مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السابعة والثلاثون - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1991 إلى آخر فبراير سنة 1992) - صـ 186

(11)
جلسة 17 من نوفمبر سنة 1991

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ إسماعيل عبد الحميد إبراهيم وعادل فرغلي وأحمد شمس الدين خفاجي وفريد نزيه تناغو - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1252 لسنة 32 القضائية

إدارة محلية - مشروع موقف سيارات الأقاليم (استيلاء) (قرار إداري) (نزع ملكية) القانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة أو التحسين - العقارات غير المملوكة للأشخاص العامة ومنها العقارات المملوكة للأفراد لا يكون تخصيصها لغرض ذي نفع عام إلا بإتباع إجراءات نقل الملكية رضاء من المالكين أو جبراً بنزع الملكية طبقاً للإجراءات المقررة في هذا الشأن - صدور قرار من المحافظ بالاستيلاء على قطعة أرض مملوكة للأفراد وتخصيصها لمشروع موقف سيارات الأقاليم دون إتباع تلك الإجراءات ينطوي على مخالفة لأحكام الدستور فيما تضمنه من حماية الملكية الخاصة - أثر ذلك: اعتبار القرار منعدماً فلا تلحقه أية حصانة ويكون الطعن عليه بالإلغاء غير مقيد بميعاد - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الإثنين الموافق العاشر من مارس سنة 1986 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن الطاعنين - قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريراً بالطعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بالمنصورة بجلسة التاسع من يناير 1986 في الدعوى رقم 233 لسنة 4 قضائية الذي قضى (أولاً) بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار.
(ثانياً) بإلزام محافظة الدقهلية بأن تدفع للمدعين تعويضاً قدره خمسة وعشرون ألفاً من الجنيهات مع إلزام جهة الإدارة المصروفات.
وطلب الطاعنون - للأسباب الموضحة بتقرير الطعن - أن تأمر دائرة فحص الطعون بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه بصفة مستعجلة، ثم إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي بقبوله شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام المطعون ضدهم المصروفات والأتعاب عن الدرجتين.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهم على الوجه المبين بالأوراق.
وقدم السيد الأستاذ المستشار/ عادل الشربيني تقرير هيئة مفوض الدولة في الطعن، ارتأى فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه بشقيه العاجل والموضوعي مع إلزام جهة الإدارة المصروفات، للأسباب المبينة في التقرير.
وقد عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة جلسة 19 من ديسمبر سنة 1988 وتداولت نظره بالجلسات على النحو المبين بمحاضرها، وبجلسة أول يوليو 1991 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة التي نظرته بجلسة 20 من يوليو سنة 1991 وبجلسة 12 من أكتوبر سنة 1991 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم الأحد الموافق 15 من نوفمبر سنة 1991 حيث صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة، والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية ومن ثم فهو مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه في التاسع من أكتوبر سنة 1977 أقام المطعون ضدهم الدعوى أمام محكمة المنصورة الابتدائية يطلبون الحكم بإلغاء القرار رقم 289 الصادر بتاريخ 24/ 5/ 1970 من محافظة الدقهلية بتخصيص الأرض المملوكة لهم كموقف لسيارات الأقاليم وما يترتب على ذلك من آثار وإزالة ما استحدثته المحافظة من بنيان عليها، مع إلزام الجهة الإدارية بأن تدفع لهم تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة للقرار المطعون فيه، وذلك على سند من القول بأنهم يمتلكون قطع أراض متجاورة بموجب عقود مسجلة تقع على شارع الجامعة، غير أن الحراسة العامة استولت عليها بطريق الخطأ على زعم أنها تدخل في ملكية الخاضع (إدوار سليم شديد) الذي خضع للحراسة بموجب الأمر رقم 118 لسنة 1991، فتظلموا إلى اللجان المختصة لاستبعاد أراضيهم من الاستيلاء، فاستجابت الحراسة العامة لهم وسلمتهم تلك الأرض بموجب محاضر تسليم رسمية على الطبيعة، إلا أن محافظة الدقهلية اغتصبت هذه الأرض بسوء نية بزعم تبعيتها للحراسة العامة وأقامت عليها مظلات ومبان لموقف سيارات الأقاليم فتظلموا مرة أخرى إلى الحراسة العامة التي وجهت خطاباً صريحاً للمحافظة تقر فيه بملكيتهم للأرض المشار إليها إلا أن المحافظة لم تستجب.
