مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 143

(7)
جلسة 3 من نوفمبر سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم ومحمد عبد الغني حسن وعادل محمود زكي فرغلي وأحمد شمس الدين خفاجي - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2100 لسنة 32 القضائية

( أ ) دعوى - الحكم في الدعوى - بطلان الأحكام - ما يبطل الحكم. (التماس إعادة النظر) (هيئة مفوضي الدولة).
الدعاوى والطعون الإدارية لا يسوغ الحكم فيها إلا بعد أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتحضيرها وتقديم تقرير بالرأي القانوني مسبباً فيها - الإخلال بهذا الإجراء الجوهري يؤدي إلى بطلان الحكم وإبقاء الآثار المترتبة عليه - رفض المحكمة التماس إعادة النظر دون تحضيره أو إيداع تقرير فيه بمعرفة هيئة مفوضي الدولة - بطلان الحكم - لا ينال مما سبق أن المحكمة ضمت الطعن بالالتماس إلى الإشكال الخاص بوقف التنفيذ ليصدر فيهما حكم واحد - أساس ذلك: أن ضم الالتماس إلى أية دعوى أخرى لا يفقده ذاتيته كطعن من الطعون الإدارية يتعين البت فيه على استقلال - تطبيق.
(ب) دعوى - الحكم في الدعوى - المحكمة الإدارية العليا - ولايتها. (المحكمة الإدارية العليا).
بطلان الحكم يستتبع كأصل عام إعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل فيه مجدداً بعد استيفاء الإجراء الباطل - إذا استبان للمحكمة الإدارية العليا أن الدعوى استوفت عناصرها وتهيأت للفصل فيها بما يمكنها من حسم النزاع أن تفصل فيها لتحسم ما تصاعد لها من منازعات طال أمدها وظهر وجه الحق والحقيقة القانونية أمامها - أساس ذلك: تلافي إطالة أمد التقاضي وتعويق حسم المنازعات بما لا يتفق ومقتضيات العدالة – تطبيق.
(ج) ترخيص - ترخيص صيدلة - شرط المسافة - قياسة. (صيدلية).
القانون رقم 127 لسنة 1955 بشأن مزاولة مهنة الصيدلة - أغفل المشرع في قانون مزاولة مهنة الصيدلة وضع قاعدة صريحة تحدد كيفية قياس المسافة المشترطة بين كل صيدليتين - يتعين فهم شرط المسافة وتحديد ضوابط حسابه في ضوء ما ابتغاه الشارع من زيادة عدد الصيدليات بقصد تيسير حصول الجمهور على الدواء من ناحية، ومن ناحية أخرى مراعاة حقوق مزاولي مهنة الصيدلة وحمايتهم من الدخول في منافسة غير مشروعة - تحدد المسافة القانونية العادلة بين كل صيدلية وأخرى بمقدار البعد بين نقطتي تقاطع محوري كل صيدلية على حدة بغض النظر عن عدد الأبواب المفتوحة أو المغلقة في أي منهما - أساس ذلك: الاعتماد في حساب المسافة بين الصيدليتين على أقرب الأبواب أو أبعدها عند تعددها يجعل تطبيق القاعدة غير موحد ويتغير بتغير عدد الأبواب في صيدلية عن أخرى بما يهدد مبدأ المساواة في تطبيق القاعدة القانونية - تطبيق.


إجراءات الطعن

قي يوم الأربعاء الموافق 14/ 5/ 1986 أودع الأستاذ غبريال إبراهيم المحامي بصفته وكيلاً عن الطاعن قلم كتاب المحكمة تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 3/ 4/ 1986 في الدعوى رقم 4249 لسنة 39 ق، والقاضي برفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع أصلياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض التماس إعادة النظر لبطلانه، وإعادة دعوى الالتماس إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى بعد أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتهيئتها للمرافعة وإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها مع إلزام المطعون ضدهم بمصروفات الطعن. واحتياطياً: بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من رفض التماس إعادة النظر بإلغاء الحكم الملتمس فيه في الدعوى رقم 2007/ 36 ق والقضاء برفض هذه الدعوى مع إلزام المطعون ضده الثالث بالمصروفات عن جميع الدرجات.
