مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 153

(8)
جلسة 3 من نوفمبر سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم ومحمد عبد الغني حسن وعادل محمود فرغلي وفريد نزيه تناغو - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 789 لسنة 34 القضائية

( أ ) تسعير جبري - تحديد سعر الدواء
القانون رقم 163 لسنة 1950 بشأن التسعير الجبري وتحديد الأرباح - القانون رقم 113 لسنة 1962 بإعادة تنظيم استيراد وتصنيع وتجارة الأدوية والمستلزمات الكيماوية والطبية - قرار رئيس الجمهورية رقم 528 لسنة 1983 بإنشاء هيئة القطاع العام للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية - قرار وزير الصحة رقم 288 لسنة 1985 بتشكيل لجنة تحديد سعر الدواء.
يبين من الاستعراض التشريعي لتسعير الأدوية أن الأدوية والمستلزمات الكيماوية والطبية خرجت من مجال التنظيم المقرر بالقانون رقم 163 لسنة 1950 لتخضع لنظام قانوني خاص أورده القانون رقم 113 لسنة 1962 الذي جعل مهمة تسعير هذه السلعة الجبرية من اختصاص لجنة تشكل لهذا الغرض بقرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزيري الصناعة والتموين اللجنة المنصوص عليها بقرار وزير الصحة تقوم بتحديد سعر الدواء على أسس علمية واقتصادية للتكلفة الفعلية للسلعة - قرار هذه اللجنة هو الركيزة الأساسية في تحديد سعر السلعة الدوائية - ليس لوزير الصحة أو وزير الصناعة سلطة إجراء تعديل في السعر الذي تقترح اللجنة تحديده للدواء أو الخفض - لا يكون لوزير الصحة بالاتفاق مع وزير الصناعة سوى إصدار قرار اللجنة أو الامتناع عن إصداره - تطبيق.
(ب) دعوى الإلغاء - طلب وقف التنفيذ - ركناه.
تخفيض الأسعار التي حددتها اللجنة المنصوص عليها بقرار وزير الصحة رقم 288 لسنة 1985 يؤدي إلى توقف إنتاج بعض المنتجات الدوائية الأمر الذي يعرض الشركة المنتجة للعقوبات الجنائية فضلاً عن الخسائر الجسيمة ويجبرها على الامتناع عن بيع المخزون من المنتج وما يستتبعه من استغناء المنتج عن كل أو بعض الأيدي العاملة وتشريدهم أو بيع المنتج بالسعر المحدد مع الخسارة المدمرة للمشروع، وكلها آثار يتعذر تداركها - تطبيق.
(جـ) دعوى - الحكم في الدعوى - الحكم بوقف تنفيذ القرار
الحكم بوقف تنفيذ القرار المتضمن تعديل النشرتين المطعون فيه لا يتضمن بذاته اعتبار الأسعار التي أقرتها اللجنة المختصة بالتسعير نهائية واجبة النفاذ - يقتصر أثر الحكم على إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار بتعديل النشرة - يتعين في هذه الحالة أن تتولى اللجنة المختصة دراسة التعديلات لتصدر قراراً جديداً طبقاً للقانون - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 16/ 12/ 1988 أودع الأستاذ/ محمود الطوخي المحامي بصفته وكيلاً عن رئيس مجلس إدارة الشركة الإسلامية للأدوية "فاركو" قلم كتاب المحكمة تقرير طعن قيد بسجلاتها تحت رقم 789 لسنة 34 ق عليا في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 29/ 12/ 1987 في الدعوى رقم 3777 لسنة 41 ق القاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما وإلزام الشركة المدعية المصروفات والأمر بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيرها وتقديم تقرير بالرأي القانوني فيها.