أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثالث - السنة التاسعة - صـ 1109

جلسة 22 من ديسمبر سنة 1958

برئاسة السيد مصطفى فاضل وكيل المحكمة، وبحضور السادة: مصطفى كامل، وفهيم يسى جندي، ومحمد عطية إسماعيل، وعادل يونس المستشارين.

(269)
الطعن رقم 1307 لسنة 28 القضائية

(أ، ب) استدلال. تلبس. ورود حالاته على سبيل الحصر. المادة 30 أ. ج.
بطلان. أسبابه. تخلف الشروط الموضوعية لصحة العمل الإجرائي. مثال في تخلف شروط السبب في القبض.
آثار البطلان. امتداده إلى ما تلاه من أعمال إجرائية ترتبت عليه.
واقعة مشاهدة رجل الضبطية القضائية للمتهم يضع مادة في فمه لم يتبينها وظنها مخدراً لا توفر حالة التلبس رغم كون المتهم من المعروفين لدى المباحث الجنائية بالاتجار في المخدرات. أثر انتفاء هذه الحالة في القبض على المتهم وشم فيه وإجراء غسيل معدته.
1- إذا كان مؤدي الواقعة التي انتهى إليها الحكم "أن الكونستابل أثناء سيره بالطريق وقع نظره على المتهم وهو يضع مادة في فمه لم يتبين ماهيتها فظنها مخدرا، فأجرى القبض عليه وفتشه" فإن هذه الواقعة ليس فيها ما يدل على أن المتهم شوهد في حالة من حالات التلبس المبينة بطريق الحصر بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية، حتى ولو كان المتهم من المعروفين لدى المباحث الجنائية بالاتجار في المخدرات، ومن ثم يكون القبض قد وقع باطلا.
2- ما دام الثابت من الحكم أن القبض على المتهم حصل قبل شم فيه وأن الدليل المستمد من الشم مع ما فيه من مساس حرية المتهم لا يمكن اعتباره مستقلا عن القبض الذي وقع باطلا، فلا يصح أن يقال أن الكونستابل شم المخدر يتصاعد من فم المتهم على إثر رؤيته يبتلع المادة وأن شم المخدر على هذه الصورة يعتبر تلبساً بجريمة الإحراز فيكون غسيل المعدة بعد ذلك إجراء صحيحاً على أساس هذا التلبس.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه: أحرز جواهر مخدرة "أفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها في القانون. وطلبت من غرفة الاتهام إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمواد 1، 2، 7، 35/ ج، 37/ 2 من المرسوم بقانون رقم 351 لسنة 1952 والبند رقم 1 من الجدول المرفق فقررت بذلك. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً عملاً بالمادتين 304/ 1، 381/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهم حسن عبد العال سعد مما أسند إليه.
فطعنت الطاعنة (النيابة العامة) في هذا الحكم بطريق النقض..... إلخ.


