وأعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق.
قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً رأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات. تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 20/ 5/ 1996، وبجلسة 18/ 11/ 1996 قررت احالة الطعن إلى هذه المحكمة والتي نظرته بجلسة 12/ 1/ 1997 وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم 30/ 3/ 1997 وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه المقررة.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 29/ 10/ 1990 أقام الطاعن الدعوى رقم 572 لسنة 45 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر برفض طلب الترخيص له بحمل السلاح مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. وقال بيانا لدعواه أنه حصل منذ عام 1950 على ترخيص بحمل سلاح - مسدس - للدفاع عن النفس وظل هذا الترخيص يجدد باستمرار حتى أوائل يناير سنة 1986 حين فقد المسدس فسارع بإبلاغ قسم الأزبكية المختص، وأثناء قيام ضابط المباحث بتحقيق البلاغ أساء معامله المدعى إساءة بالغة بلا سبب معروف وعلم بعد ذلك أن الضابط المذكورة قرر إلغاء الرخصة ورفض التصريح له بشراء سلاح جديد، فقدم بتاريخ 12/ 10/ 1986 تظلماً في ذلك القرار لمدير الأمن العام الذي وافق على تجديد الرخصة وتم إرسال الأوراق لمدير الرخص بالوزارة مع مخصوص برقم 418 في نفس التاريخ حيث أرسلت إلى رئيس الرخص بمديرية أمن القاهره لتنفيذ أمر مدير الأمن العام. وأخذ المدعى يتردد على رئيس الرخص لعدة شهور والآخر يماطله في تنفيذ الأمر حتى انتهت مدة الرخصة وأعيدت الأوراق لقسم الأزبكية لتقديم طلب جديد للحصول على رخصة جديدة، وبتاريخ 2/ 12/ 1987 قدم المذكور طلباً جديداً للحصول على ترخيص جديد بحمل سلاح وقام باستيفاء جميع الإجراءات غير أنه علم أن الرخصة لن تصدر إلا إذا تنازل عن دعوى معينة خاصة بأتعاب محاماة، ثم حررت له جنحة بدعوى أنه لم يسلم السلاح رغم انتهاء الرخصة مع أنه أبلغ بفقد السلاح مرتين، ويتهم ضابط المباحث بقسم الأزبكية بالتحايل عليه لوجود علاقة بينه وبين سيدة يونانية متمصرة والتي كانت من عملائه وما طلته في دفع الأتعاب فأقام ضدها دعوى يطالبها فيها بأتعابه والتي اتصلت به وعرضت عليه التصالح نظير تعهدها بمساعدته في الحصول على الرخصة وهذا هو سبب معاملة الضابط له وسبب تحرير محضر الجنحة المشار إليه.
وفى 10/ 10/ 1990 اخطر رسمياً برفض طلب الترخيص له بحمل السلاح لعدم كفاية مبررات الرخصة ومنها عدم كفاية الأملاك وكبر السن. وينعى المدعى على هذا القرار مخالفة القانون ذلك أن المدعى محام معروف وحالته الصحية طيبة ومن الأثرياء وعلى ذلك ينتفي ركن السبب في القرار المطعون فيه فأقام الدعوى الحكم له بطلباته.
وبجلسة 4/ 7/ 1991 صدر الحكم المطعون فيه وقضى بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وأقامت المحكمة قضاءها في بيان ركن الاستعجال في طلب وقف التنفيذ أن البين من ظاهر الأوراق أن المبررات التي استند إليها المدعى في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه تخلص في أنه يعمل محامياً بالنقض كما أنه يمتلك عدة عقارات تبلغ قيمتها خمسة ملايين جنيه بالإضافة إلى ملكية زوجته لقطعة أرض بناحية كرداسة وهو دائم التنقل للإشراف على هذه الأرض، وهى أسباب لا تكفى وحدها لتوافر ركن الاستعجال ذلك أن تنفيذ القرار المطعون عليه والحال كذلك لن يترتب عليه نتائج يتعذر تداركها خاصة وأن الثابت من التحريات أن جميع تنقلات المدعى تتم داخل كردون المدينة المشمول بالحراسة كما أنه لم يتبين من الأوراق أن المدعى قد تعرض لأي حادث خلال فترة عدم حمله سلاح، ومن ثم يفقد طلب وقف التنفيذ ركن الاستعجال الأمر الذي يتعين معه القضاء برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه دون الحاجة لبحث ركن الجدية لعدم جدواه.
