أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة التاسعة - صـ 965

جلسة 18 من نوفمبر سنة 1958

برئاسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة, وبحضور السادة: مصطفى كامل, وفهيم يسى جندي, ومحمد عطية إسماعيل, وعباس حلمي سلطان المستشارين.

(235)
الطعن رقم 1134 لسنة 28 القضائية

(أ) حكم. ضوابط التدليل. تدليل سليم على توافر نية القتل. مثال.
طعن المتهم للمجني عليه طعنه قوية نفذت خلال البطين الأيمن مزقت الشريان التاجي الأيمن بعد أن أفصح المجني عليه عن شخصيته كضابط بوليس حتى لا يقبض على المتهم ولا ينم عنه بعد ذلك يصح به التدليل على توافر نية القتل في حقه.
(ب) حكم. بيانات الأسباب. الرد على أوجه الدفاع الهامة. إثبات. اعتراف. تقدير الاعتراف من حيث صلته بالتسبيب.
مثال الرد سائغ من المحكمة في خصوص نفي وقوع إكراه أو تعذيب على المتهمين. خبير. تقدير رأيه من حيث صلته بالتسبيب. مثال.
انتفاء التعارض بينما أثبته الحكم نقلاً عن التقرير الطبي من وجود إصابة بكل من المتهمين لأمر عارض وبين ما انتهى إليه في خصوص نفي وقوع تعذيب عليهما بناء على استخلاص سائغ وخلو الأوراق من دليل التعذيب.
1- إذا تحدث الحكم عن نية القتل في قوله "إنها متوافرة لأن أحد المتهمين الثلاثة هاجم المجني عليه وطعنه في قلبه طعنة قوية نفذت خلال البطين الأيمن مزقت الشريان التاجي الأيمن وهو يقصد من ذلك القضاء عليه وإزهاق روحه بعد أن أفصح المجني عليه عن شخصيته كضابط بوليس وذلك حتى لا يقبض عليه ولا ينم عنه بعد ذلك وهذه الطعنة القوية وتحديدها في أهم أعضاء الجسم وهو القلب مع ظروف الحادث والرغبة في السرقة والخوف من القبض علية بعد إعلان شخصية الضابط ,جعلت المتهم يوطد العزم على القتل, فطعنه وهو مدفوع بذلك القصد وتلك النية التي انتواها في الحال وأودت تلك الطعنة بحياة المجني عليه" فإن ما أورده الحكم من ذلك تتوافر به نية القتل لدى المتهم ويستقيم به التدليل على قيامها.
2- إذا كان الحكم إذا عرض لدفاع الطاعن بشأن بطلان إقرارا المتهمين الثاني والثالث عليه ونفى وقوع إكراه أو تعذيب من رجال البوليس عليهما قد استند في ذلك إلى التقرير الطبي الشرعي وإلى مطابقة فحوى إقراراهما لما استظهرته المحكمة من وقائع الدعوى وملابساتها, وإلى ترديد المتهمين المذكورين لهذه الأقوال في مراحل التحقيق وأمام النيابة, فإن ما انتهى إليه الحكم من عدم وقوع تعذيب على المتهمين يكون مبنياً على استخلاص سائغ من وقائع الدعوى وليس ثمة تعارض بين ما أثبته الحكم نقلاً عن التقرير الطبي من وجود إصابة بكل من المتهمين لأمر عارض وبين ما انتهى إليه ما دام أنه لم يقم دليل على التعذيب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: - 1- كمال آدم حسين و2- زكريا أحمد حجازي و3- محمود مرسي فرج و4- عبد الباسط زريقة جمعه بأنهم: قتلوا عمدا بغير سبق إصرار ولا ترصد اليوزباشي محمد عمر حسني بأن طعنه أحدهم بآلة حادة في صدره قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة المبينة في التقرير الطبي