المحكمة

... وحيث إن مبنى الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون وتأويله وفي بيان ذلك تقول النيابة أن الحكم المطعون فيه، إذ قضى ببطلان القبض على المتهم وما ترتب عليه من إجراءات وبراءة المتهم، استناداً إلى أن الكونستابل الذي قبض على المتهم لم ير في يده شيئاً وهو يسير في الطريق العام فتكون الحركة التي أتاها المتهم من وضع يده في فمه ليتناول شيئاً، لا تدل في ذاتها على أن هذا الشيء مخدر، ولم تكن هناك حالة تلبس بل لم توجد دلائل كافية على اتهام المتهم، إن الحكم إذا قضى بذلك قد خالف القانون، إذ يكفي للقول بقيام حالة التلبس: بإحراز المخدر أن تكون هناك مظاهر خارجية تنبئ بذاتها عن وقوع الجريمة ولا يشترط أن يكون من شهد هذه المظاهر قد تبين ماهية المادة التي شاهدها، خصوصاً وأن الثابت من واقعة الدعوى كما استظهرتها المحكمة، أن المتهم حين لمح الكونستابل بدا عليه الارتباك وهو معروف لديه بالاتجار بالمواد المخدرة ومد يده بسرعة ظاهرة على فمه وكان بين يديه مادة تشبه الأفيون ابتلعها فجرى وراءه ولحق به وشم فمه فوجد رائحة الأفيون تنبعث منه، فيكون القبض الذي وقع منه الكونستابل على المتهم في تلك الظروف على أساس التلبس بالجريمة صحيحاً في القانون مما يترتب عليه بالضرورة اعتبار ما أسفر عنه غسيل المعدة وتحليل محتوياتها من العثور على "آثار المورفين" دليلاً صحيحاً.
وحيث إن الدعوى العمومية رفعت على حسن عبد العال سعد بأنه في يوم 9 أبريل سنة 1956 بدائرة بندر أسيوط أحرز جواهر مخدرة "أفيوناً" في غير الأحوال المصرح بها قانوناً.
وحيث إن الحكم المطعون فيه، بعد أن استعرض وقائع الدعوى على ما جاء بتحقيقات النيابة ومحضر البوليس، نظراً لوفاة الكونستابل الشاهد الوحيد في الدعوى، عرض لما أشارت إليه النيابة في طعنها فقال: "وحيث إن الشاهد المذكور (يقصد الكونستابل) قرر في محضره الذي حرره إثر الحادث أنه إذ كان يجتاز شارع رزق الله مقار لمحه المتهم، وأن الارتباك بدا على المتهم ومد المتهم يده إلى فمه بسرعة ظاهرة وكان تبين أصابعه مادة سمراء تشبه الأفيون لاتبعها فجرى وراءه حتى لحق به وشم فمه فوجد رائحة الأفيون تنبعث منه، ومن حيث إن هذا القول وإن كان يبدو في ظاهر أنه يحمل الدليل على أن جريمة إحراز المخدر متلبس بها إلا أن الكونستابل لم يورد في محضره بياناً مفصلاً عن الدلائل أو الأمارات التي تنبئ بحالة التلبس كذلك أيضاً فإنه لم يبين كيف يتسنى له أن يميز الشيء الذي كان يضعه المتهم بين أصابعه ولم يكشف عن صورة تقنع بأن هذا الشيء لم يكن غير مادة تشبه الأفيون ومن حيث إن الشاهد المذكور قرر أمام النيابة إذ أنه وقع بصره على المتهم لأول مرة وهو يسير في الطريق العام لم ير في يده شيئاً، وأنه لم يفطن إلى المادة التي كانت في يده إلا عندما كان يضعها في فمه ليزدردها، ومن حيث إن عدم رؤية الشاهد شيئاً في يد المتهم وهو يسير في الطريق ثم قوله أنه لم يفطن إلى المادة التي كانت بين أصبع المتهم أو في يده إلا عندما هم يبتلعها لا تطمئن المحكمة على أن الشاهد استطاع تمييز هذه المادة وقد جاءت أقواله خلوا مما يضفي ضوءاً على ما أثره المتهم من دفاع يخلص فيما قال به من أنه كان الأيسر على المتهم أن يلقي المخدر أرضاً بدلاً من أن يبتلعه دون أن يلحظه الكونستابل.... ومن حيث إنه متى تقرر ما تقدم فإن جريمة إحراز المخدر المسندة إلى المتهم يكون غير متلبس بها كما أنه لم يتوافر الدليل الذي يحمل على الاعتقاد بأن المتهم كان يحرز مخدراً ومن ثم يكون القبض على المتهم قد وقع على خلاف ما تقضي به المادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية وبالتالي يكون القبض باطلاً".
لما كان ذلك، وكان التفتيش من إجراءات التحقيق القضائي لا يملكه إلا رجال التحقيق ولا يجوز أن يتولاه رجال الضبطية القضائية إلا في أحوال معينة جاءت على سبيل الحصر وفيما عدا هذه الأحوال فهم ممنوعون من إجرائه إلا إذا أذن لهم فيه من السلطة القضائية المختصة، وكان يبين مما أورده الحكم على الوجه المتقدم أن المحكمة إذ تعرضت للظروف التي لابست القبض على الطاعن واستخلصت من المقدمة التي أوردتها استخلاصاً سائغاً أن ما زعمه الكونستابل من أمارات ومظاهر خارجية تنبئ عن وقوع الجريمة من الطاعن، لم يكن له أساس من الواقع، بل قصد منه أن يلبس الواقعة غير لباسها الحقيقي حتى يضفي على الواقعة سمة العمل الصحيح، إذ تناولت المحكمة ذلك كله، فذلك من حقها لا يصح الجدل فيه أمام محكمة النقض، وكان مؤدي الواقعة التي انتهى إليها الحكم "أن الكونستابل أثناء سيره بالطريق وقع نظره على المتهم وهو يضعه مادة في فمه لم يتبين ماهيتها فظنها مخدراً، فأجرى القبض عليه وتفشه". هذه الواقعة ليس فيها ما يدل على أن المتهم شوهد في حالة من حالات التلبس المبينة بطريق الحصر بالمادة (30) من قانون الإجراءات الجنائية. حتى ولو كان المتهم من المعروفين لدى المباحث الجنائية بالاتجار في المخدرات، ومن ثم يكون القبض قد وقع باطلاً. ولا يصح أن يقال أن الكونستابل شم المخدر يتصاعد من فم المتهم على إثر رؤيته يبتلع المادة، وأن شم المخدر على هذه الصورة يعتبر تلبساً بجريمة الإحراز فيكون غسيل المعدة بعد ذلك إجراء صحيحاً على أساس هذا التلبس، لا يصح أن يقال هذا ما دام الثابت من الحكم أن القبض على المتهم حصل قبل شم فيه وأن الدليل المستمد من الشم معه ما فيه من مساس بجريمة المتهم، ولا يمكن اعتباره مستقلاً عن القبض الذي وقع باطلا لما كان ذلك وكان بطلان القبض مقتضاه قانونا عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل يكون مستمداً منه، وكان لا يوجد في الدعوى أدلة أخرى غير ذلك، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببراءة المتهم يكون صحيحاً، بالتالي يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.