ومن حيث إن مبنى الطعن مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون للأسباب الآتية: قدم الطاعن ما يفيد أنه كان يحمل رخصة سلاح للدفاع عن النفس منذ سنة 1950 حتى سنة 1986 بما يفيد لزوم الرخصة له باعتراف الإدارة التي كانت تجددها طيلة هذه المدة فضلاً عن موافقة مدير الأمن العام على تجديد الرخصة مما يقطع بأن الرخصة ضرورية للطاعن.
قدم الطاعن ما يفيد ملكيته وزوجته عقارات في أماكن وإن كانت قريبة من القاهرة إلا أنها تقع وسط المزارع وتحتاج الإقامة فيها إلى احتياطيات أمنية خاصة، قرر الطاعن بوجود خصومة قضائية مع سيدة معروفة لرجال الشرطة، وهى سيدة لها صلة برجال الشرطة كانت السبب في إلغاء الرخصة السابقة ورفض التجديد له وهو ما يدل على انحراف جهة الإدارة لرفض التجديد دون سبب، وما أورده الحكم من أن تنقلاته داخل كردون المدينة حيث الحراسة كافية وهذا غير صحيح لأن ما يملكه من عقارات هو وزوجته خارج كردون المدينة ومع ذلك فحوادث السرقة بالإكراه والاغتصاب تتم يومياً نهاراً في قلب المدينة، وما ورد بالحكم من عدم تعرضه لحادث خلال فترة عدم حمله السلاح هو منطق غير سديد لأنه يعنى أن الرخصة ليست ضرورية إلا بعد التعرض لحادث قد يودى بحياته. كذلك فإن ابن الطاعن يحمل رخصة سلاح وهو محام مبتدئ بغير مال وأصيب بعاهة عقلية جعلت وجود السلاح في يده خطراً على الغير وقد أراد الطاعن أن يضع حداً لهذا الخطر فطلب سحب السلاح من ابنه ولكن الإدارة رفضت، وأخيراً فإن الطاعن يحمل رخصة السلاح للدفاع عن النفس طيلة أربعين عاماً وحرمانه من هذه الحماية بلا مبرر يشكل خطراً على حياته مما يبرر توافر ركن الاستعجال.
ومن حيث إنه يتعين لوقف تنفيذ القرار الإداري توافر ركنين في طلب وقف التنفيذ الأول أن يقوم على أسباب جدية يرجح معها إلغاء القرار عند نظر الموضوع والثاني ركن الاستعجال بأن تترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها عند نظر الموضوع.
ومن حيث إنه عن ركن الجدية وإذ تنص المادة الأولى من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر معدلاً بالقانون رقم 34 لسنة 1974 وبالقانون رقم 26 لسنة 1978 على أنه يحظر بغير ترخيص من وزير الداخلية أو من ينيبه حيازة أو إحراز الأسلحة النارية وتنص المادة الرابعة على أن "لوزير الداخلية أو من ينيبه رفض الترخيص، أو تقصير مدته أو قصره على أنواع معينة من الأسلحة أو تقييده بأي شرط يراه، وله سحب الترخيص مؤقتا أو إلغاؤه ويكون قرار الوزير برفض منح الترخيص أو سحبه أو إلغائه مسبباً...
ومن حيث إن مفاد ما تقدم ومن إطلاق هذه العبارات وشمولها - بل ومما سبق هذا التشريع من تشريعات أن المشرع - وحسبما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - منذ أن تصدى لتنظيم حمل السلاح وإحرازه في قانون سنة 1904 وما أعقبه من تشريعات، خول الجهة الإدارية المختصة سلطة تقديرية واسعة النطاق في هذا المجال وجعل من حقها أن ترفض الترخيص أو التجديد وأن تقصر مدته أو تقصره على إحراز أو حمل أنواع معينة من الأسلحة دون سواها وأن تقيد الترخيص بأي شرط تراه كما خولها بغير خلاف أن تسحب الترخيص مؤقتاً أو تلغيه نهائياً وكل أولئك حسبما يتراءى لها من ظروف الحال وملابساته بما يكفل وقاية المجتمع وحماية الأمن، وبما لا معقب عليها ما دامت تلك الجهة المختصة لم تخالف القانون ولم تتعسف في استعمال سلطتها عند إصدار قرارها - وغنى عن البيان أن هذه السلطة ليست مطلقة من كل قيد بل هي مقيدة بما أمرها به المشرع - على أن يكون قرارها الصادر في هذا الشأن مسبباً.
