مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 989

(119)
جلسة 30 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 968 لسنة 2 القضائية

ميزانية - تحديدها للوظائف ودرجاتها وتوزيعها على الوزارات والمصالح - قيام ذلك على أساس من المصلحة العامة - التفرقة بين نوعين من التوزيع: أحدهما يتعلق بالوظائف التي تقتضي، بحسب تخصيص الميزانية، تأهيلاً وصلاحية خاصة، وثانيهما ما لا يتميز بهذا التميز الخاص - التفرقة بين هذين النوعين عند إجراء الترقية ولو كانت بالأقدمية - إعمال الأقدمية على إطلاقها لا يكون إلا في النوع الثاني دون الأول - مثال.
إن تحديد ميزانية الدولة للوظائف المختلفة وتعيين درجاتها وتوزيعها في كل وزارة أو مصلحة، إنما يقوم على أساس من المصلحة العامة وفقاً لاحتياجات المرافق وبما يكفل سيرها على الوجه الأمثل، غير أنه يبين للنظر الفاحص للميزانية أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي - بحسب تخصيص الميزانية له - تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن، ومنها ما ليس متميزاً بطبيعة هذا التميز الخاص، مما لا مندوحة معه من مراعاة هذا الفارق الطبعي عن إجراء الترقية حتى بالنسبة لما يجب أن يتم منها بالأقدمية بالتطبيق للمواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون بداهة إلا في النوع الثاني من الوظائف، أما بالنسبة إلى النوع الأول فلا يمكن إعمال الأقدمية على إطلاقها، وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجه المصلحة العامة الذي قصدت إليه الميزانية من هذا التخصيص، بل تجد الأقدمية حدها الطبعي في إعمال أثرها فيما بين المرشحين الذين يتوافر فيهم التأهيل الخاص والصلاحية المعنية اللذان يتطلبهما تخصيص الميزانية للوظيفة؛ فلا يرقى مثلاً مهندس حيث تتطلب الوظيفة قانونياً أو يرقى كيمائي حيث تتطلب مهندساً أو مجرد مهندس حيث تتطلب الوظيفة تخصيصاً في فرع معين من الهندسة وهكذا، ولو انتظمتهم جميعاً أقدمية مشتركة في وحدة إدارية قائمة بذاتها في خصوص الترقية - كل ذلك مرده إلى طبائع الأشياء لتحقيق الغرض الذي استهدفته الميزانية من تمييز الوظيفة هذا التميز الخاص. فإذا ثبت أن ميزانية كلية العلوم بجامعة الإسكندرية في السنة المالية 953/ 954 قد اشتملت على ست وظائف من الدرجة الخامسة الفنية المتوسطة، واحدة منها لرئيس ميكانيكي وأخرى لرئيس كهربائي واثنتان لميكانيكيين ومثلهما لمحضرين، فإن هذا النوع واضح الدلالة في تخصيص تلك الوظائف تخصيصاً متميزاً بطبيعته يقتضي تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة فيمن يعين فيها.


