أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 379

جلسة 4 من مايو سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمود كامل عطيفه، وعضوية السادة المستشارين: مصطفى محمود الأسيوطي، وعبد الواحد الديب، وأحمد فؤاد جنينة، وصلاح عبد الحميد.

(87)
الطعن رقم 646 لسنة 45 القضائية

(1 - 7) اختلاس أموال أميرية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". بطلان "بطلان إجراءات المحاكمة". "بطلان ورقة التكليف بالحضور". إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "خبرة". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب. حجيته". محكمة النقض. "سلطتها في نظر الطعن".
(1) أوجه البطلان المتعلقة بالإجراءات السابقة على المحاكمة. وجوب إبدائها أمام محكمة الموضوع.
حضور المتهم بنفسه جلسة المحاكمة. سقوط حقه في التمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور.
(2) جواز التنازل عن سماع الشهود صراحة أو ضمناً. التعويل على أقوالهم بالتحقيقات ترتيباً على ذلك. لا إخلال.
(3) وزن أقوال الشهود. موضوعي.
(4) تقدير آراء الخبراء. موضوعي. الرد على ما يوجه إليها من مطاعن عند الأخذ بها عدم لزومه.
(5) التناقض الذي يعيب الحكم. هو ما تتماحى به أسبابه. مثال على عدم التناقض في جريمة اختلاس أموال أميرية.
(6) حجية الأحكام هي للمنطوق والأسباب المتصلة به. دون غيرها. مثال. [(1)]
(7) خطأ الحكم في تطبيق القانون. حق محكمة النقض تصحيحه.
1 – لما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان قرار الاتهام المعلن إليه. وكان من المقرر في القانون أن أوجه البطلان المتعلقة بالإجراءات السابقة على المحاكمة يجب إبداؤها أمام محكمة الموضوع، ومن ثم فلا يجوز له إثارة الدفع بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض، فضلاً عن أن مجرد حضور المتهم بنفسه في جلسة المحاكمة تمنعه من التمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور.
2 – لما كان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن طلب بنفسه أو بلسان الحاضر معه سماع أي شهود بل تنازل عن سماع الغائب منهم، فإنه لا جناح على المحكمة من بعد إذا هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة.
3 – من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليها من مطاعن، وحام حولها من الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم، فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض.
4 – الأصل أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل وأنها لا تلتزم بندب خبير آخر في الدعوى أو الرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه.
5 – التناقض الذي يعيب الحكم هو الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. لما كان ذلك، وكان الحكم قد دلل على اختلاس الطاعن أيضاً لثمن المبيعات النقدية المشار إليها بالإضافة إلى المبلغ الذي أظهره الخبير في تقريره بما لا تناقض فيه، فإن ما ينعاه الطاعن من ذلك يكون غير سديد.
6 – العبرة فيما تقضي به الأحكام هي بما ينطق به القاضي في وجه الخصوم بمجلس القضاء عقب نظر الدعوى ولا يعول على الأسباب التي يدونها القاضي في حكمه الذي يصدره إلا بقدر ما تكون هذه الأسباب موضحة ومدعمة للمنطوق – لما كان ذلك – فإنه لا يصحح ما تردى في الحكم من خطأ قانوني حين اقتصر في منطوقه على القضاء برد المبلغ 831 ج و349 م فقط وبغرامة مساوية أن يكون قد أورد في أسبابه أنه فاته احتساب مبلغ 430 ج الذي اختلسه الطاعن أيضاً وإضافته إلى قيمة ما اختلسه وأظهره الخبير في تقريره.
