مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأربعون - الجزء الثاني (من 7 مارس سنة 1995 إلى 26 أغسطس سنة 1995) - صـ 1609

(164)
جلسة 18 من أبريل سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا حنا - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ فاروق علي عبد القادر، والصغير محمد محمود بدران، ومحمد إبراهيم قشطة، وعبد الرحمن سعد محمود عثمان - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3946 لسنة 37 القضائية

( أ ) دعوى - إثبات - دعوى التزوير الفرعية - إجراءاتها.
يشترط لإقامة دعوى التزوير الفرعية مراعاة الإجراءات المنصوص عليها في قانون الإثبات - عدم اتباع تلك الإجراءات يؤدي إلى سقوط الحق في الادعاء بالتزوير - تطبيق.
(ب) قرار إنهاء الخدمة للانقطاع عن العمل رغم الإحالة للمحكمة التأديبية هو قرار منعدم. (جامعات) وأعضاء هيئة التدريس.
لا يجوز قبول الاستقالة أو إعمال أحكام الاستقالة الضمنية إذا كان العامل قد أحيل إلى المحاكمة التأديبية - القرار الصادر بقبول الاستقالة رغم الإحالة للمحاكمة التأديبية يتضمن سلب ولاية المحكمة وينطوي على غصب لسلطتها وسلب ولايتها في تأديب العامل - أثر ذلك: انعدام قرار إنهاء خدمة العامل للانقطاع عن العمل أثناء محاكمته - تطبيق.
(جـ) مسئولية إدارية - تعويض عن إنهاء الخدمة بالمخالفة لأحكام القانون. (جامعات)
التعويض عن الفصل لا يلزم أن يكون في جميع الأحوال مساوياً للمرتب الذي لم يحصل عليه العامل خلال مدة إبعاده عن الوظيفة - أساس ذلك: أن الحق في تقاضي المرتب عن مدة الفصل لا يترتب تلقائياً كأثر من آثار إلغاء الفصل بل يخضع لاعتبارات أخرى أهمها أن الحق يقابله واجب هو أداء العمل - مؤدى ذلك: أن تقدير التعويض يكون تبعاً لظروف كل حالة على حده - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 14/ 8/ 1991 أودع الأستاذ/........ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن، قيد بجدولها برقم 3946 لسنة 37 ق. عليا، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة 19/ 6/ 1991 في الدعوى رقم 2934 لسنة 7 ق، والقاضي أولاً: بالنسبة للطلب الأول: بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعي مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجامعة المدعى عليها مصروفاته. ثانياً: بالنسبة لطلب التعويض عن هذا القرار: بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام المدعي مصروفاته.
ثالثاً: بالنسبة لدعوى التزوير الفرعية: بسقوط حق المدعي في الادعاء بالتزوير مع تغريمه 25 جنيهاً (خمسة وعشرين جنيهاً).
وطلب الطاعن في ختام تقرير الطعن، للأسباب الواردة به، الحكم أولاً بقبل الطعن شكلاً. ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، فيما يخص قضائه، في دعوى التزوير الفرعية وشق التعويض - ثالثاً: قبول الادعاء بالتزوير شكلاً وفي الموضوع، برد وبطلان قرار فصل المدعي الصادر في 27/ 5/ 1985، والمستندات المطعون عليها بالتزوير. رابعاً: الحكم أصلياً بتعويض مادي قدره 534000 جنيهاً (خمسمائة وأربعة وثلاثون ألف جنيه) وبتعويض أدبي قدره 340000 جنيهاً (ثلاثمائة وأربعون ألف جنيه). واحتياطياً: بضم استمارات صرف جميع مرتبات ومكافآت وكافة المستحقات المالية التي تقاضاها زملاء الطاعن من أساتذة بقسم الكيمياء وعلوم المنصورة والمدونة أسماؤهم بالقرار التنفيذي رقم 527 في 27/ 9/ 1984 المعلاة برقم 69 بالملف الفرعي للطاعن حافظة جامعة المنصورة (جلسة 6/ 4/ 1986)عن المدة من 13/ 10/ 1984 حتى 11/ 7/ 1991 تاريخ استلام الطاعن لعمله لتقرير قيمة التعويض، لجبر الأضرار المادية والأدبية.