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير طعنه الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرارين المطعون فيهما مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقدم المستشار/ مصطفى عبد المنعم مفوض الدولة تقرير هيئة مفوضي الدولة بالرأي القانوني في الطعن ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 6/ 3/ 1989 حيث تم نظر الطعن أمامها بالجلسة المذكورة والجلسات التالية حتى تقرر بجلسة 5/ 3/ 1990 إحالة الطعن إلى هذه المحكمة فنظرته بجلسة 2/ 4/ 1990 وفي عدة جلسات تالية على الوجه المبين بمحاضر الجلسات حيث قدم المستشار/ علي رضا تقريراً تكميلياً لهيئة مفوضي الدولة بجلسة 8/ 12/ 1990 بناء على طلب المحكمة انتهت فيه إلى توافر ركن الجدية في الدعوى الأصلية وبجلسة 5/ 10/ 1991 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 26/ 10/ 1991 وبالجلسة المذكورة تقرر مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم 3/ 11/ 1991 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يتضح من الأوراق - في أن الشركة الطاعنة قد أقامت أمام محكمة القضاء الإداري دعواها رقم 3777 لسنة 41 ق التي أودعت عريضتها قلم كتاب المحكمة المذكورة في 6/ 5/ 1987 طالبة الحكم أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الصحة وقراري محافظ القاهرة رقمي 957، 958 بتسعير أدوية الشركة المدعية على وجه يخالف قرار لجنة تسعير الأدوية والإذن بتنفيذ الحكم بموجب مسودته وبغير إعلان ثانياً: بإلغاء القرارات المطعون فيها مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزير الصحة المصروفات، وذلك تأسيساً على أن الشركة الطاعنة "فاركو" قد أنشئت وفقاً لأحكام قانون الاستثمار والمناطق الحرة بقصد المشاركة في تحقيق الاكتفاء الذاتي في تصنيع الدواء والاستغناء عن استيراده ولما استكملت الشركة منشآتها ومعداتها وانطلقت في الإنتاج، فوجئت بالاتجاه إلى إخضاع منتجاتها للتسعير وتحديد الربح على مظنة خضوع إنتاجها لأحكام التسعير التي نظمها القانون 113 لسنة 1962 بإعادة تنظيم استيراد وتصنيع وتجارة الأدوية والمستلزمات الكيماوية والطبية وعكفت الجهة الإدارية على عرض أمر منتجاتها في ضوء تكلفة إنتاجها للدراسات السعرية والاقتصادية لتكلفة الإنتاج ثم عرض أمر ذلك على وزير الصحة لإصدار قرار به، إلا أن الشركة فوجئت بقرار من مدير مديرية التموين والتجارة الداخلية مفوضاً من محافظ القاهرة بتسعير أدوية الشركة على وجه يخالف ما قررته اللجنة المختصة، فأدخل تخفيضات عشوائية على الأسعار التي أسفرت عنها الدراسات السعرية والاقتصادية لتكلفة الإنتاج مما دعا الشركة إلى التظلم من ذلك التسعير الجائر لعدم قيامه على أسباب صحيحة من الواقع لصدوره من غير مختص إذ نصت المادة العاشرة من القانون رقم 113/ 1962 على أن يكون تسعير الأدوية والمستلزمات الكيماوية وتحديد نسبة الربح بمعرفة لجنة تشكل بقرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزيري الصناعة والتموين وتصدر قرارات اللجنة من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير الصناعة الأمر الذي يعني أن سلطة الوزير بالنسبة إلى قرارات لجنة تسعير الأدوية هي مجرد إصدار تلك القرارات دون أن يكون له حق تعديلها وليس له عليها أية سلطة وصائية أو رئاسية، كما أنه لا اختصاص لوزير التموين ولا أجهزة مديريات التموين ولا للسلطات المحلية في المحافظات في تسعير الأدوية، وأضاف الطاعن في دعواه المشار إليها إلى أن تنفيذ القرارين المطعون فيهما يترتب عليهما آثار يتعذر تداركها، أخصها تعرض القائمين بالبيع على خلافها لعقوبة جزائية أو عقوبات على الشركة نفسها لتوقفها عن الإنتاج خشية الخسارة الجسيمة التي تصيبها من جراء التسعير العشوائي، فضلاً عن فوات مدة صلاحية الأدوية التي تكلف إنتاجه ملايين الجنيهات.
