مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الأربعون - الجزء الثاني (من 7 مارس سنة 1995 إلى 26 أغسطس سنة 1995) - صـ 1885

(192)
جلسة 10 من يونيه سنة 1995

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت - نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة: أبو بكر محمد رضوان، ومحمد أبو الوفا عبد العال، غبريال جاد عبد الملاك، وسعيد أحمد برغش - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 4182 لسنة 37 القضائية

عاملون مدنيون بالدولة - تأديب
- التمييز بين المحاكمة الجنائية والمحاكمة التأديبية من حيث سلطة المحكمة في تعديل الوصف القانوني للواقعة وتنبيه المتهم ومحاميه.
المادة (40) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، المادتان (307) و(308) من قانون الإجراءات الجنائية.
للمحكمة أن تغير الوصف القانوني للمخالفة - إذا غيرت الوصف إلى الأشد فيجب تنبيه المتهم ودفاعه إلى ذلك - إذا غيرت للوصف الأخف لا تكون ملزمة بلفت نظر المتهم - هذه القاعدة تجد نطاقها ومجال أعمالها في المحاكمات الجنائية - لا وجه لإعمالها في مجال التأديب - أساس ذلك: أن المخالفات التأديبية ليست محددة بنص خاص وعقوبة خاصة بكل منها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأربعاء الموافق 4/ 9/ 1991 أودع الأستاذ/...... المحامي نيابة عن الأستاذ/...... المحامي - بصفته وكيلاً عن الطاعن - قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 4182 لسنة 37 ق، في الحكم الصادر من المحكمة التأديبية بطنطا بجلسة 17/ 7/ 1991 في الدعوى رقم 859 لسنة 18 ق، المقامة من النيابة الإدارية ضد الطاعن - وآخرين - والقاضي بمجازاة الطاعن بخصم ثلاثة أيام من مرتبه.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بالتقرير - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه، وببراءته مما هو منسوب إليه.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى النيابة الإدارية بتاريخ 12/ 9/ 1991.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبوله شكلا،ً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وببراءة الطاعن مما هو منسوب إليه.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 23/ 11/ 1994، وتداوول بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر، حيث قدمت النيابة الإدارية مذكرة طلبت في ختامها رفض الطعن، وبجلسة 22/ 2/ 1995 قررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة"، وحددت لنظره جلسة 25/ 3/ 1995.
وقد تم نظر الطعن بالجلسات المحددة، ثم تأجل لجلسة 22/ 4/ 1995، وفيها قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، حيث صدر الحكم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الحكم المطعون فيه قد صدر بجلسة17/ 7/ 1991، وأن تقرير الطعن فيه قد أودع قلم كتاب المحكمة بتاريخ 4/ 9/ 1991، فمن ثم يكون الطعن قد أقيم بمراعاة المواعيد القانونية المقررة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفي - فضلاً عما تقدم - بقية أوضاعه الشكلية، فمن ثم يتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إن وقائع الموضوع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - في أن النيابة الإدارية كانت قد أقامت الدعوى رقم 859 لسنة 18 ق، بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا بتاريخ 16/ 8/ 1990 منطوية على تقرير باتهام الطاعن - وآخرين - لأنهم خلال عامي 1985، 1986 بالوحدة المحلية لسبك الأحد التابعة للوحدة المحلية لمركز أشمون محافظة المنوفية، لم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة، وسلكوا مسلكاً معيباً، لا يتفق والاحترام الواجب، وخالفوا القواعد المالية، بما من شأنه المساس بمصلحة مالية للدولة، ذلك أن الطاعن وبوصفه رئيس الوحدة المحلية بسبك الأحد وعضو اللجنة المشكلة للانضمام وتركيب الماكينة في 6/ 9/ 1986، أثبت على خلاف الحقيقة بالمحضر المؤرخ 6/ 9/ 1986 أن الماكينة المشتراه من المورد...... جديدة وصالحة للاستعمال حال كونها قديمة وغير صالحة للاستعمال على النحو الموضح بالأوراق، كما أنه وبصفته عضو اللجنة المشكلة للمعاينة في 25/ 12/ 1986 أثبت على خلاف الحقيقة بمحضر المعاينة في 25/ 12/ 1986 أن ماكينة المياه جيدة وجديدة، حال كونها قديمة ومجمعة الأجزاء وغير صالحة للاستعمال على النحو الموضح بالأوراق وطلبت النيابة الإدارية محاكمة الطاعن - وآخرين - طبقاً للمواد الواردة بتقرير الاتهام.