التي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهم في الزمان والمكان سالفي الذكر سرقوا مبلغ 375 قرشاً والملابس والأشياء المبينة في المحضر للسيدة تيلدا بولدوين والسيد جون كروز هولدن بطريق الإكراه الواقع على الأخير والذي ترك به أثر جروح إذ أحاطوا بهما وهددوهما باستعمال السلاح وطلب أحدهم إلى السيد جون كروز هولدن أن يسلم ما معه, وطعنه آخر بآلة في ذراعه لتعطيل مقاومته, وقد تمكنوا بذلك من الاستيلاء على ما كان في سيارته من مقتنيات. الأمر المنطبق على المادتين 314/ 1 و2 و315 من قانون العقوبات, وقد كانت الجناية الأولى نتيجة محتملة لاتفاق المتهمين على ارتكاب جناية السرقة. وطلب إلى غرفة الاتهام إحالتهم على محكمة الجنايات لمحاكمتهم طبقاً للمادتين 43 و234/ 1, 2 من قانون العقوبات فصدر قراراها بذلك. وادعى اللواء عمر محمد حسن (والد المجني عليه) بحق مدني قبل المتهمين بمبلغ خمسة آلاف جنيه. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضورياً عملا بمادة الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بالنسبة إلى المتهمين الثلاث الأول. أولاً - بمعاقبة كل من كمال آدم حسين وزكريا أحمد حجازي ومحمود مرسي فرج بالأشغال الشاقة المؤبدة وإلزامهم متضامنين بان يدفعوا للمدعي بالحق المدني اللواء عمر محمد حسين مبلغ ألفي جنيه والمصروفات المناسبة وعشرين جنيها مقابل أتعاب المحاماة - وببراءة عبد الباسط زريقة جمعه مما أسند إليه ورفض الدعوى المدنية قبله.
فعطن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين الثاني والثالث وإن قررا بالطعن إلا أنهما لم يقدما أسبابا فطعنهما غير مقبول شكلاً.
... وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الأول (كمال آدم حسين) حاز شكله القانوني.
وحيث إن أوجه الطاعن تتحصل في أن الحكم المطعون فيه شابه القصور البيان وفساد الاستدلال, وذلك على النحو الآتي:- أولاً - قصور الحكم عن الإحاطة بواقعة الدعوى وتحصيلها في صورة مضطربة, فضلا عن تأسيس الإدانة على فرض لا أصل له في الأوراق, ذلك أن الحكم بعد أن أورد في أسبابه أن المتهم الذي طعن المجني عليهما وارتكب السرقة - هو غير الطاعن الذي قيل بأنه كان متجرداً من ثيابه, عاد فأثبت على لسان المتهمين الثاني والثالث قولهما إن الذي ارتكب الحادث هو الطاعن, كما أن الحكم افترض قيام الاتفاق بين المتهمين على السرقة وجعلهم جميعاً مسئولين عن جناية القتل التي وقعت نتيجة محتملة للاتفاق المذكور وفقا لنص المادة 43 من قانون العقوبات, مع أن أوراق الدعوى خالية مما يدل على قيام هذا الاتفاق بين المتهمين, لم يقل به أحد من الشهود أو المتهمين المعترفين, لم يرد ذكر له بتحريات البوليس. ثانياً - القصور في البيان نية القتل, إذ استند الحكم في القول بتوافرها إلى نفاذ الطعنة وكونها في مقتل, ولأن المجني عليه أفصح للمتهمين عن شخصيته باعتباره ضابط بوليس, ومع أن هذا كله لا يكفي لتوافرها على نحو ما استقرت عليه أحكام المحكمة العليا, وأن حقيقة الواقعة لا تعدو أن تكون ضرباً أفضى إلى الموت. ثالثاً - قصور الحكم