إجراءات الطعن

في 28 من مارس سنة 1956 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة سكرتارية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) بجلسة 2 من فبراير سنة 1956 في الدعوى رقم 8433 لسنة 8 القضائية المقامة من وزارة التربية والتعليم ضد محمد زكي عبد المجيد الصاوي. القاضي: "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، ورفض التظلم، وألزمت المدعى عليه بالمصروفات". وطلب السيد رئيس هيئة المفوضين للأسباب التي استند إليها في عريضة طعنه "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتأييد قرار اللجنة القضائية، وإلزام الحكومة بالمصروفات". وقد أعلن هذا الطعن إلى كل من جهة الإدارة والمطعون لصالحه في 15 من مايو و17 من مايو سنة 1956 على التوالي، وعين لنظره جلسة 9 من يونيه سنة 1956، وأبلغ الطرفان في 14 من مايو سنة 1956 بميعاد هذه الجلسة، وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، ثم قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن المطعون لصالحه رفع إلى اللجنة القضائية الإضافية لجميع الوزارات بالإسكندرية في التظلم رقم 1268 لسنة 2 القضائية بصحيفة أودعها سكرتيرية اللجنة في 27 من يناير سنة 1954 ذكر فيها أنه في 26 من ديسمبر سنة 1953 صدر قرار من جامعة الإسكندرية بترقية أحمد أحمد جعفر الموظف بورشة كلية العلوم إلى الدرجة الخامسة بالكادر الفني المتوسط متخطياً إياه في الترقية، ومخالفاً لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 التي جعل للأقدمية الاعتبار الأول بين موظفي كل فئة من فئات الكادر، ومشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة؛ إذ أنه يسبق المطعون في ترقيته في الأقدمية، سواء من حيث تاريخ التخرج أو التعيين أو الحصول على الدرجة السادسة، ومع ذلك فقد حسبت عنه الجامعة الدرجة المتنازع عليها أمداً طويلاً مكنت فيه غير المستحق من الترقية إليها بعد أن استكمل السنوات الأربع اللازمة للترقية، وخلص من هذا إلى طلب إلغاء قرار ترقية أحمد أحمد جعفر الصادر في 26 من ديسمبر سنة 1953، وترقيته هو إلى الدرجة الخامسة بالكادر الفني المتوسط بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية. وقد ردت الجامعة على هذا التظلم بأن أحمد أحمد جعفر مقيد على وظيفة ميكانيكي من الدرجة الخامسة منذ أول يوليه سنة 1948، وأنها استندت في ترقيته إلى هذه الدرجة إلى المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة التي تنص على أن "لا تمنح الدرجة المخصصة للوظيفة إلا لمن يقوم بعملها فعلاً. وإذ قام الموظف بأعباء وظيفة درجتها أعلى من درجته لمدة سنة على الأقل سواء بطريق الندب أو القيد على الدرجة أو رفعها جاز منحه الدرجة إذا توافرت فيه شروط الترقية إليها". ولما كان المذكور قد أمضى في وظيفته المقيد على درجتها أكثر من سنة، كما أمضى في الدرجة السادسة أكثر من أربع سنوات، وكان التقرير السنوي المقدم عنه بدرجة "جيد"، فقد وافقت لجنة شئون الموظفين بالجامعة على ترقيته إلى وظيفة ميكانيكي من الدرجة الخامسة، وصادق المدير على هذا القرار في 24 من ديسمبر سنة 1953، هذا فضلاً عن أن المتظلم حاصل على دبلوم الفنون والصناعات (قسم الهندسة الكهربائية) في حين أن الوظيفة التي كانت خالية ورقى إليها أحمد أحمد جعفر هي وظيفة ميكانيكي، وهو حاصل على دبلوم الفنون والصناعات، (قسم الهندسة الميكانيكية)، وقائم بعمل هذه الوظيفة فعلاً، على خلاف المتظلم الذي يحمل مؤهلاً في الكهرباء ويشغل وظيفة محضر بكلية العلوم. وبجلسة 17 من فبراير سنة 1954 أصدرت اللجنة القضائية قرارها "بإلغاء القرار الصادر من السيد مدير جامعة الإسكندرية بتاريخ 24 من ديسمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المتظلم في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية بكلية العلوم بالجامعة المذكورة وما يترتب على ذلك من آثار"، واستندت في ذلك إلى أن الثابت من ميزانية الدولة لعام 1953/ 1954 في البند الخاص بالوظائف الفنية المتوسطة بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية أنه توجد ست وظائف درجة خامسة لرئيس كهربائي ورئيس ميكانيكي وميكانيكيين ومحضرين، وجميعها شائعة لا تخصيص فيها لوظيفة ميكانيكي، بحيث تسري في شأنها قواعد الترقية العادة أقدمية واختياراً. ومن ثم يكون استناد الجامعة إلى المادة 22 من قانون نظام موظفي الدولة غير سليم. ولما كان المتظلم أقدم من المطعون في ترقيته، وكانت الوظيفة المرقى إليها داخلة في نسبة الأقدمية ولا مجال فيها للاختيار، فإنه يكون أحق بالترقية إليها من أحمد أحمد جعفر، ويكون القرار المطعون فيه قد صدر باطلاً لمخالفته للقانون مما يتعين معه إلغاؤه. وقد طعنت الحكومة في هذا القرار بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 7 من يونيه سنة 1954 طلبت فيها "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المبين بصدر هذه العريضة، مع إلزام المطعون ضده بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة"، وأقامت طعنها على ذات الأسباب التي أبدتها الجامعة في ردها على التظلم أمام اللجنة القضائية، وقيد هذا الطعن تحت رقم 8433 لسنة 8 القضائية. وبجلسة 2 من يناير سنة 1956 قضت محكمة القضاء الإداري (الهيئة الثالثة) "بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء قرار اللجنة القضائية المطعون فيه، ورفض التظلم وألزمت المدعي عليه بالمصروفات"؛ وبنت قضاءها على أن المطعون في ترقيته متخصص في الميكانيكا، وأنه منذ سنة 1946 وهو يشغل وظيفة ميكانيكي، وعند ما رقى إلى الدرجة السادسة في سنة 1948 شغل وظيفة ميكانيكي من الدرجة السادسة خصماً على وظيفة ميكانيكي من الدرجة الخامسة، وأنه على مقتضى المادة 22 من قانون نظام موظفي الدولة إذا كانت الميزانية قد رتبت وظائف خاصة بالميكانيكيين وجعلت درجتها الخامسة فإن هذا يعد تخصيصاً لها يوجب ألا تمنح إلا لمن يقوم بعملها فعلاً؛ ولا يغير من ذلك كونها وردت ضمن درجات أخرى مخصصة لوظائف معينة، وقد كان في وسع المدعي عليه أن يطعن في قيد زميله على الدرجة الخامسة؛ ذلك القيد الذي علم به في حينه، بيد أنه اكتفى بالشكوى إلى الجهة الإدارية. ولما كان التعيين في الوظائف من سلطة الإدارة المطلقة ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة، وكانت الوظيفة التي قيد عليها المطعون في ترقيته من الوظائف الميكانيكية التي لا تؤهل المدعى عليه لها دراسته، فإن قيد المطعون في ترقيته على هذه الوظيفة أو ندبه لها ثم ترقيته إليها يكون أمراً متفقاً مع القانون، ما دام قد استكمل كافة الشروط التي تتطلبها المادة 22 سالفة الذكر، وما دامت الترقية في هذه الحالة ليس مناطها الأقدمية ولا الاختيار. وقد طعن السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة في هذا الحكم بعريضة أودعها سكرتيرية هذه المحكمة في 28 من مارس سنة 1956 انتهى فيها إلى طلب "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وتأييد قرار اللجنة القضائية، وإلزام الحكومة بالمصروفات"، وأسس طعنه على وجه واحد هو مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون، ذلك أن توضيح المقصود من الدرجة المخصصة للوظيفة في مفهوم المادة 22 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة يقتضي التمييز بين فرعين من الدرجات: (النوع الأول) ينتظم درجات مالية ترتبها الميزانية في تسلسل هرمي تصاعدي لكل وزارة أو مصلحة ولا تخصص لوظائف معينة بذاتها أو تخصص تخصيصاً عاماً لعدد من الوظائف غير المتميزة التي ليس لها كيان مستقل عن باقي الوظائف، بحيث تقتصر دلالة التخصيص على مجرد تحديد عدد الدرجات التي يشغلها الموظفون القائمون بكل فرع من فروع العمل في الوزارة أو المصلحة لكي لا يترك للإدارة توزيع الدرجات المخصصة لكل وزارة أو مصلحة بين فروع العمل المختلفة فيها. ومثل هذه الدرجات تخضع لأحكام الفصل الثالث من الباب الأول من قانون نظام موظفي الدولة التي تضع شروطاً للترقية ونسباً مختلفة في كل درجة للترقية بالأقدمية أو بالاختيار. و(النوع الثاني) يشمل الدرجات التي تجعلها الميزانية مخصصة لوظيفة من الوظائف بعينها، بحيث لا تكون لهذه الدرجات ذاتية مستقلة، بل تكون تابعة للوظائف المخصصة لها. ويراعى في هذا التخصيص توافر شروط معينة فيمن يقوم بهذه الوظائف، ومن ثم تنفرد بوضع خاص في الميزانية، ولا تدخل في نطاق التدرج الهرمي للدرجات، ولا تجري عليها بالتالي أحكام الترقية الواردة بالفصل الثالث من الباب الأول من قانون نظام موظفي الدولة، وهذا النوع من الدرجات هو المقصود بالمادة 22 من القانون المشار إليه. والذي يبين من مطالعة ميزانية سنة 1953/ 1954 هو أن الدرجة الخامسة موضوع النزاع إنما وردت ضمن دائرة الدرجات التي يشملها الهرم التصاعدي الذي رتبته الميزانية لوظائف الكادر الفني المتوسط في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، وأن وظيفة ميكانيكي لم تفرد بوضع خاص في الميزانية، وإنما أدرجت مع وظائف أخرى في صعيد واحد. ومن ثم فلا يصح التحدي بأنها مخصصة لوظيفة ميكانيكي، بل هي تخرج من مجال تطبيق المادة 22 سالفة البيان، وتجرى عليها أحكام الترقية المنصوص عليها في الفصل الثالث من الباب الأول من قانون نظام موظفي الدولة. وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد خالف القانون وقامت به الحالة الأولى من أحوال الطعن في الأحكام أمام المحكمة الإدارية العليا طبقاً للمادة 15 من قانون مجلس الدولة. وقد أودع المطعون لصالحه سكرتيرية المحكمة في 27 من مايو سنة 1956 مذكرة بملاحظاته أبدى فيها أن ميزانية سنة 1953/ 1954 لم تتضمن فيما يتعلق بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية تخصيص أية درجة مالية بعينها لوظيفة الميكانيكي محل النزاع بالمعنى المقصود بالمادة 22 من قانون نظام موظفي الدولة، ومن ثم فإن الدرجة المتنازع عليها تخضع لشروط الترقية العادية حسب النسب المقررة للأقدمية والاختيار، وتدخل في نطاق التدرج الهرمي لوظائف الكادر الفني المتوسط، ولما كان هو أقدم في الدرجة السادسة بالكادر الفني المتوسط من أحمد أحمد جعفر المطعون في ترقيته، وكان تقريراه الأخيران بدرجة جيد، والدرجة المتزاحم عليها وحيدة لا مجال فيها للاختيار، فإنه يكون أحق بهذه الدرجة وفقاً لأحكام المادتين 39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951، ولا دخل في ذلك لنوع المؤهل الدراسي الذي يحمله، كما لا وجه للمفاضلة بينه وبين منافسه بسبب إرسال هذا الأخير في بعثة عملية أو حصوله على لقب مهندس. وقد أجرت لجنة شئون الموظفين بجامعة الإسكندرية عدة ترقيات بالأقدمية المطلقة في وظائف الكادر الفني المتوسط دون نظر إلى تسمية الوظيفة أو إلى طبيعة العمل ورغم اختلاف المؤهلات الدراسية وفروع تخصصها، وخلص من هذا إلى طلب القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبتأييد قرار اللجنة القضائية، مع إلزام الحكومة بالمصروفات.
سومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن النقطة القانونية مثار النزاع تنحصر فيما إذا كانت الترقية إلى الدرجة الخامسة في خصوصية الدعوى يجب أن تتم بالأقدمية على إطلاقها وفقاً لأحكام المادتين 39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة أم أن طبيعة الوظيفة بحسب تخصيص الميزانية لها تقتضي إعمال الأقدمية بين المرشحين على نحو لا يتعارض مع هذا التخصيص، بل يجب أن يتسق معه؟
ومن حيث إن تحديد ميزانية الدولة للوظائف المختلفة وتعيين درجاتها وتوزيعها في كل وزارة أو مصلحة، إنما يقوم على أساس من المصلحة العامة وفقاً لاحتياجات المرافق وبما يكفل سيرها على الوجه الأمثل، غير أنه يبين للنظر الفاحص للميزانية أن من الوظائف ما هو متميز بطبيعته بما يقتضي - بحسب تخصيص الميزانية له - تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة بحيث لا يقوم أفراد المرشحين بحسب دورهم في الأقدمية بعضهم مقام البعض الآخر في هذا الشأن، ومنها ما ليس متميزاً بطبيعة بهذا التمييز الخاص، مما لا مندوحة معه من مراعاة هذا الفارق الطبعي عن إجراء الترقية حتى بالنسبة لما يجب أن يتم منها بالأقدمية بالتطبيق للمواد 38 و39 و40 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة؛ ذلك أن إعمال الأقدمية في الترقية على إطلاقه لا يكون بداهة إلا في النوع الثاني من الوظائف، أما بالنسبة إلى النوع الأول فلا يمكن إعمال الأقدمية على إطلاقها، وإلا كان ذلك متعارضاً مع وجه المصلحة العامة الذي قصدت إليه الميزانية من هذا التخصيص، بل تجد الأقدمية حدها الطبعي في إعمال أثرها فيما بين المرشحين الذين يتوافر فيهم التأهيل الخاص والصلاحية المعنية اللذان يتطلبهما تخصيص الميزانية للوظيفة؛ فلا يرقى مثلاً مهندس حيث تتطلب الوظيفة قانونياً أو يرقى كيمائي حيث تتطلب مهندساً أو مجرد مهندس حيث تتطلب الوظيفة تخصيصاً في فرع معين من الهندسة وهكذا، ولو انتظمتهم جميعاً أقدمية مشتركة في وحدة إدارية قائمة بذاتها في خصوص الترقية - كل هذا مرده إلى طبائع الأشياء؛ لتحقيق الغرض الذي استهدفته الميزانية من تميز الوظيفة هذا التميز الخاص.
ومن حيث أن ميزانية كلية العلوم بجامعة الإسكندرية في السنة المالية 953/ 1954 قد اشتملت على ست وظائف من الدرجة الخامسة الفنية المتوسطة، واحدة منها لرئيس ميكانيكي وأخرى لرئيس كهربائي واثنتان لميكانيكيين ومثلهما لمحضرين، وهذا التوزيع واضح الدلالة في تخصيص تلك الوظائف تخصيصاً متميزاً بطبيعته يقتضي تأهيلاً خاصاً وصلاحية معينة فيمن يعين فيها. والوظيفة موضوع النزاع هي إحدى هذه الوظائف.
ومن حيث إنه يبين من استظهار حالة كل من المطعون لصالحه والمطعون في ترقيته من واقع الأوراق أن الأول وهو محمد زكي عبد المجيد الصاوي حاصل على دبلوم مدرسة الفنون والصناعات (قسم الهندسة الكهربائية) في سنة 1941، وأنه عين بوظيفة محضر بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية بالدرجة الثامنة الفنية بعقد بماهية قدرها سبعة جنيهات شهرياً اعتباراً من 17 من أكتوبر سنة 1942، ثم طبقت عليه قواعد الإنصاف ومنح الدرجة السابعة بصفة شخصية بماهية قدرها عشرة جنيهات شهرياً من تاريخ بدء خدمته، ورقى إلى الدرجة السادسة الفنية المنسقة بوظيفة محضر بالعلوم اعتباراً من 17 من أكتوبر سنة 1946، ثم طبقت أحكام قانون المعادلات الدراسية على حالته فعدلت أقدميته في الدرجة السادسة بإرجاعها إلى 17 من أكتوبر سنة 1945. وأن الثاني أحمد جعفر حاصل على دبلوم مدرسة الفنون والصناعات (قسم الهندسة الميكانيكية) في سنة 1943، وأنه عين بوظيفة محضر بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية في الدرجة الثامنة الفنية بعقد بماهية شهرية قدرها سبعة جنيهات اعتباراً من 17 من نوفمبر سنة 1943، ثم طبقت عليه قواعد الإنصاف واعتبر في الدرجة السابعة بصفة شخصية بماهية شهرية قدرها عشرة جنيهات من تاريخ دخوله الخدمة، وعدلت أقدميته في هذه الدرجة بإرجاعها إلى 20 من يوليه سنة 1943 وذلك بعد ضم مدة خدمته السابقة باليومية بمصلحة المواني والمنائر، ثم صدر أمر الجامعة في أول مايو سنة 1946 باعتماد نقله إلى وظيفة ميكانيكي من الدرجة السابعة وذلك اعتباراً من أول أبريل سنة 1946 بناء على اقتراح كلية العلوم، ورقي إلى الدرجة السادسة الفنية بوظيفة ميكانيكي بكلية العلوم ابتداء من أول يوليه سنة 1948 وذلك قيداً على الدرجة الخامسة المخصصة لوظيفة ميكانيكي، ثم سافر في بعثة عملية للجامعة من 14 من فبراير سنة 1950 حيث درس الأعمال الميكانيكية الدقيقة وصنع وإصلاح الأجهزة العلمية بمعاهد سويسرا وانجلترا، وعاد منها في 4 من سبتمبر سنة 1952. وقد وافقت لجنة شئون الموظفين بالجامعة على ترقيته إلى الدرجة الخامسة المخصصة لوظيفة ميكانيكي، وهي الدرجة التي كان مقيداً عليها منذ أول يوليه سنة 1948 وقائماً بعملها فعلاً، وذلك بوصفه الأول في ترتيب الأقدمية بين ميكانيكيين من الدرجة السادسة بكلية العلوم، ولكونه أمضى في الدرجة السادسة أكثر من أربع سنوات، وفي الوظيفة المقيد على درجتها أكثر من سنة. وفي 24 من ديسمبر سنة 1953 صادق مدير الجامعة على قرار لجنة شئون الموظفين بترقيته إلى الدرجة الخامسة بوظيفة ميكانيكي اعتباراً من 24 من ديسمبر سنة 1953، ثم طبقت في حقه أحكام قانون المعادلات الدراسية فعدلت أقدميته في الدرجة السادسة بإرجاعها إلى 20 من يوليه سنة 1946، وندب بمقتضى أمر تكليف للعمل بوزارة الحربية اعتباراً من 4 من سبتمبر سنة 1954، ومنح لقب مهندس في أول نوفمبر سنة 1954.
ومن حيث إنه يتضح من المقارنة المتقدمة، أنه ولئن كان مؤهل كل من المطعون لصالحه والمطعون في ترقيته واحداً، إلا أن تخصص الأول هو في الكهرباء والثاني في الميكانيكا، وبينما الأول يشغل وظيفة محضر بكلية العلوم منذ بدء تعيينه حتى تاريخ إجراء الترقية المطعون فيها، إذ بالثاني يشغل وظيفة ميكانيكي بالكلية ذاتها منذ أول أبريل سنة 1946، ويدرس زهاء سنتين ونصف في بعثة عملية في الخارج للتخصص في الأعمال الميكانيكية الدقيقة وصنع الأجهزة العلمية وإصلاحها، ثم يقوم بعمل وظيفة ميكانيكي التي كان مقيداً عليها ورقى إليها، كما أنه كان ترتيبه الأول في كشف أقدمية الميكانيكيين من الدرجة السادسة بكلية العلوم، باعتبارهم فئة فنية قائمة بذاتها، وإن كان ترتيبه هو الثالث في كشف أقدمية الموظفين الفنيين عامة في هذه الدرجة، وترتيب المطعون لصالحه هو الثاني في هذا الكشف.
ومن حيث إنه لما تقدم، يكون تعيين المطعون عليه في وظيفة ميكانيكي من الدرجة الخامسة - وهي كما سلف القول وظيفة متميزة بتخصيص الميزانية، بمراعاة أنه متخصص في هذا الفرع بحسب تأهيله الدراسي، وملم به عملياً بحكم بعثته، وممارس له فعلاً منذ أول أبريل سنة 1946، وأنه أقدم الميكانيكيين من الدرجة السادسة بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية - قد تم صحيحاً مطابقاً للقانون، ويكون الحكم المطعون فيه قد صادف الصواب إذ قضى بإلغاء قرار اللجنة القضائية الذي ذهب إلى إلغاء قرار مدير جامعة الإسكندرية الصادر في 24 من ديسمبر سنة 1953 فيما تضمنه من تخطي المتظلم في الترقية إلى الدرجة الخامسة الفنية بكلية العلوم بالجامعة المذكورة، ومن ثم يكون الطعن على غير أساس سليم من القانون، متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.