وبجلسة 28 من فبراير سنة 1978 حكمت محكمة المنصورة الابتدائية - وقبل الفصل في الموضوع - بندب مكتب خبراء وزارة العدل، ليندب بدوره أحد خبرائه المختصين وحددت له المأمورية المنوط به القيام بها.
وفي 20 يناير سنة 1979 أودع الخبير المنتدب تقريره في الدعوى، وانتهى فيه إلى أن (1) أرض النزاع مكونة من ست مساحات وتكون مساحة واحدة على الطبيعة تبلغ جميعاً 2055.17م2 كالثابت من مستندات الملكية المقدمة من المدعين، وهي كائنة ضمن كردون مدينة المنصورة. (2) بتطبيق مستندات الملكية المقدمة من المدعين على الطبيعة تبين أنها تنطبق على المساحة التي تمت معاينتها وأن محافظة الدقهلية تضع اليد عليها منذ عام 1970 حيث أقيم عليها موقف لسيارات الأقاليم طبقاً لقرار محافظ الدقهلية رقم 89 بتاريخ 24/ 5/ 1970.
وقد رفعت جهة الإدارة دعوى المدعين أمام محكمة المنصورة الابتدائية بأن القرار المطعون فيه حدد بتخصيص المساحة المشار إليها للمنفعة العامة لتكون موقفاً لسيارات الأقاليم، وقد استندت الجهة الإدارية في إصدارها هذه القرار إلى أن هذه الأرض مملوكة للدولة بموجب قوانين الحراسات، وأصبحت بذلك من الأموال العامة للدولة بتخصيصها بالفعل لهذا المشروع العام طبقاً لحكم المادة 87 من القانون المدني.
وبجلسة أخر سنة 1980 أصدرت محكمة المنصورة الابتدائية حكمها برفض الدعوى، وألزمت المدعين المصروفات وأتعاب المحاماة غير أنه لدى استئناف هذا الحكم قضت محكمة استئناف المنصورة بجلسة الخامس من ديسمبر سنة 1981 بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى وأمرت بإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإداري بالمنصورة حيث قضى في التاسع من يناير سنة 1986 (أولاً) بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار. (ثانياً) بإلزام محافظة الدقهلية بأن تدفع للمدعين تعويضاً مقداره خمسة وعشرون ألفاً من الجنيهات مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات. وأقامت المحكمة قضاءها على أن المحكمة الدستورية العليا قد قضت بجلسة 16/ 5/ 1981 في القضية رقم 5 لسنة (1) قضائية دستورية بعدم دستورية المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 فيما نص عليه من أيلولة أموال وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرضت عليهم الحراسة طبقاً لأحكام قانون الطوارئ إلى ملكية الدولة؛ وعليه فإن ما ترتكن إليه جهة الإدارة في إصدارها القرار المطعون فيه الذي قضى بتخصيص المساحة محل النزاع للمنفعة العامة لإقامة موقف لسيارات الأقاليم إلى أن هذه المساحة من أملاك الدولة الخاصة طبقاً لحكم المادة الثانية من القرار بقانون المشار إليه لا يكون قائماً على سند سليم من الدستور أو القانون؛ وتكون جهة الإدارة بذلك قد خصصت الأموال المملوكة للأفراد للمنفعة العامة قبل أن تكتسب ملكيتها بالمخالفة لحكم المادة 87 من القانون المدني، إذ أنها لم تتبع في شأنها الإجراءات التي نصت عليها القوانين المنظمة لنزع الملكية والتي يترتب على عدم مراعاتها اعتبار الإجراء الصادر بشأنها كالقرار المطعون فيه غصباً لا يعتد به؛ ولا ينقل الملكية إلى الدولة مما يجعله ينحدر إلى حد الانعدام؛ فلا ترتب أثراً قبل المدعين؛ وبالتالي فلا يتقيد الطعن فيه بالإلغاء بميعاد دعوى الإلغاء وعليه فإنه يتعين الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه لانعدامه وما يترتب على ذلك من آثار.
