مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 958

(116)
جلسة 23 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 856 لسنة 2 القضائية

( أ ) سحب القرار الإداري - السحب قد يكون جزئياً أو كلياً حسبما تتجه إليه نية الإدارة - متى تكشفت هذه النية للمحكمة وجب على مقتضاها تحديد مدى السحب وإنزال أثره القانوني - مثال.
(ب) موظف - نقله إلى إحدى وظائف السلكين الدبلوماسي أو القنصلي - عدم جواز ترقيته إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ النقل - قصر هذا الحظر على الترقية التي يجب أن تتم في نسبة الأقدمية - عدم سريانه على الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية أو قنصل عام من الدرجة الأولى أو ما يعلوهما؛ لأن الترقية فيها تكون بالصلاحية ولو تمت بمراعاة الأقدمية.
(جـ) ترقية بالاختيار - لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان الأخير هو الأصلح.
1 - إن سحب القرار الإداري قد يكون كلياً شاملاً لجميع محتوياته وآثاره, وقد يكون جزئياً مقصوراً على بعضها مع الإبقاء على بعضها الآخر، كل ذلك حسبما تتجه إليه نية الإدارة فعلاً، ومتى تكشفت هذه النية للمحكمة وجب على مقتضاها تحديد مدى السحب وإنزال أثره القانوني.
فإذا بان للمحكمة من الظروف وقرائن الأحوال التي لابست القرار الصادر في 15 من ديسمبر سنة 1954 متضمناً حركة التعيينات والترقيات بالسلكين السياسي والقنصلي وما تعرض له من شكاوي من أصحاب الدور الذين تركوا في الترقية ما حدا بمجلس قيادة الثورة إلى إصدار قرار بوقف نفاذ تلك الحركة أعقبة قرار مجلس الوزراء في 16 من يناير سنة 1955 بسحبها وردها لوزارة الخارجية لإعادة النظر فيها على أساس القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي، أن النية اتجهت إلى سحب الحركة المذكورة سحباً جزئياً مقصوراً على ما كان منها محلاً للشكوى، وقد كان ذلك بوجه خاص في شأن من تركوا في الترقية، وليس من شك في أن النية لم تتجه إلى سحب تعيين من عينوا من خارج الوزارة في مثل درجاتهم (كالمدعي عليه فإن هذا يستتبع بطريق اللزوم الاحتفاظ لهم بأقدميتهم بين زملائهم بوضعهم في عداد موظفي وزارة الخارجية منذ 15 من ديسمبر سنة 1954، الأمر الذي يؤدي إلى مراعاة هذه الأقدمية بالنسبة للمدعي عند الترقية إلى مستشار من الدرجة الثانية في حركة 20 من أبريل سنة 1955، وقد بان من الكشوف المقدمة من الوزارة أن ترتيبه الأول بين السكرتيرين الأول بالوزارة قبل إجراء الحركة الأخيرة.
2 - تنص الفقرة الأخيرة من المادة 15 من القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي على أنه لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى إحدى وظائف السلكين الدبلوماسي أو القنصلي إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار. ويتضح من ذلك أن حظر ترقية المنقول من الخارج قبل مضي سنة على نقله مقصور على الترقية التي يجب أن تتم في نسبة الأقدمية، وذلك حماية لأصحاب الدور ممن هم في الداخل، ومن ثم فلا يسري هذا القيد على الترقيات التي يجوز إجراؤها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية؛ إذ تنتفي حكمة قيد السنة المشار إليه، ويجب إطلاق يد الإدارة في اختيار الأصلح، سواء أكان من الداخل أم من الخارج، ولما كانت المادة 15 من القانون سالف الذكر تنص على أن الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية أو قنصل عام من الدرجة الأولى وما يعلوهما من وظائف تكون بالصلاحية دون التقيد بالأقدمية (لأنها بحكم مرتبتها في التدرج من الوظائف الرئيسية التي يكون التعيين فيها بالاختيار بالصلاحية)، فإنها بهذه المثابة لا يسري عليها قيد السنة المذكور، ولا يغير من ذلك أن تكون الترقية إلى هذه الوظائف قد تمت بمراعاة الأقدمية؛ إذ المفروض أن أصحاب الدور الذين رقوا كانوا صالحين لهذه الترقية.
