مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأربعون - الجزء الثاني ( من 7 مارس سنة 1995 إلى 26 أغسطس سنة 1995) صـ 1839

(186)
جلسة 3 من يونيه سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد جودت أحمد الملط - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: محمد مجدي محمد خليل، وعويس عبد الوهاب عويس، وحسني سيد محمد، والسيد محمد العوضي - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعنان رقما 506، 523 لسنة 38 القضائية

دعوى - دفوع - الدفع بسقوط الدعوى بالتقادم -بحثه بعد الشكل.
يجب بحث مسألة القبول الشكلي بالنسبة لدعوى الإلغاء قبل التعرض لسقوط الدعوى بالتقادم الطويل متي دفع بهذا السقوط - أساس ذلك: أن الدفع بالتقادم هو دفع موضوعي والحكم بقبوله هو قضاء في أصل الدعوى ويتعين أن يكون تالياً لبحث مسألة القبول الشكلي - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 5/ 2/ 1992 أودع الأستاذ/........... المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام برقم 506 لسنة 38 في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات) بجلسة 12/ 12/ /1991 في الدعوى رقم 5072 لسنة 42 ق المقامة من الطاعن ضد المطعون ضده.
وبتاريخ 6/ 2/ 1992 أودع الأستاذ/............ المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام برقم 253 لسنة 38 ق عليا طعناً على ذات الحكم المشار إليه بالطعن الأول الذي قضى بسقوط حق المدعي في رفع الدعوى بإلغاء القرار المطعون فيه بالتقادم الطويل وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه الأول وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر في 15/ 12/ 1968 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى الفئة الرابعة وبأحقيته في الترقية إليها اعتباراً من هذا التاريخ مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المطعون ضده المصروفات كما طلب في ختام تقرير طعنه الثاني وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الدعوى شكلاً وأصلياً في موضوعها الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار واحتياطياً بإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل في موضوعها وفي أي الحالات إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد تم إعلان تقريري الطعنين قانوناً للمطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني - في الطعنين - ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام الطاعن المصروفات عن الدرجتين.
ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة حيث قررت بجلسة 23/ 1/ 1995 ضم الطعن رقم 523 لسنة 38 ق عليا إلى الطعن رقم 506 لسنة 38 ق. عليا ليصدر فيهما الحكم بجلسة 13/ 2/ 1995 وفيها قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثانية موضوع - حيث تم نظرهما بجلسة 15/ 4/ 1995 وبعد أن استمعت المحكمة إلى ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات ذوي الشأن قررت إصدار الحكم في الطعنين بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعنين استوفيا أوضاعهما الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة الماثلة تخلص - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه والأوراق المودعة ملف الطعن - في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات) بتاريخ 27/ 6/ 1988 أقام السيد/........ الدعوى رقم 5072 لسنة 42 ق طالباً في ختامها الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بترقية بعض العاملين بالمؤسسة المدعى عليها إلى الفئة الرابعة اعتباراً من 15/ 12/ 1968 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية إلى هذه الفئة وبأحقيته في الترقية إليها اعتباراً من ذلك التاريخ وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام المؤسسة المدعى عليها بالمصروفات.
وقال المدعي شارحاً دعواه أنه بتاريخ 15/ 12/ 1968 صدرت حركة ترقيات إلى الفئة الرابعة وقد اقتصرت على حملة مؤهلات معينة في تاريخ محدد وذلك بالمخالفة لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 309 لسنة 1966 الذي نص على أن الترقية إلى الفئة السادسة وما يعلوها بالاختيار على أساس مرتبة الكفاية وفي حالة التساوي فيها يرقى الأقدم، وقد تخطى المدعي بالقرار المطعون فيه وفي الترقية رغم استحقاقه لها طبقاً للقواعد الموضوعة وتضمن هذا القرار من يلونه في ترتيب أقدمية الفئة الخامسة.
وأضاف المدعي أن القرار المطعون فيه ظل خافياً عليه ولم يعلم به ولا بالقواعد التي روعيت فيه ولا بمن رقى بموجبه علماً يقينياً إلا مؤخراً فبادر بالتظلم منه في 29/2/1988 بما يتعين معه قبول طلبه شكلاً لذلك فقد أقام دعواه الماثلة ابتغاء الحكم له بالطلبات سالفة البيان.
