أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 248

جلسة 17 من مارس سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمد عبد المنعم حمزاوي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: إبراهيم أحمد الديواني، حسن علي المغربي، ومحمد عبد الواحد الديب، وعادل برهان نور.

(57)
الطعن رقم 187 لسنة 45 القضائية

نصب. "استعمال طرق احتيالية". جريمة. "أركانها". إثبات. "بوجه عام". حكم."تسبيبه. تسبيب معيب". فاعل أصلي. رابطة السببية.
إسناد المحكمة الاتهام في عبارة مرسلة. لا يظهر منها إلمامها بالدليل. وعدم استظهارها الصلة بين الطرق الاحتيالية. وتسليم المجني عليه للمال. قصور.
عدم تحقق جريمة النصب. بطرق تأييد الادعاءات الكاذبة من قبل شخص آخر. إلا إذا تداخل الأخير بسعي الجاني وتدبيره. ولم يكن التأييد مجرد ترديد لأكاذيب الفاعل.
بيان واقعة النصب وذكر ما صدر عن كل متهم فيها مما حمل المجني عليه على التسليم في ماله. واجب على المحكمة. إغفاله. يعيب الحكم بالقصور.
إذا كان يبين مما سطره الحكم أنه ساق ما أسند إلى الطاعن في عبارة مرسلة غير ظاهر منها أن المحكمة حين استعرضت الدليل المستمد من أقوال المجني عليه كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملاً حتى يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، ولم تستظهر فيها الصلة بين الطرق الاحتيالية التي استخدمها الطاعن وبين تسليم المجني عليه للمال، هذا فضلاً عن أنه يشترط لوقوع جريمة النصب بطريق الاستعانة بشخص آخر على تأييد الأقوال والادعاءات المكذوبة، أن يكون الشخص الآخر قد تداخل بسعي الجاني وتدبيره وإراداته لا من تلقاء نفسه بغير طلب أو اتفاق، كما يشترط لذلك أن يكون تأييد الآخر في الظاهر لإدعاءات الفاعل تأييداً صادراً عن شخصه هو لا مجرد ترديد لأكاذيب الفاعل، ومن ثم فإنه يجب أن يعني الحكم ببيان واقعة النصب وذكر ما صدر عن كل من المتهمين فيها من قول أو فعل في حضرة المجني عليه مما حمله على التسليم في ماله، فإذا هو قصر في هذا البيان – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كان في ذلك تفويت على محكمة النقض لحقها في مراقبة تطبيق القانون على الواقعة الثابتة بالحكم الأمر الذي يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم بدائرة قسم الرمل محافظة الإسكندرية: توصلوا إلى الاستيلاء على المبلغ المبين بالمحضر.. ... ... . وكان ذلك بالاحتيال لسلب بعض ثروته وكان ذلك باستعمال طرق احتيالية من شأنها إيهام المجني عليه بالحصول على ربح وهمي من بيع كمية الأخشاب وتسلموا منه بناءً على هذا لإيهام هذا المبلغ. وطلبت معاقبتهم بالمادة 336 من قانون العقوبات. ومحكمة الرمل الجزئية قضت في الدعوى غيابياً عملاً بمادة الاتهام بحبس كل من المتهمين ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة مائتي قرش لكل منهم لوقف التنفيذ. فعارض. المتهم الثاني (الطاعن) وقضى في معارضته بقبولها شكلاً وفي الموضوع برفضها وتأييد الحكم الغيابي المعارض فيه. فاستأنف المتهم الحكم ومحكمة الإسكندرية الابتدائية (بهيئة استئنافية) قضت في الدعوى حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض في 23 نوفمبر سنة 1974 وقدم المحامي عنه في التاريخ نفسه تقريراً بالأسباب موقعاً عليه منه.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة النصب قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد استخلص ثبوت التهمة المسندة إليه من مجرد مرافقته للمتهم الثالث حين استولى على النقود من المجني عليه ومن افتراض وجود صلة وثيقة بين هذين المتهمين، دون أن يعني ببيان أركان جريمة النصب التي دانه بها – وبخاصة – ماهية الطرق الاحتيالية التي اقترفها، مما يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه – بالنسبة للطاعن حصل واقعة الدعوى فيما يجمل أن المتهم الأول – وقد قضى ببراءته في المعارضة في الحكم الغيابي الابتدائي وتأيد استئنافياً – اتصل بالمجني عليه تليفونياً وأبلغه بوجود صفقة من الخشب لدى شخص يعرفه، وبعد فترة توجه إليه المتهمان الثاني الطاعن – والثالث وطلبا منه مبلغ 170 جنيهاً عربوناً للصفقة فدفعها إليهما واصطحبا معهما عاملاً من محله للقاء السيارة التي تحمل الأخشاب. غير أنهما راوغاه ولاذا بالفرار، ولما عاود المجني عليه الاتصال بالمتهم الأول تليفونياً أجابه بأن الطاعن كان زميله في عمله وأنه لا يعرف المتهم الثالث ولكنه من أقارب الثاني، وأنكر أنه أرسلهما إليه لأخذ النقود، وذكر بالتحقيقات أنه طلب من المجني عليه أن يتسلم الأخشاب أولاً ثم يحضر إلى مكتبه لأداء ثمنها، وخلص الحكم من ذلك إلى ثبوت التهمة في حق المتهمين جميعاً إذ احتال ثلاثتهم على المجني عليه ومثل كل منهم دوره بعناية فائقة حتى استولوا على المبلغ وفقاً لمخطط المتهم الأول الذي قام بتنفيذه كل من الثاني والثالث. – لما كان ذلك – وكان يبين من مطالعة المفردات المضمومة – أن المجني عليه قد قرر عند تبليغه عن الواقعة ما مؤداه أن المتهم الثالث هو صاحب الأخشاب المدعي ببيعها وأنه هو الذي قبض النقود منه في حضور الطاعن، وذكر في موضع آخر أن هذا الأخير هو الذي قبضها وسلمها للمتهم الثالث. لما كان ذلك، وكان يبين مما سطره الحكم أنه ساق ما أسنده إلى الطاعن في عبارة مرسلة، غير ظاهر منها أن المحكمة حين استعرضت الدليل المستمد من أقوال المجني عليه كانت ملمة بهذا الدليل إلماماً شاملاً حتى يهيئ لها أن تمحصه التمحيص الكافي الذي يدل على أنها قامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث لتعرف الحقيقة، ولم تستظهر فيها الصلة بين الطرق الاحتيالية التي استخدمها الطاعن وبين تسليم المجني عليه للمال، هذا فضلاً عن أنه يشترط لوقوع جريمة النصب بطريق الاستعانة بشخص آخر على تأييد الأقوال والادعاءات المكذوبة، أن يكون الشخص الآخر قد تداخل بسعي الجاني وتدبيره وإراداته لا من تلقاء نفسه بغير طلب أو اتفاق، كما يشترط كذلك أن يكون تأييد الآخر في الظاهر لادعاءات الفاعل تأييداً صادراً عن شخصه هو لا مجرد ترديد لأكاذيب الفاعل، ومن ثم فإنه يجب أن يعني الحكم ببيان واقعة النصب وذلك ما صدر عن كل من المتهمين فيها من قول أو فعل في حضرة المجني عليه مما حمله على التسليم في ماله، فإذا هو قصر في هذا البيان – كما هو الحال في الدعوى المطروحة – كان في ذلك تفويت على محكمة النقض لحقها في مراقبة تطبيق القانون على الواقعة الثابت بالحكم، الأمر الذي يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والإحالة، دون حاجة لبحث سائر وجوه الطعن.