3 - إن الاختيار يجد حده الطبيعي في هذا المبدأ العادل، وهو: لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان الأخير هو الأصلح، أما عند التساوي في درجة الصلاحية فيجب أن تكون الترقية بالأقدمية فيما بين المرشحين.


إجراءات الطعن

في يوم 15 من مارس سنة 1956 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 19 من يناير سنة 1956 في الدعوى رقم 3616 سنة 9 ق المرفوعة من الأستاذ عبد الحليم مخيون ضد مجلس الوزراء ووزارة الخارجية، القاضي: "برفض الدعوى، وإلزام المدعي بالمصروفات"، وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في صحيفة الطعن "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 20 من أبريل سنة 1955 إلغاء مجرداً فيما تضمنه من الترقية إلى وظيفة مستشارين من الدرجة الثانية، وإلزام الحكومة بالمصروفات"، وقد أعلن الطعن للحكومة في 15 من مايو سنة 1956 وإلى المدعي في 16 من مايو سنة 1956، وعين لنظره جلسة 2 من يونيه سنة 1956، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 3616 لسنة 9 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 13 من يوليه سنة 1955 طالباً الحكم "بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 20 من أبريل سنة 1955 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى درجة مستشار من الدرجة الثانية، والحكم بأحقيته في الترقية إلى هذه الدرجة، مع إلزام المعلن إليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة"، وقال بياناً لذلك إنه تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة سنة 1937 وعين في وظيفة معاون نيابة في يونيه سنة 1938 وتدرج في المناصب القضائية إلى أن وصل في 8 من أكتوبر سنة 1951 إلى وظيفة وكيل نيابة من الدرجة الأولى الممتازة، وفي 15 من ديسمبر سنة 1954 صدر قرار من مجلس الوزراء بتعيينه بطريق النقل إلى وظيفة سكرتير أول بوزارة الخارجية، وباشر المدعي عمله في وزارة الخارجية اعتباراً من أول يناير سنة 1955، وفي 15 من يناير سنة 1955 أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بوقف حركة تعيينات وتنقلات أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي الصادر بها قرار مجلس الوزراء في 15 من ديسمبر سنة 1954، وفي 16 من يناير سنة 1955 قرر مجلس الوزراء سحب الحركة المذكورة وإعادتها لوزارة الخارجية لإعادة النظر فيها على أساس القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي. وفي 26 من يناير سنة 1955 قدم المدعي مذكرة إلى السيد وكيل وزارة الخارجية بما ترامى إليه من سحب الحركة الدبلوماسية والقنصلية وبأن وزارة العدل بسبيل إعداد حركة قضائية، وطلب تحديد وضعه وهو لا يخرج عن أحد أمرين: إما اعتباره ضمن رجال القضاء وإعمال كافة الآثار المترتبة على ذلك ومنها ترقيته إلى درجة وكيل محكمة إذ قد حل عليه الدور في الترقية إلى هذه الوظيفة، وإما اعتباره منقولاً إلى وزارة الخارجية من 15 من ديسمبر سنة 1954 وفي هذه الحالة يتعين إعمال كافة النتائج المترتبة على ذلك ومراعاة هذا الوضع عند إجراء الحركة الدبلوماسية والقنصلية التي تصدر بعد 15 من ديسمبر سنة 1954. وطلب مخابرة الجهات المختصة في هذا الشأن، فأرسلت وزارة الخارجية هذا الطلب إلى وزارة العدل في 26 من يناير سنة 1955، وقد صدرت الحركة القضائية في 9 