أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 26 - صـ 615

جلسة 20 من أكتوبر سنة 1975

برياسة السيد المستشار/ محمود كامل عطيفة نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: حسن علي المغربي، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وقصدي إسكندر عزت، ومحمد صفوت القاضي.

(138)
الطعن رقم 1089 لسنة 45 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى.
(2) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعي". "محكمة الموضوع". "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع شرعي.
حالة الدفاع الشرعي. تقدير توافرها. موضوعي.
الاعتداء على من لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول الاعتداء على المدافع أو غيره. لا يتوافر فيه حالة الدفاع الشرعي.
(3) إثبات "شهود". إجراءات المحاكمة.
تلاوة أقوال الشهود. جوازها. إذا تعذر سماعهم. أو بقبول المتهم صراحة أو ضمناً.
(4) أحداث. قانون. "قانون أصلح". نقض. "الحكم في الطعن". محكمة النقض. "سلطة محكمة النقض". ضرب. "أفضى إلى الموت". عقوبة.
صدور قانون الأحداث رقم 31 لسنة 1974. بعد الحكم المطعون فيه. الذي عاقب الطاعن الذي جاوز خمس عشرة سنة ولم يجاوز ثماني عشرة سنة. بالحبس ثلاث سنوات عن جريمة الضرب المفضي إلى الموت. اعتباره أصلح له. وجوب نقضه جزئياً. وتصحيحه.
حق محكمة النقض في تقدير العقوبة.
حقها في نقض الحكم. من تلقاء نفسها. لمصلحة المتهم.
1 – لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
2 – من المقرر أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلقاً بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتب عليها، وكان حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول فعلاً على المدافع أو غيره - وإذ كان مؤدى ما أورده الحكم فيما تقدم - من أن الطاعن لم يكن في حالة دفاع شرعي عن النفس بل كان معتدياً وحين أوقع فعل الضرب كان قاصداً إلحاق الأذى بغريمه لا دفع اعتداء وقع عليه - صحيحاً في القانون ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه من نفس حالة الدفاع الشرعي، فإن ما ينعاه الطاعن على أن الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد.
3 – الأصل المقرر في المادة 279 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبني على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً، وإنما يصح لها أن تقرر تلاوة أقوال الشهود إذا تعذر سماع شهادتهم أو إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك ويستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه.
4 - من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا صدر بعد الحكم قانون يسري على واقعة الدعوى، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت المقرر لها عقوبة الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع طبقاً للمادة 236/ 1 من قانون العقوبات وأعمل في حقه حكم المادة 17 من هذا القانون وقضى بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن من مواليد 21/ 8/ 1953 فإن سنه وقت ارتكاب الجريمة في 19/ 8/ 1969 لم تكن قد تجاوزت ثماني عشرة سنة. لما كان ذلك، وكان قد صدر في 9 من مايو سنة 1974 بعد الحكم المطعون فيه القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث ناسخاً للأحكام الواردة في قانوني الإجراءات والعقوبات في صدد محاكمة الأحداث ومعاقبتهم ومن بين ما أورده ما نص عليه في المادة الأولى منه من أنه "يقصد بالحدث في حكم هذا القانون من لم تجاوز سنه ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الحادث...." وفي المادة 15 منه أنه "إذا ارتكب الحدث الذي تزيد سنه على خمس عشرة سنة ولا يتجاوز ثماني عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه بالسجن، وإذا كانت الجناية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة أو السجن تبدل هذه العقوبة بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وإذ كانت عقوبتها السجن تبدل العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وفي جميع الأحوال لا تزيد على ثلث الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة..." لما كان ذلك، وكان قانون الأحداث رقم 31 لسنة 1974 بما نص عليه من رفع السن الذي يعتبر فيها المتهم حدثاً من خمسة عشر عاماً وتخفيفه العقوبات التي نص عليها فيه من العقوبات التي كان منصوصاً عليها في المواد 66 إلى 72 من قانون العقوبات التي ألغاها ذلك القانون هو القانون الأصلح، وهو الواجب التطبيق عملاً بالمادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه بالنسبة للعقوبة وفقاً للقانون، والمحكمة وهي تقدر العقوبة تقضي بحبس الطاعن سنتين مع الشغل.