خامساً: إلزام جامعة المنصورة بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن طلب التعويض ودعوى التزوير الفرعية عن الدرجتين - سادساً: الاحتفاظ بالحق في زيادة قيمة التعويض الإجمالي وفقاً لجدول التعويض بالمذكرة المقدمة بجلسة 23/ 5/ 1990 أمام محكمة القضاء الإداري بالمنصورة في حالة تأخير الحكم أو الوفاء بقيمة التعويض، دون ما حاجة إلى تعديل طلبات. سابعاً: إبلاغ النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم قانوناً بشأن دعوى التزوير الفرعية، مع الاحتفاظ بسائر الحقوق أياً كانت.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى الجامعة المطعون ضدها على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن، ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع، بتعديل الحكم المطعون فيه فيما قضى به في البند الثاني منه، ليكون بعدم قبول الادعاء بالتزوير، وتأييد الحكم فيما عدا ذلك وإلزام الطاعن مصروفات الطعن. وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة على النحو الموضح بمحاضر جلساتها، حيث مثل الطاعن وطلب التأجيل لاتخاذ إجراءات الطعن بالتزوير بشأن الحكم المطعون فيه.
وبتاريخ 20/ 3/ 1993 قدم الطاعن مذكرة وإعلان شواهد التزوير في الحكم المطعون فيه، وقد قيد الادعاء التزوير بجدول هذه المحكمة تحت رقم 1947 لسنة 39 ق. عليا، وتم إعلان شواهد التزوير للسادة أعضاء هيئة التدريس المطعون ضدهم في 27، 28/ 3/ 1993 - وبجلسة 1/ 12/ 1993 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) لنظره بجلسة 4/ 1/ 94 وتدوول نظر الطعن بالجلسات أمام هذه المحكمة على النحو الموضح بمحاضر الجلسات، وبجلسة 17/ 5/ 1994 قضت هذه المحكمة برفض دعوى التزوير الفرعية المقيدة بجداولها برقم 1947 لسنة 39 ق. عليا وتغريم الطاعن مبلغ خمسة وعشرون جنيهاً وإعادة الطعن الماثل للمرافعة لنظره بجلسة 31/ 5/ 1994.
وقد نظرت المحكمة الطعن على النحو الموضح بمحاضر الجلسات، حيث قدم كل من طرفي الطعن مستنداته ودفاعه، وبجلسة 20/ 12/ 1994 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم 18/ 4/ 1995، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعة الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص - حسبما هو مستفاد من الأوراق - في أنه بتاريخ 19/ 9/ 1985 أقام الطاعن الدعوى رقم 2934 لسنة 7 ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالمنصورة، طالباً الحكم في ختامها بإلغاء قرار إنهاء خدمته الصادر من مجلس الجامعة المطعون ضدها بتاريخ 27/ 5/ 1985 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجامعة المطعون ضدها بان تؤدي له تعويضاً مقداره 500000 جنيهاً (خمسمائة ألف جنيه) جبراً لما أصابه من ضرر مادي وأدبي.