وأضاف الحكم المطعون فيه أنه في شأن التعويض المطالب به، فإنه طالما توافر مما سبق ركن الخطأ في جانب جهة الإدارة، وطالما قد أصاب المدعين ضرر من جراء حرمانهم من أرضهم ومن استغلالهم إياها، وطالما قد قامت علاقة السببية بين الخطأ والضرر فقد وجب القضاء بالتعويض.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ إذ أغفل أن قرار محافظ الدقهلية رقم 289 لسنة 1970 بتخصيص أرض النزاع للمنفعة العامة قد صدر عام 1970 وقت أن كانت الأرض مملوكة للدولة بموجب قوانين الحراسات، وأقيم عليها مرفق عام في ظل قانون نافذ، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه قد صدر سليماً وبالتالي يخضع الطعن فيه لميعاد رفع الدعوى، ولما كان المدعون قد أقاموا دعواهم بعد أكثر من سبع سنوات من تاريخ صدور القرار المطعون فيه، فإن دعواهم تكون غير مقبولة شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وبذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى بقبولها شكلاً قد خالف القانون، كذلك خالف الحكم القانون إذ أغفل أن المدعين قد سلموا بتخصيص أرض النزاع للمنفعة العامة بدليل مطالبتهم بالتعويض عن هذه الأرض. وأخيراً فقد أخطأ الحكم في تقدير قيمة التعويض لما انطوى عليه التقدير من مبالغة بحيث وصل التعويض عن حرمان المدعين من الانتفاع بأرض النزاع إلى ما يقرب من ثمنها، ولذلك انتهت جهة الإدارة إلى طلب الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه بجميع أشطاره وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث إنه الثابت من الاطلاع على أوراق الموضوع أن الأرض التي صدر قرار محافظ الدقهلية رقم 289 لسنة 1970 بتخصيصها كموقف لسيارات الأقاليم، مملوكة للمطعون ضدهم بموجب عقود مسجلة حسبما انتهى إلى ذلك تقرير الخبير الذي انتدبته محكمة المنصورة الابتدائية في الدعوى التي أقيمت بداءة أمامها، وحسبما يبين من الاطلاع على صور العقود المرفقة، كذلك يبين من الأوراق أن الأرض المشار إليها لم تكن أبداً ضمن أملاك الخاضع إدوار سليم شديد الذي خضع للحراسة بالأمر رقم 118 لسنة 1961 وإن دخلت على سبيل الخطأ المحض ضمن ما استولت عليه الحراسة العامة من أملاك المذكور، وقد تداركت الحراسة العامة هذا الخطأ بموجب محضر رفع المتحفظ المودع حافظة بعض المطعون ضدهم والمؤرخ في 26 من نوفمبر سنة 1972 والذي يبين منه أن المستشار رئيس جهاز تصفية الحراسات قد وافق على رفع التحفظ عن تلك الأرض وتسليمها لأصحابها، وقد جاء بهذا المحضر أنه تبين أن مجلس مدينة المنصورة قد وضع يده على الأرض، وعليه فإن مندوب جهاز تصفية الحراسات عند قيامه برفع التحفظ على الأرض يعلن المتسلمين بأن كل حقوق جهاز تصفية الحراسات قبل مجلس مدينة المنصورة المترتبة على قيامه بإنشاء موقف للسيارات على الأرض تنتقل إلى أصحابها وهم وشأنهم مع مجلس مدينة المنصورة في اقتضاء الحقوق المترتبة في ذمة المجلس نتيجة شغله هذه الأرض بإنشاء موقف سيارات عليها. وقد أكد جهاز تصفية الحراسات هذا الإيضاح للإقرار بالاستيلاء الخاطئ على الأرض محل القرار موضوع النزاع بأن أرسل مدير إدارة التحصيل والحجز بجهاز تصفية الحراسات كتابه المؤرخ في الرابع من ديسمبر سنة 1972 إلى سكرتير عام محافظة الدقهلية يخطره فيه بأنه بناء على فتوى المستشار القانوني للجهاز والتي تضمنت ثبوت ملكية السادة علي ومحمد وفريد علي الحفناوي للمسطح البالغ 294.81م2 المملوك لهم بموجب العقد المسجل رقم 3816 لسنة 1948 المنصورة - وعليه يتم التحفظ عنه وتسليمه لهم - عليه فإن جهاز تصفية الحراسات يخطر المحافظة بأن كافة حقوقه قبلها المترتبة على قيام مجلس مدينة المنصورة بالاستيلاء على الأرض وإنشاء موقف للسيارات عليها قد انتقلت للملاك المذكورين.
