مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأولى - العدد الثالث (من يونيه سنة 1956 إلى آخر سبتمبر سنة 1956) - صـ 1002

(121)
جلسة 30 من يونيه سنة 1956

برئاسة السيد/ السيد علي السيد رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة السيد إبراهيم الديواني والإمام الإمام الخريبي وعلي إبراهيم بغدادي ومصطفى كامل إسماعيل المستشارين.

القضية رقم 1616 لسنة 2 القضائية

قرار تأديبي - وجوب قيامه على سبب يبرره - رقابة القضاء الإداري لذلك - أساس ذلك - مثال.
إن القرار التأديبي يجب أن يقوم على سبب يبرره، فلا تتدخل الإدارة لتوقيع الجزاء إلا إذا قامت حالة قانونية أو واقعية تبرر تدخلها. ولما كان السبب هو ركن من أركان القرار الإداري، فإن للقضاء الإداري أن يراقب قيام هذه الحالة أو عدم قيامها كركن من الأركان التي يقوم عليها القرار. فإذا كان الثابت أن السبب الذي قام عليه القرار التأديبي (وهو تغيب الطالب عن الكلية وعن المحاكمة بدون عذر مقبول بفهم أن الطالب متمارض وليس مريضاً) هو أمر مشكوك في صحته، بل إن الأصول المقدمة للمحكمة ترجح العكس - على حسب الظاهر من الأوراق - فيكون الحكم المطعون فيه والحالة هذه إذ قضى بوقف تنفيذ القرار التأديبي للأسباب المذكورة، وحتى لا تفوت على الطالب فرصة التقدم للامتحان، وهو أمر يتعذر تداركه - إن الحكم المذكور قد قام على أساس سليم من القانون.