من فبراير سنة 1955 متضمنة ترقية من يلونه في الأقدمية، وتبين أن أمر ترقيته لم يعرض على مجلس القضاء الأعلى باعتبار أنه نقل إلى وزارة الخارجية فعلاً، وأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 16 من يناير سنة 1955 بسحب قراره الصادر 15 من ديسمبر سنة 1954 مقصور على الترقيات والتنقلات الخاصة برجال السلكين السياسي والقنصلي ولا شأن له بنقل المدعي إلى وزارة الخارجية. فطعن المدعي في هذه الحركة أمام محكمة النقض. وفي 20 من أبريل سنة 1955 أصدر مجلس الوزراء قراراً بإجراء تعيينات وترقيات وتنقلات بين أعضاء السلكين السياسي والقنصلي وتضمن هذا القرار تعيين المدعي سكرتيراً أولاً بوزارة الخارجية وترقية آخرين إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية وجميعهم يلون المدعي في الأقدمية في وظيفة سكرتير أول، وقد نصت المادة الثانية من القرار المشار إليه على أنه "يعتبر المعينون بموجب هذا القرار نقلاً من الوزارات والمصالح الأخرى الذين شملهم قرار مجلس الوزراء الصادر في 15 من ديسمبر سنة 1954 معينين بوزارة الخارجية اعتباراً من ذلك التاريخ". وقد تظلم المدعي إلى وزير الخارجية في 4 من مايو سنة 1955 من قرار مجلس الوزراء الصادر في 20 من أبريل سنة 1955 طالباً إلغاءه فيما تضمنه من تركه في الترقية مع وضعه في الأقدمية قبل المرقين جميعاً. وفي أول يونيه سنة 1955 أخطر المدعي بقرار صادر من نائب وزير الخارجية برفض تظلمه، وقد تضمنت أسباب القرار أن المدعي "ولو أنه عين اعتباراً من 15 من ديسمبر سنة 1954، إلا أن تعيينه على أثر قرار مجلس القيادة بتاريخ 15 من يناير سنة 1955 بإيقاف الحركة كان موقوفاً إلى أن تأيد بتاريخ 20 من أبريل سنة 1955 على أن يكون لنقله أثر رجعي من تاريخ التعيين في 15 من ديسمبر سنة 1954، وكان الغرض من انسحاب أثر قرار التعيين إلى 15 من ديسمبر سنة 1954 تفادي الحرج في تحديد مركز المتظلم قبل الدولة بوصفه موظفاً، ولكي تكون خدمته متصلة في وزارة العدل ووزارة الخارجية، وإلا لما استطاع قبض مرتبه من وزارة العدل وقد شطب اسمه منها اعتباراً من 15 من ديسمبر سنة 1954 ولا من وزارة الخارجية إذا اعتبر تعيينه من 20 من أبريل سنة 1955"، وقد أسهب المدعي في شرح الطبيعة القانونية لقرار مجلس الوزراء الصادر في 20 من أبريل سنة 1955 وهل يعتبر، بالنسبة إليه، تأييداً وتثبيتاً للتعيين الصادر به قرار مجلس الوزراء في 15 من ديسمبر سنة 1954 (كما تقول وزارة الخارجية)، أم هو عبارة عن قرار تعيين جديد صادر بأثر رجعي لملافاة أوضاع لا تتلاءم مع طريق سير العمل، وانتهى إلى أن التكييف الصحيح لقرار 20 من أبريل سنة 1955 أنه قرار بتعيين المدعي في وزارة الخارجية بأثر رجعي، أي اعتباراً من 14 من ديسمبر سنة 1954، ثم استطرد المدعي يقول إن الوزارة في قرارها الصادر برفض التظلم قد سلمت بهذه النتيجة القانونية وكان يتعين عليها - والحالة هذه - أن تعمل كافة الآثار القانونية المترتبة على هذا التعيين الحاصل في 15 من ديسمبر سنة 1955، أي يكون له بوصفه سكرتيراً أول في الوزارة من هذا التاريخ أن يرقى إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية في حركة الترقيات الصادرة في 20 من أبريل سنة 1955، خصوصاً إذا لوحظ أن الوزارة التزمت في إجراء هذه الحركة الأقدمية المطلقة وأن ترتيب المدعي في كشف الأقدمية هو الأول بالنسبة