وقدم الأستاذ المستشار/ عادل الشربيني مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في الطعن ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبإعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى بعد أن تقدم هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني فيها وإلزام المطعون ضدهم المصروفات.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 1/ 10/ 1990 حيث نظرته بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى قررت بجلسة 7/ 1/ 1991 إحالته إلى هذه المحكمة وقد تم تداول الطعن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات حتى تقرر بجلسة 5/ 10/ 1991 إصدار الحكم بجلسة 26/ 10/ 1991 وبهذه الجلسة تقرر مد أجل الحكم إلى جلسة اليوم 3/ 11/ 1991 لإتمام المداولة، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه قبل النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يتضح من الأوراق - في أن الطاعن أقام الدعوى رقم 4249 لسنة 39 ق بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 8/ 5/ 1985 وطلب في ختامها الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر في الدعوى رقم 2007 لسنة 32 ق بجلسة 7/ 8/ 1989 فيما تضمنه من إلغاء الترخيص بصيدلية الإنسانية المرخص بها بمقتضى الرخصة رقم 279 في 12/ 3/ 1978، وذلك استناداً إلى أنه بعد أن استوفى الشروط اللازمة للحصول على ترخيص لإدارة صيدلية عامة، تقدم إلى السلطات المختصة بطلب للترخيص له بفتح صيدلية عامة بالعقار رقم 35 شارع متحف المطرية، وبعد موافقة الجهة الإدارية على الموقع الذي تتوافر فيه الشروط المطلوبة ومن بينها شرط المسافة صرف إليه الترخيص المطلوب تحت رقم 279 في 12/ 3/ 1978، إلا أنه فوجئ بتاريخ 6/ 5/ 1985 بمدير قسم الصيدلة بمنطقة شرق القاهرة الطبية يسلمه صورة ضوئية من حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في الدعوى رقم 2007 لسنة 32 ق المقامة من..... ضد وزير الصحة قاضياً بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر بالترخيص للطاعن بفتح الصيدلية وذلك استناداً إلى أن الصيدلية المرخص بها للطاعن قد أقيمت في موقع يبعد عن صيدلية المدعي في الدعوى المذكورة بأقل من 100 متر وأضاف الطاعن في دعواه أنه نظراً للأضرار التي ستترتب على إلغاء الترخيص الصادر للصيدلية والتي تمثل مورد رزقه الوحيد قدم التماس بإعادة النظر في الحكم وفقاً لأحكام المادة 241 من قانون المرافعات لأنه لم يختصم في الدعوى ولم يمثل فيها تمثيلاً صحيحاً، وأن الترخيص لم يصدر له إلا بعد أن تأكدت الجهة المختصة من توافر كافة الشروط في الصيدلية ذاتها تقع على مسافة 102 متراً من صيدلية الدكتور.... في حين أن الحكم الصادر بإلغاء الترخيص قد أثبت أن المسافة بين الصيدليتين تبلغ 93.5 متراً استناداً إلى التقرير الذي أعدته لجنة مشكلة برئاسة مدير قسم الرخص الصيدلية وانتهت فيه إلى أن المسافة بينهما أقل من مائة متر على الرغم من عدم اختصاصها بهذا الموضوع، واختصاص السلطة الصحية المختصة طبقاً لأحكام المادة 13 من القانون رقم 127 لسنة 1955، وكان يتعين على المحكمة أمام الاختلاف القائم بين تقارير اللجان المختلفة حول قياس المسافة بين الصيدليتين أن تقوم بندب رئيس السلطة الصحية المختصة وهو مدير عام المنطقة الطبية ليحدد المسافة في ضوء المبادئ التي أرستها المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن والتي استقرت على أن يكون المعمول عليه في القياس هو محور البابين للصيدلية الحديثة والقديمة وأن يتبع في قياس المسافة الطريق الذي يسلكه المشاة في الانتقال من صيدلية إلى أخرى، كما أن شرط المسافة هو شرط تنظيمي لا يترتب على مخالفته البطلان.