وذكر المدعي شرحاً لدعواه، أنه يعمل أستاذاً بقسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة المنصورة واستمر في عمله بهمة ونشاط مما آثار حفيظة بعض زملائه، فتقدم أحدهم وهو الدكتور....... بمذكرة يطلب فيها التحقيق مع المدعي فيما أسماه بالتصرفات الشخصية التي أساءت إلى سمعة أعضاء هيئة التدريس، وانعقد مجلس قسم الكيمياء بتاريخ 29/ 11/ 1982، وقرر إعادة النظر في الجدول الدراسي الخاص بالمدعي ليصبح ثماني ساعات عملية فقط في الأسبوع، واعتمد مجلس الكلية هذا القرار في 14/ 2/ 1983 - وقد تم الطعن على هذا القرار بالدعوى رقم 717 لسنة 5 ق قضاء إداري المنصورة، وأنه برغم ذلك، فوجئ في بداية العام الدراسي 1983/ 1984 بإسناد جدول دراسي مغاير لجداول الأساتذة زملائه بالقسم كماً ونوعاً، واستمر حرمانه من المادة العلمية ومن الإشراف على البحوث العلمية لرسائل الماجستير والدكتوراه، ورغم تكرار تظلمه من هذا الوضع لم تلتزم الجامعة المدعى عليها بأحكام القانون، فقام مجلس القسم ومجلس الكلية بتوزيع جدوله على آخرين، بحيث لم يعد له عمل في القسم، وقام على أثر ذلك بإبلاغ الجهات الرسمية. وقال المدعي أنه بتاريخ 13/ 10/ 1984، وهو التاريخ الذي تدعي الجامعة انقطاعه فيه عن العمل، تسلم جدوله الغير شرعي، وتظلم منه بدون جدوى، ورغم ذلك اعتبرته الجامعة منقطعاً، في حين أنه كان يتردد على الكلية ويرسل التظلمات العديدة، وأشار إلى أن الجامعة أرسلت إليه الكتاب رقم 1886 بتاريخ 14/ 11/ 1984 تدعي فيه انقطاعه عن العمل دون إذن، وأنه قابل العميد وقدم إليه مذكرة شرح فيها ما لحقه من ظلم وطلب التحقيق فيما نسب إليه من انقطاع، كما قابل رئيس الجامعة في 25/ 11/ 1984 لذات الغرض، إلا أن الجامعة استمرت في تعسفها معه، فأصدرت القرار رقم 699 بتاريخ 12/ 12/ 1984 المتضمن إيقاف صرف راتبه اعتباراً من 13/ 10/ 1984 وتطبيق المادة 117 من القانون رقم 49 لسنة 1972، وذهب المدعي إلى أنه لم يسلم من اضطهاد الجامعة له، إذ أنها رفضت كل تظلماته، وأسندت إليه جدولاً غير متناسب مع مكانته العلمية، واستمرت في الامتناع عن صرف راتبه، مما حدا به إلى الطعن على قرار حرمانه من الراتب بالدعوى رقم 977 لسنة 7 ق قضاء إداري المنصورة، وأضاف أن رئيس الجامعة أحالة إلى التحقيق ثم إلى مجلس التأديب لعدم تنفيذه الجدول الدراسي للأعوام 1983/ 1984 و1984/ 1985، وتعديه على بعض زملائه بالقول، وتحددت جلسة 3/ 6/ 1985 أمام مجلس التأديب. وبتاريخ 27/ 5/ 1985 أصدر مجلس الجامعة قراره المطعون فيه، فتظلم منه في 15/ 6/ 1985 وكرر تظلمه في 23/ 6/ 1985، إلا أنه بتاريخ 27/ 7/ 1985 تقرر رفض تظلمه. واختتم قوله بأن قرار إنهاء خدمته المطعون فيه مخالف للقانون، ذلك أن الجامعة نسبت إليه تهمة الانقطاع عن العمل في الوقت الذي كان متواجداً فيه بالكلية، ومن ناحية أخرى، فإنه كان محالاً للمحاكمة التأديبية، ومن المقرر قانوناً أنه لا يجوز إنهاء خدمة عضو بهيئة التدريس المحال للمحاكمة التأديبية، ومن ثم فإن قيام مجلس الجامعة بإصدار قرار إنهاء خدمته يعد بمثابة اغتصاب لسلطة مجلس التأديب بدون سند القانون، وخلص المدعي إلى أنه يلتمس الحكم بالطلبات سالفة البيان.
وقد نظرت محكمة القضاء الإداري بالمنصورة الدعوى على النحو المبين بمحاضر جلساتها، حيث قدم كل من طرفي الدعوى مستنداته ودفاعه، وبتاريخ 25/ 3/ 1989 أودع المدعي قلم كتاب تلك المحكمة تقرير طعن بالتزوير، وأوضح في هذا التقرير المستندات التي يدعي تزويرها ومواضع التزوير، وقام بتاريخ 26، 27/ 3/ 1989 بإعلان جهة الإدارة بمذكرة يبين فيها شواهد التزوير.
وبجلسة 19/ 6/ 1991 حكمت المحكمة أولاً: بالنسبة للطلب الأول: بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بإنهاء خدمة المدعي مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجامعة المدعى عليها مصاريفه - ثانياً: بالنسبة لطلب التعويض عن هذا القرار: بقبوله شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت المدعي مصاريفه - ثالثاً: بالنسبة لدعوى التزوير الفرعية: بسقوط حق المدعي في الادعاء بالتزوير مع تغريمه خمسة وعشرين جنيهاً.