إلى زملائه السكرتيرين الأول، وخلص المدعي من كل ذلك إلى أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 20 من أبريل سنة 1955 باعتماد الحركة الدبلوماسية قد خالف القانون، لما تضمنه من تخطي المدعي في الترقية إلى درجة مستشار من الدرجة الثانية ويتعين من أجل ذلك إلغاؤه. وقد ردت الحكومة على الدعوى بأن الفقرة الأخيرة من المادة 15 معدلة من القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي تنص على أنه لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى إحدى وظائف السلكين الدبلوماسي أو القنصلي إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار، ولما كانت الوزارة قد أجرت حركة الترقيات الأخيرة في 20 من أبريل سنة 1955 على أساس الأقدمية المطلقة فمن ثم تكون دعوى المدعي على غير أساس سليم من القانون. وقد رد المدعي على ما دفعت به الحكومة فقال ما محصله إن المادة 15 من القانون رقم 166 لسنة 1954 جعلت الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية أو قنصل عام من الدرجة الأولى وما يعلوها من وظائف بالاختيار للصلاحية دون التقيد بالأقدمية، وأنه ولئن كانت لجنة شئون الموظفين قد راعت الأقدمية عن الترقية إلى وظائف المستشارين من الدرجة الثانية فإن هذا لا يعني أنها خالفت قاعدة الاختيار الواجب مراعاتها في الترقية إلى هذه الوظيفة بل إنها طبقت قاعدة الاختيار تطبيقاً سليماً، يؤكد ذلك أنه لما صدرت الحركة في 15 من ديسمبر سنة 1954 وقام الدليل على مجافاتها للعدل أصدر مجلس الوزراء قراره بسحبها في 16 من يناير سنة 1955. وفي 20 من أبريل سنة 1955 صدرت الحركة دون أن يتخطي فيها أحد ممن تخطوا في الحركة المسحوبة، وليس معنى هذا أن مجلس الوزراء - صاحب الرأي النهائي في الحركة - قد خالف النص الذي يوجب أن تكون الترقية بالاختيار، وإنما معناه أنه طرح جانباً ما كتب في حق الموظفين من تقارير لعدم الاطمئنان إليها واستعمل حقه في الاختيار بأن رقي أصحاب الدور في الأقدمية حيث توافر فيهم شرط الصلاحية للترقية بالاختيار. ومما يؤيد فساد الاستدلال الوزارة أنها رقت المدعي في 30 من نوفمبر سنة 1955 إلى درجة مستشار من الدرجة الثانية ولم يكن قد مضى على نقله إلى الوزارة مدة سنة، ثم صمم المدعي على طلباته. وبجلسة 19 من يناير سنة 1956 قضت المحكمة برفض الدعوى، وألزمت المدعي المصروفات؛ وأقامت المحكمة قضاءها على أن القرار الصادر في 15 من ديسمبر سنة 1954 بتعيين المدعي في وظيفة السكرتير الأول قد سحب فانعدم بذلك أثره القانون ويعود المدعي إلى وزارة العدل، وكان على هذه الوزارة أن تقيد اسمه فيها طالما أن شطبه كان لنقله إلى وزارة الخارجية، وقد اعتبر المدعي نفسه بعد سحب القرار موظفاً بوزارة العدل وقدم طعناً إلى محكمة النقض في الحركة القضائية التي أجريت وتخطى فيها بوصفه أحد رجال النيابة، فليس إذن في الأمر ما يدعو إلى الخروج على الأوضاع القانونية السليمة وإقرار الرجعية في القرارات الإدارية، والأمثلة التي ساقها المدعي إنما تختلف وتتباين مع الحالة المعروضة التي لا تنطوي بأي حال من الأحوال على أية مخالفة لمقتضيات سير المرافق العامة أو على نتائج غير مقبول في حالة ما إذا أعمل حكم القانون إعمالاً صحيحاً وذلك بعدم إقرار الرجعية في القرارات الإدارية. وأن القرار الصادر في 16 من يناير سنة 1955 بسحب القرار الصادر