وقد أودعت هيئة القطاع العام للأدوية مذكرة استعرضت فيها نصوص المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 بالتسعير الجبري والقانون رقم 113 لسنة 1962 بإعادة تنظيم استيراد وتصنيع وتجارة الأدوية والمستلزمات الطبية وأحكام القرار الجمهوري رقم 528 لسنة 1983 بإنشاء هيئة القطاع العام للأدوية وقرار وزير الصحة رقم 288 لسنة 1985 بإعادة تشكيل لجنة استيراد وتسعير الأدوية واستخلصت من ذلك كله أن هيئة القطاع العام للأدوية تقوم بإعداد الدراسات اللازمة للمنتج بالنسبة لكل صنف من أصناف الأدوية في ضوء حساب التكلفة مع مراعاة مستوى السعر المناسب للمستهلك وتقدم هذه الدراسات إلى لجنة التسعير التي تقوم بوضع المبادئ العامة للتسعير مع مراعاة ثبات السعر لمدة عامين على الأقل، إلا أن السلطة، النهائية معقودة لوزير الصحة عملاً بنص المادة العاشرة من القانون رقم 113/ 1962 ويختص محافظ القاهرة بالإعلان عن قرار الوزير عملاً بنص المادة 2/ 3 من المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 وإن قرارات التسعير المطعون فيها قد استوفت كافة شرائطها التي يستلزمها القانون إذ تمت بمعرفة اللجنة المشكلة بقرار من وزير الصحة وصدرت بقرار من الوزير المذكور وتم نشر القرار عن طريق محافظ القاهرة أو من يفوضه كما أودعت هيئة مفوضي الدولة مذكرة ارتأت فيها عدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعيين الثالث والرابع، وطلبت رفض طلب وقف التنفيذ لقيامه على غير أساس سليم من القانون لانتفاء النتائج التي يتعذر تداركها ما دامت المنازعة ذات طبيعة مالية حيث تدور حول مدى صحة القرار الصادر بتخفيض أسعار الأدوية وما يترتب على ذلك من خسارة مادية.
وبجلسة 29/ 12/ 1988 أصدرت المحكمة حكمها الطعين القاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفض طلب وقف التنفيذ للقرارين المطعون فيهما مشيدة قضاءها بالنسبة للدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة بالنسبة للمدعيين الثالث والرابع بأنه مردود عليه بأن نشره تسعير الأدوية التي اشتملت على القرارين المطعون فيهما صدرت من محافظ القاهرة وأن من أصدرها هو مدير مديرية القاهرة للتموين والتجارة الداخلية مما يجعل للمحافظ ولوزير التموين صفة اختصامهما، كما شيدت قضاءها في شأن الطلب المستعجل على أن المنازعة تدور أساساً حول مدى اختصاص وزير الصحة بتسعير أدوية الشركة المدعية بعد أن قامت اللجنة المختصة بالتسعير بوضع تسعيرة لها حسبما يقضي بذلك القانون رقم 113 لسنة 1962 وأن صدر القرارين المطعون فيهما بالتسعير الذي قرره وزير الصحة يجعلهما من وجهة نظر الشركة المدعية غير قائمين على سبب صحيح الأمر الذي يجعل جوهر المنازعة منحصر في الآثار المالية التي يتعلق بها حق الشركة سواء أكانت تلك الآثار ناجمة عن خفض السعر الذي تباع به الأدوية أو تنتجه فوقف الشركة عن إنتاج الأدوية محل القرارين المطعون فيهما خشية الخسارة، وقد استقر قضاء المحكمة على أنه إذا كان تنفيذ القرار المطعون فيه ينجم عنه آثار مالية يستطيع المضرور أن يطالب بها إذا ما ثبت أن له حق فيها، فإن ذلك ينفي عن الواقعة النتائج التي يتعذر تداركها، الأمر الذي ينتفي معه ركن الاستعجال ويجعل طلب وقف التنفيذ غير قائم على سبب صحيح دون بحث ركن الجدية.