وبجلسة 17/ 7/ 1991 قضت المحكمة التأديبية بطنطا بمجازاة الطاعن بخصم ثلاثة أيام من مرتبه. وأقامت المحكمة قضاءها - بعد تعديل وصف التهمة من إثبات غير الحقيقة في محضري 6/ 9/ 1986، 25/ 12/ 1986 بتقرير صلاحية الماكينة إلى الإهمال في عدم إثبات نوعية الماكينة - على أساس أنه وإن كانت المحكمة قد اطمأنت إلى أن الماكينة الموردة جديدة وصالحة للاستعمال، وأنها تتفق من حيث المواصفات والكفاءة مع المقايسة المعدة بمعرفة الجهة الإدارية استناداً إلى ما جاء بالتقرير المعد بمعرفة أحد أساتذة كلية هندسة المنوفية، بما يبرئ الطاعن من تهمة تغيير الحقيقة في محضري 6/9، 25/ 12/ 86 المقدم بها إلى المحاكمة، إلا أنه لا يبرئه من الإهمال في عدم إثبات نوعية الماكينة الموردة، ذلك أن تقرير أستاذ كلية الهندسة ولجنة مديرية الإسكان قد أثبت أن الماكينة الموردة ليست من نوع "البركنز" الواردة بالعرض المقدم من المورد.
ونعى تقرير الطعن على الحكم المطعون فيه عيب مخالفة القانون، ذلك أن الحكم قد أدان الطاعن بتهمة غير تلك الواردة بتقرير الاتهام، وهي تهمة لم يجر تحقيق فيها، ولم يحقق ما عساه أن يكون من دفاع بشأنها، وأنه على الرغم من أن الطاعن ليس فنياً في فحص مثل الماكينة الموردة، فإن الثابت من التقرير الفني المعد بمعرفة أستاذ كلية هندسة المنوفية ولجنة مديرية الإسكان أن الماكينة الموردة مطابقة للمواصفات.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن عمدة قرية سبك الأحد قد تقدم بشكوى إلى رئيس مركز أشمون محافظة المنوفية يتضرر فيها من تكرار انقطاع المياه رغم شراء ماكينة حديثة، وبناء عليه شكلت لجنة من مهندسي مجلس المدينة لمعاينة ماكينة المياه المركبة حديثاً، وانتهت اللجنة إلى أن الماكينة قديمة، وقد تم إجراء تحقيق في الموضوع بمعرفة النيابتين العامة والإدارية، وانتهت النيابة العامة إلى حفظ الموضوع، وانتهت النيابة الإدارية إلى مسئولية أعضاء لجان الشراء والاستلام والتركيب ومنهم الطاعن، حيث نسبت للطاعن أنه بوصفه عضواً بلجنة الانضمام وتركيب الماكينة في 6/ 9/ 1986 وعضواً بلجنة معاينة الماكينة في 25/ 12/ 1986 قد أثبتت في محضري اللجنتين على خلاف الحقيقة أن الماكينة جديدة وصالحة للاستعمال حال كونها قديمة وغير صالحة للاستعمال وقد جرت محاكمة الطاعن على النحو السابق بيانه، حيث صدر الحكم الطعين بمجازاته بخصم ثلاثة أيام من مرتبه، لا على أساس ثبوت الواقعة الواردة بتقرير الاتهام التي نفى الحكم صحتها على أساس ما ثبت له من أن الماكينة جديدة وصالحة للاستعمال وإنما على أساس أن اللجنتين بعضوية الطاعن قد أهملتا في إثبات نوع الماكينة الموردة، حيث كان يتعين توريد ماكينة ماركة "بركنز" وأن الماكينة الموردة ليست من هذا النوع.