7 – لما كان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في التطبيق على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم فإنه يتعين عملاً بما نصت عليه المادة 39 من القانون 57 لسنة 1959 ق شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تصحح محكمة النقض الخطأ والحكم بمقتضى القانون، ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي أن يكون مع النقض الإحالة – لما كان ما تقدم – فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه برد قيمة ما اختلسه المطعون ضده وقدره 1171 ج و349 م، وذلك بالإضافة إلى عقوبتي السجن والعزل المقضي بهما.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة بأنه في الفترة من 1 مارس سنة 1967 إلى 31 مارس سنة 1967 بدائرة مركز أبو تيج محافظة أسيوط بصفته مستخدماً عمومياً "أمين مخزن الجمعية التعاونية الزراعية بباقور" اختلس الأشياء المبينة وصفاً وقيمة بالمحضر والمملوكة لبنك التسليف الزراعي والتعاوني والمسلمة إليه بسبب وظيفته وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات للمحاكمة بالمواد 111/ 6 و112 و118 و119 من قانون العقوبات فقرر ذلك. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بالمواد 111/ 6 و113 مكرراً و118 و119 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاثة سنوات وبعزله من وظيفته وبإلزامه برد قيمة ما اختلسه وقدره 831 ج و349 وبتغريمه مبلغ 831 ج و349 م. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن المقدم من الطاعن هو أن الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة اختلاس أموال مسلمة إليه بسبب وظيفته قد انطوى على بطلان في الإجراءات وفساد في التدليل وقصور وتناقض في التسبيب، ذلك بأن قرار الاتهام الذي أعلن للطاعن قد خلا من بيان ماهية الأشياء ومفردات المبالغ التي اختلسها، كما عول الحكم على أقوال الشهود بالتحقيقات دون أن تسمعهم المحكمة بالجلسة رغم وجوب ذلك ولم يبين تقرير الخبير الحسابي المقدم في الدعوى في جلاء كيف انتهى إلى مسئولية الطاعن عن عجز في عهدته قدره بمبلغ 831 ج و349 م، ولم يفصح عما إذا كان يسأل عنه مدنياً أو جنائياً، مما كان يتعين معه على المحكمة مناقشة ذلك استجلاء للحقيقة ولابتناء الحكم على اليقين، فضلاً عن تناقض الحكم حين أشار إلى أن الطاعن اختلس مبلغ 340 ج أخرى ثمن السماد الذي تقاضاه من بشاي فتح الله دون أن يرتب على ذلك أثره، وهو ما ينبئ في نفس الوقت عن عدم استيعاب المحكمة لواقعة الدعوى، كل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه يبين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجناية الاختلاس التي دان بها الطاعن، وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة – مستمدة من أقوال الشهود وتقرير الخبير الحسابي – من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها. لما كان ذلك، وكان النعي بخلو قرار الاتهام المعلن للطاعن من ماهية الأشياء ومفردات المبالغ التي اختلسها مردوداً بأنه لما كان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن لم يدفع ببطلان قرار الاتهام المعلن إليه، وكان من المقرر في القانون أن أوجه البطلان المتعلقة بالإجراءات السابقة على المحاكمة يجب إبداؤها أمام محكمة الموضوع ومن ثم فلا يجوز له إثارة الدفع بذلك لأول مرة أمام محكمة النقض فضلاً عن أن مجرد حضور المتهم بنفسه في جلسة المحاكمة يمنعه من التمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور على ما تقضي به المادة 334 من قانون الإجراءات الجنائية. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد حصل واقعة الدعوى فيما يجمل أن الطاعن وهو أمين مخزن الجمعية التعاونية الزراعية بباقور تأخر في تقديم مستندات صرف الأسمدة التي وزعها على الزراع خلال شهر مارس سنة 1967 رغم تكرار مطالبته بها وبفحص عهدته تبين وجود عجز في مقررات الكسب والعلف المصنع والذرة الرفيعة وسماد النشادر قيمته 831 ج و349 م، اختلسه المتهم لنفسه مدعياً أنه قام بصرف تلك المقررات لمستحقيها وفقدت مستندات صرفها، كما استولى كذلك على مبلغ 340 جنيهاً ثمن مبيعات بالنقد ولم يورده للبنك، واستدل الحكم على ثبوت الواقعة على هذه الصورة في حق الطاعن، بأدلة سائغة لها معينها من الأوراق من أقوال الشهود وتقرير الخبير الحسابي، وأورد مؤداها بما يكفي لحمل قضائه. لما كان ذلك، وكان لا يبين من محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن طلب بنفسه أو بلسان الحاضر معه سماع أي شهود بل تنازل عن سماع الغائب منهم، فإنه لا جناح على المحكمة من بعد إذ هي عولت على أقوال الشهود في