وأقامت المحكمة قضاءها بالنسبة للشق الأول من الحكم تأسيساً على أن الثابت من الأوراق أن الواقعة التي بنى عليها القرار المطعون فيه هي ذات الواقعة التي أحيل عنها إلى مجلس التأديب في 18/ 4/ 1985، وهي ما نسب للمدعي من الانقطاع عن العمل اعتباراً من 13/ 10/ 1984، لعدم تنفيذ الجدول الدراسي المسند إليه، وهو ما يفيد أن الجامعة بعد اتصال الدعوى التأديبية بمجلس التأديب قد اتخذت قراراً من شأنه غل يد مجلس التأديب وسلب ولايته في محاكمة المدعي، ويعتبر ذلك عدواناً على اختصاص مجلس التأديب وغصباً لسلطته، ومن ثم يكون هذا القرار قد صدر مخالفاً للقانون لهذا السبب، فضلاً عن مخالفته للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (98) من القانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن العاملين المدنيين بالدولة، التي تغل يد الإدارة عن إنهاء خدمة العامل المنقطع عن عمله إذا اتخذت هذه الإجراءات التأديبية ويتعين بالتالي القضاء بإلغائه - وأقامت قضاءها بالنسبة للشق الثاني من الحكم، تأسيساً على ما هو مقرر من أن القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه بسبب عيب في الشكل أو الاختصاص لا يصلح حتماً للقضاء بالتعويض ما لم يكن العيب مؤثراً في موضوع القرار، وأنه لما كان العيب الذي شاب القرار المطعون فيه هو عيب إجرائي، فضلاً عن أن المدعي كان ممتنعاً عن العمل مما استدعى وقف صرف مرتبه من 13/ 10/ 1984 وتطبيق المادة (117) من القانون رقم 49 لسنة 1972، فأن هذا العيب الإجرائي في هذا القرار لا يستوجب التعويض عنه - واستندت المحكمة في قضائها بسقوط الادعاء بالتزوير وتغريم المدعي مبلغ 25 جنيهاً، إلى أن المدعي قد أعلن شواهد التزوير إلى خصمه في 26، 27/ 3/ 1989، دون أن يبين إجراءات التحقيق التي يركن إليها في إثبات التزوير وبالتالي يسقط الادعاء بالتزوير عملاً بنص المادة 49 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل، أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله، ومشوب بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، فضلاً عن أنه مشوب بالبطلان لإثباته وقائع على خلاف الحقيقة، للأسباب الآتية:
أولاً: أن قرار إنهاء خدمة الطاعن الصادر بتاريخ 27/ 5/ 1985 مشوب بجميع العيوب التي تلحق بالقرارات الإدارية، إذ أنه صادر من غير مختص وغير محمول على سبب صحيح يبرره، ومنطوي على إساءة استعمال السلطة، ومن ثم كان يتعين القضاء بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية الناجمة عن هذا القرار المخالف للقانون، إلا أن الحكم المطعون فيه تجاهل هذه العيوب وارتكن على أن العيب الذي شاب القرار هو عيب إجرائي لا يبرر التعويض.
ثانياً: أن الحكم المطعون فيه تجاهل الحقائق الثابتة بالأوراق والتي تقطع بعدم شرعية قرار إنهاء الخدمة المطعون فيه، فضلاً عن أنه التفت عن دفاع الطاعن الذي كشف عن عدم شرعية هذا القرار، ذلك أن الطاعن لم ينقطع عن عمله ولم يمتنع عن العمل، وإنما طلب من رئيس الجامعة وعميد الكلية منذ تكليفه بجدول دراسي غير متناسب مع مكانته العلمية، اتخاذ ما يلزم لمساواة جدوله بجداول زملائه الأساتذة بالقسم في الحقوق والواجبات كعضو هيئة تدريس.
ثالثاً: أن الطاعن قد طعن بالتزوير على المستندات المقدمة من الجامعة المطعون ضدها في الدعوى موضوع الطعن واتخذ الإجراءات المنصوص عليها بالمادة 49 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968، وأنه من المسلم به أنه لا داعي للجوء إلى التحقيق ما دام أنه يمكن اكتشاف هذا التزوير من تلك المستندات، ومن ثم فان القضاء بسقوط الادعاء بالتزوير ينطوي على مخالفة لأحكام القانون.
