مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأربعون - الجزء الثاني (من 7 مارس سنة 1995 إلى 26 أغسطس سنة 1995) - صـ 1531

(155)
جلسة 8 من أبريل سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د. محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد مجدي محمد خليل، وعويس عبد الوهاب عويس، وحسني سيد أحمد، ومحمد عبد الحميد مسعود - نواب رئيس مجلس الدولة

الطعن رقم 856 لسنة 33 القضائية

دعوى - إجراءات الإثبات فيها - عدول المحكمة عن الإجراء - شروطه - ادعاء بالتزوير - أثره - تقرير كفاية. (هيئات عامة) (الهيئة القومية للبريد).
أجاز المشرع للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات إذا ما وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها في موضوع النزاع - في حالة عدول المحكمة عن الإجراء يجب عليها بيان أسباب هذا العدول في محضر الجلسة أو بأسباب الحكم حتى يطمئن الخصوم إلى علة العدول - المحكمة لا تلتزم ببيان أسباب عدولها عن الإجراء إلا في حالة طلبه من أحد الخصوم - إذا كانت المحكمة هي التي أمرت باتخاذ إجراء الإثبات من تلقاء نفسها فإنها تملك العدول عنه دون ذكر الأسباب - أساس ذلك: أن العدول في هذه الحالة لا يمس أي حق للخصوم - للمحكمة أن تحكم برد أي محرر أو بطلانه إذا ظهر لها بجلاء من حالته أو ظروف الدعوى أنه مزور - يجب عليها في هذه الحالة أن تبين في حكمها الظروف والقرائن التي تبينت منها ذلك ودون أن تتقيد المحكمة بدليل معين على التزوير - لا يجوز الحكم بصحة المحرر أو برده أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً - يجب أن يكون قضاؤها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى - أساس ذلك: ألا يحرم الخصم الذي تمسك بالمحرر المقضي بتزويره أو ثبوت الحق في صحته من أن يقدم ما عسى أن يكون لديه من أدلة قانونية أخرى - يشترط لذلك أن يكون الادعاء بالتزوير مقبولاً ومنتجاً في النزاع - لا مجال لإعمال هذه القاعدة متى قضى الحكم بعدم قبول الادعاء بالتزوير لأنه غير منتج - إذا قضت المحكمة برد وبطلان الورقة المقدمة سنداً في الدعوى والمطعون عليها بالتزوير فإن هذا لا يعني بطلان التصرف القانوني ذاته - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 7/ 2/ 1987 أودع السيد/........ المحامي بصفته وكيلاً عن السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن، قيد بجدولها برقم 856 لسنة 33 قضائية، ضد السيد/........ في حكم محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسكندرية) بجلسة 11/ 12/ 1986 في الدعوى رقم 2194 لسنة 39 قضائية، والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبإلغاء القرار المطعون فيه برقم 988 الصادر بتاريخ 15/ 8/ 1984 فيما تضمنه من اعتبار تقرير كفاية المدعي عن عام 79/ 80 بمرتبة كفء حكماً، وما يترتب على ذلك من آثار منها أحقيته في تقدير كفايته عن هذا العام بمرتبة ممتاز، وألزمت الهيئة المدعي عليها بالمصروفات. وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن. لما تضمنه من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً برأيها القانوني ارتأت فيه الحكم فيه بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وإلزام الإدارة المصروفات.
وتحددت جلسة 22/ 11/ 1933 لنظر الطعن أمام (دائرة فحص الطعون) وبها نظر وبما تلاها من جلسات على النحو الثابت بمحاضرها إلى أن قررت الدائرة بجلسة 28/ 3/ 1994 المسائية إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا والدائرة الثانية لنظره بجلسة 3/ 4/ 1994 وبها نظر، وبما تلاها من جلسات على ما هو مبين بمحاضرها إلى أن قررت المحكمة بجلسة 28/ 2/ 1955 إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أن السيد/........ أقام أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية الدعوى رقم 798 لسنة 31 قضائية ضد السيد/ رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة بتاريخ 23/ 8/ 1984، طلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار رقم 988 بتاريخ 23/8 / 1984 فيما تضمنه من تقدير كفايته بمرتبة كفء وما يترتب على ذلك من آثار أهمها أحقيته في الترقية للدرجة الثانية الكتابية والعلاوة التشجيعية عن ذلك العام مع التعويض.