وفساد استدلاله في الرد على دفاع الطاعن بشأن بطلان إقرار المتهمين زكريا احمد حجازي ومحمود مرسي فرج, وإذ تمسك الطاعن ببطلان شهادتهما ضده لأنها وليدة إكراه وتعذيب وقع عليهما من رجال البوليس, وقد أثبت التقرير الطبي إصابتهما. هذا فضلا عن أنهما قد عدلا عن هذه الشهادة فيما بعد. ورغم ذلك فقد عول الحكم على هذه الأقوال في إدانة الطاعن قولاً منه بأنه لم يقم دليل على تعذيب هذين المتهمين ولم يوجد بأحدهما سوى سحج بسيط, وبالثاني أثر تقيح في قدمه, ولم يقرر الطبيب الشرعي أنه نتيجة تعذيب, ثم استطرد الحكم في نفي التعذيب بقوله أنه لو صح لعذب غيرهما من المتهمين أو لتدخل رجال البوليس في عملية العرض التي لم تسفر عن تأييد الاتهام أو كان المتهمان أفضيا بأمر التعذيب لوكيل النيابة المحقق - ويقول الطاعن أن هذا التدليل من الحكم لا يستقيم مع المنطق ولا ينفي الدليل المادي الثابت بالتقرير الطبي. رابعاً - قصور الحكم عن الإحاطة بدفاع الطاعن, ذلك أنه استشهد بشهود نفي شهدوا بأنه لم يكن موجوداً بمحل الحادث وقت وقوعه, فلم يعرض الحكم لشهادتهم إلا بقوله إن المحكمة لا تأخذ بأقوالهم وهو قصور في الرد أخل بدفاع الطاعن. هذا فضلاً عن تجاهل الحكم لدليل النفي المستمد من عملية العرض وعدم مناقشته لما أسفرت عنه تلك العملية من عدم استعراف المجني عليه (المستر هولدن) على الطاعن مع أن الرؤية في مكان الحادث وقت حصوله لم تكن متعذرة.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى في قوله "إنه في ليلة 26 يوليه سنة 1956 الموافق 18 ذي الحجة سنة 1375هـ بدائرة قسم باب شرقي محافظة الإسكندرية كان (جود كروز هولدن) الموظف بالقنصلية البريطانية يسير بسيارته في الطريق الصحراوي الموصل بين القاهرة والإسكندرية على مقربة من مطار النزهة يتريض ثم أوقف سيارته وهبط منها, وكانت معه (تيلدا بولدوين) زوجة احد أصدقائه, وظلت قابعة في السيارة, ولم تمض لحظات على تركه للسيارة إلا وباغته المتهمين الثلاثة الأول كمال آدم حسين وزكريا أحمد حجازي ومحمود مرسي فرج, وكان أحدهم عارياً عن كل رداء, فبهت من المفاجأة وسأله أحدهم عن السبب في مجيئه إلى هذا المكان - وتنبهت تيلدة صديقة هولدن وهي داخل السيارة إلى هجوم المتهمين وألقت بالها إليهم واستطاعت أن تميز السلاح في يد ذلك المتهم الذي يخاطب هولدن, فغادرت مجلسها من السيارة, وفي هذه الأثناء كان أحد المتهمين قد استولى على حقيبتها, فصاحت مستغيثة, وتشاء الظروف أن يمر في تلك اللحظة المجني عليه اليوزباشي محمد عمر حسن بسيارة وبصحبته صديقته تدعي (أوجات توين) قادماً من الطريق المضاد لسير سيارة هولدن فسمع صوت استغاثة, فأوقف سيارته في الحال وترك صديقته فيها واندفع نحو المتهمين معلنا عن شخصيته كضابط ليكفوا..... وإذا بالمتهم الذي كان يتكلم مع هولدن يشهر مطواة يسمع لانطلاق نصلها صوت ويفاجئه ويطعنه بها في صدره طعنه شديدة نفذت خلال البطين الأيمن للقلب ومزقت الشريان التاجي وأحدثت نزيفاً داخل الصدر, وبعد أن تلقى المجني عليه الطعنة هالة الأمر وارتد عائداً بسرعة إلى سيارته.... أما