في 15 من ديسمبر سنة 1954 هو عمل إداري لم يطعن المدعي فيه في المواعيد المقررة فاكتسب بذلك حصانة تعصمه من الإلغاء فليس له الآن أن يثير أي طعن موجه إلى قرار السحب أو النتائج المترتبة عليه. وأنه "على مقتضى ما تقدم إذا كانت الحركة المطعون فيها قد صدرت قبل أن يصبح المدعي في عداد موظفي وزارة الخارجية وترتب له أقدمية بين السكرتيرين الأول فإنه والحالة هذه لم يمس القرار المطعون فيه أي مركز قانوني أو حق للمدعي حتى يطالب بتصحيحه عن طريق الإلغاء، وبالتالي لا محل لمناقشة مدى صحة ما تثيره الحكومة حول عدم جواز ترقية المدعي إلى وظيفة مستشار بالقرار المطعون فيه لعدم مضي سنة عليه في وظيفة سكرتير أول على فرض أن تعيينه فيها يرجع إلى 15 من ديسمبر سنة 1954، بعد أن انتهت المحكمة إلى اعتبار بداية شغل المدعي لوظيفة السكرتير الأول هو تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء في 20 من أبريل سنة 1955".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن النص في قرار 20 من أبريل سنة 1955 على أن يكون تعيين المدعي ذا أثر رجعي يرتد إلى 15 من ديسمبر سنة 1954 هو نص تبرره الضرورة الملحة، وهي كما قالت وزارة الخارجية تفادي النتيجة الحرجة التي يؤدي إليها إعمال الأثر القانوني لسحب قرار 15 من ديسمبر سنة 1954 بالنسبة للمدعي، ألا وهى وجوب اعتبار المدعي غير موظف في الفترة من 15 من ديسمبر سنة 1954 إلى 20 من أبريل سنة 1955، فإذا أضيف إلى ذلك أنه كان بالفعل في تلك الفترة يقوم بالعمل بوزارة الخارجية بوصفه سكرتيراً أولاً ويقبض مرتبه من ربط هذه الوظيفة، فإن رجعية قرار 20 من أبريل سنة 1955 في خصوص تعيين المدعي في وزارة الخارجية تبدو من الناحية القانونية مثالاً مقبولاً للاستثناء من قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية، ولا تثريب على القرار المشار إليه إن هو نص على هذه الرجعية، فالشذوذ في هذه الحالة ليس في الرجعية بل الشذوذ في عدم الرجعية، وصحة هذه الرجعية تستتبع لزاماً إعمال كافة آثارها، فليس ثمة مخصص للاجتزاء بأثر لها دون سائر الآثار، بل إن قرار 20 من أبريل سنة 1955 ذاته إذ نص على هذه الرجعية قد أوردها مطلقة دون تخصيص، ولم يقصر هذا الانسحاب إلى الماضي على مجرد تسوية الموقف المالي، ولا مراء في أن من بين هذه الآثار الاحتفاظ للمدعي بأقدميته في وظيفة سكرتير أول بين زملائه في هذه الوظيفة في 15 من ديسمبر سنة 1954 وقد كان الأول في هذه الأقدمية. هذا ولا وجه لما تتحدى به من أن الفقرة الأخيرة من المادة 15 من القانون رقم 166 لسنة 1954 لا تجيز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى إحدى وظائف السلكين السياسي والقنصلي إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ النقل؛ ذلك أن مجال تطبيق هذه الفقرة لا يكون إلا حيث تكون الترقية بالأقدمية لا في النسبة المقررة للاختيار، والترقيات إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية وما يتلوها من وظائف هي طبقاً للفقرة الرابعة من المادة المشار إليها جميعها بالاختيار، ومن ثم يكون قرار 20 من أبريل سنة 1955 حقيقاً بالإلغاء المجرد فيما تضمنه من الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية، أما اختيار المدعي بعد ترشحيه وإجراء المفاضلة فهذا أمر مرجعه إلى تقدير الإدارة بمراعاة القيد العام الذي يقيد