ومن حيث إن المادة (40) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن "تفصل المحكمة في الواقعة التي وردت بقرار الإحالة، ومع ذلك يجوز للمحكمة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة الإدارية التصدي لوقائع لم ترد في قرار الإحالة والحكم فيها إذا كانت عناصر المخالفة ثابتة في الأوراق، وبشرط أن تمنح العامل أجلاً مناسباً لتحضير دفاعه إذا طلب ذلك".
وتنص المادة (307) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "لا تجوز معاقبة المتهم عن واقعة غير التي وردت بأمر الإحالة أو طلب التكليف بالحضور، كما لا يجوز الحكم على غير المتهم المقام عليه الدعوى".
كما تنص المادة (308) على أن "للمحكمة أن تغير في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند إلى المتهم، ولها تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو من المرافعة في الجلسة ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة أو التكليف بالحضور ولها أيضاً إصلاح كل خطأ مادي وتدارك كل سهو في عبارة الاتهام مما يكون في أمر الإحالة أو في طلب التكليف بالحضور.
وعلى المحكمة أن تنبه المتهم إلى هذا التغيير، وأن تمنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على الوصف أو التعديل الجديد إذا طلب ذلك".
ومن حيث إنه وإن كان قضاء محكمة النقض مستقراً على أنه لا موجب للفت نظر المتهم إذا كان تغير الوصف القانوني للتهمة ليس مؤديا إلى تعديل التهمة بشرط أن يكون هذا التغيير مؤدياً إلى إسناد تهمة عقوبتها أخف من تلك الوردة بأمر الإحالة أو مساوية لها، إلا أنه لا مجال لإعمال فكرة تغيير وصف التهمة أو تعديلها في مجال العقاب التأديبي باعتبار أن المخالفات التأديبية ليست محددة بنص خاص أو عقوبة خاصة.
يؤيد ذلك ويؤكده أن النص الوارد في قانون مجلس الدولة بشأن الإجراءات أمام المحاكم التأديبية لم يتعرض سوى لحق المحكمة التأديبية في التصدي لوقائع لم ترد بقرار الإحالة وبشرط أن تكون عناصر المخالفة أو وقائعها ثابتة في الأوراق.
ومن حيث إنه لما تقدم، وكان الثابت أن الحكم الطعين قد أبرأ الطاعن من واقعة ذكر بيانات مخالفة للحقيقة بشأن الماكينة الموردة بمحضري اللجنة المشكلة في 6/ 9، 25/ 12/ 1986 وأدانه عن واقعة جديدة هي الإهمال في عدم ذكر ماركة الماكينة الموردة في المحضرين، ودون أن ينبه إلى ذلك ويمنحه أجلاً مناسباً لتحضير دفاعه، فمن ثم فإن الحكم يكون مشوباً بعيب مخالفة القانون وفضلاً عما تقدم، وعن أن الطاعن لم يسأل عن تلك الواقعة ولم يحقق - من ثم - ما عساه أن يكون له من دفاع بشأنها، فإن الثابت أن الطاعن وإن كان عضواً بلجنة تركيب ومعاينة الماكينة، إلا أنه ليس إلا موظفاً إدارياً لا شأن له بالجانب الفني المتعلق بنوعية الماكينة الموردة أو كفاءتها، إذ لا يسأل أعضاء اللجان إلا عن الأخطاء الواردة في أعمال تلك اللجان فيما يخصهم من نطاق، حيث يسأل العضو الفني عن الأخطاء الفنية والمالي عن الأخطاء المالية والإداري عن الأخطاء الإدارية والقانوني عن الأخطاء القانونية، وأنه لا يسأل الجميع إلا عن الخطأ الظاهر الذي لا يحتاج إلى خبرة.
ومن حيث إنه متى كان الثابت مما تقدم أن الحكم الطعين قد أدان الطاعن عن واقعة لم ترد بقرار الإحالة ولم يجر تحقيقها، كما لا تمثل الواقعة مخالفة لمن يشغل مثل وظيفته، فمن ثم يكون الحكم الطعين مشوباً بعيب مخالفة القانون بالخطأ الجسيم في الإجراءات، فضلاً عن فساد الاستدلال وسوء الاستخلاص، بما يتعين معه القضاء بإلغائه، وببراءة الطاعن مما نسب إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم ثلاثة أيام من مرتبه، وببراءته مما نسب إليه.