إجراءات الطعن

في 25 من يونيه سنة 1951 أودع رئيس هيئة مفوضي الدولة طعناً في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (الهيئة الأولى) بجلسة 29 من مايو سنة 1956 في الدعوى رقم 1424 لسنة 10 القضائية المرفوعة من الدكتور عباس جوهر بصفته ولي أمر ابنه حسين جوهر ضد وزارة الداخلية ومدير عام كلية البوليس، القاضي: "بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه"، وطلب رئيس هيئة المفوضين للأسباب المبينة بصحيفة الطعن "الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، ورفض طلب وقف التنفيذ"، ونظراً للاستعجال، وبالتطبيق للمادة 73 من قانون المرافعات المدنية والتجارية - التي تقضي بأن ميعاد الحضور في المواد المستعجلة 24 ساعة ويجوز في حالة الضرورة القصوى من ساعة إلى ساعة - قد عين لنظر الطعن جلسة 30 من يونيه سنة 1956، وأعلنت وزارة الداخلية في 27 من يونيه سنة 1956، وأعلن المدعي في اليوم ذاته.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من الأوراق، تتحصل في أن المدعي بصفته أقام الدعوى رقم 1424 لسنة 10 ق أمام محكمة القضاء الإداري بصحيفة أودعت سكرتارية المحكمة في 19/ 5/ 1956 طالباً وقف تنفيذ قرار مجلس تأديب كلية البوليس الصادر في 5 من مايو سنة 1956 بحرمان ابنه حسين عباس جوهر من امتحان الفترة الثانية من المواد القانونية وحرمانه أيضاً من التقدم لامتحان الدول الأول في المواد البوليسية، ثم إلغاء القرار المذكور، مع إلزام المدعى عليهما بالمصروفات.
وقضت المحكمة المذكورة في 29 من مايو سنة 1956 بوقف تنفيذ هذا القرار استناداً إلى أن الطالب المشمول بولاية المدعي كان "معذوراً في عدم حضوره للكلية، وفي جلسة المحاكمة إتباعاً لنصيحة الطبيب المعالج، وأن محاكمته وهو في هذه الحالة تخل بحق الدفاع عن نفسه إخلالاً يفسد المحاكمة ويبطلها....".
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن"........ الطالب لم يكن مريضاً يوم 5 من مايو سنة 1956 وهو اليوم السابق للمحاكمة تأديبياً وقد قطع بذلك كبير الأطباء بالكلية بعد الكشف على الطالب بمنزله في اليوم المذكور، وأن الشهادة الطبية التي استند إليها الحكم المطعون فيه مؤرخة 18 من مايو سنة 1956 أي بعد صدور القرار المطعون فيه، وهي لم تقدم إلى الكلية وإنما قدمت إلى المحكمة كمستند في الدفاع، وأنه لا المدعي ولا الطالب قد اعتذر لهيئة التأديب في اليوم المحدد للمحاكمة بالعذر الذي تضمنته تلك الشهادة الطبية التي استند إليها الحكم المطعون فيه، وكان في إمكان أيهما أن يبرق بهذا العذر إلى هيئة التأديب ويطلب تأجيل المحاكمة. فالظاهر إذاً من الأوراق أن الطالب لم يكن معذوراً في التخلف عن جلسة المحاكمة التأديبية".
ومن حيث إن القرار التأديبي يجب أن يقوم على سبب يبرره، فلا تتدخل الإدارة لتوقيع الجزاء إلا إذا قامت حالة قانونية أو واقعية تبرر تدخلها. ولما كان السبب هو ركن من أركان القرار الإداري، فإن للقضاء الإداري أن يراقب قيام هذه الحالة أو عدم قيامها كركن من الأركان التي يقوم عليها القرار.
ومن حيث إن القرار المطعون فيه قد قام على أساس أن الطالب تغيب عن الكلية بدون إذن وبدون عذر وبلا مبرر، بينما يدفع الطالب هذه التهمة بأنه كان مريضاً منذ 19 من أبريل سنة 1956 واقتضى علاج حالته المرضية غيابه إلى ما بعد محاكمته في 6 من مايو سنة 1956.
ومن حيث إنه ليس من شك في أن الحالة المرضية وما تقتضيه من علاج هي عذر مبرر للغياب، كما أن التمارض هو انتحال لعذر غير صحيح مما يخل بالنظام بالكلية، فليفصل في خصوصية هذا النزاع هو ما إذا كان قد قامت بالطالب الحالة الأولى أو الحالة الثانية، وأي الحالتين يمكن استخلاصها استخلاصاً سائغاً من الأصول الثابتة في الأوراق.
ومن حيث إنه ولئن كان كبير أطباء الكلية قد توجه في يوم 5 من مايو سنة 1956 لمنزل الطالب وقرر في أقواله عند الكشف عليه كانت حرارته عادية 36.8، وأنه لم يجد ما يدل على مرض سابق، إلا أنه قرر في الوقت ذاته أن والدته أخطرته بأن ابنها كان يشكو من ارتفاع في درجة الحرارة، وأطلعته على جدول بدرجات حرارة مختلفة تتراوح بين 39 و38 مئوية في الأربعة الأيام السابقة على الكشف عليه، واستدلت بذلك على أنه كان مصاباً بحركة حمية وكان يشك في أنها تيفود، وأن حرارته نزلت يوم الكشف عليه بسبب أنه تعاطى أقراص الكلورماسين. كما قدم المدعي ضمن مستنداته شهادة من الدكتور عبد الوهاب البرلسي الأستاذ المساعد بكلية الطلب بجامعة عين شمس مؤرخة 18 من مايو سنة 1956 بأنه استدعى في يوم 28 من أبريل سنة 1956 لفحص الطالب فوجده يشكو من صداع شديد وارتفاع في درجة الحرارة وآلام في الجسم منذ عدة أيام، وبالفحص الطبي وجد درجة حرارته 39.5 مئوية وحلقه ولوزه ملتهمة ولسانه أبيض وعنده انتفاخ بسيط في البطن، وأشار عليه بالراحة التامة في السرير مدة 10 أيام لملاحظة تطور الحالة كما تقضي الأصول الطبية في مثل هذه الأحوال، وطلب فحص الدم لمساعدته في تشخيص سبب الحمى، ونظراً لحالته التي كانت دون المتوسط أشار ببدء علاجه بمضادات الحيويات مع علاج الأعراض العامة، وبدأت حرارته في الهبوط تدريجياً خلال الأيام الثلاثة التالية إلا أنها لم تستقر نهائياً إلا بعد ستة أيام من تاريخ الفحص الأول، وبعد شفائه أشار عليه بالتزام الراحة التامة في المنزل لمدة أسبوع من تاريخ الحرارة الطبيعية كما تقضي بذلك الأصول الطبية، كما قدم تحليلاً طبياً من معمل الدكتور محمد عثمان رفاعي مؤرخ 3 من مايو سنة 1956 ثابتاً منه أن سبب التحليل هو الاشتباه في حمى التيفود ولكن ثبت من التحليل أن بالطالب التهاباً في المصارين. وهذه الشهادات الطبية تدل على قيام حالة مرضية بالطالب منذ بدء تغيبه في 19 من أبريل سنة 1956، وتقتضى علاجه مع الراحة في الفراش إلى ما بعد يوم 5 من مايو سنة 1956، وليس ثمة ما ينفيها أو يهدم الثقة بها وبوجه خاص لأن كشف كبير أطباء الكلية قد كان في يوم متأخر بعد تحسين الحالة وزوال الأعراض المرضية وإن كان الأمر قد يحتاج مع ذلك إلى استمرار الراحة ومراقبة تطورها استكمالاً للعلاج.
ومن حيث إنه يبين من كل ما تقدم أن السبب الذي قام عليه القرار، وهو تغيب الطالب عن الكلية وعن المحاكمة بدون عذر مقبول بفهم أن الطالب متمارض وليس مريضاً، وهو أمر مشكوك في صحته، بل إن الأصول المقدمة للمحكمة ترجح العكس على حسب الظاهر من الأوراق، فيكون الحكم المطعون فيه - والحالة هذه - إذ قضى بوقف تنفيذ القرار التأديبي للأسباب المذكورة وحتى لا يفوت على الطالب فرصة التقدم للامتحان، وهو أمر يتعذر تداركه - إن الحكم المذكور قد قام على أساس سليم من القانون فيتعين رفض الطعن، وهذا كله مع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبرفضه موضوعاً.