التحقيقات دون سماعهم ما دامت أقوالهم كانت مطروحة على بساط البحث في الجلسة، وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقديرا لظروف التي يؤدون فيها شهادتهم وتعويل القضاء على أقوالهم مهما وجه إليهم من مطاعن وحام حولهم الشبهات، كل هذا مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه، ومتى أخذت بشهادتهم فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها ولا يجوز الجدل في ذلك أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان تقدير آراء الخبراء والفصل فيها يوجه إلى تقاريرهم على اعتراضات ومطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التي لها كامل الحرية في تقدير القوة التدليلية لتلك التقارير، شأنها في ذلك شأن سائر الأدلة، لتعلق الأمر بسلطتها في تقدير الدليل، وأنها لا تلتزم بندب خبير آخر في الدعوى، والرد على الطعون الموجهة إلى تقارير الخبراء، ما دامت قد أخذت بما جاء بها، لأن مؤدى ذلك أنها لم تجد في تلك الطعون ما يستحق التفاتها إليه، فإن ما يثيره الطاعن في هذا الخصوص يكون في غير محله. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه بين في تحصيله لواقعة الدعوى أن الطاعن اختلس مما في عهدته من مقررات المزارعين من السماد والحبوب والأعلاف ما قيمته 831 ج و349 م، كما اختلس مبلغ 340 جنيهاً أخرى هي ثمن مبيعات بالنقد ولم يورده إلى البنك، وبعد أن دلل على ثبوت اختلاس المبلغ الأول من أقوال الشهود وتقرير الخبير الحسابي استطرد إلى بيان ما شهد به......... من أنه دفع للطاعن مبلغ 340 جنيهاً نقداً ثمناً لكمية السماد المقررة له ولشقيقه......، وأثبت الطاعن ذلك في بطاقتيهما الزراعية، ولما طالبه بإيصال بهذا المبلغ أجابه بأنه يكفي في هذا الصدد أن يثبت في البطاقتين أن البيع نقداً، وشهد......... أن النيابة كلفته بفحص البطاقات الزراعية لعملاء الجمعية فاتضح له أن الطاعن لم يورد المبلغ المشار إليه بهاتين البطاقتين، وقد خلص الحكم من ذلك، حسبما ساقه في بيانه لواقعة الدعوى وانتهى إليه في وصف التهمة وسطره بأسبابه، إلى أن الطاعن اختلس بالإضافة إلى المبلغ الذي أظهره الخبير في تقريره هذا المبلغ النقدي وإن فاته احتسابه وإضافته إلى المبلغ الأول – في قضائه بالرد والغرامة. لما كان ذلك، وكان التناقض الذي يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة، وكان الحكم على ما سلف بيانه قد دلل على اختلاس الطاعن أيضاً لثمن المبيعات النقدية المشار إليه بالإضافة إلى المبلغ الذي أظهره الخبير في تقريره بما لا تناقض فيه، فإن ما ينعاه الطاعن من ذلك يكون غير سديد. ولما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.
وحيث إن مبنى الطعن المقدم من النيابة العامة هو أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه إذ انتهى من مدوناته إلى أن الطاعن اختلس ما جملته 1171 ج و349 م من ذلك مبلغ 340 جنيهاً ثمن المبيعات النقدية ومبلغ 831 ج و349 م الذي استظهره الخبير الحسابي في تقريره قد اقتصر في منطوقه في قضائه بالرد والغرامة على هذا المبلغ الأخير فقط مما يعيبه بما يستوجب نقضه وتصويبه.
وحيث إن ما تثيره الطاعنة من ذلك صحيح على نحو ما سلف بيانه في الرد على أسباب الطعن المقدمة من المحكوم عليه. لما كان ذلك، فإنه لا يصحح ما تردى فيه الحكم من خطأ قانوني حين اقتصر في منطوقه على القضاء برد مبلغ 831 ج و349 م فقط، وبغرامة مساوية أن يكون قد أورد في أسبابه أنه فاته احتساب مبلغ 340 جنيهاً الذي اختلسه الطاعن أيضاً وإضافته إلى قيمة ما اختلسه وأظهره الخبير في تقريره، إذ العبرة فيما تقضي به الأحكام هي بما ينطق به القاضي في وجه الخصوم بمجلس القضاء عقب نظر الدعوى ولا يعول على الأسباب التي يدونها القاصي في حكمه الذي يصدر إلا بقدر ما تكون هذه الأسباب موضحة ومدعمة للمنطوق، غير أنه لما كان العيب الذي شاب الحكم مقصوراً على الخطأ في التطبيق على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم، فإنه يتعين عملاً بما نصت عليه المادة 39 من القانون 57 لسنة 1959 في شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، أن تصحح محكمة النقض الخطأ وتحكم بمقتضى القانون، ما دام أن العوار لم يرد على بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم مما كان يقتضي أن يكون مع النقض الإحالة. لما كان ما تقدم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقصاً جزئياً وتصحيحه برد قيمة ما اختلسه المطعون ضده وقدره 1171 ج و349 م وتغريمه مبلغ 1171 ج و349 م وذلك بالإضافة إلى عقوبتي السجن والعزل المقضي بهما.


[(1)] (الطعن رقم 1020 لسنة 45 ق جلسة 23/ 6/ 1975 – نفس المجموعة).