رابعاً: أن الحكم المطعون فيه أثبت وقائع غير صحيحة، وانطوى في حيثياته على تزوير معنوي، ومن ثم يكون هذا الحكم باطلاً، وبالتالي لا يحوز ثمة حجية، الأمر الذي يحق معه للطاعن طلب اتخاذ اللازم قانوناً بصدد ما شاب هذا الحكم من تزوير.
ومن حيث إنه لا محل للتصدي لادعاء الطاعن بتزوير الحكم المطعون فيه، بعد أن سبق لهذه المحكمة أن قضت بجلسة 17/ 5/ 1994 برفض دعوى التزوير الفرعية المقيدة بجدولها برقم 1947 لسنة 39 ق. عليا وتغريم الطاعن مبلغ خمسة وعشرين جنيهاً.
ومن حيث إنه عن دعوى التزوير الفرعية التي أقامها الطاعن بتقرير أودعه قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بتاريخ 25/ 3/ 1989 فإن الثابت من الأوراق أن المدعي قام بإعلان الجامعة المدعى عليها في 26، 27/ 3/ 1989 بمذكرة تضمنت شواهد التزوير، وذلك دون أن يبين فيها إجراءات التحقيق التي يمكن بها إثبات هذا التزوير طبقاً للمادة 49 من قانون الإثبات الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968، ويرتب القانون على عدم إتباع هذه الإجراءات سقوط الحق في الادعاء بالتزوير، الأمر الذي يتعين معه الحكم بسقوط حق الطاعن في الادعاء بالتزوير، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب، فإنه يكون قد أصاب الحق في قضائه، وبالتالي فإن النعي عليه في هذا الشق في غير محله.
ومن حيث أنه عن طلب التعويض عن الأضرار المادية والأدبية الناجمة عن قرار إنهاء خدمته الصادر بتاريخ 27/ 5/ 1985: فإن المقرر أن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية الصادرة منها، وهو وجود خطأ من جانبها، بأن يكون القرار الإداري غير مشروع، ويلحق صاحب الشأن ضرراً، وأن تقوم علاقة السببية بين الخطأ والضرر - والمقرر أيضاً أن الضرر باعتباره ركناً من أركان المسئولية التقصيرية إما أن يكون مادياً وإما أن يكون أدبيا.ً والضرر المادي هو الإخلال بمصلحة للمضرور ذات قيمة مالية. أما الضرر الأدبي فهو الذي يصيب مصلحة غير مالية للمضرور، بأن يصيبه في شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه، وبهذه المثابة، جرى قضاء هذه المحكمة على أن التعويض عن الضرر الأدبي بمبلغ من المال لا يتعارض مع ما استقر عليه القضاء الإداري من أن الحكم بإلغاء قرار إنهاء خدمة العامل وتنفيذ جهة الإدارة لهذا الحكم، كاف لجبر الضرر الأدبي، ذلك أن تعويض الأضرار المادية للعامل الذي يعود لعمله، تنفيذاً للحكم القاضي بإلغاء قرار إنهاء خدمته، لا يكفي بذاته لإزالة ما علق بنفسه من شعور بالظلم ومعاناة من تشرد وتشتت وضياع بين أفراد المجتمع، وفيهم من ينظر إليه نظرة الريبة، ومنهم من يتساءل عن أسباب فصله من الخدمة ومنهم الشامتون - ومن المسلم به في هذا الخصوص أن التعويض ثابت وأن يكون بقدر الضرر حتى لا يثري المضرور على حساب المسئول دون سبب.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن الطاعن كان يعمل أستاذاً بقسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة المنصورة، ونظراً لما نسب إليه من خروج على مقتضى الواجب الوظيفي، بامتناعه عن تنفيذ جدوله الدراسي وأداء المهام المنوطة به، وذلك في عام 1983/ 1984 وعام 1984/ 1985، وكذا اعتدائه بالقول على بعض زملائه، فقد تقرر إحالته إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، بمقتضى قرار رئيس الجامعة رقم 233 الصادر في 18/ 4/ 1985 - وبتاريخ 27/ 5/ 85 أصدر مجلس جامعة المنصورة قراراً تضمن إنهاء خدمة الطاعن اعتباراً من 13/ 10/ 1984 (تاريخ انقطاعه عن العمل) باعتباره مستقيلاً تطبيقاً لنص المادة 117 من القانون رقم 49 لسنة 1972 - بشأن تنظيم الجامعات.