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله ذلك أن ما ذهب إليه الحكم يكون سائغاً ومقبولاً حيث تكون الآثار المالية والفروق المترتبة علها مستحقة في ذمة الجهة الإدارية ذاتها، إلا أن الحال ليس كذلك إن كانت الآثار المالية المتولدة عن القرار والفروق المستحقة طبقاً لها مما يلتزم به أحاد الناس كما هو الحال في شأن قرارات التسعير وتحديد هامش الربح حيث يستحق عنها من المشتري وهو شخص غير محدد بذاته ولا يمكن معرفته بعد انكشاف السعر الحقيقي للسلعة وبالتالي يتعذر الرجوع عليه بفرق السعر، بل وتمتنع مطالبته طبقاً للقواعد العامة في القانون المدني كما أن الرجوع على الجهة الإدارية بالتعويض لن يتم إلا بعد خراب المشروع وتوقف المنشأة عن الإنتاج، فضلاً عن أنه لا يجوز أن يدخل في الحسبان عند بحث توافر ركن الاستعجال إمكانية الرجوع بالتعويض عن آثار القرار الإداري غير المشروع على الجهة الإدارية، فطلب التعويض لا يغني عن رقابة المشروعية بشقيها الموضوعي والمستعجل فانتظار وقوع الضرر غير المتدارك من تنفيذ القرار غير المشروع بمقولة أن مكنة اقتضاء التعويض تنفي ركن الاستعجال مما يمنع شطراً هاماً من سلطان القضاء ويخلط بين قضاء الإلغاء وقضاء التعويض.
ومن حيث إنه من المستقر في قضاء هذه المحكمة أن مناط الحكم بوقف القرار الإداري هو توافر ركنين أساسيين أولهما الجدية ومؤداه أن يبنى الطلب على أسباب يرجح معها بحسب الظاهر من الأوراق الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه والثاني ركن الاستعجال ومقتضاه أن يترتب على تنفيذ القرار آثار يتعذر تداركها فيما لو تراخى القضاء بإلغائه فإن تخلف أي منهما وجب القضاء، برفض الطلب.
ومن حيث إنه عن الركن الأول فإن الثابت من استعراض التطور التشريعي لإخضاع الأدوية للتسعير الجبري يبين أن المشرع قد تدخل بمقتضى المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 في شأن التسعير الجبري الذي نصت المادة الأولى منه على أن "يكون في كل محافظة وفي كل عاصمة مديرية لجنة برئاسة المحافظ أو المدير أو من يقوم مقامه تسمى" لجنة التسعير "وتؤلف هذه اللجان بقرار من وزير التجارة والصناعة بالاتفاق مع وزير الداخلية" كما تنص المادة الثانية من ذات القانون على أن "تقوم اللجنة بتعيين أقصى الأسعار للأصناف الغذائية والمواد المبينة بالجدول الملحق بالمرسوم بقانون...... ويعلن المحافظ أو المدير جدول الأسعار التي تعينها اللجنة في مساء يوم الجمعة من كل أسبوع........" ونصت المادة الرابعة منه على أنه "يجوز لوزير التجارة والصناعة أن يعين بقرار منه الحد الأقصى 1- للربح الذي يرخص به لأصحاب المصانع والمستوردين وتجار الجملة ونصف الجملة والتجزئة وذلك بالنسبة إلى أية سلعة تصنع محلياً أو تستورد من الخارج إذا رأى أنها تباع بأرباح تجاوز الحد المألوف..." وقد تضمن الجدول الملحق بالمرسوم بقانون المشار إليه "الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية".