وقال في شرح أسانيد دعواه أن المحكمة الإدارية بالإسكندرية قضت بجلسة 20/ 2/ 1984 في الدعوى رقم 322 لسنة 39 قضائية المقامة منه ضد المدعى عليه (بإلغاء التقرير السنوي عن عام 79، 1980 بتقدير كفايته بمرتبة كفء وما يترتب على ذلك من آثار، وبمقتضى تنفيذ الحكم أن تصبح مرتبة كفايته عن هذا العام بتقدير ممتاز وما يستتبع هذا من ترقيته إلى الدرجة الثانية الكتابية ومنحه العلاوة التشجيعية إلا أن الإدارة أصدرت القرار رقم 988 بتاريخ 15/ 8/ 1984 بتنفيذ الحكم المشار إليه بأن يكون تقرير كفايته عن عام 79، 1980 بمرتبة كفء حكماً ولما كان هذا القرار مخالفاً للقانون لأن الجهة الإدارية امتنعت به عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحه، لذلك تظلم منه بتاريخ 20/ 8/ 1984 وإذ لم تستجب الجهة الإدارية لتظلمه، لذلك فقد أقام دعواه بغية الحكم له بطلباته.
وبجلسة 19/ 3/ 1985 حكمت الحكمة الإدارية بالإسكندرية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وأمرت بإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسكندرية) للاختصاص وأبقت الفصل في المصروفات وقد أحيلت الدعوى وقيدت برقم 2194 لسنة 39 قضائية.
وبجلسة 27/ 3/ 1986 طلب الحاضر مع المدعي التأجيل لإيداع شواهد التزوير في التقارير المطعون عليها، وبتاريخ 29/ 5/ 1986 قدم المدعي تقريراً بالطعن بالتزوير على صورتي التقرير السنوي للمدعي عن عام 78/ 1979، مبيناً أن شواهد التزوير تتمثل في أن الجهة الإدارية قدمت صورة ضوئية عن التقرير النهائي عن عام 78/ 1979 وقدمت تقريراً مختلفاً عن هذا التقرير في الدعوى رقم 1063 لسنة 33 قضائية المتداولة حالياً أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية، وهذا التقرير المطعون عليه مفروض أنه متوسط التقارير الثلاثة الأولى المقدمة في الدعوى المذكورة، وهذه موقعة من أشخاص لم يكونوا مسئولين عن الإشراف على المدعي في تلك الفترة مما يدل على أن التقرير المطعون عليه مصطنع من أساسه. وفي التقرير عن المدة 1/ 7/ 1978 حتى 1/ 3/ 1979 أدرج في خانة البيانات التي يضعها العامل عن نفسه بيانات زعمت أنها بخط يد المدعي، وهو لم يكتبها وقد لوحظ أنها أضيفت إليه أعمال الخدمات الأهلية في تلك الفترة في حين أنه لم يكلف بالعمل بالخدمات الأهلية إلا بعد ذلك التاريخ. وبتاريخ 31/ 5/ 1986 أودع المدعي عريضة طعن بالتزوير قلم كتاب المحكمة، طالباً في ختامها الحكم بتزوير تقرير كفايته عن عام 78/ 1979 وبجلسة 21/ 6/ 1986 قررت المحكمة ضم ملف الدعوى رقم 1063 لسنة 32 ق المقامة من المدعي أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية وبجلسة 21/ 8/ 1986 حكمت المحكمة بالتحقيق في صحة أو تزوير تقارير الكفاية الموضوعة عن المدعي عن عام 78/ 1979 والمودعة حافظة المستندات المقدمة من الهيئة القومية للبريد إلى هيئة مفوضي الدولة بالمحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 15/ 2/ 1986 في الدعوى رقم 1063 لسنة 32 ق المضمومة إلى الدعوى الماثلة وأمرت بندب السيد الأستاذ المستشار/........ بمحضر المحكمة لإجراء التحقيق وعلية أن يخطر الخصوم بميعاده وان يقدم تقريراً للمحكمة مبيناً به الإجراءات إلى اتخذتها في سبيل استجلاء حقيقة تقارير الكفاية الموضوعة عن المدعي وحقيقة مرتبة الكفاية التي حصل عليها عن عام 78/ 1979، وأبقت الفصل في المصروفات، استناد إلى أن الادعاء بالتزوير في الدعوى الماثلة منتج في النزاع وأن الأوراق لا تكفي لاقتناع المحكمة بصحة المحرر أو تزويره ومن ثم وإعمالاً للمادة 52 من قانون الإثبات تأمر المحكمة بإجراء تحقيق معه.