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن الاستقالة الحكمية طبقاً لما هو مقرر في نظام العاملين بالدولة - والذي صدر قانون تنظيم الجامعات في ظله - إن هي إلا قرينة مقررة لمصلحة الإدارة إن شاءت أعملتها وأن أرادت طرحتها، ومن ثم فإنه يتعين تفسير نص المادة 117 من القانون رقم 49 لسنة 1972 بشان تنظيم الجامعات في ضوء هذا الأصل العام، وبهذه المثابة جرى قضاء هذه المحكمة، على أنه لا يجوز قبول الاستقالة الصريحة أو الحكمية إذا كان العامل قد أحيل إلى المحاكمة التأديبية، ذلك لأن القرار الصادر بقبول الاستقالة يتضمن في ذاته سلب ولاية المحكمة التأديبية التي تصبح هي المختصة دون غيرها بأمر تأديبه. وأن الأثر المترتب على ذلك يتمثل في أن القرار الصادر من جهة الإدارة بإنهاء خدمة العامل أثناء محاكمته من شأنه غصب سلطة المحكمة وسلب ولايتها في تأديب العامل. وعلي ذلك فإن القرار الصادر بإنهاء خدمة العامل للانقطاع أثناء محاكمته يعتبر قراراً منعدماً ينحدر إلى مجرد العمل المادي ولا تلحقه أية حصانة.
ومن حيث إنه متى كان ذلك كذلك، وكان الثابت مما سلف بيانه أن قرار إنهاء خدمة الطاعن للانقطاع عن العمل، قد صدر بعد قرار إحالته إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس - أي في الوقت الذي كان فيه محالاً للمحاكمة التأديبية عن واقعة انقطاعه عن العمل - ومن ثم يكون هذا منعدماً، لمخالفته لأحكام القانون، ويتوافر بذلك ركن الخطأ في جانب الجامعة المطعون ضدها، وبالتالي يحق للطاعن أن يطالب بالتعويض عن الأضرار التي حاقت به بسبب هذا القرار ولا يعتبر من ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن العيب الإجرائي الذي شاب القرار المطعون فيه لا يستوجب بالضرورة تعويض المدعي عما يكون قد أصابه من أضرار بمقولة أن القضاء الإداري قد استقر على أن عيب عدم الاختصاص أو الشكل الذي قد يشوب القرار فيؤدي إلى إلغائه لا يصبح حتماً وبالضرورة أساساً للتعويض ما لم يكن العيب مؤثراً في موضوع القرار - ذلك أن الثابت مما تقدم أن العيب الذي شاب القرار المطعون فيه قد انحدر به إلى درجة الانعدام، وليس عيباً متعلقاً بالشكل أو الاختصاص.
ومن حيث إنه عن طلب الطاعن اقتضاء تعويض عن الإضرار المادية والأدبية الناجمة عن القرار المطعون فيه خلال الفترة البادئة من تاريخ صدور هذا القرار في 27/ 5/ 1985 وحتى 11/ 7/ 1991 تاريخ تسلم الطاعن العمل بالجامعة المطعون ضدها تنفيذاً لحكم محكمة القضاء الإداري بالمنصورة القاضي بإلغاء القرار المذكور - فإن هذه المحكمة تقرر بادئ ذي بدء، استظهاراً من عيون الأوراق، أن الطاعن قد تعرض لسلسة من اضطهادات الجامعة المطعون ضدها، كشفت عنها الدعاوى العديدة التي أقامها الطاعن ضد هذه الجامعة، وقد بدأت هذه الاضطهادات في صدور قرار مجلس كلية العلوم بتاريخ 14/ 2/ 1982 المتضمن تخفيض جدول الطاعن الدراسي إلى ثماني ساعات عملية فقط في الأسبوع، والذي قضى بإلغائه وبأحقية الطاعن في تعويض الأضرار الناجمة عنه، بموجب الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) بجلسة 29/ 1/ 1994 في الطعن رقم 3945 لسنة 37 ق. عليا، ثم انتهت هذه الاضطهادات بصدور قرار إنهاء خدمة المطعون فيه في 27/ 5/ 1985 وإقصاء الطاعن عن عمله مدة جاوزت ست سنوات، وأنه مما لا شك فيه أنه نجم عن هذا القرار الخاطئ ضرر محقق مادي وأدبي تمثل في حرمان الطاعن من مباشرة مهام وظيفته كأستاذ بالكلية المذكورة، وجني مزاياها، مدة زادت على ست سنوات، وما صاحب ذلك من إيذاء ومعاناة نفسية ومساس بالاعتبار الأدبي بين الأساتذة والطلاب والهيئة العلمية بوجه عام.