ولاية الترقية بالاختيار وهو أنه عند التساوي في الصلاحية يراعى ترقية الأقدم، أما أن تصيب المدعي الترقية بالاختيار أو لا تصيبه بمراعاة القيد المتقدم فهذا رهين بنتيجة المفاضلة عند إعادة النظر في الترقية بعد إلغاء القرار المذكور إلغاء مجرداً فيما تضمنه من الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد وقع مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين مما سبق تفصليه في مقام تحصيل وقائع هذه المنازعة أنه في 15 من ديسمبر سنة 1954 وافق مجلس الوزراء على الحركة الدبلوماسية والقنصلية، وقد تضمنت هذه الحركة تعيين المدعي سكرتيراً أولاً بوزارة الخارجية - في مثل درجته في النيابة - وقد تسلم المدعى عليه بالوزارة في أول يناير سنة 1955، وفي 15 من هذا الشهر أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بوقف تنفيذ هذه الحركة، وفي 16 منه أصدر مجلس الوزراء قراراً بسحبها وردها إلى وزارة الخارجية لإعادة النظر فيها على أساس القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي، وبعد أن أعادت وزارة الخارجية النظر في الحركة وأجرت فيها بعض التعديلات قدمت مشروعاً جديداً إلى مجلس الوزراء وافق عليه في 20 من أبريل سنة 1955 متضمناً تعيين المدعي سكرتيراً أولاً بالوزارة، ثم نصت المادة الثانية منه على أن "يعتبر المعينون بهذا القرار نقلاً من الوزارات والمصالح الأخرى الذين شملهم قرار مجلس الوزراء الصادر في 15 من ديسمبر سنة 1954 معينين بوزارة الخارجية اعتباراً من التاريخ المذكور".
ومن حيث إن سحب القرار الإداري قد يكون كلياً شاملاً لجميع محتوياته وآثاره, وقد يكون جزئياً مقصوراً على بعضها مع الإبقاء على بعضها الآخر، كل ذلك حسبما تتجه إليه نية الإدارة فعلاً، ومتى تكشفت هذه النية للمحكمة وجب على مقتضاها تحديد مدى السحب وإنزال أثره القانوني.
ومن حيث إنه قد بان للمحكمة من الظروف وقرائن الأحوال التي لابست القرار الصادر في 15 من ديسمبر سنة 1954 وما تعرض له من شكاوي من أصحاب الدور الذين تركوا في الترقية مما حدا بمجلس قيادة الثورة إلى إصدار قرار بوقف نفاذ تلك الحركة أعقبة قرار مجلس الوزراء في 16 من يناير سنة 1955 بسحبها وردها لوزارة الخارجية لإعادة النظر فيها على أساس القانون رقم 166 لسنة 1954 الخاص بنظام السلكين الدبلوماسي والقنصلي - أن النية اتجهت إلى سحب الحركة المذكورة سحباً جزئياً مقصوراً على ما كان منها محلاً للشكوى، وقد كان ذلك بوجه خاص في شأن من تركوا في الترقية، وليس من شك في أن النية لم تتجه إلى سحب تعيين من عينوا من خارج الوزارة في مثل درجاتهم؛ وآية ذلك أن المادة الثانية من قرار 20 من أبريل سنة 1955 نصت على اعتبار الموظفين المذكورين معينين بالوزارة اعتباراً من 15 من ديسمبر سنة 1954، وهذا النص يؤكد أن النية لم تتجه إلى سحب تعيينهم الذي لم يكن محل اعتراض، بل أريد الإبقاء عليه كما كان دون المساس به، هذا يستتبع بطريق اللزوم الاحتفاظ لهم بأقدميتهم بين زملائهم بوضعهم في عداد موظفي وزارة الخارجية منذ 15 من ديسمبر سنة 1954 ومراعاة هذه الأقدمية عند الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية في حركة 20 من أبريل سنة 1955، وقد بان من الكشوف المقدمة من الوزارة أن ترتيب المدعي في الأقدمية كان الأول بين السكرتيرين الأول بالوزارة قبل إجراء الحركة الأخيرة.