ومن حيث إن مؤدى ذلك أن الأرض الصادر بشأنها القرار محل النزاع لم تدخل إطلاقاً بصورة قانونية ضمن الأرض المستولى عليها من جانب الحراسة العامة ومن ثم فلم تكن في يوم من الأيام مملوكة لأحد الخاضعين للحراسة بحيث تكون محلاً للخضوع لنص المادة الثانية من القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 والتي نصت على أيلولة أمواله وممتلكات الأشخاص الطبيعيين الذين فرض عليهم الحراسة طبقاً لأحكام قانون الطوارئ إلى ملكية الدولة، الأمر الذي يجعل البحث في مدى دستورية، هذا النص بمنأى عن موضوع المنازعة. وهو كذلك الأمر الذي يجعل ادعاء جهة الإدارة بأن القرار محل النزاع قد صدر خلال فترة كانت الأرض محل القرار مملوكة أثناءها للدولة ادعاء لا سند له لأن هذه الأرض لم تخضع أصلاً للحراسة لأنها لم تكن مملوكة لأي ممن فرضت عليهم الحراسة.
ومن حيث إن مقتضى ذلك أن قرار المحافظ بتخصيص الأرض المذكورة لتكون موقف للسيارات قد ورد على أرض مملوكة للمطعون ضدهم دون أن يكون ثمة حق لجهة الإدارة عليها.
ومن حيث إنه وفقاً لما تقضي به أحكام الدستور والقانون رقم 577 لسنة 1954 بشأن نزع الملكية للمنفعة العامة فإنه يتعين - التمييز بين الملكية التي للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة وبين الملكية الخاصة التي للأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة حيث ينص الدستور بصفة قاطعة على أن للملكية الخاصة حرية وهي مصونة لا تمس إلا في الحدود التي أباحها الدستور ونظمها القانون وقد حظر الدستور المصادرة العامة على الإطلاق ولم يبح المصادرة الخاصة لبعض ما يملكه الأفراد إلا بحكم قضائي طبقاً للقانون ولم يجز المشرع الدستوري تأميم الملكية الخاصة للصالح القومي إلا بقانون ومقابل تعويض عادل المواد (34) (35) (36) من الدستور.
ومن حيث إن مؤدى ذلك أن قرار المحافظ محل النزاع قد ورد على محل يتأتى دستورياً قانوناً أن يكون موضوعاً لقرار تخصيص للمنفعة العامة لأن التخصيص للنفع العام إنما يكون في شأن مال مملوك لشخص عام ولا يكون أبداً في شأن ما هو مملوك ملكية خاصة للأفراد. أساس ذلك أن اكتساب المال الخاص صفة العمومية بتخصيصه للمنفعة العامة إنما تتأتى طبقاً لأحكام الدستور والقانون أما إذا ما كان المال الخاص مملوكاً للدولة أو لشخص عام. ففي هذه الحالة يكفي لإكسابه صفة العمومية أن يصدر بذلك قانون أو قرار جمهوري أو قرار وزاري أو متى أن يتم التخصيص للنفع العام بالفعل. أما إذا كان المال غير مملوك لشخص عام وكان من أملاك الأفراد الخاصة فلا سبيل لتخصيصه لغرض ذي نفع عام إلا بإتباع إجراءات نقل ملكية رضاء من ملاكه أو نزع ملكيته جبراً عنهم طبقاً لأحكام قانون نزع الملكية حتى ينتقل إلى ملك الدولة وعندئذ يكون جائزاً تخصيصه على الوجه الذي تبتغيه للمنفعة العامة.
ومن حيث إنه لم تتبع إجراءات نزع ملكية الأرض اللازمة لهذا المشروع طبقاً لأحكام القانون رقم 557 لسنة 1954 بشأن نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة ولم يصدر قرار جمهوري بتقرير صفة النفع العام لمشروع موقف سيارات الأقاليم بالمنصورة فإن قرار الاستيلاء والتخصيص الصادر من المحافظ يكون مجرداً من أي سند قانوني ومن ثم لا يعدو أن يكون من قبيل الغصب الذي لا يمكن في ظل الشرعية وسيادة القانون أن يقوم سنداً قانونياً للغاصب. ومن حيث إن القرار المنطوي على هذا الغصب لا يعد مخالفاً للقانون فحسب، ولكنه يصدر منطوياً على مخالفة وإهدار لأحكام الدستور لأنه يتضمن اعتداء على (المقومات الأساسية للمجتمع) التي نظمها الدستور في الباب الثامن حيث نص في المادة (34) ضمن هذا الباب على أن "الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي، ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض وفقاً للقانون كذلك نص الدستور في المادة (35) على أنه "لا يجوز التأميم إلا لاعتبارات الصالح العام وبقانون ومقابل تعويض" ونص في المادة (36) على أن "المصادرة العامة للأموال محظورة، ولا تجوز المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي".