هولدن فقد كان في صعيد واحد مع المتهمين فطلب منه أحدهم العاري أن يسلم ما معه هو, بينما طعنه آخر المطواة في ذارعه ليشل مقاومته, وكان نفس المتهم الذي طعن الضابط المجني عليه واستولى المتهم العاري على سترته وباقي ما كان معه بالسيارة". وقد استند الحكم في إثبات الوقائع السالفة إلى شهادة كل من (جون هدلون وتيلدا بولدوين وأوجات توين) وإلى التقرير الطبي الشرعي وتقرير الصفة التشريحية وإقرار المتهمين الثاني والثالث وتحريات البوليس والمعانية. ثم تحدث الحكم عن نية القتل في قوله "إنها متوفرة لأن أحد المتهمين الثلاثة المذكورين هاجم المجني عليه محمد عمر حسن وطعنه في قلبه طعنة قوية نفذت خلال البطين الأيمن مزقت الشريان التاجي الأيمن وهو يقصد من ذلك القضاء عليه وإزهاق روحه بعد أن أفصح المجني عليه عن شخصيته كضابط بوليس وذلك حتى لا يقبض عليه ولا ينم عنه بعد ذلك.... وهذه الطعنة القوية وتحديدها في أهم أعضاء الجسم وهو القلب مع ظروف الحادث والرغبة في السرقة والخوف من القبض عليه بعد إعلان شخصية الضابط - جعلت الجاني يوطد العزم على القتل, فطعنه وهو مدفوع بذلك القصد وتلك النية التي انتواها في الحال, وأودت تلك الطعنة بحياة المجني عليه المذكور" وقد عرض الحكم لما أثاره الدفاع بشأن بطلان إقرار المتهمين الثاني والثالث وكذلك بطلان شهادتهما ضد الطاعن تأسيساً على أنها وليدة الإكراه والتعذيب الذي وقع عليهما من رجال البوليس, فلم يكتف بما قاله من أن "أما قول المتهمين الثاني والثالث والدفاع عنهما من إنهما عذبا فهو أمر لم يقم عليه أي دليل ولم يوجد بأحدهما سوى سحج بسيط وبالثاني أثر تقيح في قدمه ولم يقرر الطبيب الشرعي أنه نتيجة تعذيب, على أنه لو أرد رجال البوليس المبلغين لعذبوا جميع المتهمين وجعلوا كلا منهم يقر على نفسه صراحة ولأمكنهم جعل عملية الاستعراف سهلة مؤدية إلى نتيجة حاسمة في الإثبات وهذا ينفي بتاتاً ما يدعيه المتهمان سالف الذكر من تعذيب رجال البوليس ودفعهم للإقرار الذي أدليا به" - بل أكد اقتناعه بعدم وجود إكراه على المتهمين بما قرره "من أنهما رددا إقرارهما بتحقيق النيابة ولم يدعيا حينذاك بحصول تعذيب وأنه لا عبرة بما زعماه من أنهما حين أدليا بإقرارهما لم يكونا يعلمان بأن الذي يحقق معهما رجال النيابة, إذ أن هذا القول مردود بأنهما عند المعاينة كانا يعلمان علم اليقين بأن الذي يجري المعاينة هو وكيل النيابة الذي كان يصاحبه كاتب التحقيق وقوة من رجال البوليس والمجني عليهم وكان المتهمان عند إجراء المعاينة يفضيان بما سبق أن ذكراه في إقرارهما ويحددان المواقع التي قابلا فيها المتهم الأول (الطاعن) حاملا الملابس المسروقة والمكان الذي هدد فيه المجني عليهم وطعن فيه القتيل, وكذلك موضع وقوف السيارتين", وانتهى الحكم على القول بأن الأقوال التي ذكرها هذان المتهمان لا يمكن تلقيتنها لهما بحال لأنها جاءت متفقة مع سير الحوادث ومن ثم فالمحكمة لا تعول على إنكارهما أو إدعاءاتهما التي جاءت متأخرة وتتجافى مع أدلة الدعوى التي سبق تبيانها وثبت منها ارتكاب المتهمين للحادث.