وبتاريخ 16/ 10/ 1986 قدم محامي المدعي طلباً إلى السيد الأستاذ المستشار رئيس المحكمة التمس فيه أن يعهد بتحقيق التزوير إلى أحد السادة المستشارين أعضاء المحكمة بدلاً من السيد الأستاذ المستشار....... الذي أصبح في التشكيل الجديد رئيس المحكمة الإدارية فقرر سيادته إعادة الدعوى للمرافعة بجلسة 27/ 11/ 1986.
وبجلسة 11/ 12/ 1986 أصدرت محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسكندرية) حكمها المطعون فيه وشيدته على أساس أن الثابت أن القرار رقم 988 لسنة في تاريخ 15/ 8/ 1984 وتظلم منه المدعي بتاريخ 20/ 8/ 1984 ثم أقام دعواه بتاريخ 23/ 8/ 1984، فمن ثم فإن الدعوى تكون مقبولة شكلاً أما قضاء المحكمة في الادعاء بالتزوير وفي موضوع الدعوى فقد قام على أساس أن المحكمة تجد أن ادعاء المدعي بالتزوير منتج في أصل النزاع وأنه طبقاً للمادة 58 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968، فإن للمحكمة الحق في إجراء المضاهاة في دعوى التزوير بنفسها دون الاستعانة بخبير، وأنها تستظهر تزوير المستند المقدم من الهيئة المدعى عليها بجلسة 4/ 2/ 1985 لتحضير الدعوى الماثلة أمام مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية بالإسكندرية وذلك بمضاهاته بالمستند المقدم بحافظة المستندات المقدمة من الهيئة بجلسة 17/ 2/ 1986 لتحضير الدعوى رقم 1063 لسنة 32 ق المضمومة إلى الدعوى الماثلة، ذلك أنه يبين من الاطلاع على المستند الأول هو (التقرير الرابع) وهو صورة ضوئية أن رقم الدرجات التي حصل عليها المدعي، وهو 88 درجة، حرر بصورة مختلفة اختلافاً بيناً عن كتابته بأصل التقرير نفسه بالمستند الثاني حيث كتب الرقم الأيسر 8 جزؤه الأيسر مبتعداً عن السطر وجزؤه الأيمن ملامساً للسطر بينما ورد في أصل التقرير ملامساً للسطر بجزئيه الأيسر والأيمن، كما ورد الرقم الأيمن (الآحاد - 8) مكتوباً بشكل مختلف تماماً بالصورة الضوئية المنسوبة لأصل التقرير عن كتابته بأصل التقرير نفسه وفضلاً عن ذلك فقد ورد توقيع تحت عبارة "توقيع المختص" بالصورة الضوئية قد خلا أصل التقرير من هذا التوقيع ومن ذلك يكون التقرير الوارد بالصورة الضوئية مزوراً ولا تطمئن المحكمة لما ورد بأصل هذا التقرير الذي تضمنه المستند الثاني ويصح بالتالي ادعاء المدعي بتزوير تقرير كفايته عن عام 78/ 1979 بمرتبة كفء الأمر الذي تطمئن معه وجدان المحكمة بأن حقيقة هذا التقرير إنما هو بمرتبة ممتاز وليس بمرتب كفء وأن جهة الإدارة ما اصطنعت هذا التزوير إلا بقصد تفويت فرصه الترقي على المدعي للدرجة الثانية ولتستر امتناعها عن تنفيذ الحكم الصادر لصالحه من المحكمة الإدارية بالإسكندرية في الدعوى رقم 322 لسنة 29 قضائية فيما قضى به إلغاء تقرير كفايته عن عام 79 لسنة 1980 بمرتبة كفء وبناء على ذلك فإن القرار رقم 988 بتاريخ 15/ 8/ 1984 وإذ بني على واقعة مزورة يكون مخالفاً للقانون مما يتعين الحكم بإلغائه فيما تضمنه من تقرير كفاية المدعي عن عام 79/ 1980 بمرتبة كفء حكماً وأحقية المدعي في مرتبة ممتاز والمحكمة إذ تقضي بهذا تمارس اختصاصها في رقابة مقومات القرار المطعون فيه وأركانه وأسبابه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وذلك لأن المستندين اللذين استندت إليهما المحكمة واستخلصت فيها واقعة التزوير أحدهما صورة ضوئية والأخر الأصل المرفق في الدعوى رقم 1063 لسنة 32 ق ما هما إلا