وبعريضة مودعة قلم كتاب ذات المحكمة في 3/ 11/ 1985 أقام الطاعن الدعوى رقم 571 لسنة 40 ق مستشكلاً في تنفيذ الحكم الصادر في الدعوى المشار إليها ملتمساً الحكم بوقف تنفيذه حتى يفصل في موضوع الدعوى رقم 4249/ 39 ق، وذلك تأسيساً على أن الخطأ في قياس المسافة الذي وقع من اللجنة غير المختصة قد أدى إلى إصدار حكم مخالف للقانون، الأمر الذي حدا به إلى إقامة الإشكال لما يترتب على تنفيذه من فقدانه لمورد رزقه الوحيد وهو الصيدلية فقررت المحكمة بجلسة 13/ 3/ 1986 ضم الدعويين ليصدر فيهما حكم واحد.
وبجلسة 2/ 4/ 1986 أصدرت المحكمة حكمها برفض الدعويين وألزمت المدعي المصروفات، وشيدت قضاءها على أن الحكم الصادر في الدعوى رقم 2007/ 32 ق قد استند في أسبابه إلى حكم المادة 30 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 الذي تضمن بياناً بالشروط الواجب توافرها للترخيص في إنشاء الصيدليات، ومن بينها ألا تقل المسافة بين صيدليتين عن مائة متر وهو شرط وجوبي لا يخضع لتقدير الإدارة، وأن القياس الذي أسفر عن أن المسافة بين الصيدليتين بمقدار 93.85 متراً هو قياس سليم على أساس أن صيدلية الإنسانية المملوكة للمدعي لها باب واحد، وأن صيدلية الاعتماد المملوكة...... لها أربعة أبواب، وأنه يتعين لذلك قياس المسافة من أقرب أبوابها إلى صيدلية المدعي وليس أبعدها لأن في ذلك تحقيق للغاية التي استهدفها المشرع بالتخفيف عن الجمهور والابتعاد بالصيدليات عن جو المنافسة غير المشروعة، واستطردت المحكمة قائلة أنه إذا كان الإشكال يقوم على ذات الأسباب التي حاصلها الخطأ في قياس المسافة بين الصيدليتين وكان المشرع قد اشترط في الإشكال أن يكون مبنياً على وقائع لاحقه على صدور الحكم الذي يتم التنفيذ بمقتضاه، فإن الإشكال يكون في غير محله ويتعين رفضه.
ومن حيث إن الطاعن يقيم طعنه الماثل على أن الحكم الطعين قد أخطأ في تطبيق القانون وأضحى باطلاً حقيقاً بالإلغاء للأسباب الآتية:
أولاً: أن الحكم الطعين الصادر في الدعويين المشار إليهما قد صدر قبل أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتهيئتهما للمرافعة وإبداء الرأي القانوني فيهما وهو إجراء جوهري يترتب على تخلفه بطلان الحكم الصادر في الدعويين، ولا يغير من ذلك أن الطاعن قد أقام إشكالاً في التنفيذ ضم إلى دعوى الالتماس ليصدر فيهما حكم واحد ذلك أن ضم الدعويين لا تفقد كل منهما ذاتيتها، وعلى ذلك فإنه وإن جاز صدور حكم في الإشكال دون إيداع تقرير من هيئة مفوضي الدولة إلا أنه ما كان يجوز أن تتصدى المحكمة للفصل في دعوى الالتماس بإعادة النظر دون تقرير بالرأي القانوني فيها يودع بمعرفة هيئة مفوضي الدولة.
ثانياً: أن المحكمة قد اعتمدت في قياس المسافة على ما اقترحه المطعون ضده الثالث في دعواه رقم 2007 لسنة 32 ق من تشكيل لجنة بمعرفة وكيل وزارة الصحة الذي قرر تشكيل لجنة لقياس المسافة من مدير قسم التكليف والتراخيص بالمخالفة للقانون الذي يجعل السلطة الصحية المختصة هي مفتش صحة المطرية.
ثالثاً: أن المحكمة قد اعتمدت على هذا التقرير برغم قيام شبهه التواطؤ بين المطعون ضده الثالث وبين وكيل الوزارة التي شكلها والتي جاء تقريرها مطابقاً لتقرير المهندس الاستشاري المقوم بمعرفة المطعون ضده ورغم صدوره في تاريخ لاحق على صدور الترخيص وبالمخالفة لكافة التقارير السابقة على صدوره.
رابعاً: أن الحكم جاء مخالفاً لما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا في قياس المسافة الواردة في المادة 30 من قانون تنظيم مهنة الصيدلة ومذكرته الإيضاحية والتي توجب أن يكون القياس من نقطة تتوسط واجهة الصيدلية إلى نقطة تتوسط واجهة الصيدلية الأخرى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن هيئة مفوضي الدولة بحسبانها أمينة على الدعوى الإدارية وعاملاً أساسياً في تحضيرها وتهيئتها للمرافعة إنما تشكل بذاتها مرحلة هامة من مراحل التقاضي إذ ناط قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 بالهيئة المذكورة مهمة تحضير الدعوى وتهيئتها للمرافعة على أن يودع المفوض - بعد استيفاء مستنداتها تقريراً يحدد وقائع الدعوى والمسائل التي يثيرها النزاع ويبدي رأيه مسبباً فيها ويتفرع عن ذلك أن الدعاوى والطعون الإدارية لا يسوغ الحكم فيها إلا بعد أن تقوم هيئة مفوضي الدولة بتحضيرها وتهيئتها للمرافعة وتقديم تقرير بالرأي القانوني مسبباً فيها، ومن ثم فإن الإخلال بهذا الإجراء الجوهري يؤدي إلى بطلان الحكم وإلغاء الآثار المترتبة عليه.
فإذا كان الثابت من أوراق الطعن أن الحكم المطعون فيه الصادر برفض الدعويين ومن بينهما الطعن بالتماس إعادة النظر في الحكم الملتمس فيه تأسيساً على أن هذا الحكم الأخير قد فحص الشرط الخاص بالمسافة، وتأكد له - بحق - عدم توافر هذا الشرط وانتهت المحكمة إلى رفض الالتماس، وذلك كله دون أن تلتفت إلى عدم تحضيره أو تهيئته للمرافعة أو إبداء الرأي القانوني فيه بمعرفة هيئة مفوضي الدولة، وبناء على ذلك تكون المحكمة قد قضت في الطعن مغفلة بذلك مرحلة جوهرية من مراحل الفصل فيه وهي مرحل تحضيره بمعرفة هيئة مفوضي الدولة التي حدد لها الشارع دوراً هاماً في الدعوى الإدارية فمن ثم فإن هذا الحكم يكون قد صدر باطلاً لإغفاله إجراء جوهرياً من إجراءات الفصل في الدعوى، ولا يصحح هذا البطلان أن المحكمة قد ضمت الطعن بالالتماس إلى الإشكال الخاص بوقف التنفيذ ليصدر فيهما حكم واحد، ذلك أنه فضلاً عن أن ضم الالتماس إلى أي دعوى أخرى لا يفقده ذاتيته كطعن من الطعون الإدارية يتعين البت فيه على استقلال ضمن الحكم المذكور، فإنه لا يسوغ أن يؤدي الضم المذكور إلى إهدار إجراء جوهري أوجبه الشارع في كل دعوى على حده، وإلا لحقه البطلان لإغفاله هذا الإجراء.
ومن حيث إنه ولئن كان مسلماً أن الحكم ببطلان الحكم المطعون فيه لما شابه من عيوب في الإجراءات يستتبع كأصل عام - إعادة الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل فيه مجدداً بعد استيفاء الإجراء الباطل على وجهه الصحيح - إلا أنه إذا كانت الحكمة من ذلك هو إعطاء محكمة أول درجة الفرصة لإعادة نظر النزاع وحسمه بحكم جديد في الدعوى بعد تصحيح الإجراء الباطل، كضمانة لصالح الطاعن الذي طلب إلغاء الحكم بحيث لا يفوت عليه الطعن في الإجراءات المتعلقة بإصداره درجة من درجات التقاضي فإنه إذا ما استبان من عيون الأوراق أنها قد استوفت عناصرها وتهيأت للفصل فيها أمام المحكمة الإدارية العليا بما يمكنها من حسم النزاع في الموضوع بعد أن استطال أمده وطال وقته وزمنه وتضمن الحكم الطعين وجه الرأي لمحكمة أول درجة في الموضوع فإن إعادة الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيهما من جديد وهي مهيأة بصورة محددة وواضحة للفصل فيها - سوف يتمحض عن إطالة لأمد التقاضي تعويق لحسم المنازعات بما لا يتفق ومقتضيات العدالة التي توجب الحسم العاجل والناجز للمنازعات ويهدر الغايات الأساسية في اللجوء إلى القضاء للانتصاف بسرعة وحسم على وجه يناقض الحكمة من حماية المتقاضين بنظر دعواهم على درجتين، إجلاء للحقيقة وتحقيقاً للعدل ويكون ذلك أظهر ما يكون بصفة خاصة في المنازعات المتعلقة بالحقوق العامة أو الخاصة المتصلة بمباشرة المواطنين لمهنتهم أو نشاطاتهم أو الاعتداء على حقهم في التملك أو ما يماثل ذلك من حقوق الأمر الذي يتعين معه على هذه المحكمة أن تتصدى في مثل هذه الأحوال لموضوع النزاع ما دامت الدعوى قد تهيأت للفصل فيها لتحسم وهي في قمة الهرم القضائي - ما تصاعد لها من منازعات طال أمدها وظهر وجه الحق والحقيقة القانونية أمامها.
ومن حيث إنه لما كان الحكم الملتمس فيه الصادر في الدعوى رقم 2007 لسنة 32 ق قد استند في حكمه بإلغاء ترخيص الطاعن إلى حكم المادة 30 من قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955 الذي تضمن بياناً بالشروط الواجب توافرها في إنشاء الصيدليات ومن بينها ألا تقل المسافة بين صيدليتين عن مائة متر وذكر الحكم أن هذا الشرط وجوبي ولا يخضع لتقدير الإدارة وأن القياس الذي أسفر عن تحديد المسافة بمقدار 93.85 متراً هو قياس سليم وأنه يتعين قياس المسافة من أقرب أبواب صيدلية المدعي إلى باب صيدلية منافسه وليس أبعدها تحقيقاً للغاية التي استهدفها الشارع بالتخفيف عن الجمهور والابتعاد بالصيدليات عن جو المنافسة غير المشروعة.
وحيث إنه بناء على ذلك يكون الثابت من الأوراق أن محكمة القضاء الإداري عند نظرها الالتماس المقدم من الطاعن قد استعرضت الحكم الملتمس فيه وأسباب الالتماس وانتهت من ذلك إلى سلامة الأساس القانوني والواقعي لقياس المسافة بين الصيدليتين الذي اعتمده الحكم الملتمس فيه وأصدرت حكمها برفض الالتماس لتأييد الحكم الملتمس فيه الصادر بإلغاء الترخيص لعدم توافر شرط المسافة المشار إليه وأقصت بذلك عن وجهة نظرها في موضوع الدعوى الأصلية كما أقصت هيئة مفوضي الدولة عن وجهة نظرها في الطعن الماثل وما تفرع عنه من طعون ودعاوى كانت مطروحة برمتها على الهيئة وقامت بتهيئتها وإبداء الرأي القانوني فيها، ومن ثم فإن الدعوى تكون قد تهيأت للفصل فيها موضوعاً ويكون لهذه المحكمة وفقاً لما سلف بيانه التصدي لحسم المنازعة.
ومن حيث إنه ولئن كان المشرع قد أغفل في قانون مزاولة مهنة الصيدلة وضع قاعدة صريحة تحدد كيفية قياس المسافة المشترطة بين كل صيدليتين إلا أنه يتعين فهم شرط المسافة وتحديد ضوابط حسابه في ضوء ما ابتغاه الشارع وأفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 127 لسنة 1955 من زيادة عدد الصيدليات العامة بقصد تيسير حصول الجمهور على الدواء، وتحديد المسافة الفعلية التي يسلكها عادة المريض أو ذويه في السعي إلى الصيدلية التي يتوفر لديها احتياجات العلاج من كل نوع منها حسب خط السير الطبيعي للمشاة في الطريق العام وبمراعاة القواعد المحددة لعبور المشاة تبعاً لمقتضيات نظام المرور من ناحية، ومراعاة حقوق مزاولي مهنة الصيدلة وحمايتهم من الدخول في منافسة غير مشروعة وذلك بترك مسافة معقولة بين كل صيدلية وأخرى من ناحية ثانية ومقتضى التوفيق بين هذين الاعتبارين الذين أفصحت عنهما المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور أن تحدد المسافة القانونية العادلة بين كل صيدلية وأخرى بمقدار البعد بين نقطتي تقاطع محوري كل صيدلية على حدة بغض النظر عن عدد الأبواب المفتوحة أو المغلقة في أي منها ذلك أن الاعتماد في حساب المسافة بين الصيدليتين على أقرب الأبواب أو أبعدها عند تعددها يجعل تطبيق القاعدة القانونية غير موحد ويتغير بتغير عدد الأبواب في صيدلية عن أخرى بما يهدد مبدأ المساواة في تطبيق القاعدة القانونية كما يجعل عقد تفسير القاعدة القانونية منوطاً بصاحب المصلحة في البقاء وحده دون منافس له في الطريق العام على وجه يسمح له بأن يضر بمصلحة زملائه في المهنة وبمصلحة المحتاجين للدواء وذلك بالتردي في مهاوي المنافسة غير المشروعية بقصد الإضرار بالغير حيث يكفيه لبلوغ غايته أن يفتح باباً جديداً لم يكن قائماً أو كان مغلقاً لا يعتمد عليه في استقبال الجمهور، بمجرد علمه بالشروع في فتح صيدلية في مدى المائة متر من هذا الباب رغم بعدها أكثر من هذه المسافة من الباب الأصلي الذي يرتاده الجمهور، الأمر الذي يرفع عن القاعدة الخاصة بتحديد المسافة صفة التحديد والثبات ويجعل منها أمراً شخصياً تختلف باختلاف ذوات المتنافسين الأمر الذي يتعين معه مراعاة تحقيق غايات المشرع بصفة عامة ومجردة تحديد القاعدة بغض النظر عن الهيئة التي تكون عليها كل صيدلية من أبواب أو نوافذ وذلك بحساب المسافة على الوجه المتقدم من نقطة تتوسط واجهة إحدى الصيدليتين إلى نقطة تتوسط واجهة الصيدلية الأخرى.
فإذا كان الثابت من الأوراق وبما لا خلاف عليه بين أطراف الخصومة أن الطاعن قد حصل على الترخيص بصيدليته بعد أن تأكدت السلطة المختصة من توافر الاشتراطات المتطلبة قانوناً لإصدار الترخيص ومن بينها توافر شرط المسافة بين الصيدلية المملوكة للطاعن والصيدلة المملوكة للصيدلي.... وأن الأخير قد تقدم للإدارة المختصة بعدة شكاوى تقوم على أن المسافة بين صيدليته وصيدلية الطاعن تقل عن مائة متر، وقد أعادت الجهة الإدارية قياس هذه المسافة فتبين أنها تجاوز المائة متر إلا أنه عاود الشكوى إلى وكيل وزارة الصحة طالباً تشكيل لجنة أخرى لقياس المسافة بين الصيدليتين، فاستجاب له وكيل الوزارة وحددت اللجنة المشكلة مدة المسافة بينهما بمقدار 93.85 متراً وهي اللجنة التي اعتمدها الحكم المطعون فيه على الأساس الخاطئ الذي قام عليه وهو أن حساب المسافة الصحيح هو قياس المسافة من أقرب باب من أبواب صيدلية المدعي إلى باب صيدلية الطاعن، وهذا هو التفسير الذي ثبت فساد أساسه وسنده القانوني على الوجه المتقدم ذكره.
ومن حيث إنه لا خلاف بين أطراف النزاع على أن المسافة بين أوسط نقطة على واجهتي الصيدليتين تزيد على المائة متر، فإن القرار الصادر بالترخيص للطاعن بفتح صيدلية الإنسانية يكون قد استوفى أركانه وشروط صحته ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلغاء هذا الترخيص استناداً إلى عدم توافر شرط المسافة قد أخطأ في تطبيق القانون وصدر مجافياً للفهم السليم للحكمة والغاية من اشتراط هذا الشرط، ومن ثم فإنه يكون خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن المطعون ضدهم قد خسروا الطعن الأمر الذي يتعين معه إلزامهم بالمصروفات عمالاً بنص المادة 184 مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه من رفض الالتماس في الحكم الصادر في الدعوى رقم 2007 لسنة 32 ق وبقبول الالتماس، وبرفض الدعوى فيما يتعلق بإلغاء الترخيص رقم 379 الصادر في 12/ 3/ 1978 لصيدلية الإنسانية وألزمت المطعون ضدهم بالمصروفات.