وتنفيذاً لهذا المرسوم صدر قرار من وزير التموين والتجارة الداخلية بتشكيل لجان التسعير بالمحافظات ونص في مادته الأولى على أنه يفوض السادة المحافظون كل في دائرة اختصاصه في تشكيل لجنة التسعير المحلية وفقاً للأسس الآتية أولاً: محافظة القاهرة (1) المحافظ أو من ينيبه رئيساً. (2) رئيس قطاع التموين والتجارة الداخلية أو من ينيبه........ أعضاء ثم صدر القرار الجمهوري بقانون رقم 113 لسنة 1962 بإعادة تنظيم استيراد وتصنيع وتجارة الأدوية والمستلزمات الكيماوية والطبية
ونصت المادة الأولى منه على أنه "استثناء من أحكام المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبري وتحديد الأرباح والقوانين المعدلة له - يكون تسعير الأدوية والمستلزمات والكيماويات الطبية أو تحديد نسبة الربح فيها سواء أكانت محلية أو مستوردة بمعرفة لجنة تشكل بقرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزيري الصناعة والتموين وتصدر قرارات اللجنة من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير الصناعة وكل من يبيع أي سلعة من السلع المذكورة بالفقرة السابقة أو بعرضها للبيع بسعر أو بربح يزيد عن السعر أو الربح المقرر أو يمتنع عن البيع.... يعاقب بالعقوبات الواردة في القانون سالف الذكر..." وبتاريخ 22/ 12/ 1983 نشر قرار رئيس الجمهورية رقم 528 لسنة 1983 بإنشاء هيئة القطاع العام للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية ونصت المادة الثالثة منه على أنه "مع مراعاة أحكام القانون رقم 113 لسنة 1962 المشار إليه تتولى الهيئة إعداد الدراسات اللازمة للمنتج بالنسبة لكل صنف من أصناف الأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية في ضوء حساب تكلفة كل منها مع مراعاة مستوى السعر المناسب للمستهلك وتقدم هذه الدراسات إلى لجنة التسعير المختصة طبقاً للقانون رقم 113 لسنة 1962.
ومن حيث إنه يبين من الاستعراض التشريعي المتقدم أن أصناف الأدوية والمستلزمات الكيماوية والطبية قد خرجت عن مجال التنظيم المقرر بمقتضى المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 لتخضع لنظام قانوني خاص أورده القرار الجمهوري بقانون رقم 113 لسنة 1962 بإعادة تنظيم الاستيراد وتصنيع وتجارة الأدوية الذي جعل مهمة تسعير هذه السلعة الجبرية من اختصاص لجنة تشكل لهذا الغرض بقرار من وزير الصحة بالاتفاق مع وزيري الصناعة والتموين، وقد تم بالفعل تشكيل هذه اللجنة بقرار وزير الصحة رقم (288) لسنة 1985 من نخبة من الخبراء والاقتصاديون ورؤساء شركات الأدوية برئاسة رئيس هيئة القطاع العام للأدوية والكيماويات وخولت هذه اللجنة سلطة كاملة في تحديد أسعار الأدوية من الناحية الفنية والاقتصادية استناداً إلى أن هذه اللجنة تقوم بتحديد سعر الدواء على أسس علمية واقتصادية للتكلفة الفعلية للسلعة من واقع الدراسات التي تعدها لها الهيئة لحالة السوق وأسعار العناصر المصنعة والمخلقة وتحديد هامش الربح في ضوء تكلفة التصنيع وقدرة مشروعات صناعة الدواء على البقاء والاستمرار فوصولاً إلى تحديد السعر العادل للسلعة الدوائية التي تقوم على فكرة الموازنة بين الجدوى الاقتصادية للمشروع وقدرة المستهلك على شرائه تجعل من قرار اللجنة القول الفصل في تحديد أسعار الدواء وأنه امتنع عليها إصدار قرارها إلا بعد أن يتدخل وزير الصحة بالاتفاق مع وزير الصناعة الذي يتحمل أمام مجلس الشعب مسئولياته السياسية