وردت المؤسسة المدعى عليها وعلى الدعوى بإيداع ثلاثة حوافظ مستندات أثناء تناول الدعوى بالجلسات أخرها طويت على ملف التظلم المقدم من المدعي في 22/ 10/ 1987 برقم 8/ 1/ 8085 وصورة التظلم كما قدمت مذكرة دفاع دفعت فيها بسقوط حق المدعي في إقامة دعواه بالتقادم الطويل طبقاً لنص المادة 374 من القانون المدني واحتياطياً بعدم قبولها شكلاً لإقامتها بعد الميعاد المحدد لدعوى الإلغاء حيث تظلم بتاريخ 22/ 10/ 1987 ولم يرفع دعواه إلا خلال شهر يونيه سنة 1988 ومن باب الاحتياط الكلي رفض الدعوى لعدم استيفاء المدعي لشروط الترقية.
وبجلسة 12/ 12/ 1991 قضت المحكمة بسقوط حق المدعي في رفع الدعوى بإلغاء القرار المطعون فيه بالتقادم الطويل وإلزام المدعي المصاريف وأقامت قضاءها على أن قانون مجلس الدولة يحدد مدداً لرفع الدعاوى في المنازعات الإدارية إلا ما تعلق منها بطلبات الإلغاء المحدد بستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار ولكن دعاوى الإلغاء تخضع شأنها الدعاوى الأخرى للتقادم الطويل، لأن هذا التقادم يترتب عليه سقوط الحق المطالب به وتسقط بالتالي الدعوى القضائية كأداة لحمايته وهذا التقادم لا يبدأ من تاريخ العلم بالقرار الذي تعلق به حق العامل وإنما يبدأ من تاريخ صدور ذلك القرار حرصاً على استقرار المراكز القانونية المترتبة عليه وهذا المنحى لا يتعارض مع إعمال نص المادة (24) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بتحديد ميعاد رفع دعوى الإلغاء إذ أن ذلك الميعاد يسري إذا لم يكن الحق المطالب به قد سقط بالتقادم الطويل بحسبان دعوى الإلغاء وسيلة لحماية ذلك الحق تسقط إذا سقط الحق الذي تحميه والثابت أن القرار المطعون فيه صدر بتاريخ 15/ 12/ 1968 ولم يثبت أن المدعي قد تقدم بثمة طلبات قاطعة للتقادم قبل التظلم المقدم منه بتاريخ 22/ 10/ 1987 فإن حقه في الترقية يكون قد سقط اعتباراً من 15/ 12/ 1983 قبل هذا التظلم ومن ثم يسقط حقه في رفع الدعوى بإلغاء القرار المطعون فيه وخلصت المحكمة إلى قضائها محل الطعن الماثل.
ومن حيث إن مجمل أسباب الطعنين الماثلين أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه على الوجه الآتي:
1ـ أن روابط القانون الخاص تختلف في طبيعتها على روابط القانون العام وأن قواعد القانون المدني وضعت لتحكم روابط القانون ولا تطبق وجوباً على روابط القانون العام ما لم يوجد نص يقضي بذلك.
2ـ أن القضاء الإداري ليس قضاء تطبيقياً مثل القضاء المدني بل هو غالباً قضاء إنشائي يبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية في القانون العام مستقلاً في ذلك عن أحكام القانون الخاص وإن هذا الاستقلال ادعى وأوجب في مجال الإجراءات اللازمة لسير الدعوى.
3- قانون مجلس الدولة لم يتضمن وقت صدور القرار المطعون فيه نصاً يقضي بتطبيق القواعد المدنية على المنازعات الإدارية ومن ثم فلا موجب لإعمال أحكامها في حدود المنازعة الماثلة.
4- طبقاً لأحكام قانون مجلس الدولة فإن ميعاد رفع الدعوى فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من نشر القرار أو إعلان صاحب الشأن أو العلم بالقرار وأن هذا الميعاد لا يسري في حق صاحب الشأن إلا من تاريخ علمه علماً يقينياً بمضمون القرار والثابت أن الجهة الإدارية لم ينشر القرار أو تعلنه به وأنه لم يعلم به علماً يقينياً في تاريخ سابق على تظلمه في 22/ 10/ 1987 وسلكت الجهة الإدارية مسلكاً إيجابياً نحو إجابته إلى طلبه ومن ثم فإن دعواه تكون مقامة في الميعاد.
5 - سقوط الحق في إقامة الدعوى بالتقادم الطويل مقرر بالنسبة لدعاوى الاستحقاق أما بالنسبة لدعاوى الإلغاء فإن المقرر أن التظلم الذي يقدمه العامل يقطع هذا التقادم ويقوم مقام المطالبة القضائية في قطع مدة التقادم الطويل وخلص الطاعن من طعنيه إلى الحكم له بطلباته سالفة البيان.
ومن حيث إنه يتعين القول ابتداء أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد جرى على وجوب بحث مسألة القبول الشكلي بالنسبة لدعوى الإلغاء قبل التعرض لسقوط الدعوى بالتقادم الطويل متى دفع بهذا السقوط باعتبار أن الدفع بالتقادم هو دفع موضوعي والحكم بقبوله هو قضاء في أصل الدعوى فيتعين أن يكون تالياً لبحث مسألة القبول الشكلي لدعوى الإلغاء.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى أن المدعي يطالب بإلغاء القرار الصادر بتاريخ 15/ 12/ 1968 فيما تضمنه من تخطيه في الترقية للفئة الرابعة اعتباراً من هذا التاريخ ولم يقم دعواه أمام محكمة القضاء الإداري إلا في 27/ 6 /1988 أي بعد فوات أكثر من تسعة عشر عاماً على الرغم من كونه يعمل طوال هذه المدة في المؤسسة المدعى عليها وفوات هذا الوقت الطويل من تاريخ صدور القرار محل الطعن حتى تاريخ إقامة الدعوى مما يرجح علمه بالقرار وليس كما يدعي أنه يعلم به في تاريخ سابق على تظلمه في 22/ 10/ 1987 ذلك أنه على علم تام بمركزه القانوني منذ تعيينه وحتى صدور القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من ترقيات تالية له ولزملائه وكان عليه أن ينشط دائماً إلى معرفة القرارات الصادرة في شأن زملائه المعارضين له العاملين معه في الجهة التي يعمل بها والقرارات تصدر شاملة للكثير منهم وهو من بينهم فكان من الميسور عليه دائماً وأمامه هذا الوقت الطويل أن يحدد مركزه بينهم وأن يطعن في ميعاد مناسب خاصة وأن تحديد الطعن على القرارات الإدارية بستين يوماً من تاريخ العلم بالقرار مرده في الفقه والقضاء الإداريين إلى ثبات المراكز القانونية وعدم زعزعتها وفوات هذه المدة الطويلة بادعاء عدم العلم يؤدي إلى إهدار المراكز القانونية التي استتبت على مدار الستين يوماً ويقوم قرينة قانونية على افتراض العلم بالقرار الإداري محل الطعن وفوات مواعيد الطعن عليه مما يجعله حصيناً من الإلغاء ولما كان ذلك وكان الثابت من ملف الدعوى أن الطاعن عين بتاريخ 11/ 11/ 1959 وسويت حالته على الفئة الخامسة اعتباراً من 1/ 7/ 1964 ورقى للفئة الرابعة من 9/ 12/ 1969 وللفئة الثالثة من 30/ 11/ 1976 ثم أرجعت إلى 25/ 11/ 1974 ورقى للفئة الثانية من 28/ 2/ 1978 أرجعت إلى 30/ 11/ 1976 ورقى للفئة الأولى ثم إلى مدير عام اعتباراً من 22/ 5/ 1989 فيكون بذلك قد استقر وضعه على هذه الدرجات المتتالية وتعدد مركزه بالنسبة لزملائه وجرى تدرجه في السلم الوظيفي إزائهم على هذا الأساس وخلال سنوات عديدة سابقة على تاريخ رفع الدعوى الماثلة ودون أن يطعن على أي من هذه القرارات بما لا يقبل معه بعد ذلك بعدم العلم بالقرار المطعون فيه الصادر في 15/ 12/ 1968 وحتى على فرض القول جدلاً بأنه لم يعلم به إلا في تاريخ تظلمه منه في 22/ 10/ 1987 فإنه أيضاً تجاوز الميعاد المقرر لرفع دعوى الإلغاء بالنظر إلى هذا التاريخ إذ كان عليه أن يقيمها في ميعاد غايته 19/ 2/ 1988 إلا أنه تراخى في إقامتها حتى 27/ 6/ 1988 فإنه بذلك وعلى نحو ما تقدم يكون قد أقامها في كل الأحوال بعد الميعاد القانوني الأمر الذي يتعين معه القضاء بعدم قبولها شكلاً إعمالاً لنص المادة (24) من قانون مجلس الدولة وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بغير ما تقدم حيث قضى بسقوط الدعوى محل الطعن بالتقادم الطويل دون بحث مسألة القبول الشكلي للدعوى ابتداء باعتبار أن هذه المسألة من النظام العام طبقاً لأحكام قانون مجلس الدولة بحسبانها عن دعاوى الإلغاء فإنه لذلك يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام المدعي المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى شكلاً وألزمت المدعي المصروفات.