ومن حيث إن البادي من ظاهر الأوراق أن الطاعن كان مرخصاً له بحمل وإحراز مسدس للدفاع بموجب الرخصة رقم 872 مسلسل قسم الأزبكية، وقد فقد من ملكيته أو سكنه كما قرر أبان سفره للخارج أو أواخر عام 1985 وتحرر عن تلك الواقعة المحضر رقم 4199 إداري الأزبكية 1987، وقد تقدم بطلب استصدار ترخيص جديد وساق مبررات لذلك بأنه محام بالنقض ويباشر نشاطه بمكتبه الكائن 1 ش الباب الشرقي بالعتبة ويمتلك عقار بشارع كورنيش النيل مساحته 1763 متر ومقدر قيمته بأكثر من خمسة ملايين جنيه وعقار آخر كائن بالدقي مساحته 20 قيراطاً، كما أن زوجته تمتلك قطعة أرض بناحية كرداسة مركز إمبابة مساحتها 18 ط 6 ف تطل على ترعة المنصورية وهو دائم التنقل للإشراف على هذه الأرض حاملاً مبالغ نقدية كبيرة لزوم الزراعة ويخشى من تعرضه لمخاطر الطريق - وقد انتهى تقرير المباحث الجنائية بعابدين أنه بإجراء التحريات تبين أنه تقدمت به السن (من مواليد 3/ 1/ 1913) وكثرت المشاكل بينه وبين أنجاله، وعدم إمكانية المحافظة على السلاح سواء بمسكنه أو بمكتبه مما تسبب في فقده بالإضافة إلى أن جميع أعماله وتنقلاته تتم داخل كردون المدينة المشمول بالحراسة - ورأى وكيل قسم المباحث لقطاع الغرب عدم الموافقة على الترخيص للطاعن بحمل وإحراز مسدس للدفاع، كما رأت مباحث أمن الدولة عدم الموافقة، ورأى مأمور قسم الأزبكية عدم الموافقة، ورأى مساعد مدير أمن القاهرة عدم الموافقة لعدم كفاية المبررات، ومن ثم صدر بتاريخ 18/ 3/ 1990 قرار مدير أمن القاهرة عدم الموافقة لاعتراض أمن الدولة وعدم كفاية المبررات وأخطر بذلك الطاعن في 10/ 10/ 1990، وإذ يبين من حافظة مستندات الطاعن المقدمة منه أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة 13/ 15/ 1990 ومن العديد من طلباته المقدمة للإدارات المختلفة بوزارة الداخلية أنه يتهم نجله المحامى والمقيد بنقابة المحامين والمقيم معه بأنه هو الذي سرق السلاح الذي كان مرخصاً له به وأن ابنه متخلف عقلياً ودائم التعدي على والدته، وأنه بسرقة المسدس يحرمه من وسيلة الدفاع عن والدته، وقد حفل الملف بتبادل الاتهام بين الطاعن وابنه على لسان ضابط الشرطة، وعدم الرغبة في تسجيل ذلك بمحاضر الشرطة حفاظاً على الروابط الأسرية، ومن ثم فإن قرار الجهة الإدارية - في ظل الظروف المشار إليها - وقد صدر في حدود سلطتها الادارية وقد استخلص السبب من أصول الأوراق دون مظنة الانحراف بالسلطة فضلاً عن أن حجب السلاح عن الطاعن في ظل ما سبق من ظروف قد يكون من وسائل الحفاظ عليه أو على من يحيطون به ومن ثم يكون القرار الصادر برفض الترخيص له بحمل سلاح قد صدر على مقتضى حكم القانون وبالتالي لا يتوافر ركن الجدية ومن ثم يتعين رفض طلب وقف تنفيذ القرار دون حاجة لبحث ركن الاستعجال لعدم جدواه، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى ذات النتيجة إلا أنه قد تبنى أسباب أخرى - تطرحها المحكمة محلة الأسباب السابقة محلها فإن الطعن عليه يغدو غير قائم على أسبابه من القانون جديراً بالرفض.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعن المصروفات.