صورة ضوئية وأخرى خطية من أصل التقرير السنوي الموضوع عن المدعي عن عام 78/ 1979 ومن ثم يكون استخلاص المحكمة لواقعة التزوير قد جانب الصواب خاصة أن أصل التقرير السنوي الموضوع عن المدعي عن 78/ 1979 قد سلم قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بحافظة مستندات برقم 4535 بتاريخ 15/ 7/ 1986 لتقديمها بجلسة 14/ 8/ 1986 كما أن المحكمة قررت التحقيق في صحة أو تزوير تقارير الكفاية الموضوعة عن المدعي عن عام 78/ 1979 وأمرت السيد الأستاذ المستشار/.......... عضو المحكمة لإجرائه ولم تخطر الهيئة بأي ميعاد لحضور جلسات التحقيق لإبداء وجهة نظرها. وإثبات صحة التقرير الموضوع عن عام 78/ 1979 مما يعتبر إخلالاً بحق الدفاع وترتب على ذلك أن أسست على ذلك المحكمة قضاءها على بعض المستندات تاركة أصل تقرير كفاية المدعي عن عام 78/ 1979.
وأضافت الهيئة في مذكرة دفاعها المقدمة بجلسة 13/ 8/ 1994 أن المحكمة لم تتخذ الإجراء القانوني لإجراء التحقيق ولثبوت التزوير ولم توضح الظروف والقرائن التي بنت عليها التزوير وأغفلت أن المستندات المقدمة من الهيئة هي محررات رسمية ولم تطلب أصل المحرر وإجراء المطابقة بين الأصل والصورة ولم تثبت يقيناً واقعة التزوير ولم تحدد الشخص الذي أجراه ولم تحدد المصلحة الظاهرة لإجرائه.
ومن حيث إن المادة 9 من قانون الإثبات في الدعاوى المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 تنص على أن "للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر..." وتنص المادة 44 من ذات القانون على أن "إذا قضت المحكمة بصحة المحرر أو برده أو قضت بسقوط الحق في إثبات صحته أخذت في نظر موضوع الدعوى في الحال أو حددت لنظره أقرب جلسة" وتنص المادة 58 على أن "يجوز للمحكمة ولو لم يدع أمامها بالتزوير بالإجراءات المتقدمة أن تحكم برد أي محرر وبطلانه إذا ظهر بجلاء من حالته أو ظروف الدعوى أنه مزور".
ويجب عليها في هذه الحالة أن تبين في حكمها الظروف والقرائن التي يثبت منها ذلك ومفاد هذه النصوص أن المشرع أجاز للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات إذا ما وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها في موضوع النزاع وأنه ولئن أوجب المشرع على المحكمة في حالة عدولها عنه أن تبين أسباب هذا العدول في محضر الجلسة أو بأسباب الحكم لأن هذا يحقق أكثر مراد الشارع وحتى يطمئن الخصوم إلى علة العدول عن الحكم بعد إصداره إلا أن المحكمة لا تلزم ببيان أسباب عدولها عن إجراء من إجراءات الإثبات إلا في حالة طلبه من أحد الخصوم فإذا كانت هي أمرت باتخاذه من تلقاء نفسها فإنها تملك العدول عنه دون ذكر الأسباب إذ لا يتصور أن يمس العدول في هذه الحالة أي حق للخصوم مما يلزم معه ذكر أي تبرير له كما يجوز للمحكمة وفقاً لنص المادة 58 وفي أية حالة عليها الدعوى وسواء ادعى أو لم يدع أمامها بالتزوير أن تحكم برد أي محرر وبطلانه إذا ظهر لها بجلاء من حالته أو ظروف الدعوى أنه مزور وحسبها أن تبين في حكمها الظروف والقرائن التي تبين منها ذلك ودون أن تتقيد المحكمة بدليل معين على التزوير ولا شخص معين تقدم دليله وهي بهذا إنما تستعمل حقاً خوله لها القانون ومن ثم ليست ملزمة بأن تقيد به الخصوم إلى ذلك على انه لا يجوز الحكم بصحة المحرر أو برده أو بسقوط الحق في إثبات صحته وفي الموضوع معاً بل يجب أن يكون قضاءها بذلك سابقاً على