طبقاً لأحكام الدستور والقانون عما تصدره اللجنة من قرارات ويتبدى ذلك من صياغة المادة الأولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 113 لسنة 1963 التي نصت صراحة على أن "تصدر قرارات اللجنة من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير الصناعة" ومن ثم فإن قرارات اللجنة هي الركيزة الأساسية في تحديد سعر السلعة الدوائية بغير مبادرة من سلطة أخرى في ذات الوقت الذي خول وزير الصحة بالاتفاق مع وزير الصناعة باعتبارهما الوزيرين ذوي الشأن المسئولين عن تصنيع وتوفير الدواء سياسياً سلطة إصدار قرار اللجنة أو الامتناع عن إصداره دون أن يكون لهما سلطة إجراء تعديل في السعر الذي تقترح اللجنة تحديده للدواء أو الخفض وإلا كان في ذلك تجاوزاً لسلطته في إصدار القرار بالمخالفة للقانون يتعارض مع الحكمة التي استهدفها الشارع من إقامة التوازن الدقيق بين السلطة المخولة للجنة الفنية التي أناط بها المشرع المبادرة وجعلها صائغه القرار وبين السلطة السياسية صاحبة الحق والتي تتحمل المسئولية السياسية عن إصداره.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن لجنة الاستيراد والتسعير المعقودة يوم الأحد 28/ 12/ 1986 والمشكلة بقرار وزير الصحة رقم 288 لسنة 1985، وقد اجتمعت لمناقشة قرار التسعير للمستحضرات المنتجة عن طريق القطاع الخاص بناء على المذكرة المحولة لها من وزير الصحة بشأن نظم مستوردي أدوية القطاع الخاص فانتهت اللجنة إلى تحديد أسعار المستحضرات محل المنازعة والخاصة بالشركة الطاعنة إلا أن وزير الصحة قد تناول بالخفض أسعار عدد من هذه المستحضرات على النحو الوارد بالنشرتين رقمي 957، 958، دون أن يرجع إلى اللجنة لتستأنف النظر فيما أصدرت من أسعار، وإنما أخطرته محافظة القاهرة التي أبلغته إلى الشركة الطاعنة بمقتضى قرار من مديرية التموين والتجارة الداخلية ظناً منه أن أسعار الدواء لا تزال خاضعة في طريقة إعلانها للمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الذي يجعل من المحافظ ومن يخوله سلطة إعلان الأسعار التي تحددها اللجنة المختصة بالتسعير وكل أولئك يجعل قرار مدير مديرية التموين - فضلاً عما اعتوره من عيب عدم الاختصاص - موصوماً بعيب مخالفة القانون لتجاوز وزير الصحة لاختصاصه الوارد بالقانون بإفتئاته على سلطة اللجنة المشكلة لتحديد أسعار الدواء على نحو يجعل منها مجرد لجنة تحضيرية خاضعة خضوعاً كاملاً لإرادة الوزير بحيث تنحصر مهمتها فقط في إعداد الدراسات والاقتراحات التي تعين الوزير على تحديد أسعار السلعة الدوائية دون أن يتقيد بما تقرره على أي وجه وذلك كله على خلاف صريح أحكام القانون المذكور وفقاً لظاهر نصوصه سالفة البيان وعلى نحو يتعارض مع الحكمة التي تغياها الشارع من تشكيل هذه اللجنة على الوجه الذي يجعل منها جهة فنية تتولى التحديد الموضوعي لسعر الدواء على أسس فنية ومالية واقتصادية وجعلها الجهة المنوط بها تحديد أسعار الدواء بحيث لا يكون لوزير الصحة بعدها بالاتفاق مع وزير الصناعة سوى إصدار قرارها أو الامتناع عن إصداره.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن نعي الشركة الطاعنة على القرار المطعون فيه يقوم - بحسب الظاهر من الأوراق ودون الخوض في الموضوع - على أسباب جبرية ترجح إلغاءه ولم كان هذا الخفض في الأسعار التي حددتها اللجنة بمقتضى القرار المطعون فيه يرتب في نظر الشركة الطاعنة أضراراً يتعذر تداركها إذ سوف يؤدي في اعتقادها - إلى توقفها عن إنتاج بعض المنتجات الدوائية التي يؤدي خفضها إلى إهدار إنتاجها نهائياً أو امتناعها عن البيع مع تعرضها للعقوبات الجنائية التي يقررها القانون فضلاً عن الخسائر الجسيمة التي قد تتعرض لها ومن ثم فإن طلبت الشركة وقف تنفيذ القرار المطعون فيه يكون قد أقام على سببه المسوغ له مستوفياً لأركانه وإذ انتهج الحكم الطعين غير هذا النهج فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وجانبه الفهم السليم للوقائع إذ كان يتعين عليه أن يضع في الاعتبار التفرقة بين طبيعة القرار المطعون فيه وطبيعة الضرر الناتج عنه فرغم أنه سوف يتمحض القرار الطعين أن يكون خفضاً في بعض الأسعار، على نحو يرتب فروقاً مالية بين السعر المحدد بقرار اللجنة وبين السعر الذي حدده المنتج فإن الآثار الناجمة عن هذا القرار لا بد أن تتجاوز هذه الفروق المالية ذلك أن خفض الأسعار المحددة سلفاً على خلاف أية أسس علمية واقتصادية وبطريقة غير مبررة بقدر يهدر أرباح المنتج وتجاوز هذه الحدود إلى اختراق حاجز التكلفة الفعلية للسلعة الدوائية مما يهدده بخسارة فادحة ويجبره على التوقف عن الإنتاج ويعرضه لخسارة تدفعه إلى الامتناع عن بيع المخزون من المنتج فضلاً عن التعرض للعقوبات الجنائية المقررة للامتناع عن البيع وما قد يصاحب ذلك من إجراء ضروري يتمثل في استغناء المنتج عن كل أو بعض الأيدي العاملة لديه وتشريدهم أو بيع المنتج بالسعر المحدد مع الخسارة المدمرة للمشروع مما يقتضي خروج المشروع من حلقة الصناعة الدوائية المصرية لعدم قدرة أصحابه على الوفاء بالتزاماته في ظل الأسعار غير المناسبة مع حرمان الاقتصاد القومي من روافده، وكلها آثار يتعذر تداركها فيما لو ظل القرار المطعون فيه نافذاً حتى تاريخ حسم النزاع بالإلغاء القضائي للقرار المطعون فيه، وإذ قضى الحكم الطعين برفض طلب وقف التنفيذ استناداً إلى عدم توافر الاستعجال لانحصار آثار القرار في مجرد الفروق المالية بين السعرين فإنه يكون قد أخطأ فهم الوقائع وسلامة تكييفها القانوني، وأضحى حقيقاً بالإلغاء مع إجابة الشركة الطاعنة إلى طلبها في وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إنه لا يفوت المحكمة التنويه بأن الحكم بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والمتضمن تعديل النشرتين 957، 958 المبلغين إلى الشركة الطاعنة عن طريق مدير مديرية التموين بحسبانه مفوضاً عن محافظ القاهرة لن يؤدي بذاته إلى اعتبار الأسعار التي أقرتها تلك اللجنة المختصة أسعاراً نهائية واجبة النفاذ، بل يقتصر أثر ذلك على إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل صدور القرار بتعديل النشرتين المشار إليهما ويتعين من ثم أن تتولى اللجنة المختصة دراسة ما ارتأى وزير الصحة مع وزير الصناعة من تعديلات على ما قررته من سيصدر تقرير ما يراه بشأن ذلك ليتولى البحث في الأمر وزير الصحة وبالاتفاق مع وزير الصناعة ليصدر بما تنتهي إليه اللجنة قرار جديد من وزير الصحة بالاتفاق مع وزير الصناعة طبقاً للقانون.
ومن حيث إن المطعون ضدهم قد خسروا الدعوى فمن ثم يتعين وفقاً لما ارتأته المحكمة إلزام وزير الصحة بصفته بالمصروفات عملاً بنص المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه المتضمن تعديل النشرتين رقمي 957، 958 على الوجه المبين بالأسباب وألزمت وزير الصحة بصفته بالمصروفات.