ومن حيث إنه لا وجه لما تتحدى به الوزارة من أنه ما كان يجوز ترقية المدعي إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية في حركة 20 من أبريل سنة 1955 ما دام لم يكن مضى عليه سنة منذ تاريخ نقله إلى الوزارة استناداً إلى الفقرة الأخيرة من المادة 15 من القانون رقم 166 لسنة 1954 المعدلة بالقانون رقم 548 لسنة 1954 التي تقضي بأنه لا يجوز النظر في ترقية الموظف المنقول من وزارة أو مصلحة إلى إحدى وظائف السلكين الدبلوماسي أو القنصلي إلا بعد مضي سنة على الأقل من تاريخ نقله ما لم تكن الترقية في نسبة الاختيار، وما دامت حركة 20 من أبريل 1955 قد تمت على أساس الأقدمية المطلقة - لا وجه لذلك كله؛ لأن حظر ترقية المنقول من الخارج قبل مضى سنة على نقله مقصور على الترقية التي يجب أن تتم في نسبة الأقدمية، وذلك حماية لأصحاب الدور ممن هم في الداخل، ومن ثم فلا يسري هذا القيد على الترقيات التي يجوز إجراؤها بالاختيار دون التقيد بالأقدمية؛ إذ تنتفي حكمة قيد السنة المشار إليه، ويجب إطلاق يد الإدارة في اختيار الأصلح سواء أكان من الداخل أم من الخارج، وقد نصت المادة 15 من القانون سالف الذكر على أن الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية أو قنصل عام من الدرجة الأولى وما يعلوهما من وظائف تكون بالصلاحية دون التقيد بالأقدمية؛ لأنها بحكم مرتبتها في التدرج من الوظائف الرئيسية التي يكون التعيين فيها بالاختيار بالصلاحية، وبهذه المثابة لا يسري عليها قيد السنة المذكور. ولا يغير من ذلك أن تكون الترقية إلى هذه الوظائف قد تمت بمراعاة الأقدمية؛ إذ المفروض أن أصحاب الدور الذين رقوا كانوا صالحين لهذه الترقية، بل إن الاختيار يجد حده الطبيعي في هذا المبدأ العادل: وهو أنه لا يجوز تخطي الأقدم إلى الأحدث إلا إذا كان الأخير هو الأصلح، أما عند التساوي في درجة الصلاحية فيجب أن تكون الترقية بالأقدمية فيما بين المرشحين. فما كان يجوز والحالة هذه - ترك المدعي في الترقية إلى وظيفة مستشار من الدرجة الثانية، وقد كان الأول في ترتيب أقدمية السكرتيرين الأول كما أن صلاحية غير منكورة؛ وآية ذلك أنه اختير من وزارة العدل إلى وزارة الخارجية، ثم رقي في حركة 30 من نوفمبر سنة 1955 - أي قبل السنة - إلى الوظيفة التي تخطى فيها في حركة 20 من أبريل سنة 1955، فيكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون متعيناً إلغاؤه. ولما كانت المنازعة بعد ترقية المدعي قد أصبحت محصورة في ترتيب أقدميته بين أقرانه، فيجب إلغاء حركة 20 من أبريل سنة 1955 إلغاء جزئياً في هذا الخصوص، ورد الأمر إلى نصابه القانوني على الوجه المبين بالمنطوق.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وباعتبار أقدمية المدعي في وظيفة مستشار من الدرجة الثانية راجعة إلى 20 من أبريل سنة 1955، وألزمت الحكومة بالمصروفات.