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه في يوم 19 من أغسطس سنة 1969 بناحية مركز فوة محافظة كفر الشيخ. جرح عمداً...... بأن طعنه بآلة حادة "سكين" ولم يكن يقصد من ذلك قتله ولكن الجرح أحدث به الإصابات المبينة بتقرير الصفة التشريحية والتي أفضت إلى موته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقاً للمادة 236/ 1 من قانون العقوبات، فقرر ذلك. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت في الدعوى حضورياً عملاً بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض... الخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأن الطاعن دفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه بيد أن الحكم أطرح هذا الدفاع مع أن الطاعن قرر منذ بدء التحقيقات أن المجني عليه هو البادئ بالعدوان إذ نازعه المكان الذي يقف فيه يومياً لبيع بضاعته واغتصبه منه، وعندما حاول التفاهم معه استل المجني عليه سكيناً حاول الاعتداء بها عليه فانتزعها الطاعن منه ورد الاعتداء الواقع عليه بأن طعنه بها لتخوفه وهو شاب صغير السن من أن تلحقه من غريمه الذي اشتهر بالتعدي إصابات قد تؤدي بحياته مما تتوافر معه حالة الدفاع الشرعي لديه. هذا إلى أن المحكمة لم تجر تحقيقاً في الدعوى وعولت في إدانة الطاعن على أقوال شهود الإثبات دون سماعهم على الرغم من أنه لم يتنازل عن سماع أقوالهم صراحة مما يعيب الكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في أن المجني عليه كان قد اشترى في صباح يوم الحادث بعض أقفاص البرتقال ووضعها على الرصيف في المكان الذي اعتاد الطاعن أن يقف فيه بعربته المعدة لبيع الحلوى ولما طالبه برفع الأقفاص من مكانها تماسكا وأحضر الطاعن مقطعاً للحلوى إلا أن الجمهور تمكن من التفرقة بينهما وإذ بالطاعن يحضر سكيناً من عربته ويندفع نحو المجني عليه ويطعنه بها في إبطه الأيسر فيحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أفضت إلى موته، وبعد أن أورد الحكم على ثبوت الواقعة في حق الطاعن على هذه الصورة أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي، استظهر تصوير الطاعن للحادث وعرض لدفاعه المبني على أنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه وأطرحه بقوله "وحيث إنه لا يلزم في الفعل المتخوف منه المسوغ للدفاع الشرعي بصفة عامة أن يكون خطراً حقيقياً في ذاته بل يكفي أن يبدو كذلك في اعتقاد المتهم بشرط أن يكون هذا الاعتقاد مبنياً على أسباب معقولة ولكن الواقع في الدعوى على النحو الثابت من أقوال الشهود جميعاً أن المجني عليه لم يكن بيده سلاح ما فما ساقه المتهم من أن المجني عليه كان معه سكين قد نفاه الشهود جميعاً، فإذا كان الأمر كذلك وكان المتهم هو الذي حمل مقطعاً يستخدم في قطع الحلوى ثم ألقى به بعيداً عنه حتى لا يعتدي على المجني عليه ثم بعد ذلك يسارع المتهم إلى عربة الحلوى الخاصة به ويحضر سكيناً يصيب بها المجني عليه في إبطه الأيسر بجرح غائر...... ينتهي إلى الوفاة كما ثبت من تقرير الصفة التشريحية، فإن المتهم وهذا هو شأن الواقعة على النحو المتقدم لم يكن يقصد رد اعتداء وقع عليه أو يتوهم وقوعه من المجني عليه بل أنه هو البادئ بالاعتداء". لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق. ولما كان الحكم المطعون فيه قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال شهود الإثبات واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهدوا بها والتي أوردها في معرض بيانه لواقعة الدعوى وأطرح الصورة الأخرى التي ذهب إليها الطاعن لتعارضها مع أقوال شهود الإثبات التي وثق بها، وكان تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلقاً بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بغير معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليها، وكان حق الدفاع الشرعي لم يشرع إلا لرد الاعتداء عن طريق الحيلولة بين من يباشر الاعتداء وبين الاستمرار فيه فلا يسوغ التعرض بفعل الضرب لمن لم يثبت أنه كان يعتدي أو يحاول فعلاً على المدافع أو غيره - وإذ كان مؤدى ما أورده الحكم فيما تقدم - من أن الطاعن لم يكن في حالة دفاع شرعي عن النفس بل كان معتدياً وحين أوقع فعل الضرب كان قاصداً إلحاق الأذى بغريمه لا دفع اعتداء وقع عليه - صحيحاً في القانون ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتبه عليه من نفي حالة الدفاع الشرعي، فإن ما ينعاه الطاعن على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان الأصل المقرر في المادة 279 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 113 لسنة 1957 أن المحاكمة الجنائية يجب أن تبني على التحقيق الشفوي الذي تجريه المحكمة بالجلسة وتسمع فيه الشهود ما دام ذلك ممكناً، وإنما يصح لها أن تقرر تلاوة أقوال الشهود إذا تعذر سماع شهادتهم أو إذا قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك، ويستوي أن يكون القبول صريحاً أو ضمنياً بتصرف المتهم أو المدافع عنه بما يدل عليه، ولما كان الثابت من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن المدافع عن الطاعن وكذلك النيابة العامة لم يتمسكا بسماع شهود الإثبات وطلبا الاكتفاء بتلاوة أقوالهم، فإنه لا تثريب على المحكمة إذا هي فصلت في الدعوى دون أن تسمع شهادتهم، ولا تكون قد أخطأت في الإجراءات ولا أخلت بحق الدفاع، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون على غير أساس.
وحيث إنه ولئن كان ذلك، إلا أنه من المقرر أن لمحكمة النقض طبقاً لنص المادة 35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لمصلحة المتهم إذا صدر بعد الحكم قانون يسري على واقعة الدعوى، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت المقرر لها عقوبة الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع طبقاً للمادة 236/ 1 من قانون العقوبات وأعمل في حقه حكم المادة 17 من هذا القانون وقضى بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة ثلاث سنوات، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن من مواليد 21/ 8/ 1953 فإن سنه وقت ارتكاب الجريمة في 19/ 8/ 1969 لم تكن قد تجاوزت ثماني عشرة سنة. لما كان ذلك، وكان قد صدر في 9 من مايو سنة 1974 بعد الحكم المطعون فيه القانون رقم 31 لسنة 1974 بشأن الأحداث ناسخاً للأحكام الواردة في قانوني الإجراءات والعقوبات في صدد محاكمة الأحداث ومعاقبتهم ومن بين ما أورده ما نص عليه في المادة الأولى منه من أنه "يقصد بالحدث في حكم هذا القانون من لم تجاوز سنه ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الحادث." وفي المادة 15 منه أنه "إذا ارتكب الحدث الذي تزيد سنه على خمس عشرة سنة ولا يتجاوز ثماني عشرة سنة جريمة عقوبتها الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة يحكم عليه بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات وإذا كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة يحكم بالسجن وإذا كانت الجناية عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن تبدل هذه العقوبة بعقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وإذ كانت عقوبتها السجن تبدل العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وفي جميع الأحوال لا تزيد على ثلث الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة". لما كان ذلك، وكان قانون الأحداث رقم 31 لسنة 1974 بما نص عليه من رفع السن الذي يعتبر فيها المتهم حدثاً من خمسة عشر عاماً إلى ثمانية عشر عاما وتخفيفه العقوبات التي نص عليها فيه عن العقوبات التي كان منصوصاً عليها في المواد 66 إلى 72 من قانون العقوبات التي ألغاها ذلك القانون هو القانون الأصلح، وهو الواجب التطبيق عملاً بالمادة الخامسة من قانون العقوبات، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه بالنسبة للعقوبة وفقاً للقانون، والمحكمة وهي تقدر العقوبة تقضي بحبس الطاعن سنتين مع الشغل.