ومن حيث إن المقرر أن التعويض عن الفصل لا يلزم أن يكون في جميع الأحوال مساوياً للمرتب الذي لم يحصل عليه العامل خلال مدة إبعاده عن الوظيفة، ذلك أن الحق في تقاضي المرتب عن مدة فصل الموظف، لا يترتب تلقائياً كأثر من آثار إلغاء الفصل، بل يخضع لاعتبارات أخرى أهمها أن هذا الحق يقابله واجب، هو أداء العمل، ومن ثم فإن تقدير التعويض يكون تبعاً لظروف كل حالة على حدة. ومن حيث إن هذه المحكمة في تقديرها للتعويض الذي يستحقه الطاعن عن الفترة البادئة من تاريخ إقصائه عن العمل وحتى تاريخ تسلمه العمل بالجامعة المطعون ضدها، تأخذ في اعتبارها مقدار ما صرف من مرتبات ومكافآت لزملاء الطاعن وفي هذا الشأن، فإن الثابت من مطالعة مستندات الجامعة المطعون ضدها، أن زميل الطاعن الدكتور/........ حصل على مرتبات ومكافآت، بلغت خلال المدة من يناير سنة 1985حتي ديسمبر عام 1991 مبلغ 69226 جنيهاً، وأن زميلة الطاعن الدكتورة/..... حصلت على مرتبات ومكافآت بلغت خلال المدة المشار إليها 65000 جنيهاً وهذه المرتبات والمكافآت التي حصلا عليها زميلا الطاعن كانت عن مدة تزيد على المدة التي كان فيها الطاعن مبعداً عن عمله بما يقرب من عشرة أشهر إذ أن الثابت مما تقدم أن الطاعن قد أنهيت خدمته اعتباراً من 27/ 5/ 1985، وتسلم عمله تنفيذاً للحكم القاضي بإلغاء قرار إنهاء خدمته، في 11/ 7/ 1991، ومن ثم فإنه وفي ضوء ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أنه لا يلزم أن يكون التعويض مساوياً للمرتب الذي حرم منه العامل أثناء مدة فصله عن العمل، باعتبار أن الراتب بقابله واجب، هو أداء العمل، فإن المحكمة تقدر التعويض المادي المستحق للطاعن عن القرار الصادر بإنهاء خدمته بمبلغ 55 ألف جنيه، وهو ما تقضي به المحكمة، بالإضافة إلى مبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضاً عن الضرر الأدبي الذي لحق به، باعتبار أن هذا المبلغ كاف لجبر كافة الأضرار التي لحقت بالطاعن من جراء القرار الصادر بإنهاء خدمته، بمراعاة جميع الظروف المشار إليها، وما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن التعويض المادي، يراعى فيه ما حرم منه العامل من مرتبات خلال مدة إبعاده عن العمل، دون النظر إلى اعتبار القيمة الشرائية للنقود.
ومن حيث إنه عن المصروفات، فإنه يتعين إلزام طرفي الخصومة بها لإخفاق كل منهما في بعض طلباته عملاً بنص المادة 186 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من رفض طلب التعويض عن القرار المطعون فيه، وإلزام الجامعة المطعون ضدها بأن تؤدي للطاعن تعويضاً مقداره 60000 جنيهاً (ستون ألف جنيه) وذلك عن الأضرار المادية والأدبية التي أصابته خلال فترة إبعاده عن العمل من جراء القرار المطعون فيه ورفض ما عدا ذلك من طلبات، وألزمت طرفي الخصومة المصروفات مناصفة.