أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة التاسعة - صـ 943

جلسة 18 من نوفمبر سنة 1958

برئاسة السيد حسن داود المستشار وبحضور السادة: محمود إبراهيم إسماعيل، ومصطفى كامل، ومحمود محمد مجاهد، ومحمود حلمي خاطر المستشارين.

(231)
الطعن رقم 925 لسنة 28 القضائية

(أ) نيابة عامة. اختصاصات كل عضو من أعضاء النيابة. اختصاص المحامي العام. حق المحامي في مباشرة الاختصاصات الذاتية المخولة للنائب العام في دائرة محكمة الاستئناف التي يعمل بها.
(ب) نيابة عامة. التبعية التدريجية. رئاسة النائب العام. مداها وأثرها.
عدم قابلية تصرف المحامي العام بدائرة عمله في الاختصاصات الذاتية المخولة للنائب العام للإلغاء أو التعديل من النائب العام بخلاف تصرفه في الاختصاصات العامة إذ يخضع فيها لإشراف النائب العام عن الناحيتين القضائية والإدارية.
سلطة النائب العام في إلغاء أمر الحفظ الصادر من أحد أعضاء النيابة بالرغم من موافقة المحامي العام. المادة 36 من قانون 147 لسنة 1949 بشأن نظام القضاء والمادة 80 من القانون 188 لسنة 1952 بشأن استقلال القضاء.
1- إن المادة 36 من قانون نظام القضاء إذ نصت على أن "يكون لدى كل محكمة استئناف محام عام له تحت إشراف النائب العام جميع حقوقه واختصاصاته المنصوص عليها في القوانين" إنما حددت للمحامين العامين اختصاصاً قضائياً يستند إلى أساس قانوني يجعل تصرفاتهم القضائية في مأمن من الطعن, فخول كل منهم في دائرة اختصاصه كافة الحقوق والاختصاصات القضائية التي للنائب العام ليصبح من سلطته إلغاء أوامر الحفظ الصادرة من أعضاء النيابة والطعن بالاستئناف في الميعاد الطويل والطعن في قرارات غرفة الاتهام على ألا يمس ذلك ما للنائب العام من حق الإشراف باعتباره صاحب الدعوى العامة والقائم على شئونها كما يبين من نص المادة 36 من قانون نظام القضاء والمادة 80 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء والتي تنص على أنه "للنائب العام حق الرقابة والإشراف على جميع أعضاء النيابة....".
2- للمحامي العام بعد صدور القانون رقم 147 لسنة 1949 في شأن نظام القضاء حق مباشرة الاختصاصات الذاتية المخولة للنائب العام في دائرة محكمة الاستئناف التي يعمل بها وتصرفه فيها غير قابل للإلغاء أو التعديل من النائب العام, أما ما عدا هذه الاختصاص الاستثنائية التي خص القانون بها النائب العام وحده, كالأمر الصادر بالأوجه لإقامة الدعوى, فيكون شأن المحامي العام في هذا النوع من الاختصاص شأن باقي أعضاء النيابة يخضع لإشراف النائب العام وهو لا يتحقق إلا إذا شمل الناحيتين القضائية والإدارية على السواء كما تفصح عنه نصوص القانون والمذكرة الإيضاحية لقانون نظام القضاء ومن ثم يكون قرار النائب العام بإلغاء أمر الحفظ الصادر من أحد أعضاء النيابة قراراً صحيحا منتجاً لآثاره القانونية بالرغم من موافقة المحامي العام على أمر الحفظ.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه: بصفته من مأموري التحصيل ببلدته الإسكندرية اختلس المبالغ المبينة بالمحضر وبتقرير اللجنة الإدارية المرفق والبالغ مجموعها 662 جنيها و415 مليماً حالة كونها مسلمة إليه بسبب وظيفته وبصفته سالفة الذكر. وطلبت إلى غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 111 و112/ 2 و118 و119 من قانون العقوبات المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 1953 فصدر قرار الغرفة بذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمه مبلغ 662 جنيها و415 مليماً وبعزله من وظيفته.
فطعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الوجه الأول من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ قضى بصحة قرار النائب العام الصادر بإلغاء أمر الحفظ الذي وافق المحامي العام وبرفع الدعوى العمومية على الطاعن بعد حفظها فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله ذلك لأن المادة 36 من القانون نظام القضاء قد خولت المحامين العامين جميع حقوق واختصاصات النائب العام كل في دائرة اختصاصه فجعلت منهم نواباً عامين في دوائر اختصاصهم وليس للنائب العام من سبيل عليهم سوى الإشراف الإداري باعتباره رئيساً لهم فلا يملك إلغاء تصرفاتهم التي باشروها في حدود سلطتهم المخولة لهم بمقتضى القانون ومن ثم يكون استناد الحكم المطعون فيه إلى أن موافقة المحامي العام على القرار بالأوجه لإقامة الدعوى على الطاعن لا تمنع النائب العام من إلغائه هو استناد غير صحيح ويجافي روح القانون الذي قصد إلى استحداث مناصب المحامين العامين ومنحهم سلطات النائب العام لتفادي المركزية وتخفيف العبء عن النائب العام على ألا يحد هذا من سلطاته إذا باشر التصرف بنفسه ولكن إذا ما أبرم المحامي العام أمراً فلا يصح للنائب العام نقضه إذ أن ما يصدر من المحامين العامين يكون بمثابة ما يصدره النائب العام نفسه وهو لا يملك إلغاء قرار نهائي أصدره.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن واقعة الاختلاس المسندة إلى الطاعن حققتها نيابة العطارين وأرسلتها إلى نيابة الإسكندرية الكلية بمذكرة يطلب مجازاة الطاعن إدارياً فأرسلها رئيس النيابة إلى المحامي العام الذي أشر في 3 من يناير سنة 1955 بإرسال الأوراق إلى بلدية الإسكندرية للنظر إدارياً في أمر الطاعن وآخر معه فأمر مدير البلدية بإحالتهما إلى مجلس التأديب لمحاكمة الطاعن عن جريمة الاختلاس المسندة إليه ومحاكمة زميله عن إهمال وقع منه قضى مجلس التأديب بوقف الطاعن عن العمل بدون مرتب لمدة ثلاثة شهور وحرمانه من مرتبه عن باقي مدة الإيقاف ومجازاة زميله بخصم خمس عشرة يوماً من مرتبه وحرمانه من المرتب مدة شهر من مدة الإيقاف واستأنف الطاعنان وقضى استئنافياً بتأييد القرار وأعيدت الأوراق إلى النيابة فأصدر المحامي العام أمراً بتاريخ 26 ديسمبر سنة 1955 بحفظ الأوراق اكتفاء بالجزاء الإداري فحفظت نيابة العطارين الشكوى إدارياً في 9 من يناير سنة 1956 ولما عرضت الأوراق على السيد النائب العام أصدر أمراً بتاريخ 5 فبراير سنة 1956 بإلغاء قرار الحفظ واستيفاء التحقيق وفي 27 أغسطس سنة 1956 أمر بإحالة القضية إلى غرفة الاتهام بالنسبة لطاعن وبحفظها اكتفاء بالجزاء الإداري بالنسبة للمتهم الثاني وبعد نظرها بمعرفة الغرفة أمرت بإحالتها إلى محكمة الجنايات لمحاكمة الطاعن بالمواد 111 و112/ 2 و118و 119 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 رجاء في أسباب الحكم الذي قضى بإدانة الطاعن أن لأمر الحفظ الصادر من نيابة العطارين في 9 من يناير سنة 1956 بموافقة المحامي العام هو في طبيعته قرار بالأوجه لإقامة الدعوى صدر طبقاً للمادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية ويجوز للنائب العام إلغاؤه في مدى الثلاثة شهور التالية لصدوره عملا بالمادة 211 من ذلك القانون ولا يؤثر على هذا الحق موافقة المحامي العام.
وحيث إن هذا الذي ذهب إليه الحكم المطعون فيه صحيح في القانون ذلك بأن المادة 36 من القانون نظام القضاء إذ نصت على أنه "يكون لدى كل محكمة استئناف محام عام له تحت إشراف النائب العام جميع حقوقه واختصاصاته المنصوص عليها في القوانين" إنما حددت للمحامين العاميين اختصاصاً قضائياً يستند إلى أساس قانوني يجعل تصرفاتهم القضائية في مأمن من الطعن فخول كلا منهم في دائرة اختصاصه كافة الحقوق والاختصاصات القضائية التي للنائب العام ليصبح من سلطته إلغاء أوامر الحفظ الصادرة من أعضاء النيابة والطعن بالاستئناف في الميعاد الطويل والطعن في قرارات غرفة الاتهام على ألا يمس ذلك ما للنائب العام من حق الإشراف باعتباره صاحب الدعوى العامة والقائم على شئونها مما يبين من نص المادة 36 من قانون نظام القضاء والمادة 80 من المرسوم بقانون رقم 188 لسنة 1952 في شأن استقلال القضاء والتي تنص على أنه "للنائب العام حق الرقابة والإشراف على جميع أعضاء النيابة....". ولما كان النائب العام سائر اختصاص أعضاء النيابة بحكم أنه صاحب الدعوى العامة والمكلف أصلاً بمباشرتها سواء بنفسه أو بواسطة أحد أعضائه وكان له فوق ذلك اختصاصات استثنائية قصد منها تمكينه من الإشراف على أعضاء النيابة وتدارك السهو أو الخطأ الذي قد يقع منهم كاستئناف الحكم في ميعاد ثلاثين يوما من وقت صدوره في الجنح والمخالفات واستئناف أوامر قاضي التحقيق في ميعاد عشرة أيام من صدور الأمر والطعن بطريق النقض في الأوامر الصادرة من غرفة الاتهام بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى أو بالإحالة إلى المحكمة الجزئية أو بأن الواقعة جنحة أو مخالفة وإلغاء الأمر الصادر من النيابة بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية وذلك في مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره إلى غير ذلك مما نص عليه في قانون الإجراءات الجنائية وهي اختصاصات استثنائية لا يباشرها إلا النائب العام بنفسه أو بتوكيل خاص منه لما كان ذلك وكان للمحامي العام بعد صدور القانون رقم 147 سنة 1949 في شأن نظام القضاء حق مباشرة هذه الاختصاصات الذاتية المخولة لنائب العام في دائرة محكمة الاستئناف التي يعمل بها فإن تصرفه فيها يكون غير قابل للإلغاء أو التعديل من النائب العام. أما ما عدا هذه الاختصاصات الاستثنائية التي خص القانون بها النائب العام وحده كالأمر الصادر بالأوجه لإقامة الدعوى فيكون شأن المحامي العام في هذا النوع من الاختصاص شأن باقي أعضاء النيابة يخضع لإشراف النائب العام وهو لا يتحقق إلا إذا شمل الناحيتين القضائية والإدارية على السواء كما تفصح عنه نصوص القانون والمذكرة الإيضاحية لقانون نظام القضاء, ومن ثم يكون قرار النائب العام بإلغاء أمر الحفظ الصادر من نيابة العطارين بتاريخ 9 من يناير سنة 1956 قراراً صحيحا منتجاً لآثاره القانونية بالرغم من موافقة المحامي العام على أمر الحفظ ويتعين لذلك رفض هذا الوجه من الطعن.