الحكم في موضوع الدعوى حتى لا يحرم الخصم الذي تمسك بالمحرر المقضي بتزويره أو ثبوت الحق في صحته من أن يقدم ما عسى أن يكون لدية من أدله قانونية أخرى أو يسوق دفاعاً جديراً إلا أن شرط ذلك أن يكون الادعاء بالتزوير مقبولاً ومنتجاً في النزاع ومن ثم فلا مجال لإعمال هذه القاعدة متى قضى الحكم بعدم قبول الادعاء بالتزوير لأنه غير منتج وإذ قضت المحكمة برد وبطلان الورقة المقدمة سنداً في الدعوى المطعون عليها بالتزوير فإن هذا لا يعني بطلان التصرف القانوني ذاته وهو في الدعوى الماثلة تقرير كفاية 78/ 1979 وإنما بطلان الورقة المبينة له فحسب ولا ينال من التصرف أو يمنع من إثباته بأي دليل آخر مقبول قانوناً فإذا ما ثبت للمحكمة صحة الادعاء بالتزوير وفساد الدليل على إسناد التصرف إلى الصادر في حقه فإن ذلك لا يقتضي بطريق اللزوم أن يكون هذا التصرف غير صحيح.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم ولما كان الثابت أن المحكمة أحالت ادعاء المدعي بالتزوير إلى التحقيق دون طلب منه بإثبات التزوير بهذا الإجراء فمن ثم فإن العدول عن هذا الإجراء لإثبات التزوير دون تسبيب هذا العدول بمحضر الجلسة. هذا إلى أن البين من أسباب الحكم المطعون فيه أنها استندت إلى المادة 58 من قانون الإثبات، لتفصل في الادعاء بالتزوير عن طريق مضاهاة المستندات المودعة بملف الدعوى بعد أن تبين لها كفايتها للفصل في الادعاء بالتزوير، وهي في هذا تمارس حقاً خوله لها القانون، ولا تلتزم أن تنبه الخصوم إلى أنها تستعمله.
ومن حيث إن هذه المحكمة تؤيد الحكم المطعون فيه، لأسبابه فيما ذهب إليه مع أن الصورة الضوئية لتقرير كفاية المدعي عن عام 78/ 1979 المقدمة من الهيئة المدعى عليها بجلسة 4/ 2/ 1985 لتحضير الدعوى الماثلة أمام مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية بالإسكندرية، مزورة، ومن رد التقرير المودع بحافظة المستندات المقدمة من الهيئة بجلسة 17/ 2/ 1986 لتحضير الدعوى رقم 1063 لسنة 32 ق المضمومة إلى الدعوى الماثلة، إلا أن الحكم المطعون فيه خالف القانون من ناحيتين، أولاً هما: أن الحكم بتزوير ورد المستندين المذكورين لا يعني بطلان أصل تقرير كفاية المدعي عن عام 78/ 1979 أو يستتبع كما ذهب الحكم أن تكون مرتبه الكفاية فيه بدرجة ممتاز، وثانيها: أنه ما كان يجوز للحكم المطعون فيه أن يقضي بحكم واحد بتزوير ورد المستندين المذكورين وفي موضوع الدعوى، أي بإلغاء القرار رقم 988 بتاريخ 15/ 8/ 1984، فيما تضمنه من تقرير كفاية المدعي عن عام 79/ 1980 بمرتبة كفء حكماً، دون سماع دفاع الجهة الإدارية المدعى عليها في موضوع الدعوى، بعد الحكم بتزوير ورد المستندين اللذين أودعتها لإثبات تقرير كفاية المدعي عن عام 78/ 1979، الذي أتخذ أساساً لوضع تقرير كفاية 79/ 1980 موضوع الدعوى الماثلة، مخالفاً بذلك نص المادة 44 من قانون الإثبات آنفة الذكر، ومخلاً بحق الدفاع، مما يتعين معه الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في موضوع الدعوى، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسكندرية) للفصل في موضوع الدعوى مجدداً من هيئة أخرى، وأبقت الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في موضوع الدعوى وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري (دائرة الإسكندرية) للفصل في موضوعها مجدداً من هيئة أخرى وأبقت الفصل في المصروفات.