ومن حيث إن مقتضى هذه النصوص أن المشرع الدستوري قد جعل من المقومات الأساسية للمجتمع صيانة الملكية الخاصة وعدم التعرض لها إلا في أضيق الحدود في سبيل تحقيق نفع عام في إطار الضوابط التي يسطرها نص التشريع، ومؤدى ذلك أن اغتصاب الملكية الخاصة دون سند من القانون فيه اجتراء بين على أحكام الدستور ومن ثم يصبح القرار المنطوي عليه بهذه المخالفة الجسيمة معدوم الأثر وغير قابل للتحصين أو التصحيح والاستقرار مهما طال الوقت أو مضى الزمان على صدوره ذلك أن إعلاء الشرعية والسيادة للقانون كأساس للحكم في الدولة تعلو كل دواعي المصلحة العامة الأقل أهمية التي اقتضت من القضاء الإداري أن يقرر مبدأ أنه إذا صدر قرار إداري فردي معيب قانوناً من شأنه أن يولد حقاً سواء لجهة الإدارة أو للأفراد - فإن هذا القرار يتحصن ويستقر عقب انقضاء فترة ستين يوماً على نشره أو العلم به قياساً على مدة الطعن القضائي بحيث يسري عليه ما يسري على القرار الصحيح الذي يصدر في الموضوع ذاته، بحيث إذا انقضت هذه الفترة اكتسب القرار حصانة تعصمه من أي إلغاء أو تعديل ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حقاً مكتسباً فيما تضمنه القرار، وكل إخلال بهذا الحق بقرار إداري لاحق يعد أمراً مخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله، إنما لا تسري هذه الحصانة في حالة ما إذا كان القرار المعيب معدوماً، أي لحقت به مخالفة جسيمة للدستور أو للقانون تجرده من صفته كتصرف قانوني لتنزل به إلى حد غصب السلطة وبصفة خاصة إذا كان هذا الغصب يتعلق باغتصاب السلطة التنفيذية لاختصاص السلطة التشريعية أو السلطة المؤسسة التي تضع الدستور حيث لا تملك جهة الإدارة إحداث الآثار القانونية محل قرارها المعدوم لا بقانون أو بتعديل في الدستور وفي هذه الحالات ينحدر القرار إلى مجرد الفعل المادي المنعدم الأثر قانوناً ولا تلحقه أية حصانة ومن ثم يجوز الطعن عليه بالإلغاء دون تقيد بأية مواعيد.
ومن حيث إن القرار محل الطعن الماثل قد صدر معيباً بعيب جسيم لانطوائه على تعد على نصوص الدستور المتعلقة بحصانة الملكية الخاصة وهي من المقومات الأساسية للمجتمع، فإنه يكون قد صدر معدوم الأثر على نحو يجعل الطعن عليه جائزاً دون تقيد بمواعيد معينة الأمر الذي يجعل النعي على الحكم المشار إليه بأنه أخطأ إذ قضى بقبول الدعوى شكلاً نعياً في غير محله.
ومن حيث إنه إذا كان الحكم المطعون عليه قد ذهب إلى انعدام القرار المطعون فيه، وكذلك يمثل ركن الخطأ في مسئولية جهة الإدارة، وكان هذا الخطأ قد رتب الضرر المتمثل في حرمان المطعون ضدهم من الانتفاع بالأرض ملكهم منذ تاريخ صدور هذا القرار في 24/ 5/ 1975 فإن الأمر يقتضي القضاء لهم بالتعويض الشامل عما فاتهم من كسب وما لحقهم من خسارة.
ومن حيث إن المادة (170) من القانون المدني تنص على أن "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المضرور طبقاً لأحكام المادتين 221، 222 مراعياً في ذلك الظروف الملابسة..".
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد قدر التعويض المستحق للمطعون ضدهم بمبلغ 25000 جنيه عن الأضرار التي لحقت بهم منذ تاريخ الاستيلاء على أرضهم البالغ مساحتها 2055.17 متراً مربعاً حتى تاريخ صدور الحكم المطعون فيه في 9/ 1/ 1986 أي طيلة ما يزيد على خمسة عشر عاماً أي بما يقل عن ألفي جنيه في العام، فإن هذا التقرير لا يكون قد انطوى على شطط كما ذهب إلى ذلك الطاعنان.
ومن حيث إن مقتضى ما تقدم عدم قيام الطعن على سند سليم من الواقع أو القانون وبالتالي فلا يكون ثمة مطعن مقيد به قانوناً على الحكم المطعون عليه سواء من ناحية الإلغاء أو من ناحية التعويض الأمر الذي يتعين معه رفض الطعن.
ومن حيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعنين بالمصروفات.