وحيث إن مبنى الوجه الثاني من الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أخطا في الإسناد حين استند في إدانة الطاعن إلى أنه حصل قيمة القسيمة رقم 5819 سنة 1953 كاملة في يوم أول أكتوبر سنة 1953 وأنه لم يورد سوى نصف قيمتها واحتجز الباقي لنفسه مدعياً فقده وأنه لو كان ادعاؤه بالسرقة صحيحاً لسرق المبلغ بأكمله كما أسند إليه أنه اضطرب في دفاعه بشأن تحديد المبلغ المفقود فذكر في التحقيق الإداري أنه مبلغ 112 جنيهاً وذكر في تحقيق النيابة وبالجلسة أنه مبلغ 500 جنيه وقال الحكم بأن عمليتي الجرد السابقتين على اكتشاف الحادث تمتا نتيجة تواطؤ بين المتهم والكاتب المختص كما أخطأ في واقعة تصحيح تاريخ المذكرة الخاصة بإجراء جرد النقود التي في عهدة المتهم فقال أنها كانت محررة أصلاً بتاريخ 25 من أغسطس سنة 1954 وصحح التاريخ إلى 29 من أغسطس سنة 1954 خدمة لطاعن وخلص الحكم من ذلك إلى أن الطاعن كان قد علم بالجرد المزمع إجراؤه قبل قيامه بسداد العجز قال الحكم ذلك, واستند إليه في إدانة الطاعن مع مخالفته لما هو ثابت في الأوراق إذ الثابت أن الطاعن ورد القسطين الأولين مع من قيمة القسيمة رقم 5819 سنة 1953 في يومي 27 من أكتوبر سنة 1953 و10 من ديسمبر سنة 1953 ولم يقرر في التحقيق الإداري أن ما فقد منه كان مبلغ 112 جنيها ولا أثر للتواطؤ الذي قال الحكم بوجوده بين الطاعن والموظف المختص ولم تكن المذكرة محررة أصلا بتاريخ 25 من أغسطس سنة 1954 ثم عدل تاريخها إلي 29 من أغسطس سنة 1954 بل كانت محررة بتاريخ 29 من أغسطس سنة 1954 ثم عدل إلى 31 أغسطس سنة 1954 بقصد الإساءة إلى مركز الطاعن ودفع المسئولية عن رئيسه بإثبات أن جرد العهدة قد سبق قيام الطاعن بسداد قيمة العجز في حين أنه كان قد تم قبل الشروع فيه وبذلك يكون الحكم قد بنى على ما يخالف الثابت في الأوراق مما يعيبه ويوجب نقضه.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على أوراق الدعوى التي أمرت هذه المحكمة بضمها تحقيقا لوجه الطعن أن الحكم حصل الواقعة تحصيلاً صحيحا بما لا خطأ فيه. لما كان ذلك وكان ما ينعاه الطاعن على الحكم من الخطأ في الإسناد على الوجه المتقدم بفرض حصوله لا يؤثر في سلامته ما دامت المحكمة لم تجعل لهذه الوقائع أي اعتبار في إدانة الطاعن وما دام حكمها مقاماً على أسباب مؤدية إلى ما رتبه عليها ويتعين لذلك رفض هذا الوجه.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث هو أن الحكم شابه القصور والتخاذل في أسبابه إذ انه جاء قاصراً في بيان القصد الجنائي في جريمة الاختلاس وما أورده في أسبابه لا يؤدي إلى إثبات هذه النية.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به جميع العناصر القانونية لجناية الاختلاس التي دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها وعرض للبحث القصد الجنائي ودلل عليه تدليلاً كافيا لما كان ما تقدم, وكان القصد الجنائي في جناية الاختلاس يتحقق بانصراف نية الحائز للمال إلى التصرف فيه وقد أثبت الحكم توفر هذه النية في حق الطاعن فإن ما يثيره الطاعن في هذا الوجه لا يكون له محل.
وحيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.