وحيث إنه لما كان يبين مما تقدم أن الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمة التي دان الطاعن والمتهمين الآخرين بها, وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة سائغة مننت شأنها أن تؤدي إلى ما رتب عليها, وكان ما يثيرها لطاعن من تناقض الحكم بشأن تعيين المتهم الذي طعن المجني عليهما, فإنه فضلا عن عدم تأثيره على مسئولية المتهمين في واقعة الدعوى, مردود بأن الحكم قد استعرض أقوال المتهمين الثاني والثالث ولم يأخذ بها جملة, بل أطرح ما جاء من أن الطاعن هو الذي اعتدى على المجني عليهما, وقرر الحكم في صراحة أن أحد المتهمين الثاني والثالث هو الذي طعن المجني عليهما - لما كان ذلك, وكان ما يدعيه الطاعن من افتراض الحكم واقعة اتفاق المتهمين على السرقة دون أن يقوم عليها دليل من الأوراق لا محل له أيضاً, ذلك لأنه لما كان الاشتراك بالاتفاق يتم غالباً دون مظاهر خارجية أو أعمال مادية محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه, فإنه يكفي أن تكون المحكمة اعتقدت حصوله من ظروف الدعوى وملابساتها, وأن يكون اعتقادها هذا سائغاًَ تبرره الوقائع التي أثبتها الحكم - لما كان ما تقدم, وكان الحكم المطعون فيه قد استخلص استخلاصاً سائغاً من وقائع الدعوى التي أثبتها اتفاق المتهمين على ارتكاب جريمة السرقة, وأن جناية القتل وقعت من مجهول من بينهم كنتيجة احتمالية للجريمة المتفق عليها فإن الحكم إذ دان الطاعن والمتهمين الآخرين بالمواد 234/ 1 و2 و314/ 1 و2 و43 من قانون العقوبات يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح, ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الوجه على غير أساس ويتعين رفضه.
وحيث إنه فيما يختص بما ينعاه الطاعن على الحكم من قصور في بيان نية القتل, فإنه لما كان الحكم قد استخلص توافر هذه النية من استعمال الجاني أداة قاتلة وطعنه بها المجني عليه في مقتل من جسمه وهو القلب طعنة قوية نفذت حلال البطين الأمين مزقت الشريان التاجي الأيمن مما يؤكد قصد إزهاق الروح. فإن ما أورده الحكم من ذلك ومن ظروف الدعوى الأخرى تتوافر به نية القتل لدى الجاني ويستقيم به التدليل على قيامها.
وحيث إنه بالنسبة لما ينعاه الطاعن على الحكم في الوجهين الثالث والرابع, فإنه لما كان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بشأن بطلان إقرار المتهمين الثاني والثالث ونفي وقوع إكراه نأو تعذيب من رجال البوليس عليهما مستنداً في ذلك إلى التقرير الطبي الشرعي وإلى مطابقة فحوى إقرارهما لما استظهرته المحكمة من وقائع الدعوى وملابساتها وإلى ترديد المتهمين المذكورين لهذه الأقوال في مراحل التحقيق وأمام النيابة - لما كان ذلك, وكان ما انتهى إليه الحكم من عدم وقوع تعذيب على المتهمين مبنياً على استخلاص سائغ من واقع الدعوى, فإنه ليس ثمة تعارض بين ما أثبته الحكم نقلاً عن التقرير الطبي من وجود إصابة بكل من المتهمين لأمر عارض وبين ما انتهى إليه ما دام أنه لم يقم دليل على التعذيب - لما كان ذلك, وكان لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها من أي عنصر من عناصر الدعوى ولها في سبيل ذلك أن تأخذ بما تطمئن إليه من أقوال الشهود في أية مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة, وتطرح ما عداها مما لا تطمئن إليه دون أن تكون ملزمة ببيان الأسباب, كما أنا ليست ملزمة بالرد على أقوال شهود النفي أو متابعة المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي, وأن ترد استقلالا على كل قول يبديه أو حجة يثيرها إذ الرد يستفاد دلالة من الحكم بالإدانة استنادا إلى أدلة الثبوت التي أوردها الحكم. لما كان ذلك, فإن دعوى القصور وفساد الاستدلال التي يرمي بها الطاعن الحكم المطعون فيه تكون لا محل لها ويكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه.