مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والأربعون - الجزء الثاني (من أول مارس سنة 1997 إلى آخر سبتمبر1997) - صـ 1067

(113)
جلسة 25 من مايو سنة 1997

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ رائد جعفر النفراوي - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين: محمد عبد الرحمن سلامة، وادوارد غالب سيفين، وسامي أحمد محمد الصباغ، وأحمد عبد العزيز أبو العزم - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2133 لسنة 36 قضائية عليا

اختصاص - ما يدخل في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - دعوى تهيئة الدليل إذا ما تعلقت بقرار أو تصرف إداري.
دعوى تهيئة الدليل إذا ما تعلقت بقرار أو تصرف إداري مما يخضع لولاية القضاء الإدارى فإن الفصل فيها يدخل في اختصاص القضاء الإدارى بدعوى مستقلة حتى لو لم ترتبط بطلب موضوعي وذلك بالنظر إلى طبيعتها ومقصدها المتمثل في تهيئة الدليل في دعوى موضوعية مرفوعة فعلاً أو سترفع مستقبلاً عند حدوث واقعة يخشى زوال معالمها أو تغيير هذه المعالم بمرور الوقت - مؤدى ذلك لا يشترط أن تكون الواقعة المطلوب إثبات حالتها محل نزاع أمام القضاء الإدارى من خلال دعوى موضوعية بل يكفى في شأنها أن تكون مما يحتمل أن تصبح محلاً للنزاع أمام القضاء الإدارى وأن يخشى ضياع معالم هذه الواقعة إذا انتظر الخصم حتى يعرض النزاع أمام القضاء - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 12 مايو سنة 1990 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها نائبة عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة (دائرة منازعات الأفراد ب) بجلسة 15/ 3/ 1990 في الدعوى رقم 4242 لسنة 43 ق والذي قضى بإحالة الدعوى إلى مكتب خبراء وزارة العدل ليندب أحد خبرائه المختصين للاطلاع على ملف الدعوى ومستنداتها والانتقال إلى عقار النزاع وبيان حالة المباني المقامة عليه وحدودها ومعالمها وموقعها من خط التنظيم المعتمد بقرار محافظ القاهرة رقم 1887 لسنة 1971.
وطلب الطاعنون في ختام تقرير الطعن وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبوله شكلاً وإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم قبول الدعوى وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وقد تم إعلان الطعن على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعينت جلسة 3/ 10/ 1994 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون التي قررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى) لنظره بجلسة 5/ 2/ 1995، وبتلك الجلسة قررت هذه المحكمة إحالة الطعن إلى الدائرة المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة استناداً على أنه ولئن كانت أحكام المحكمة الإدارية الصادرة في شأن دعوى تهيئة الدليل، تواترت على أن دعوى تهيئة الدليل لا تكون مقبولة إن هي رفعت استقلالاً عن المنازعة الإدارية الموضوعية، إلا أن هذه الدائرة تتجه اتجاهاً مغايراً لما جرى عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا في ذلك الشأن مما يستوجب عرض الأمر على الدائرة المشكلة طبقاً للمادة 54 مكرراً من قانون مجلس الدولة.
وقد تم نظر الطعن أمام دائرة توحيد المبادئ التي تداولت نظره وبجلسة 1/ 2/ 1997 حكمت بأن تهيئة الدليل (إثبات الحالة) للمنازعة الإدارية تكون مقبولة أمام القضاء الإدارى ولو أقيمت استقلالاً عن هذه المنازعة وقررت إعادة الطعن للدائرة المختصة بالمحكمة للفصل فيه.
وقد أعيد الطعن فعلاً إلى هذه الدائرة وحددت لنظره جلسة 27/ 4/ 1997 وفيها قررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة 25/ 5/ 1997.
وبجلسة اليوم صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه وإجراءاته المقررة قانوناً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بموجب عريضة أودعت ابتداء أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بتاريخ 18/ 10/ 1988 أقام المطعون ضدهما الدعوى رقم 4115 لسنة 88 مستعجل طلباً في ختامها الحكم بندب مكتب خبراء وزارة العدل لكي يندب أحد خبرائه للانتقال إلى العقار المملوك لهما لإثبات حالته وبيان المباني المقامة على قطعة الأرض وما عليها من منشآت.
وقال المدعيان (المطعون ضدهما) شرحاً لدعواهما أنهما يمتلكان العقار الموضح الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى ويقع بقسم الزاوية الحمراء مكوناً من دور واحد وقد علما أن قراراً صدر من حي بالشرابية بإزالة المباني حتى منسوب سطح الأرض، فطعن المدعيان على ذلك القرار أمام محكمة القضاء الإدارى بطلب وقف تنفيذه وفى الموضوع بإلغائه. إلا أنهما يخشيان من قيام المدعى عليهما بتنفيذ القرار المطعون فيه قبل الحكم في الشق العاجل وضياع معالم المباني المقامة مما يؤدى إلى ضياع حق المدعيين بضياع آثار الواقعة المراد إثباتها إذا ما تركت وشأنها مما يحق لهما إقامة الدعوى الماثلة إعمالاً لحكم المادتين 133، 134 من قانون الإثبات لطلب إثبات حالة المباني وما عليها من منشآت.
وأحيلت الدعوى من محكمة القاهرة للأمور المستعجلة - بعد أن حكمت تلك المحكمة بعدم اختصاصها ولائياً بنظرها - إلى محكمة القضاء الإدارى التي قضت بجلسة 15/ 3/ 1990 بما يطلبه المدعيان إعمالاً لحكم المادتين 133، 134 من قانون الإثبات.
ومن حيث إن الطاعنين أقاموا طعنهم الماثل على سند من أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله، لأن قضاء المحكمة الإدارية العليا اضطرد على أن دعوى تهيئة الدليل لا تقبل إلا من خلال منازعة إدارية مما يدخل في اختصاص القضاء الإدارى ولا تقبل إن هي رفعت استقلالاً عن المنازعة الموضوعية ولم تكن مرتبطة بها في صحيفة افتتاح الدعوى، ولما كان الثابت - يستطرد الطاعنون في تقرير طعنهم - أن المطعون ضدهما أقاما الدعوى - التي صدر فيها الحكم المطعون فيه استقلالاً عن الدعوى الموضوعية بإلغاء القرار رقم 69 لسنة 1988 الصادر بإزالة أعمال البناء المخالفة فإن دعواهما تكون غير مقبولة لعدم اقترانها بطلب موضوعي.
واستطرد تقرير الطعن إلى أنه لا يغير من ذلك إقامة المدعيين للدعوى رقم 3318 لسنة 42 ق بطلب وقف تنفيذ وإلغاء القرار المشار إليه إذ يتعين أن يكون طلب إثبات الحالة (دعوى تهيئة الدليل) مرتبطاً بطلب موضوعي وبذات صحيفة الدعوى ولا يقبل الطلب إن هو رفع استقلالاً كما هو الحال في الدعوى الماثلة ومن ثم كان يتعين الحكم بعدم قبول الدعوى.
ومن حيث إن مقطع النزاع في الحالة المعروضة هو بيان مدى جواز قبول دعوى تهيئة الدليل أمام القضاء الإدارى إذا أقيمت استقلالاً دون أن ترتبط بطلب موضوعي.
ومن إن البند (رابع عشر) من المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 ينص على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في سائر المنازعات الإدارية.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن المقصود بالمنازعة الإدارية تلك المنازعات التي تنشأ نتيجة نشاط وأعمال السلطة العامة بوصفها سلطة إدارية، أى نشاطها في مجال ممارسة وظيفتها الإدارية إذا ما باشرت بشأن هذا النشاط أسلوب السلطة العامة، والمنازعة الإدارية في مفهوم ولاية القضاء الإدارى إنما تتعلق بدعوى لا بأية منازعة خارجة نطاق التداعي تكون جهة الإدارة طرفاً فيها والدعوى تعنى طلب الحماية القضائية الذي يلجأ الشخص بمقتضاه إلى القضاء المختص بغية إقرار حق أو حماية ما يدعيه من حق.
ومن حيث إنه تبعاً لذلك - وعلى نحو ما جاء بالحكم الصادر من دائرة توحيد المبادئ بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 2/ 1/ 1997 في الطعن الماثل - وبالنظر إلى الاختصاص العام للقضاء الإدارى بالفصل في سائر المنازعات الإدارية فإن دعوى تهيئة الدليل إذا ما تعلقت بقرار أو تصرف إداري مما يخضع لولاية القضاء الإدارى فإن الفصل فيها يدخل في اختصاص القضاء الإدارى كدعوى مستقلة حتى لو لم ترتبط بطلب موضوعي، وذلك بالنظر إلى طبيعتها ومقصدها المتمثل في تهيئة الدليل في دعوى موضوعية مرفوعة فعلاً أو سترفع مستقبلاً عن حدوث واقعة يخشى زوال معالمها أو تغيير هذه المعالم بمرور الوقت، ومن ثم لا يشترط أن تكون الواقعة المطلوب إثبات حالتها، محل نزاع أمام القضاء الإدارى من خلال دعوى موضوعية بل يكفى في شأنها أن تكون مما يحتمل أن تصبح محلاً للنزاع أمام القضاء الإدارى وأن يخشى ضياع معالم هذه الواقعة إذا انتظر الخصم حتى يعرض النزاع الموضوعي أمام القضاء، وعلى هذا فإن دعوى تهيئة الدليل في حقيقتها دعوى وقائية تستهدف تفادى ضياع دليل الدعوى الموضوعية في المنازعة الإدارية وهى بهذه المثابة تعتبر دعوى مستقلة يجوز رفعها استقلالاً كمنازعة إدارية أمام القضاء الإدارى دون ارتباط بطلب موضوعي.
ومن حيث إنه غنى عن البيان أنه لا يجوز قياس دعوى تهيئة الدليل التي ترفع استقلالاً بدعوى طلب وقف تنفيذ القرار الإدارى الذي لا يقترن بطلب الإلغاء لأن المنازعة الإدارية تتحدد - في الحالة الأخيرة - بالتضرر من استمرار قرار إداري غير مشروع فضلاً عن أنه لا يتامى القول بأن وقف تنفيذه تتحقق به الغاية منه، على العكس من دعوى تهيئة الدليل إن هي رفعت مستقلة فإنها يتحقق بها حماية الحق المطلوب حمايته حتى لو قرر المدعى - بعد صدور حكم في دعوى تهيئة الدليل عدم حاجته لرفع دعوى بأصل الحق.
ومن حيث إنه ترتيباً على ما تقدم فإنه يجوز لذوى الشأن رفع دعوى تهيئة الدليل، إذا ما تعلقت بقرار أو تصرف إداري مما يخضع لولاية القضاء الإدارى، على استقلال أمام القضاء الإدارى دون ارتباط بطلب موضوعي.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه انتهى إلى ذات النتيجة - وإن كانت لأسباب مغايرة للأسباب مغايرة للأسباب الواردة بهذا الحكم - فإنه يكون صحيحاً فيما انتهى إليه ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس صحيح من القانون.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الجهة الإدارية الطاعنة المصروفات.